صفحة الكاتب : علي فضيله الشمري

الإمام الحسن وظلامته والصلح الذي كشف زيف الطغاة
علي فضيله الشمري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

لم يشهد تاريخ البشرية من الفجائع والأرزاء كالتي جرت على اهل البيت (ع) بعد ان فقدوا رسول الله (ص). واخذت المحن والمصائب تتوالى عليهم فزاد من عمق الفاجعة الاليمة ولايسعنا هنا الاستطراد في الاحداث الجسيمة التي تجرع اهل البيت (ع) مرارتها فقد امتلأت بها كتب المؤرخين لتبقى شاهدة على ظلم الظالمين وكيد الخائنين وقد شهد الامام الحسن هذه المآسي كلها. وقد كانت قضية الصلح هي القضية المعركة الكبيرة التي خاضها الامام الحسن (ع) لكشف زيف معاوية الذي تلبس بالدين والخلافة ونشر الشائعات، لكنه انكشف وانفضح وبانت اهداف بني امية حيث ادى ذلك كله بعد واقعة كربلاء الى سقوط الدولة الاموية.
وهذه اطلالة على سيرة الامام الحسن بن علي بن ابي طالب عليهما السلام بمناسبة ذكرى استشهاده في يوم السابع من صفر بعد ان دس رأس الطغيان معاوية بن ابي سفيان له السم، ممهدا لسيطرة ابنه يزيد على السلطة.
(النشأة المباركة)
في ليلة النصف من شهر رمضان المبارك من السنة الثالثة للهجرة الشريفة غمرت بيت علي (ع) فرحة ولادة اول مولود في هذا البيت الطاهر. ولما زفت هذه البشرى الى الرسول الكريم محمد (ص) اسرع الى بيت ابنته الصديقة فاطمة الزهراء (ع) ونادى: اين ولدي؟ فجاءت اليه اسماء بنت عميس بالوليد المبارك فحمل النبي (ص) سبطه بين ذراعيه واذّن في اذنه اليمنى واقام في اليسرى كما في السنة الشريفة.
فأستقبل المولود المبارك الدنيا بأطهر صوت من اصدق فم عرفه الوجود فتغلغل هذا الصوت في اعماقه ومازج روحه ودمه ثم التفت رسول الله (ص) الى علي بن ابي طالب (ع) وقال له : هل سميت الوليد المبارك ياعلي ؟ فقال له علي (ع) : ماكنت لاسبقك يارسول الله. فقال رسول الله (ص) ماكنت لاسبق ربي. فهبط الوحي على رسول الله (ص) بالاسم المبارك لهذا المولود الطاهر ويقول له: يارسول الله سمّه حسنا.
ونشأ الامام الحسن (ع) في احضان جده رسول الله (ص) واشرف خلق الله فتغذى من رسالته وتخلق باخلاقه وتادب بآدابه ونهل من تعاليمه السماوية. وسرت هذه الاخلاق والآداب السماوية في روح امامنا الحسن (ع) فتجسدت في اقواله وافعاله فكان من اشبه الناس برسول الله (ص) خلقا وخلقا وسؤددا وهديا.
وورد عن النبي (ص) انه قال للحسن (ع): لقد اشبهت خلقي وخلقي، وقال انس بن مالك: لم يكن احد اشبه برسول الله من الحسن بن علي. وورد عن النبي (ص): اما الحسن فله هيبتي وسؤددي واما الحسين فله جرأتي وجودي.
كما روى الترمذي والبخاري ومسلم في صحاحهم والكثير من كتب السير عن البراء بن عازب انه قال: رأيت النبي والحسن على عاتقه وهو يقول: اللهم اني احبه فاحبه، وروت عائشة: انه (ص) كان يأخذه فيضمه اليه ويقول اللهم ان هذا ابني وانا احبه واحب من يحبه، كما ورد عنه (ص) انه قال فيه (ع) وفي اخيه الحسين (ع) عدة مرات: هذان ريحانتاي من الدنيا من احبني فليحبهما ومن ابغضهما ابغضني ومن ابغضني ابغضه الله وادخله النار وانهما سيدا شباب اهل الجنة.
