• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : محاورة صدى الروضتين مع الأستاذ نجاح بيعي القسم الأول حاوره : علي حسين الخباز .
                          • الكاتب : علي حسين الخباز .

محاورة صدى الروضتين مع الأستاذ نجاح بيعي القسم الأول حاوره : علي حسين الخباز

سأدخل في صلب الموضوع دون مقدمات؛ لكوني أشعر أن اللقاء مع قامة من قامات الثقافة العراقية لا يحتاج الى تقديم، فسألته:

- ما الذي تريده من الكتابة؟ بث اليقين الفكري مثلاً، والسعي الى جمالية المنجز؟

الأستاذ نجاح بيعي: الكتابة من أهم وأخطر ما يجود به الإنسان، ويبدعه في هذه الحياة، فالكتابة بقدر ما هي أحد أشكال التعبير أو إحدى فعاليات الإبداع التي تمور في وجدان الكاتب, ويهدف من ورائها الى طرح وجهة نظره في واقعه المعاش على نحو التكامل والتسامي نحو حياة أفضل, إلا أنها كاشفة أحياناً عن أبجديات الحياة, وذلك بالإجابة عن أكثر الأسئلة الوجودية إلحاحاً، فبالكتابة عرفنا تأريخ البشرية ومآلها, وبها عرفنا مِن أين؟ وإلى أين؟ وفي أين؟ وهذا ما حفلت به نتاج البشرية عبر الحضارات الإنسانية العريقة في العصور القديمة وكذلك الحديثة, بالكتابة بشتى صنوف المعرفة والعلوم، حتى اجتازت الواقع الملموس إلى ما وراءه . فالكتابة - قبل أن تكون فكرة مطروحة في رُقم أو لوح أو جلد أو ورقة يقرؤها مُتلقٍ ما - فهي تُمثل ضمير الكاتب، الإنسان. فالكتابة تجربة استثنائية, ورأي مُتفرد, وإرادة متوحدة. الكتابة إجابة عن ذلك السؤال الذي حار به الفكر، وتاهت به النفس. الكتابة شاطئ الأمان لمن أبحر بلا هداية ولا بوصلة . - ولكن يبقى السؤال الراسخ في الذات كما في كل مرّة عبر أدوار التاريخ: هل الطرح المُتقدم يشمل أيّ كتابة؟ لأيّ كاتب؟ ولأيّ مُتلقٍ؟ يقيناً، الذي نريده من الكتابة هي تلك الكتابة الحرّة المنطلقة من ذات حرّة, تحمل بين طياتها ذلك (اليقين الفكري)؛ ليكون مَعيناً ينهل منه الإنسان ويُعينه على اجتياز الصعاب في الحياة، ويشعره بالسعادة الأبدية.

- ما الذي تشكله خطب الجمعة من معنى؟

الحديث عن خطب الجمعة حديث ذو شجون، وأحياناً يعصرني الألم أسىً وأنا أراجع بعض الخطب، ولا أخفيك سرّاً، إني بكيت بحرقة حينما انتهيت من مقالي الطويل المتسلسل (هل حذرت المرجعية الدينية العليا الأمّة من داعش؟) حيث بانتهاء المقال يكون قد انتهى معها ذلك السِفر والسَفر الجميل بين خطب الجمعة وخطابات المرجعية العليا . ربما أكون مُغالياً لو قلت: إن خطب منبر جمعة كربلاء المُقدسة لا تقف عند معنى !.. أما لماذا ؟ فهذا أحد أسرارها .إذا ما نظرنا إلى الكلام الوارد في خطب الجمعة، وعرفنا أنه يقع على نحوين من الكلام هما :

1- كلام صادر من المرجعية العليا المتمثلة بسماحة المرجع الأعلى السيد (السيستاني) لفظاً ومعنى كـ(خطبتيّ فتوى الدفاع المُقدسة والنّصر)..!

2- كلام صادر من المرجعية العليا معنىً فقط، مع ترك البيان والتعبير اللفظي لخطيب الجمعة !.. نفهم كيف نجح منبر جمعة كربلاء بإرساء عدّة مفاهيم وترسيخها في ذهن الأمة, في وقت هو أخطر وأقسى مفصل تأريخي مرّ ويمر به العراق في تأريخه الحديث, ويُسجل ذلك ابتداءً منذ سقوط النظام الديكتاتوري في نيسان من عام 2003م بطريقة الغزو الأجنبي, وانهيار مقومات الدولة العراقية، والاضطراب الأمني وللآن.. ومن تلك المفاهيم :

1- إن خطب الجمعة نفضت الغبار الذي علق خلال سنيّ الحقبة الاستبدادية على دور النجف الأشرف التأريخي في حركة الأمة (الشعب العراقي) نحو خلاصها الديني والدنيوي..!

