• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الاغتيال في الاسلام .
                          • الكاتب : محمد تقي الذاكري .

الاغتيال في الاسلام

لقد كثر الحديث عن الاغتيال وقتل الغيلة خلال القرن الاخير في الاوساط السياسية في مختلف دول العالم، و ارتبط هذا الفعل غير الانساني بالعرب من خلال القضية الفلسطينية لتشويه سمعة العرب وتمهيدا  لهجوم  شرس على الشرق الأوسط ومصادرة ذخائرها الاقتصادية وتركيع شعوبها على الأقل، كما ارتبط هذا الفعل الشنيع باسم الاسلام من خلال تأسيس داعش في الآونة الاخيرة، وذلك أيضا لتشويه سمعة المسلمين ليكون سببا لقتلهم وتشويها لسمعة الاسلام، بعد ان غزى العالم بفكره الوضاء ومفاهيمه العقلانية والبراقة، وتاريخه المشرق.

تجربة دولة اسلامية مشرقة في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله، وحكومة العدل العلوي أخذ يكتسح صيته العالم في الوقت الذي كثر الظلم والجور فيه بسبب الرؤية الرأسمالية التي حكمت هذه الدول ( تمليك الدولة وتركيع الشعوب كما في النظام الشيوعي ومن في فلكه مثلا، وتمليك الرأسماليين وتسييرالشعوب وتخديرهم كما في انظام الرأسمالي الغربي ومن في فلكه بشكل آخر) والذي زاد في الطين بلة هو جهل هذه الأمم بالاسلام ومعارفه المشرقة.

وبما ان المطلوب هو تمكين رأس المال من التحكم والانتشار، ولايعارضه الا الأديان، والاسلام بالذات، ومن خلال المبادئ، فقد خطط مهندسي العالم مناهجا وأساليبا مختلفة لضرب الأديان بشكل عام، والاسلام بشكل خاص، ولذلك اننا نرى بين آونة وأخرى التمسخر بالاديان و الأنبياء و.. والتطاول عليهم في السينما والكتب ومنصات التواصل الاجتماعي و..، كما نشاهد عملاء من جنسيات مختلفة وفي دول شتى، يتفوهون بعبارات نابية و خارجة عن تخصصاتهم متهمين الدين، ورجالاته بأبخس الأثمان، وأرذل الأساليب.

عود على ذي بدئ

من خلال البحث في الانترنيت وجدت دراسة مفصلة و مستفيضة للباحث القدير الشيخ مجتبى المحمودي تحت عنوان (حكم الاغتيال في الفقه الاسلامي) فاحببت تلخيصها ليستفيد منه الجميع، عسى ان يدفع الشبهة عن الاسلام والمسلمين.

اولا: معنى الفتك (الاغتيال والغدر):

قال الجوهري وابن الأثير: الفتك أن يأتي الرجل صاحبه وهو غارّ غافل حتى يشدّ عليه فيقتله.

وزاد في غريب الحديث على كلام ابن الأثير في تفسير الفتك: وإن لم يكن أعطاه أماناً قبل ذلك، ولكن ينبغي له أن يُعلمه.

ثانيا: النصوص الدينية :

من النبويات المشهورة والمدوّنة في المجاميع الروائية قوله صلى الله عليه وآله : «الإيمان قيد الفتك» بتشديد الياء، أو بدونه.

فقد ورد الحديث بألفاظ عدّة وأسانيد مختلفة من طرق الفريقين، وضمن مناسبات تاريخية أحياناً ومجرّدة عنها أُخرى.

النصوص من طرق أهل البيت عليهم السلام:

1- عن الأصبغ بن نباتة قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام ذات يوم وهو يخطب على المنبر بالكوفة: «أيها الناس لولا كراهية الغدر لكنت من أهدى الناس، ألا لكل غدرة فجرة، ولكل فجرة كفرة، ألا وإنّ الغدر والفجور والخيانة في النار (وسائل الشيعة 11: 52، الباب 21 من أبواب جهاد العدو، ح3).