وكان الامام الحسن (ع) بدوره شديد التعلق بجده وهناك الكثير من الروايات التي دلت على هذه العلاقة الوثيقة بين الجد العظيم والسبط الكريم. واضافة الى هذه الرعاية الخاصة من رسول الله (ص) للامام الحسن (ع) فقد حظي بتربية اقدس ابوين في التأريخ فنهل العلوم والحكمة من ابيه امير المؤمنين وسيد الوصيين (ع) وغذي الفضيلة والكمال من ثدي امه الصديقة الزهراء سيدة نساء العالمين (ع)، فكان احد الخمسة اصحاب الكساء الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، واحد الاربعة الذين باهل بهم النبي (ص) نصارى نجران، كما في الاية الكريمة، ومن القربى الذين امرنا الله بمودتهم.
(صفاته)
بهذا البيت الطاهر درج الامام الحسن (ع) فأجتمعت فيه اضافة الى شرف النسب ماورثه من جده وابيه وامه من الصفات التي لم تجتمع في بشر قط سواهم.
قال الطبري في اعلام الورى: ما بلغ احد من الشرف بعد رسول الله مابلغه الحسن بن علي. وكان الناس يرون في وجهه سيماء الانبياء ويجدون فيه ماوجدوه في رسول الله من اخلاق وآداب ومزايا فلقب بالطيب؛ والتقي؛ والزكي؛ والولي؛ والسبط؛ والمجتبى وقد روى المؤرخون عشرات الروايات عن تواضعه وكرمه وعلمه وفضله وحلمه وحكمته.
فكان في جميع مواقفه مثالا اعلى للخلق الاسلامي الرفيع والآداب النبوية السمحاء وقد شهد للامام الحسن (ع) بهذه المزايا الكريمة والصفات العليا حتى اعدائه فكان عبد الله بن الزبير رغم حقده على اهل البيت وحسده لهم يقول: والله ماقامت النساء عن مثل الحسن بن علي. اجل ان الشمس تشرق على البر والفاجر فكما لايستطيع احد ان يحجب نورها الذي عم البشرية جمعاء فكذلك لايستطيع احد ان يحجب نور اهل البيت (ع) الذي هو من نور الله.
(في عهد الخلفاء)
لم يشهد تاريخ البشرية من الفجائع والأرزاء كالتي جرت على اهل البيت (ع) بعد ان فقدوا رسول الله (ص). واخذت المحن والمصائب تتوالى عليهم فزاد من عمق الفاجعة الاليمة ولايسعنا هنا الاستطراد في الاحداث الجسيمة التي تجرع اهل البيت (ع) مرارتها فقد امتلأت بها كتب المؤرخين لتبقى شاهدة على ظلم الظالمين وكيد الخائنين وقد شهد الامام الحسن هذه المآسي وله من العمر سبع سنين وتفاقمت عليه المصائب والاحزان بفقده امه (ع) بعد فترة وجيزة من وفاة جده بعد ان تجرعت الكثير من الغصص وماتت شهيدة صابرة محتسبة مظلومة.
واغتصاب حق ابيه (ع) في الخلافة بعد رسول الله (ص) ورغم هذه الاحداث الاليمة التي جرت على اهل البيت (ع) الا انهم سخروا كل طاقاتهم وامكانياتهم في سبيل الدفاع عن الاسلام واعلاء كلمته في الارض. وما كانت مطالبتهم بحقهم في الخلافة الا لاجل الاسلام ونشر تعاليمه وقد اوضح امير المؤمنين (ع) ذلك بقوله: والله لاسالمن ما سلمت امور المسلمين ولم يكن جورا الاعليّ خاصة. وعلي اول فدائي في الاسلام وقد قاتل في سبيل الاسلام جبابرة قريش حتى انتشر الاسلام بسيفه ولم يمنعه اغتصاب حقه وتعرضه للجور من ان يبقى جنديا وفيا للاسلام حتى آخر لحظة من حياته وكذلك هم اهل البيت كلهم (ع) وقد اشارت الكثير من الروايات في كتب التاريخ والفتوح على اشتراك الامام الحسن (ع) في الكثير من الفتوحات الاسلامية وكان له دور بارز في سير تلك المعارك ومن هذه الفتوحات التي ذكر المؤرخون اشتراك الامام الحسن فيها طبرستان عام 20 هـ وافريقيا عام 26 هـ ولازم الامام الحسن (ع) اباه امير المؤمنين (ع) في عهد الخلفاء الثلاثة ووقف الى جانبه في الكثير من المواقف منها موقفه (ع) مع الصحابي الجليل ابي ذر الغفاري عندما نفاه عثمان بن عفان الى الربذة ومنع الناس من توديعه والكلام معه فخرج امير المؤمنين (ع) لتوديعه ومعه الحسن والحسين (ع) وعدد من المخلصين من اصحابه.
