صفحة الكاتب : راسم المرواني

 (الاصـلاح) و (الثــورة) ... بين (العنف) و(السلميـّـة)
راسم المرواني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

(الثـورة) في اللغة ، وكما جاء في (لسان العرب) لابن منظور :- (ثار الشيء ثَوْراً وثؤوراً وثوراناً وتثوَّر : هاج ، والثائر : الغضبان ، ويقال للغضبان أهيج ما يكون : قد ثار ثائرة وفار فائرة ، إذا غضب وهاج غضبه ، وثار إليه : وثب ، ويقال : انتظر حتى تسكن الثورة وهي الهيج ، وثار الدخان والغبار وغيرهما : أي ظهر وسطع) .
 
أما (الثورة) في الاصطلاح ، فقد تعددت على وفق متبنيات ومناهج المدارس الفكرية ، ولكن الاختصار - هنا - يقتضي اعتماد تعريف  (الثورة) عند المعاصرين والحداثويين ، وهي :- (التغيير الكامل لجميع المؤسسات والسلطات الحكومية في النظام السابق ، لتحقيق طموحات التغيير لنظام سياسي نزيه وعادل ، ويوفر الحقوق الكاملة والحرية والنهضة للمجتمع) .
*          *          *
و(الاصـلاح) في اللغة : من فعل أصلح يصلح إصلاحًا ، أي إزالة الفساد بين القوم ، والتوفيق بينهم ، وهو نقيض الفساد ، والاصلاح هو التغير الى إستقامة الحال على ما تدعو إليه الحكمة ، وعليه ، فالمقصود بالاصلاح من الناحية اللغوية ، الانتقال أو التغير من حال إلى حال أحسن ، أو التحول عن شيئ والانصراف عنه الى سواه .
 
وبالرغم من إن مفهوم (الإصلاح) في الإصطلاح ما زال مكتنفاً بالغموض ، وذلك لتداخله مع العديد من المفاهيم والاصطلاحات ، ولكن ، يمكننا اعتماد التعريف التالي لمفهوم الإصلاح ، والذي ينص على إن الاصلاح هو :- (التغيير والتعديل نحو الأفضل لوضع شاذ أو سيء ، ولا سيما في ممارسات وسلوكيات مؤسسات فاسدة ، أو متسلطة ، أو مجتمعات متخلفة ، أو إزالة ظلم ، أو تصحيح خطا أو تصويب اعوجاج) .
 
أما قاموس (أكسفورد) فيعرف الاصلاح بأنه :- (تغير أوتبديل نحو الأفضل في حالة الأشياء ذات النقائص ، وخاصة في المؤسسات و الممارسات السياسية الفاسدة أو الجائرة ، إزالة بعض التعسف أو الخطأ) .
 
وأما قاموس (وبستر) للمصطلحات السياسية (1988) ، فيعرف الاصلاح بأنه :- (تحسين النظام السياسي من أجل إزالة الفساد والاستبداد) .
 
وفي (برنامج الأمم المتحدة) لإدارة الحكم ، نجد بأنه يعتبر (الإصلاح السياسي) ركنًا أساسيًا مرسخًا للحكم الصالح ، ومن مظاهره سيادة القانون ، والشفافية ، والمشاركة الشعبية في إتخاذ القرار ، والعدل ، وفعالية الإنجاز ، وكفاءة الإدارة ، والمحاسبة ، والمسائلة ، والرؤية الإستراتيجية ، وهو تجديد للحياة السياسية ، وتصحيح لمساراتها ، ولصيغها الدستورية ، والقانونية ، بما يضمن توافقًا عامًا للدستور ، وسيادة للقانون ، وفصلا ً للسلطات ، وتحديدًا للعلاقات فيما بينها .
 
أما في (الموسوعة السياسية) فالاصلاح هو :- (تعديل أو تطوير غير جذري في شكل الحكم أو العلاقات الإجتماعية دون المساس بأسسها ، وهو بخلاف الثورة ليس إلا تحسين في النظام السياسي والإجتماعي القائم دون المساس بأسس هذا النظام) . 
 
وبالتالي ، يمكننا إجمال (الاصلاح) بأنه (التغيير نحو الأفضل) ، ويمكن أن نفهم بأن الاصلاح يمكن أن يكون (ذريعة) لتقويض أو تأجيل (الثورة) ، حين يكون الإصلاح محض إدعاء ومناورة من قبل السلطة الفاسدة .
 
ومن خلال تعريف مفهوم الاصلاح في (الموسوعة السياسية) ، نجد عناك تطابقاً بين تعريف المفهوم اصطلاحياً ، ورؤية الشاعر البريطاني (روبرت بيلوار ليتون) لهذا المفهوم ، حيث يفرق بين (الاصلاح) و (الثورة) من حيث النتائج ، أو الغايات .
 