2- خطب الجمعة أقرعت قلوب الأمّة وبشكل جليّ حتى وعت مقام المرجعية العليا المُقدس باعتبارها تشغل النيابة العامة عن الإمام المعصوم (عليه السلام) في فترة الغيبة المقدسة الكبرى .

3- خطب الجمعة أبرزت الدور الكبير للمرجعية الدينية العليا الوطني المشرف, من خلال إرسائها أسس بناء الدولة العراقية الحديثة عبر اعتماد نظام سياسي (ديمقراطي) يضمن التداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع؛ منعاً لعودة النظام الشمولي البغيض .

4- خطب الجمعة كاشفة لاشتمالها على الجذبة الإلهية؛ وذلك لانتمائها لمدرسة القرآن الكريم ولمدرسة أئمّة أهل البيت (عليهم السلام), ومن هذا المنطلق، أجزم بلا محدودية معانيها .

5- خطب الجمعة برعت في إظهار ذلك التميّز في الطرح كمسيرة تكاملية, وهي بهذا لا تشبه أي خطاب، ولا تُقارن مع أي طرح (وهي تتناول شتى مجالات حياة الأمّة ورفدها بكل ما تحتاجه لاجتياز الصعاب سواء في الخطبة الأخلاقية الأولى أو السياسية الثانية .

6- خطب الجمعة ساهمت وبشكل فعّال في نمو وعي الأمة وإدراكها للمخاطر التي تحيط بها, والدفع نحو الاستعداد لحفظ المصالح العليا للبلد ولـ(الأمّة). فهي حلقات تصاعدية مترابطة بعضها مع البعض الآخر, وقد تجد وهو الغالب خطبة ما (حلقة) تكمل السابقة وبنفس الوقت تمهد للاحقة, أو تجد خطبة ما (حلقة) وهي تؤسس لطرح جديد وهكذا .

7- خطب الجمعة حافظت على نهجها القويم والقوي في آن واحد وهو (النصيحة) والإرشاد للأمّة (الشعب العراقي)، وهي بهذا لم تخرج من الفضاء القرآني ومدرسة أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) وتعاملهم مع الأمّة, مع الأخذ بنظر الاعتبار التحذير من عدم الالتزام بتلك الوصايا والنصائح؛ لأنها تؤدي الى سوء العاقبة والخاتمة السيئة، ففي الأولى: الحرص على عدم سلب إرادة الأمة (فالمرجعية تنصح وترشد), وفي الثانية: الحرص على أخذ تلك الوصايا والنصائح على نحو الإلزام لئلا تقع الأمّة - والحكم هنا عقلائي - بسوء العاقبة جراء عدم الأخذ بتلك النصائح.

- هل ثراء هذه الخطب يجعلك تلاحق الثراء والولوج فيها تعليلاً وتحليلاً واستنتاجاً؟

نعم، لخطب الجمعة - ووفق ما تقدم - ثراء ما بعده ثراء, في زمن أقل ما يوصف بأنه زمن الكساد، فمنبر جمعة كربلاء المقدسة نجح إلى حدّ بعيد في ربط الأمة في مرجعيتها الدينية وقيادتها الحقيقية، عبر مسيرة محفوفة بالمخاطر والأصوات النشاز حتى أضحى منبر الجمعة منار هدى للأمّة، ودليلها في الظلمات, بل أصبح المنبر اليوم مالئ الدنيا وشاغل الناس، كيف لا وكانت خطب الجمعة تمثل الثابت الذي لا يتزلزل وسط المتغير المخيف في واقع الشعب العراقي بعد عام 2003م وللآن ..وحري بنا سبر غور ثراء خطب الجمعة تعليلاً وتحليلاً واستنتاجاً؛ لأنها لا تقول إلا حقاً, ولا تشخص إلا حقاً, ولا تعالج إلا حقاً . 

يتبع ...




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=129667
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 01 / 26
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19