(في عهد ابيه)
عندما تولى امير المؤمنين (ع) الخلافة كان الامام الحسن (ع) يشارك اباه في معاناته وهمومه ووقف الى جنبه في حياته السياسية والعسكرية فكان ابنا مطيعا وجنديا مخلصا في جيش ابيه يسالم من سالمه ويحارب من حاربه فشهد حروبه الثلاث الجمل وصفين والنهروان، فعندما خرج الناكثون على الامام علي ارسل ابنه الحسن مع عمار بن ياسر وقيس بن سعد الى الكوفة ليستنفروا الناس فعارضهم ابو موسى الاشعري وخذل الناس مفتعلا حديث الفتنة فوقف الامام الحسن وخطب خطبة بليغة اشار فيها الى فضائل ابيه وسابقته في الاسلام وقرابته من رسول الله وجهاده ونصرته لدين الله ولما عاد ابو موسى ليخذل الناس بخبثه واحاديثه المختلقة صاح به الامام الحسن: اعتزل عملنا وتنح عن منبرنا وجرى جدال طويل حتى جاء الاشتر فخرج ابو موسى مهزوما واستجاب الناس لنداء الامام الحسن وخرج معه الى البصرة اثنا عشر الف رجل.
وقد ابلى الامام الحسن في هذه المعركة بلاء عظيما ويذكر ابن ابي الحديد في شرح نهج البلاغة موقفا من المواقف البطولية للحسن في معركة الجمل حيث يقول: ان عليا حينما احتدمت المعركة في البصرة زحف نحو الجمل بنفسه في كتيبته الخضراء من المهاجرين والانصار وحوله الحسن والحسين ومحمد بن الحنفية ـ الى ان يقول ـ ثم اخذ الراية ودفعها الى الحسن فحمل على القوم وفرقهم عن الجمل حتى انتهى اليه وطعنه في عينه ثم دفعها الى الحسين ففعل كما فعل اخوه. ويجد القارئ الكثير من امثال هذه المواقف البطولية للامام الحسن في المعارك التي خاضها مع ابيه في كتب السير والتاريخ.
وكان (ع) يشتد نحو المعركة ويندفع اليها قاذفا بنفسه في لهواتها يقي اباه بنفسه ويفديه بروحه حتى صاح ابوه في صفين بمن حوله: املكوا عني هذا الغلام لايهدني فاني انفس بهذينـ يقصد الحسن والحسينـ على الموت لئلا ينقطع بموتهما نسل رسول الله (ص)، وبقي الحسن الى جنب ابيه الى آخر لحظة يذب عنه بلسانه ويده حتى استشهد ابوه في محراب العبادة.
(في إمامته)
كانت فترة امامته (ع) من اقسى فترات حياته فعانى كما عانى ابوه وبدأت هذه المعاناة بعد استشهاد ابيه مباشرة. فرغ الحسن من دفن ابيه و خرج الى الناس وخطب فيهم. ابتدأ (ع) خطبته عن مصاب ابيه ثم ذكر زهده في الدنيا فاستعبر باكيا وبكى الناس من حوله ثم عاد الى حديثه فقال: ايها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فانا الحسن بن علي وانا ابن النبي والوصي وانا ابن البشير النذير والداعي الى الله باذنه وانا ابن السراج المنير وانا من اهل البيت الذين كان جبرائيل ينزل الينا ويصعد من عندنا وانا من اهل البيت الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وافترض مودتهم على كل مسلم فقال في كتابه: قل لااسئلكم عليه اجرا الا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له منها حسنا فاقتراف الحسنة مودتنا اهل البيت.
ولما انتهى من خطبته قام عبيد الله بن عباس ودعا الناس الى بيعته وكان اول من تقدم لبيعته قيس بن سعد بن عبادة واقبل الناس بعده يتسابقون على بيعته وتمت في الكوفة والبصرة كما بايعه اهل الحجاز واليمن وفارس وسائر المدن التي كانت تدين بالولاء والبيعة لابيه واخذ الحسن في توزيع المسؤوليات على اهل الكفاءة وتعيين العمال من عدول المؤمنين وصلحاء المسلمين ويامرهم بالعدل والاحسان وقام يدير شؤون الدولة الاسلامية بقيادة سديدة وكثف من خطبه في الحث على لزوم طاعته. وفيما كان الحسن يقوم بهذه الاعمال في الكوفة كانت في الشام تجري امور اخرى. حيث بدا معاوية يحوك الدسائس وينشر الجواسيس في البصرة والكوفة وقام بمراسلة الزعماء والشخصيات البارزة لاغرائها بالمال والوظائف المهمة في حال خذلان الحسن والتخلي عنه.