يقول ليتون :- (الإصلاح هو مجرد تصحيح للتجاوزات ، أما الثورة فهى نقل للسلطة) ، وهذا غير صحيح من الناحية التطبيقية ، لأن (الاصلاح) هو رد فعل ناتج عن (وجود الفساد وتفاقمه) .
 
ومن هنا نشأ الاختلاف بين المدارس الفكرية في تحديد وتعريف مفهوم (الاصلاح) ، والتفريق أو التطابق بينه وبين مفهوم (الثورة) ، حيث أن دعاة وأنصار الفكر الماركسي يرون بأن :- ( كل الإصلاحات والتغييرات التي يمكن أن تحدث في الفكر الرأسمالي لا جدوى أو قيمة لها ، لأنها عاجزة كلياً عن حل تناقضات النظام الرأسمالي البشع ، وهي لا تهدف إلا إلى استمرار سيطرة الطبقة البرجوازية على الطبقة العاملة واستغلالها ، وبالتالي فان وظيفتها الأساسية هي تأخير قيام ثورة الطبقة لكادحة على النظام الرأسمالي ، فالثورة هي الحل الوحيد للمشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها النظام الرأسمالي) .
 
أما (فوكوياما) ، فيرى بأن :- (الديمقراطية الليبرالية لا يمكن ان تدخل من الباب الخلفي ، بل يجب ان تأتي في لحظة ما من قرار سياسي واعٍ ومقصود ، يعمل على تأسيس الديمقراطية) .
 
ويعيد فوكوياما الإصلاح السياسي إلى قيم الليبرالية الديمقراطية ، من خلال إدراك ان (الرغبة الفعالة لدى الأفراد) في علاج الفساد وإيجاد المجتمع الذي يحققون فيه ذواتهم بعدالة ، هي واحدة من أهم عوامل إصلاح الأنظمة السياسية . 
 
 وبهذا ، فالفساد - عادة - يستدعي (الثورة) ، ويجعلها حاضرة في الذهن ، خصوصاً حين يتسم موقف السلطة بالوضوح المتبني لآلية الصمت على الفساد أو المشاركة فيه بشكل مياشر أو غير مباشر . 
 
وعلى عكس ما يراه (روبرت بيلوار ليتون) ، نجد بأن الفرق بين الاصلاح والثورة يكاد (ينعدم) ، لأن من محركات الثورة هو الشعور لدى الثوار بــ (لا جدوى الاصلاح) ، وبالنتيجة ، فإن كل ثورة في العالم حين تسعى إلى (التغيير) فهي تسعى نحو (الاصلاح) للوصول إلى (الصلاح) .
*          *          *
فالفساد لدى (الأفراد) أو (الجماعات) الحكومية وغير الحكومية ، إما أن يكون (متعمداً) أو (غير متعمد) ، وهنا تكمن نوعية الوسيلة والأسلوب في التعامل مع الفاسد أو المفسد في السلطة ، وهذا الأسلوب لا يخرج عن كونه (ثورة) تؤدي إلى (تقل السلطة) بالمعنى الصحيح والواقعي على وفق الافتراضات التالية :-
 
1/ حين يكون الفساد ناتجاً عن (تعمد) ، ومع سبق إصرار (المفسد) ، فيجب (نقل السلطة) منه لشخص آخر نزيه ، وإحالة المفسد إلى (المحاكم) بعد الانقضاض عليه ، أو إزاحته (بالقوة) عن مركز السلطة والقرار ، بثورة حمراء أو بيضاء ، مما يدفع بالسلطة الفاسدة لحماية مصالحها عبر التصدي لعملية الاصلاح ، والتقرب من تأجيج الثورة .
 
2/ وإن كان الفساد ناتجاً عن (جهل) المفسد ، فهنا أيضاً ينبغي نقل سلطته لآخرين أكثر وعياً وقدرة على الأداء ، لإذكاء وضع الشخص المناسب في المكان المناسب ، وما لم تقم السلطة بذلك ، فإن التغيير المقبل من خارجها ، ستعتبره السلطة اعتداءً على صلاحيتها ، وانتهاكاً لما تسميه بــ (السيادة والدستور والقانون) ، ما يستدعي التصدي للاصلاح لإعادة الهيبة للسلطة .
 
3/ وأما حين يكون الفساد نتيجة (الاجتهاد الخاطئ) ، فنصيب المفسد (العزل) ونقل سلطته لمن هو أجدر وأدق منه في مسألة الاجتهاد ، خصوصاً حين يكون هذا الخطأ على تماس مع مصلحة المجموع ، أو حين يكون هذا الخطأ (الاجتهادي) جريمة يحاسب عليها القانون ، وهنا تنشأ ردة الفعل (السلطوية) ضد الاصلاح ، خصوصاً حين يكون توزيع المناصب ناشئ عن (المحاصصة) ، والتوزيع الطائفي أو العرقي أو غيرها .
 
