صفحة الكاتب : السيد ابراهيم سرور العاملي

الإمام المعصوم عنصر الهداية الإلهية
السيد ابراهيم سرور العاملي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

ورد في حديث طويل عن الإمام الرضا عليه السلام قوله: هل يعرفون قدر الإمامة ومحلّها من الأمّة فيجوز فيها اختيارهم؟ إنّ الإمامة أجلُّ قدراً وأعظم شأناً وأعلى مكاناً وأمنع جانباً وأبعد غوراً من أن يبلغها الناس بعقولهم، أو ينالوها بآرائهم، أو يقيموا إماماً باختيارهم. إنّ الإمامة خصَّ الله عزَّ وجلّ بها إبراهيم الخليل عليه السلام بعد النبوة والخِلّة مرتبة ثالثة، وفضيلة شرّفه بها وأشاد بها ذكره فقال: ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا﴾ (البقرة: 124) فقال الخليل عليه السلام سروراً بها: ﴿وَمِن ذُرِّيَّتِي﴾ قال الله تبارك وتعالى: ﴿لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾. فأبطلت هذه الآية إمامة كل ظالم إلى يوم القيامة وصارت في الصفوة، ثم أكرمه الله تعالى بأن جعلها في ذريته أهل الصفوة والطهارة فقال: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ﴾ (الأنبياء: 72 - 73).

فلم تزل في ذريته يرثها بعض عن بعض قرناً فقرناً حتى ورَّثها الله تعالى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال جلَّ وتعالى: ﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (آل عمران: 68) فكانت له خاصّة فقلّدها صلى الله عليه وآله علياً (ع) . فمن ذا الذي يبلغ معرفة الإمام، أو يمكنه اختياره؟ هيهات هيهات، ضلّت العقول، وتاهت الحلوم، وحارت الألباب، وخسئت العيون وتصاغرت العظماء، وتحيرت الحكماء، وتقاصرت الحلماء، وحصرت الخطباء، وجهلت الألباء، وكلّت الشعراء، وعجزت الأدباء، وعييت البلغاء، عن وصف شأن من شأنه، أو فضيلة من فضائله، وأقرت بالعجز والتقصير. وكيف يوصف بكله، أو ينعت بكنهه، أو يفهم شيء من أمره، أو يوجد من يقوم مقامه ويغني غناه، لا كيف وأنى؟ وهو بحيث النجم من يد المتناولين، ووصف الواصفين، فأين الاختيار من هذا؟ وأين العقول عن هذا؟ وأين يوجد مثل هذا ؟!

إن معرفة الله تنتج معرفة الرسول. والإمام إذا عرف شخص الله جل وعلا وفهم أن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم خليفة الله عند ذلك سيفهم أن الطريق الوحيد لتشخيص صلاح وصلاحية الأشياء والقوانين هو الوحي. فكيف يمكننا اختيار خليفة الله بالسقيفة والشورى مع الوجود المبارك لأمير المؤمنين عليه السلام وهو الشخص الذي يعجز كل طائر من الوهم والعقل أن يدرك أوج مقامه، ويطير إليه "لا يرقى إليَّ الطير" إذا فتح لسانه بالكلام جرى منه سيل العلوم ولم يملك أحد القدرة في الوقوف قباله "وينحدر عنِّي السيل"؟
إن عدم معرفة الله ورسوله هو السبب الذي جعلهم يضعون علياً عليه السلام إلى جانب عثمان وعبد الرحمن وطلحة والزبير. لذا، فإن الإمام الصادق عليه السلام ينصحنا أن نقول في زمان الغيبة: "اللهم عرّفني نفسك" حتى أعرف رسولك وخليفتك. وإذا عرف شخص النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم فإنه سيعرف خليفته الواقعي، يعني علياً عليه السلام، لأنه الشخص الوحيد الذي يستطيع أن يجلس في مكان النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لأنه يقول: "سلوني قبل أن تفقدوني فلأنا بطرق السماء أعلم مني بطرق الأرض".

