• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : قراءة في كتاب .
                    • الموضوع : قراءة في رواية ( موت الاب ) الكاتب أحمد خلف .
                          • الكاتب : جمعة عبد الله .

قراءة في رواية ( موت الاب ) الكاتب أحمد خلف

المبدع الروائي الكبير مكانة مرموقة في الابداع الروائي العراقي الحديث . ان يملك براعة صياغة النص ومنصات وتقنيات متنوعة في طرحه وتكوينه . ان يصوغها في جمالية المنهجية في اسلوبية المتعددة الجوانب والاشكال داخل الفضاء الروائي , يمتلك رؤى ورؤية فكرية ناضجة وثاقبة من أشياء الواقع وتجلياتها , ان تكون المضمون التعبيري العميق والبليغ , في مهارة التناول والتنوع في الاشكال التعبيرية التي هي من صلب الواقع اجتماعي , في اسلوبه الواقعي دن مسحات تجميلية مزيفة وانما على حقيقته المكشوفة , بأن المتن الروائي يخرج من مختبر التجريب والابتكار في اشكال الطرح . في براعه واعيه وناضجة , تملك مقوماتها من تداعيات الواقع الاجتماعي , والغوص في تفاصيله الدقيقة . اي ان العمل الروائي , يأتي من الجهد المثابر والحثيث في صبغة ابداعية , تحمل آثار وبصمات الروائي في الشكل والمضمون , الذي يتمدد في هذه الرواية على خريطة الواقع الاجتماعي , من خلال تناول حقبة اجتماعية معينة ومحددة في زمنيتها , في كشف مظاهرها ومفرداتها . التي تميزت بالقهر الاجتماعي والمعاناة , لواقع يرزح تحت السلطة الابوية المتسلطة على منافذ الحياة والعيش , في روحية الامتلاك والاستحواذ والانتهاك , في بروز هالة ( الانا ) الجشعة المضخمة باللامعقول , وتخرج من صوابيتها المنطقية , لكي تخلق آثار سلبية , التي تترك البثور والجروح والقروح على المكشوف . ان تضع الانسان داخل حلبة الملاكمة , يتلقى الضرابات المميتة , دون ان يستطيع ان يحمي ويدافع عن نفسه , سوى الوقوع متهلكاً في ازمته النفسية المتأزمة والمأزومة بالاحباطات , حتى يعلن انهزامه الكلي و يتجرع طعم الفاجعة والمحنة والمأساة . مثلما نجد في المتن الروائي لرواية ( موت الاب ) . التي جاءت ثمرة جهد ابداعي مكثف ومتواصل استغرق حوالي خمس سنوات ( اكتملت كتابتها في عام 1995 ) . لقد ابرزت معالم تلك الحقبة الاجتماعية بعينها وبجوانبها المتعددة , التي ترزح تحت وطئة , القبضة السلطة الابوية الشمولبة . وما صورة ( الاب ) في العائلة الصغيرة في الرواية , إلا صورة مصغرة من الصورة الكبيرة (للاب الكبير ) . وقد كشفت معالم التسلط بلوثة الامتلاك والاستحواذ والعسف , كأنه وحده يملك الحق والسيد المطلق , وحده يملك العالم , بلا منازع , الكل تحت أمرته وسطوته , ومنْ يجروء على المعارضة والمعاندة , فأنه يطرد ويجني على نفسه الويلات . مثل هذا الاب مالك الدار ( المكون من اربعة غرف , كل غرفة تسكنها عائلة ) يفرض سيطرته على سكنة الدار , وهم يحاولون ارضائه واستعطافه بالخشوع الى امره وتعليماته , رجالاً ونساءاً . ولكل يتجنبه بالحذر الشديد منه . هذه الخطوط الفكرية العامة للمتن السردي . تتوالى هذه الاحداث في ذاكرة الطفل في خزين ( فلاش باك ) , عاش محنتها ومأساتها , في التسلط الابوي , الارعن والماجن بالحماقات المتهورة المتتالية , بالتصرفات الخشنة في التعامل مع عائلته ومع سكنة الدار . وسلوب التعبير السردي , يختلط فيه الماضي والحاضر بصورة متشابكة , مثلما يقول . أرسنت همنغواي ( لا يمكن لاي كاتب الفرار من طفولته ) لذلك وضعنا الروائي , في صلب الواقع الاجتماعي في تلك الحقبة المعينة . في اسلوبه التعبيري الشفاف , بلغته الرشيقة والبسيطة في وضوحها السلس , لكنها عميقة المحتوى . وفي ابراز هذه السلوكية المتسلطة وفي