2- وروي عنه عليه السلام أيضاً أنه قال: بشّر قاتل ابن صفية (الزبير) بالنار، وذلك لأن ابن جرموز غدر بالزبير وقتله بعد أن أعطاه الأمان، وكان قتله على وجه الغيلة والمكر (الفصول المختارة: 145).

 

2- عن أبي الصباح الكناني قال: قلت لأبي عبدالله عليه السلام: إنّ لنا جاراً من همدان يقال له الجعد بن عبدالله، وهو يجلس إلينا فنذكر علياً أمير المؤمنين عليه السلام وفضله فيقع فيه، أفتأذن لي فيه؟

فقال لي: يا أبا الصباح أفكنت فاعلاً؟

فقلت: أي والله لئن أذنت لي فيه لأرصدنّه، وإذا صار فيها اقتحمت عليه بسيفي فخبطته حتى أقتله.

فقال: يا أبا الصباح هذا الفتك، وقد نهى رسول الله عن الفتك.

يا أبا الصباح، إنّ الإسلام قيد الفتك، ولكن دعه فستُكفى بغيرك.

قال أبو الصباح: فلما رجعت من المدينة إلى الكوفة لم ألبث بها إلاّ ثمانية عشر يوماً، فخرجت إلى المسجد فصلّيت الفجر ثم عقبت، فإذا رجلٌ يحرّكني برجله فقال: يا أبا الصباح البشرى، فقلت: بشّرك الله بخير فما ذاك؟ فقال: إنّ الجعد بن عبدالله بات البارحة في داره التي في الجبانة، فأيقظوه للصلاة فإذا هو مثل الزقّ المنفوخ ميتاً، فذهبوا يحملونه، فإذا لحمه يسقط عن عظمه فجمعوه في نطع فإذا تحته أسود فدفنوه (فروع الكافي 7: 375، ح16).

 

4- في قصة مسلم بن عقيل: جاء شريك بن الأعور الهمداني من البصرة مع عبيد الله بن زياد، فمرض فنزل دار هانئ أياماً ثم قال لمسلم: إنّ عبيدالله يعودني وإني مطاوله الحديث فأخرج إليه بسيفك (من خلف الستار) فاقتله وعلامتك أن أقول: اسقوني ماءً ... فلما دخل عبيدالله على شريك وسأله عن وجعه ... فلما خرج ابن زياد دخل مسلم والسيف في كفّه، قال له شريك: ما منعك من قتله؟ قال: خصلتان: أما أحدهما فكراهية هانئ أن يقتل في داره، وأمّا الأُخرى فحديث حدّثنيه الناس عن النبي': إنّ الإيمان قيد الفتك فلا يفتك مؤمن (المناقب 2: 38، وعنه بحار الأنوار 44: 343).

5 – الموضوع نفسه من زاوية اخرى، ما ذكره عباس بن عبدالمطلب راداً على أبي سفيان عند بذله المساعدة عليه: والله لولا أن الإسلام قيد الفتك لتدكدكت جنادل صخر (نهج السعادة: 41:1).

النصوص من طرق أهل السنّة:

1 - قال الطبري: وقد كان بعضهم يزعم أن أصحاب رسول الله' كانوا استأذنوا رسول الله' في قتل الكفار إذا آذوهم واشتدّوا عليهم بمكة قبل الهجرة وسرّاً، فأنزل الله في ذلك: {إنّ الله لا يحبّ كلّ خوّان كفور.

 

2- قال رسول الله :صلى الله عليه وآله: الإيمان قيد الفتك، لا يفتك مؤمنإنّ، ولا يفتك مؤمن أخاه (تاريخ دمشق 18: 406) .

3- عن النبي صلى الله عليه وآله قال: «الإيمان قيد الفتك، لا يفتك مؤمن (سنن أبي داود 1: 63).

4- عن عمرو بن الحمق، قال صلى الله عليه وآله: «الإيمان قيد الفتك، من أمّن رجلاً على دمه فقتله فأنا من القاتل بريء وإن كان المقتول كافراً(مسند الشاميّين 3: 350).

5 ـ عن عثمان بن عفان أنه أتى النبي يوم فتح مكّة آخذاً بيد ابن أبي سرح (الى ان قال) قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «ليس في الإسلام إيماءٌ ولا فتك، إنّ الإيمان قيد الفتك، والنبي لا يومئ». يعني بالفتك الخيانة (كنـز العمال: ح30160).

