• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : حنين الوطن في رواية ( مرافئ الحب السبعة ) علي القاسمي .
                          • الكاتب : جمعة عبد الله .

حنين الوطن في رواية ( مرافئ الحب السبعة ) علي القاسمي

نقف امام جهد كبير في الانتاج  الروائي المتعدد الجوانب والمساحات  الابداعية , بتقنياته وتكتيكات متطورة , في الشكل والمضمون ,    التي  تتجاوز على المألوف التقليدي في المتن الروائي . فنجد براعة  التوظيف والاستخدام ,  اساليب محدثة خلاقة في أليات التعبير ودلالاتها الرمزية , في اسلوبية منهجية قديرة ومتألقة   في ثنايا النص الروائي . نحو مصبات الاسلوب السردي الجامع لمكوناته وادواته واشكاله  المستحدثة في صياغة مكونات السرد اللغوي والتعبيري الدال بايحائته ورمزياته البليغة   ,  لاشك نتاج هذا الشكل الروائي المنتوج , ان تقف وراءه اداة فاعة في الصياغة والتكوين , هو الخزين الثقافي الموسوعي , الذي يمتلكه الاديب  ( علي القاسمي )  من المعارف الثقافة والفكرية واللغوية . ليجعل منها ادوات روائية   تعبيرية دالة في بلاغتها الايحائية والرمزية  . هذا التوظيف البارع , جاء بصيغة ثنائية مركبة في احداثيات  لغة السرد , التي انتهجت   مسار .  السرد / الحكائي  ,  في المتن الروائي ,  في  الابداعية , انتاجية مرتبة في سياق منظم , ليسلط الاضواء , على  ديمومة الصراع بين ,  الذات والعام , او بين الذات ,  والواقع المحسوس الطافح على السطح ,   بكل ثيماته ومخالبه التي جعلته عجينة طيعة نحو الانحراف في مسالكه الدالة  , في اشاراته واشكالاته ,  في تداعيات  موضوعية  الوطن ,الذي انحرف في دهاليز معتمة وشائكة الافق , المليئة  بالاشواك والمطبات المنحرفة عن جادة الصواب  , التي تطفخ بها  مرارة الفواجع  والالام والاحزان , في انكسارات هزائمية , مخيبة  للوطن والمواطن , ان تجعل من الوطن بوق تنعق به صرخات الموجعة والمؤلمة , التي تزيد من عذاب المواطن في اتون الخيبات والقهر , ان يفقد الوطن صوابه ازاء ابناءه  , والطامة الكبرى التي تزيد من جراحات الوطن اكثر  , هي  الانقلابات العسكرية ومزاج العسكر, وهوسهم بالاستعلاء بالمناصب ومسك زمام السلطة بجنون اللامنطق  , من هذه المنعطفات الدلالية تسوق  الرواية منطقيتها التعبيرية  , وتكشف في جوانبها المتعددة ,   صراع  الحاد  لواقع متأزم ومأزوم , اي ان الرواية باختصار ,  هي حصيلة المعاناة بين الذات في معايشتها وتجربتها الفعلية  , مع الذات العام الماسكة  بزمام الامور  , في محطاتها  الرئيسية : السياسية . البعد  الاجتماعي والنفسي ,  التي تجعل مضاجع   من  القهر والمحاصرة والاختناق للمناخ العام , والضحية هو المواطن الذي يملك اداة التعبير الواعية   , من حصيلة تجربتة حياتية المريرة , هذه التداعيات النص  الروائي ,  وهو يسير وفق منهجية سيمائية في دلالاتها البليغة من مسارات الواقع , وتحليلها تحت المجهرالموضوعي الواقعي   ,  من صميمة  الواقع . لذلك نجد  ان الرواية حبلى بمخاض المسارات باحداثها العاصفة وفي زوابعها  المتعددة , التي حملها السرد / الحكائي  .  