جوانبها الخطيرة , في تصرفات الاب القاسية مع عائلته المكونة ( من اربعة افراد , الاب الام , الابن الصغير والكبير ) وهو مثال للشخصية الابوية في تصرفاتها الرعناء والطائشة والماجنة , في مجونها الخليع في الشبق الجنسي , بالسطو على نساء الدار , في استغلال غياب زوج ( سارة حفافة وجوه النساء ) وهو يعمل حارس ليلي , ليحل محله في الفرش الزوجية في اختلاسات الليل . ولكن عندما بدأت تراوده الشكوك المريبة تجاه أبنه ( اسماعيل ) بأنه ايضاً يزاحمه يزاحمه في الاستحواذ الماجن على ( سارة حفافة وجوه النساء ) , هدده وطرده نهائياً من البيت , لانه اعتبرها خيانة بالتطاول على املاكه ومشاركته بحصة منها , طرده ثم ضاعت اخبار ( أسماعيل ) , مما ترك جرح بليغ الى امه , التي تجرعت الحزن والبكاء على ضياع ابنها المنكود . ان سلوك الاب الارعن والماجن , جلب على عائلته فاجعة المحنة المأساوية , وان جبروته المتسلط والمتغطرس اخذ يتصاعد اكثر خطورة , حتى حلت المأساة للعائلة, في استمرارية حالة التصادم والقسوة والعسف , فطرد زوجته , أم اولاده , بعدما ان غاب عن البيت ثلاثة أيام , ليعود ومعه زوجة جديدة تصغره عشرين عاماً , ثم ارسل ورقة الطلاق الى زوجته الاولى . انه مثال الذئب الذي يحمي الدار . ولكنه بنفس الوقت يفترس سكنة الدار , يقوده هذا التسلط الاعمى والمغرور والماجن , الى الانحدار الى درك الجريمة . فقد ارتكب عملية قتل بالحقد الاعمى لشقيقه ( نوح ) المثقف الواعي والرصين في تصرفاته . وعملية القتل تمثل , انتصار الرعونة الوحشية المتغطرسة , على الثقافة والفكر الواعي والناضج . لكن هذه العقلية المتهورة , تقود نفسها الى الهلاك والموت والخراب , مهما بلغ جبروت سطوته الغاشمة . هذه الاشارات الملغزة بشفرتها بالايحاء والمغزى , وهي تشير الى نهاية الى أدانة السلطة الابوية . لذا فأن المتن السردي , يتناول هذه الخطوط بحذر وفطنة وتأني , بوعي مدرك العواقب المترتبة , لذلك يعرف اختيار الجمل والعبارات الملغزة بمهارة محترف ناضج . والرواية تتحدث عن ثلاثة شخصيات محورية في المتن الروائي ( التاجر . الصحفي . الرسام ) , يتفقون في جلساتهم وخلواتهم على تأليف رواية مشتركة بينهم , يكتبون فصولها . بما يحمل كلاً منهم سيرة حياتية تخصه . في عناوينها البارزة , في القهر والاحباط والانهزام . ولكن هذه الشخصيات الثلاثة , في حصيلتها النهائية , بأنها تشكل شخصية واحدة مركبة على فصول سيرتهم الحياتية , وتشترك في مشتركات واحدة . من التأزم المأزوم , في الاضطراب النفسي والقلق الحياتي الذي يجتاحهم , بالخوف من القاد م , والخشية من التفكك والاندثار . ومهما كان نتاجهم التأليفي كامل او ناقص . المهم تحقق رغباتهم المشتركة , في كتابة فصول حياتهم , ويقوم بمهمة كتابة الرواية من قبل الصحفي ( اذ ليس الاخرون إلا الكتابة التي لا مناص منها , حكاياتهم ومسراتهم واحزانهم موضوعات جاهزة للمؤلفين من امثالي , متسقطي اخبار الاخرين وافعالهم , أليس غريباً أن يكون ميلنا ( نحن المؤلفين ) الى تسجيل كل افعال الصراع المليئة بالاخطار , ومرتكبيها من جناة وبغاة متأملين سقطات هؤلاء وهفوات أولئك , ايكون الماضي باحداثه وما صارت اليه ايامه مآوى الجميع ؟ ) ص278 . مثلاً الناجي الوحيد من عائلة الاب المتسلط , كان يتجرع عذاب المحنة من موت أمه , فقدان شقيقه ( اسماعيل ) التي ضاعت اخبار مصيره . فهو الشاهد والسارد مع الاخرين مأساة حياته وحياتهم . فقد يصف ابيه الذي استخدام سلاح التسلط والقهر الاجتماعي , ان يصبح قاتل ومجرم . يقول عن ابيه في جلستهم ( - ان يقوم باي فعل , لا يتورع أبي عن ارتكابه , حتى بمزيد من الحماقات ) .