 

6ـ عن مروان بن الحكم قال: دخلت مع معاوية على عائشة أم المؤمنين فقالت: يا معاوية قتلتَ حجراً وأصحابه وفعلت الذي فعلت، أما خشيت أن أخبّئ لك رجلاً فيقتلك بمحمد بن أبي بكر؟ قال: لا، إني في بيت آمن، سمعت رسول الله' يقول: «الإيمان قيد الفتك، لا يفتك مؤمن يا أم المؤمنين (الطبراني، المعجم الكبير 19: 319).

7- ما رواه ابن سعد من أن إبراهيم بن ميمون الصائغ ومحمد بن ثابت العبدي كانا صديقين لأبي مسلم الداعية بخراسان يجلسان إليه ويسمعان كلامه، فلما أظهر الدعوة بخراسان وقام بهذا الأمر دسّ إليهما من سألهما عن نفسه وعن الفتك به، فقال محمد بن ثابت: لا أرى أن يفتك به؛ لأنّ الإيمان قيد الفتك، وقال إبراهيم الصائغ: أرى أن يفتك به ويقتل فولّى أبو مسلم محمد بن ثابت العبدي قضاء مرو، وبعث إلى إبراهيم الصائغ فقتل (الطبقات الكبرى 7: 370).

معنى الحديث:

قال الشريف الرضي كبير علماء الشيعة: الإيمان قيد الفتك، وهذه استعارة، والمراد بذلك أن الإنسان المؤمن يمتنع لأجل إيمانه أن يسفك الدم الحرام طاعة لأمر الحمية وركوباً لسنن الجاهلية، فكأنّ إيمانه قيّد فتكه فتماسكه وضبط تهالكه.

كما صرّح الشيخ المفيد فخر علماء الشيعة بمناسبة الحديث عن قتل الزبير في حرب الجمل ـ بحرمة الفتك والغيلة، وقال: قتل الغيلة يوجب النار، وإن كان المقتول في النار (الفصول المختارة: 144).

و قال ابن أبي جمهور الأحسائي في توضيح الحديث: أي الإيمان قيد للمؤمن عن الأفعال غير الملائمة للشريعة، ويدلّ بطريق العكس على أن من أفتك فهو غير مؤمن، ومن انتفى منه قيد الإيمان انتفى عنه الإيمان، فالفاتك غير مؤمن، والفتك كناية عن قتل العدوان (عوالي اللئالي 2: 241).

وخلاصة القول: ان الفتك والغدر لفظان لمعنى واحد، هو ترك الوفاء ونقض العهد، والعهد المنقوض قد يكون عبارة عن الأمان المعطى للكافر المحارب من قِبَل الإمام أو أحد المسلمين، فيجب الوفاء به.

بل وحتى لو توهّم المحارب الأمان وجاء إلى المسلمين فليس لهم الاعتداء عليه، وهذا ما يدلّ على حرمة الأمان وشدّة احترامه، وقد يكون العهد والأمان ناشئاً من قرارات حكومية تفيد الأمن والطمأنينة على حياة وحقوق المواطنين أو الوافدين إلى أراضي الدولة الإسلامية، كتأشيرة الدخول إلى أقاليم الدولة الإسلامية أو الإقامة فيها، فإنها توجب توفير الأمن لأصحابها، حتى ولو كانوا كفاراً ما دام دخولهم أو إقامتهم في تلك الدولة مرخّصاً فيه بتصريح قانوني من الحكومة.

وقد يكون الأمان بسبب العهود والمواثيق الدولية المصدّقة من قبِل الدولة الإسلامية والتي تفيد الاحترام المتبادل والالتزام بعدم الإضرار بأمن المواطنين وسلامتهم، فلا يجوز الغدر بمواطني الدولة الكافرة وسلب أمنهم ما دامت الدولة الإسلامية ملتزمة بعهودها مع تلك الدولة، إلى غير ذلك من مصاديق العهود والأمان المستجدّة في كل زمان.

محمد تقي الذاكري




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=114933
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 01 / 29
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19