وبالتالي ، فكل (إصلاح) هو (ثورة) ، ومهما كان مقداره على الصعيد التنفيذي ، فإنه يقتضي (نقل السلطة) بشكل أو بآخر ، اعتماداً على الظروف الموضوعية المحيطة بــ (الاصلاح) .
*          *          *
لقد درج البعض على تصنيف أو توصيف الثورات بشكل (إصطلاحي) نسبة إلى الصبغة اللونية المتأتية عن (نتائج الثورة) ، فمنها (البيضاء) و (الحمراء) و (البرتقالية) و (قرنفل الثورة) ، وغيرها من التسميات التي اختيرت من قبل المهتمين بالثورات ، أو قادتها ، أو المجتمع .
 
إن الثورات ليست تصرفاً (فردياً) يمتلك الانسان فيه حرية الارادة في التصرف ، ولا يمكن (التنبوء) بما يمكن أن تصل إليه الرغبة والسعي نحو الاصلاح أو الثورة في مسيرتها ومساوقتها مع الأحداث والمؤثرات فهي حراك (شعبي) متعدد الأمزجة والثقافات والوعي ، ولذا ، فإن إستباق الأحداث ، والرهان على أسلوب محدد واحد في المنهج الثوري ، وإطلاق صفة (السلمية) أو (الدموية) على الثورات في بداية نشوبها أو انطلاقها أو التخطيط لها ، أو التصريح بــ (سلمية) الثورة أو (دموية) الحراك الثوري ، قبل وضوح النتائج ، فهو مخالف للوعي ، ومجافي لضرورة احتساب التغيرات المفاجئة في المجتمع .
 
ففي الفكر الماركسي تحوم الثورة حول محور (العنف) ، وتتخذ من (البنادق والدماء) وسيلة (لا محيص عنها) لتحقيق أهداف الثورة ، بل اعتبرتها الوسيلة الوحيدة للثورات التي يراد منها الانتقال بالمجتمع من (الرأسمالية) إلى (الاشتراكية) ، معرضاً عن الأسلوب (السلمي) في إذكاء وإشعال الثورات .
 
وقريب منه ما جاء في كتاب (تجربتي مع الماركسية) للدكتور (طارق حجي) ، الذي نقل عن كتاب (قضايا الحرب والاستراتيجية)  للمفكر الماركسي (ماو تسي تونغ) عبارتين مهمتين لا تقبلان التأويل ، في إشارة إلى منهج (العنف) في الفكر الماركسي للثورة ، حيث يقول (ماو) :- (على كل شيوعي أن يدرك هذه الحقيقة : من فوهة البندقية تنبع السلطة السياسية) ، ومثلها قوله :- (وبهذا المعنى يمكننا أن نقول : إنه لا يمكن إصلاح العالم كله إلا بالبنادق) . 
 
وهنا ، فليس من المنطقي أن يقوم (قادة الثورات) باستباق الأحداث في اطلاق تسمية (بيضاء) أو (سلمية) أو (حمراء) على الثورات التي يقودونها ، لأن هذه التسميات مرتبطة زمانياً ومكانياً بــ (نتائج) الثورات ، والنتائج تعتمد على (أخس المقدمات) ، ومن المفهوم أن (النتائج والمقدمات) هي وليدة حركة الواقع ، ومسيرة الأحداث ، وتطورات الوضع ، وبالتالي ، فهذه التسميات هي (صفات) للثورة في مراحلها النهائية وليست (شعاراً) يمكن أن يكون (دائمياً) للثورات ، ولا يحق لثورة أن ترفع شعار (السلمية) أو (الدموية) منذ بدايتها ، إذ قد تتحول الثورات التي خطط لها بأن تكون (سلمية وبيضاء) إلى حمراء مصطبغة بلون الدماء ، نتيجة (رعونة أو حماقة) أو انفعال السلطة أو بعض الثوار ، أو نتيجة (ردة الفعل) التي تقتضيها الضروف المحيطة بالثورة ، وتدخل عناصر خارجية أو داخلية على خط ومسيرة الثورة .
 
وليس بعيداً أن تتحول الثورات التي يتوقع لها أن تكون (حمراء دموية) ومنتجة للحرب الأهلية ـ إلى ثورة (بيضاء) وسلمية ، وهو خلاف ما ذهبت إليه الأدبيات الماركسية في اعتبار (العنف) هو الوسيلة (الوحيدة) للثورات ، وخلاف ما ذهبت إليه بعض الثورات في اعتبار (السلمية) منهجها الدائم .
 
العراق - عاصمة العالم المحتلة


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


راسم المرواني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/07/01



كتابة تعليق لموضوع :  (الاصـلاح) و (الثــورة) ... بين (العنف) و(السلميـّـة)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net