وهذه القراءة  النقدية , تختص بجانب واحد فقط من بين هذه  المسارات المتعددة الجوانب التي تناولتها الرواية , هو مسار موضوعية واقع الوطن الفعلي  , في هاجس الغربة والاغتراب . هاجس الحنين الى الوطن , في المعايشة والتجربة الحقيقية ,  وفي  عدسات الذاكرة والتذكير . في اداة اسلوبية  الاسترجاع ( فلاش باك ) وهي تخوض مغامرة التعايش في افق الغربة  . في حزن الغريب الى وطنه , الى اهوال الاغتراب بهواجسها المعذبة . والى ايقاعات الحزن العراقي بماركته المتفردة المعروفة  , في  تمزق الذات من  طوال اعوام الغربة , التي ليس لها افق للانفراج . انها رحلة طويلة في محطاتها , ومرافئها السبعة . لبطل الرواية ( سليم الهاشمي ) الذي هو ايضاً يحمل بعض العينات من   الكاتب المؤلف , الذي   يختفي تحت قناع السارد او  الراوي , لا يعني هذا انها سيرة ذاتية او مذكرات حياتية   خالصة للاديب , ولكنها لا تشذ عن بعض محطاته الحياتية والمعاشية للكاتب   , التي اصبغها بالخيال الفني المبدع  في براعة التشويق والتهويم بأنها من صنع الخيال الكاتب   , وهذه  المحطات والمرافئ ( سليم الهاشمي ) السبعة هي : بغداد . بيروت . نيويورك . أوستن . تكساس . الرباط . الرياض . في محاولة  البحث عن صيرورة الذات في الغربة  , المصابة بمرض حنين الوطن  , التي تتحول في ازمنتها المتراكمة  , الى عذبات طاحنة تصرع الوجدان والذات  , في سكاكينها الجارحة ,  في هاجس شجونها واشجانها , التي من شأنها ان تجعل احلام العودة الى الوطن , تدخل  متعرجات ومنعطفات صعبة التحقق   , ولا افق لها , سوى  محطات الانكسار الوجداني , ليبقى أنين الغربة يطحن بقوته في  مشاعر الوجدان , ويمكن القول بأن الروائي , من خلال تسليط الضوء على لواعج الغربة ومسالكها المجعة  , انتهج الاسلوب الروائي  , منهجية متعددة الجوانب  ,  بما يعرف بعلم النص , الذي يملك التقنيات والاساليب متعددة المعارف المنتجة في ابداعها .  وهي تكشف عن جانبين , رواية متكاملة العدة ,  في ادواتها التقنية التعبيرية والفنية  , و التمكن الابداعي في توظيف اشكال المعارف الثقافية والادبية بتنوعها  في ثنايا الرواية , لكي يخط له منهجية خاصة في الاسلوب الروائي ,  بهذا الابداع الخلاق في توظيف خزين المعرفي الواسع , جعل رواية ( مرافئ الحب السبعة ) تقف في مصاف الروايات العربية البارزة والمشهورة , واعتقد انه برع في ذلك بدون شك . في رواية تناقش وتحلل وفق منهجية علمية وفنية وادبية وروائية مقتدرة  . محنة الغربة والاغتراب , ومراراتها في معطيات التعايش الواقعي  . لذلك  نجد بطل الرواية  ( سليم الهاشمي ) من خلال رحلته في المرافئ السبعة , وهو يحمل صخرة سيزيف في معاناة الغربة الطويلة , في عذاب الحنين لوطن , الذي  اصبح مغتصب والمباح لنزوات  العسكر , الذين امتهنوا لعبة ركوب الدبابة , وارتدى ملابس القتال, واعلان البيان رقم واحد , في اغتصاب الوطن والمواطن , بذريعة منافقة , هي في حقيقتها اعلان ألغاء الوطن , وتحويله الى مسالخ لذبح , وفتح السجون والمعتقلات , وممارسة التعذيب الوحشي , بأسم الدفاع عن الحرية والديموقراطية المزعومة . ألغاء الاحزاب السياسية والصحافة , وألغاء حرية الرأي , وتحويل الوطن الى زنازين وسراديب الموت , بالانتقام الوحشي , وسد  كل منافذ الحياة واعتقال اصحاب الرأي والسياسيين , ويصاب الوطن بلوثة مرض الهوس   الهمجي والوحشي  , من اجل الحرية والديموقراطية المزعومة . وسد الخناق على المواطن , الذي يجد نفسه محاصراً من كل الجوانب , فيضطر الى سلوك طريق  الهروب  والهجرة والرحيل الى المجهول المنفى خارج الوطن   , افضل من ان يقع ضحية  في قبضة العسكر , ان يخوض طريق النجاة في مركب الغربة . لذلك شق ( سليم الهاشمي ) طريق الغربة وركب في مركبها , وهو لا يحمل من الوطن , سوى حفنة تراب , وشال أمه الاسود , وتسلل من داره قبيل الفجر مع رفيقه ( زكي ) الى طريق المنفى المجهول . وحين وصلت الحافلة التي تقلهم الى الحدود . تساءل ( سليم )  , هل سيعود الى الوطن ثانية ؟  ( لو كان الامر بيدي لما هجرتك يا وطن , أبداً ليتني مت فيك , ولم اغادرك , فرفاتي في تربتك أسعد حالاً , من وجودي على قيد الحياة بعيداً عنك ) ص37 . ,كانت محطته هي بيروت . وذات ليلة ممطرة في بيروت , تأخرعن الحضور  صديقه ( زكي ) الكاتب والصحفي , الذي يكتب ويدبج المقالات السياسية , في تعرية النظام , وفضح اساليبه الارهابية والقمعية , بالسجون والمعتقلات , لاصحاب الرأي , واختفاء الكثير من السياسيين الى  المصير المجهول , وتضييق منافذ الحياة بسوط الارهاب الفكري والجسدي   , وكان يملك الحماس الثوري المتوقد  , ومستعد للتضحية في سبيل انقاذ الوطن من طاحونة  العسكر  . لقد شعر ( سليم ) بهواجس القلق من تأخر ( زكي ) في المجيء  , فجلس في صالة الاستقبال , امام جهاز التلفزيون , وسمع من خلال فقرات النشرة الاخبارية ,بأن سيارة تحمل لوحة دبلوماسية , لاحدى السفارات العربية , اطلقت النار من داخل السيارة , على رجل مجهول الهوية , وتوفي الرجل خلال نقله في سيارة الاسعاف الى المستشفى . ثم عرف بعد ذلك , بأن هذا الرجل المجهول الهوية القتيل , هو صديقه ( زكي ) . فأصابته الحمى الشديدة  وهواجس القلق المتشظية باوجاعها   , واصبح في حالة يرثى لها بعدما يأس في البحث والسؤال عنه وايجاد جثته  , لمن يلتجئ ويشتكي والكل اصابهم الصم والبكم  , ومن يسمعه ويتجاوب معه  , ويعترف بأنه  اغتيال سياسي ظالم  , فشعر بالحمى تتصاعد اكثر بعدما انهكه التعب اليومي   , وتذكر شال امه الاسود ( كانت أمي تشد رأسي  عندما تصيبني الحمى , فأشعر بالتحسن ) ص61 , فرفع الشال الى شفتيه وقبله بحنان وشوق , وبخشوع وصمت وتذكر قول امه , حين يصيبه المرض ( ليتني مت قبل أن أراك تتوجع يا حبيبي ) ص69 .  وحين سمعت عائلته بالخبر المفجع ,  باغتيال ( زكي ) جاء والده مسرعاً في المجيء الى بيروت , ويحث ابنه من مغادرة بيروت باسرع وقت  , قبل ان يصبح الصيدة القادمة , ونصحه ان يكمل دراسته العلمية في امريكا . وفي وداعه في المطار  , اوصاه ابيه  بهذه التوصية ( ستعبر يا أبني الى الضفة الاخرى , سترى وجوهاً جديدة , واشجاراً مختلفة , وتناديك أصوات متنوعة , ولكن .. ولكن لا تنسى أهلك ونخيلك على شاطئ الفرات , لتبقى ظلال سقف النخيل على عينيك , كأهدابك , ولتبق أهازيجنا على شفتيك كريقك , واعلم أننا سنظل نناديك في البعد , وسنذكرك كل يوم عند انبلاج الفجر , وابتسام الصباح , وضحكة الشمس ...................   .......  وسنحمل النسيم سلاماً اليك , سنتمتم بأسمك في صلواتنا , داعين الله ان يحفظك ويردك الينا سالماً غانماً ) ص77 . فيرد على ابيه في حرقة الالم ( كيف انسى يا أبي تربة أهلي , وماء الفرات , ونخلة أمي ؟ فقد تشربت بها روحي , وسرت في دمي , ونبض بها قلبي , وهل يحيا المرء بلا قلب ؟ كيف انسى يا أبي وطني ؟ ليتني كنت استطيع ذلك لحظة واحدة , فهو يسكن كياني , ويملأ احلامي ) ص77 . وكانت محطة الغربة القادمة  في امريكا . نيويورك . أوستن . تكساس, في مواصلة دراسته الجامعية , ومعايشة الغربة و ولم يغب عن باله وعقلة وقلبه الوطن , فقد كان حاضراً في اعماق وجدانه , بالحنين والشوق المحترق للوطن المستحيل ( يا وطن المستحيل ! أني افتش عنك منذ سنين , بين ركام الذكريات , ابحث عنك في فضاءات الاوجاع والاحزان , والفواجع والمذابح والمقابر الجماعية , أتسقط اخبارك في النسيم القادم من الشرق , لعلي اشم روائحك , يا وطني الجريح فلا يصلني , إلا صدى أنينك , وانت تحت سكاكين العتاة والطغاة والغزاة . يا وطني الذبيح أتوسل اليك . يا وطن المستحيل , خذني اليك مرة , وضمني اليك ضمة ) ص 109 . , وبعد ذلك يتلقى الصدمة المروعة , في زوبعة الشجن الحارق , تلقى صفعة قاتلة ,  بخبر وفاة أمه ( كانت بمثابة زوبعة عصفت بخيمتي الواهية , اقتلعت دثاري الوحيد من طيف أمي الدافئ , الذي كنت أحمله معي من منفى الى منفى , واتدثر به في ليالي الغربة الباردة , عندما يشتد زمهرير الفراق , زوبعة أبقتني عارياً في صقيع الوحدة ) ص129 . وقد جاء ما كتبه  في دفتر مذكراته عن أمه ( كانت أمي نقطة الضوء البعيدة , التي تزن خطواتي في طريق العودة المظلم الى الوطن , يا ألهي , كانت أمي تشكل اللازمة في سلم روحي الموسيقي , واذا اختفت واضطرب اللحن واختل النغم واصابني الدواروالضياع في ازماتي ) ص137 . , وبعدها حصل على شهادة البكالوريوس في الادب والعلوم , وواصل مسيرته الدراسية , حتى نال شهادة الدكتورا , ولكن ظل هاجس الغربة والحنين يورقه وينهك انفاسه  , ويهزه بشكل عنيف بالشوق والاشتياق للوطن البعيد , الساكن في اعماق قلبه , وهو يعد سنوات الغربة عداً  , في تدفق الهموم المرة ( هذه ي السنة السابعة من عمر غربتي , نعم سبع سنين وانا لاحمل على عاتقي الواهي , عبء غربتي الذي هدَ حيلي , أما أن الاوان لالقي هذا الحمل الثقيل من منكبي ؟ ) ص180 . وهو يتذكر محنة الكاتب ( سمير النقاش ) عراقي الاصل يهودي , حين اجبر تحت سوط الارهاب الرحيل مع عائلته الى اسرائيل عنوة  , وهو لم يبلغ الرابعة عشر من عمره , ولكن ظل يخفق بالحب العظيم الى العراق , والى مدينته بغداد , بالشوق والحنان الجارف , في اعماق روحه , كان يحلم بالعودة الى العراق , بأنه ارض الميعاد الحقيقية  , وحاول الهروب متخفيا بالرجوع  الى العراق , لكن السلطات رمته بالسجن وبعدها سفرته ثانية الى اسرائيل , كأنهم ينتزعون روحه عن جسده  . وقد جسد هذا الحب والشوق العظيم الى العراق , في كتاباته ورواياته , وكان ينتهز كل مناسبة ليعبر عن عراقيته الخالصة ( اننا عراقيون رغم كل الظروف , رغم الزمن , وهناك ماهو اكثر أهمية من اوراق التعريف , ان عراقيتنا مطبوعة في اجسامنا , في جيناتنا , والاوراق لا تغير الحقيقة , الحقيقة لا يمكن ان تمحى ) ص191 . , وينتقل ( سليم ) الى محطة او مرفئ اخر , هو.  الرباط . حيث يقبل كأستاذ كلية في احدى جامعاتها , في كلية الادب والعلوم , ولكن يصادف اضرابات الطلبة المتواصل ,  وعزوفهم عن الدراسة بشكل مستمر  , اضطرت الحكومة ان توقف  العام الدراسي , مما وجد نفسه عاطلاً , وشد الرحال الى الرياض , كأنه يحمل معاناة صخرة سيزيف في الغربة , وان يترنح تحت صليبها, يتنقل من مكان الى اخر , في دوامة الضياع , ويعبر عنها بمرارة ويقول ( اغبط ساكنين القبور , لانهم راسخون في تراب الوطن ) ص34 .

×× رواية ( مرافئ الحب السبعة ) علي القاسمي

×× اصدار : المركز الثقافي العربي . بيروت / دار البيضاء

×× 318 صفحة




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=105219
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 09 / 25
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20