النتيجة هي أن ثمرة معرفة الإنسان الكامل (يعني الإمام المعصوم) هي المنجي من الضلال فإن هذا الفيض يتحقق فقط في إشعاع مرجعية تلك الذوات المقدسة وتفسيرهم على أنهم العقل المنفصل للمجتمع البشري كما جاء في دعاء الندبة: "ولولا أنت يا علي لم يُعرَف المؤمنون بعدي. وكان بعده هدى من الضلال، ونوراً من العمى، وحبل الله المتين، وصراطه المستقيم".
  الإمام عنصر الهداية الإلهي، وهو الشاخص والمعرّف للمؤمن المرتبط بالله، لأن وظيفة الامام هي هداية الناس إلى الله، فالمؤمنون بالله يعرفون من خلال تمسكهم بهذا الشاخص المؤشر لله سبحانه وتعالى، فالحديث والدعاء عندما يقول (لولا انت يا علي) _وليس المقصود بعلي عليه السلام هو ذاته بمعزل عن إمامته_ يؤشر بهذه الولائية _إلى جانب المعرفة_ إلى القائد للدلالة على الملتزم بها بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وطبيعي أنْ يكون مؤشر البوصلة الإلهية كما هو يؤشر لافراد المؤمنين المعروفين بتمسكهم بالإمام، كذلك هو مؤشر لعناصر الانحراف والضلال، فجاء الدعاء محدثاً قارئيه (وَلَوْلا اَنْتَ يا عَلِيُّ لَمْ يُعْرَفِ الْمُؤْمِنُونَ بَعْدي، وَكانَ بَعْدَهُ هُدىً مِنَ الضَّلالِ).
فيما تحدث لون آخر وبعد ثان من الممارسات العملية التي أوجبتها صفات الإمامة في أنّ الإمام عليه السلام نور لمن استنار به وحبل هداية مستقيم موصل الى الله سبحانه وتعالى لمن تمسك به، وهو يمثل الضوء في حلكة الظلام والبصر في اجواء النور والخيط المتين في أمواج الضلال المتلاطمة والطريق المستقيم المميز عن طرقات الاعوجاج ومنعرجات الطرق، قال تعالى: (وَ لَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)، ثم تحدث الدعاء عن بعض الملاكات التي أوجبت هذه الممارسات رغم الحديث السابق عن هذه الملاكات بلون آخر ولسان مغاير، لأنّ حالة الممارسة والتمسك بالإمام اثناء الممارسة قد يتعرض الى اشكال على المتمسكين من قبل المناوئين، فأراد الحديث أنْ يجسد هذه الحالة باعتبارها قيمة عملية ذات بعد فكري مؤصّل بأسس ثابتة، وكأنه يقول: إنّ سر كون الإمام يعرف المؤمنين ويهدي من الضلال، وإنّه الحد بين الحق والباطل، هو قربه من رحم الخط الإلهي، وسابقته إلى الدين الإلهي، وتقدمه في المناقب النبوية، وسيره عملياً حذو الخط الالهي الاول والطريق الوحياني الخاتم وهو الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فلكون الإمام هو الاقرب إلى رحم الدين وإلى رحم الرسول وإلى الرحم الإلهي، ولكونه الاسبق في الدين، ولكونه المتنقّب بمناقب الإمامة التي لا يلحقه بها أحد، ولكونه كذلك الممارس العملي الاول والمتمسك الاول بخط النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كان هو النور الهادي والحبل المستقيم.
ثم رجع الدعاء ليتحدث عن الممارسات التي وقعت من الإمام عليه السلام بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم باعتباره نور الله وحبله وصراطه، وحيث تمّت الحجّة بعد خاتمية النبوة أنْ لا نزول للوحي، فلم تكن المهمة إلاّ أنْ يحفظ الدين من التأويل، لأنّ المنحرفين لا سبيل لهم الى حرف الناس عن مسيرة الاستقامة في التنزيل فلجأوا إلى التأويل، فما كان من خط الهداية الإلهي إلاّ أنْ يقاتل هؤلاء الضُلاّل على التأويل لا تأخذه فيهم لومة لائم، موتراً صناديدهم، وقاتلاً أبطالهم، وساحقاً كبراءهم وقادتهم، فجاءت النتيجة الطبيعية أنْ تملأ قلوب هؤلاء أحقاداً، بدرية وخيبرية وحنينية.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


السيد ابراهيم سرور العاملي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/07/15



كتابة تعليق لموضوع : الإمام المعصوم عنصر الهداية الإلهية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net