صفحة الكاتب : صالح الطائي

الطفولة المعممة والطفل مشاكس
صالح الطائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

إن الطفل في داخلنا إذا لم يُشبِع غرائزه، ويُرضِي مطالبه، يبقى مستفزا، يترقب الانفلات والانعتاق من سجن الحشمة والوقار، نزِقا متمردا متوحشا إلى درجة الضغط على هيبة المرء ووقاره، فيوقفه أحيانا في مواقف ما كان ليقف فيها لو كان بكامل وعيه.

والطفل مشاكس بطبعه إلى درجة أنه يرفض أن يَكبُر، فيبقى على حاله مهما تقدم  الإنسان بالعمر. وهو لا يهتم لمنصب الإنسان ومركزه، فهو نفسه، بعبثه نفسه، بفوضاه نفسها، بتمرده نفسه، تجده لدى العالم والجاهل، والمتعلم والأمي، والمؤمن والكافر، والمعمم والأفندي، والرئيس والمرؤوس.

وأنت مهما أوتيت من قوة، تتمكن من خلالها من كبت جماحه حينا من الدهر، إلا أنه لابد وأن يترجم تمرده بفعل نزق يصدر عنك، أو قولٍ متهورٍ يبدر منك، ولذا أجد من الضرورة بمكان أن لا نتجاهل وجوده في حياتنا، وان نطلق له العنان أحيانا، ليكون تحت سيطرتنا، وحينها ممكن أن يُدخل الفرح والسرور إلى حياتنا.

وثق أنك لن تندم إذا ما فتحت له كوة ليطل منها عليك، ولكنك ستندم كثيرا إذا لم تفعل ذلك! ولنا فيمن سبقونا أسوة حسنة، فمن المفارقات الغريبة في حياة الشاعر المرحوم السيد مصطفى جمال الدين أنه لبس العمامة في مقتبل العمر، وتحديدا في مرحلة الطفولة، وهو الأمر الذي تحدث عنه بقوله: "في سن الثالثة عشرة، وبعد سنتين من دراستي الدينية، لبستُ العمامة، طفولة معممة، مبتعداً من نزعة اللعب والمرح والانطلاق، هكذا يمكن وصف الحالة وخاصة، أنني كنت أصغر من يرتدي العمامة من بين أقراني في الحوزة، ربما لهذا السبب ظلت طفولتي مؤجلة دائما، وراحت تعاودني في غير أوانها في الشباب والكهولة، وحتى الشيخوخة، تعاودني في صور شتى، فتارة تعاودني بالنزعة للمرح ومداعبة الأهواء، وطورا في نفحات الغزل؛ التي قد تبدو غريبة عن رجل دين وقور".

ولقد تأكد لي من خلال التجربة أن مشاكسة الطفل بداخلنا قد تكون السبب في غرابة سلوك بعضنا؛ الذي يستهجنه الآخرون، مع أنها حالة طبيعية جدا، ولا يخشاها إلا من يعاني عقدة الكبت أو الكِبر، إذ لا ضير في أن نرتكب بعض الحماقات من أجل متعة بريئة مؤجلة، لا زالت تلح علينا منذ زمن بعيد، فالمتع المؤجلة إذا ما تحققت بحلم طفولي، سوف تكون بالتأكيد أكثر متعة من غيرها من المتع التي نخطط لها بعقل وحكمة وهدوء.

معنى هذا أننا بحاجة إلى محطات من الفرح يجب أن نُدخل أنفسنا إليها عنوة، بين حين وآخر، لكي نستطيع مقاومة الضغوط الحياتية المستمرة، فالحمق ممكن أن يحمي الإنسان أحيانا من الانهيار تحت مطالب الحياة وقسوتها، ولذا أدعوكم ونفسي إلى تحرير الطفل من محبسه في داخلكم ليلهو، وحينها سوف تشعرون بسعادة غامرة انتم بأمس الحاجة إليها، فالطفل في داخلكم يستحق العناية والحب بنفس درجة حبكم لأبنائكم وأحفادكم لأنه يمثلكم انتم قبل غيركم، فدعوا طفلكم الحبيس يمرح إذا ما طلب اللعب، وستشعرون بفرح مثل فرح الطفل بثدي أمه.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


صالح الطائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/07/26



كتابة تعليق لموضوع : الطفولة المعممة والطفل مشاكس
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net