( - ألم تفتر عليه في بعض احاديثك ؟ )

( - هيهات . لقد عشت معه زمناً يليق بالحيوانات )

هذه الرعونة المتهورة وصلت الى مصيرها المحتم والمحتوم , وهو الموت .

×× بعض الاشارات الملغزة بالرمز التعبيري , التي تصوب سهامها بشكل غير مباشرة , الى الادانة السلطة الابوية الغاشمة , في شد الخناق على العائلة والمجتمع . في طبيعة جبروتها المتلسط بالعسف والقهر , هذه الاشارات الملغزة في تعابيرها , لا يغفل عنها القارئ الفطن والنبيه , في مراميها الموجهة الى رأس النظام نفسه , في اقحام البلاد في حروب عبثية اضافة الى التسلط الشمولي , لذلك اختار هذه الاشارات الملغزة بما يخص احرب , وهي ادانة صريحة لمشعلي الحروب ومروجيها ومرتكبيها , وهي تؤدي الى الموت والهلاك والدمار . لذا اشير اليها بالنص الحرفي في هذه المقتطفات الى هذا الجانب .

1 - ( الآن , ليس كواليس الحرب من الماضي وحده , الحرب غيرت الكثير من احلامنا .

( الحرب . الحرب يالتعاسة هذه الكلمة .

( الحرب . ليس بالضرورة تعني الموت وحده ) ص28 .

2 - ( لقد سمعت عن مفقودين وضائعين حكايات اغرب من الخيال , ووضعت يدي على نواح امهات فقدن ابناءهن واباء بكوا ضياع اولادهم , ولكن بدافع من سبب ملموس لهم , كانت الحرب احد اسباب الضياع وفقدان الاثر ) ص51 .

3 - ( فقد فاجأتنا الحرب وما جرته وراءها من ويلات وجوع وعذاب , كان العوز قد شمل الجميع وألم بهم من كل صوب وحدب ) ص52 .

4 - ( تأملت المجلة الاجنبية بهدوء , رأيت عدداً لا يحصى من الجنود قتلوا في ميدان الحرب وبقيت جثثهم متروكة في العراء بعضها عافتها الدواب والوحوش الكاسرة , وبعضها تجمعت حولها مئات الحشرات , وبعدها نهشتها الطيور الجارحة , جنود تائهون في صحراء مترامية, خوذ وبنادق وثياب ممزقة )ص69 .

5 - ( من منا على صواب . الذين غادروا أم الذين فضلوا البقاء هناء ؟ .

( - ليس بعيداً ان تذبل وتموت هنا . ) ص118 .

( - أترى الحال هنا افضل ؟

( - عفواً . انا لا اعرفك .

( لكني اعرفك . لماذا لا تغادر خارج البلد لتعيش بعيداً عن المحنة ) ص129 .

6 - ( - من جاء على ذكر حرق الكتب .

( - أنت اشرت في روايتك الكتب المحترقة في احتلال بغداد ) ص201 . وهي عبارة صريحة في توقع حدسها ونبوءتها , بسقوط النظام ومجيء زمن الاحتلال .

× رواية : موت الاب

× المؤلف : احمد خلف

× عدد الصفحات : 289 صفحة

× تاريخ زمن كتابة الرواية . عام 1995

× زمن الاصدار : عام 2002




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=130212
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 02 / 12
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28