وعلى الرغم من ان الحسن يعرف معاوية وماتنطوي عليه نفسه الخبيثة من الحقد على الاسلام واهل البيت ومايضمره من الكفر والالحاد الا انه (ع) ابى ان يعلن الحرب عليه قبل ان يدعوه الى الدخول في طاعته فكتب اليه عدة مرات يدعوه الى جمع الكلمة وتوحيد امر المسلمين وبعد كل مكاتبة من الامام الحسن كان معاوية يزداد غيا وكفرا وصلافة ووقاحة وليس ذلك منه ببعيد فقد ورث هذا العداء للاسلام ولاهل البيت من ابيه راس الكفر وامه آكلة الاكباد فكتب الى جميع عماله يدعوهم بالتهيؤ للحرب والاستعداد لها وجمع الجند فاجتمعت اليه الوفود فسار بهم نحو العراق . سار معاوية وهو مطمئن على مصيره من خلال توطيد العلاقة مع اكثر القادة والشخصيات العراقية كما اشار هو الى ذلك في كتابه الى عماله : وقد جاءتنا كتب اشرافهم وقادتهم يلتمسون الامان لانفسهم وعشائرهم.
ولما بلغ الحسن تحرك معاوية كتب الى عماله بالتحرك ونادى مناديه في الكوفة يدعوهم الى الاجتماع في المسجد فاقبل الناس حتى امتلأ بهم المسجد فاخبرهم بتحرك معاوية وحثهم على الجهاد وابلغهم انه عازم على المسير لقتاله وقال لهم : اخرجوا رحمكم الله الى معسكركم بالنخيلة.
ولكن لم يتكلم أي واحد منهم بحرف واحد ! وما ينطقون وقد باعوا ضمائرهم ودينهم لمعاوية اما بيعتهم للحسن فتكفي الوظيفة التي واعدهم معاوية بها لنقضها . كان موقفا مخجلا استقبحه البطل عدي بن حاتم الطائي فوبخهم على ذلك ثم ركب دابته ومضى الى النخيلة مطيعا امر امامه ثم قام بعده الاصحاب الاوفياء قيس بن سعد ومعقل بن قيس الرياحي وزياد بن صعصعة وانّبوا الناس على تخاذلهم وحرضوهم على الخروج وكلموا الحسن بمثل ما كلمه عدي بن حاتم فقال (ع) لهم صدقتم رحمكم الله مازلت اعرفكم بصدق النية والوفاء والقبول والمودة والنصيحة فجزاكم الله خيرا . وخرج الناس بعدهم الى النخيلة وقد حدد بعض المؤرخين عددهم باربعين الفا وبعضهم بستين فدعا الحسن عبيد الله بن العباس وامره ان يسير على الشاطئ حتى يقطع الفرات ويحبس معاوية حين يلقاه حتى ياتيه (ع) ولايقاتله الا اذا بداه بقتال وارسل معه اثنا عشر الف فارس وارسل معه اثنين من اخلص اصحابه واشجع قادته هما قيس بن سعد بن عبادة وسعيد بن قيس الهمداني وامره ان لايقطع امرا دونهما فان اصيب في حالة اذا ماقاتل فالقيادة لقيس بن سعد وبعده لسعيد بن قيس.
فسار عبيد الله حتى نزل بأزاء معاوية وجرت بينهما مواجهات ابتدأها معاوية لكن جيش العراق استطاع رد هذه هجمات اهل الشام بصلابة وحسم المعركة لصالحهم . فادرك معاوية ان الامام الحسن مصمم على القتال فلجأ الى اسلوب الغواية والاغراء بالاموال والمناصب وهذه هي عادة الجبناء وفي الليل ارسل الى عبيد الله بن العباس ان الحسن راسلني في الصلح وسلم الامر لي فان دخلت في طاعتي الان تكن متبوعا خير لك من ان تكون تابعا غدا ولك ان اجبتني الآن ان اعطيك الف الف درهم في هذا الوقت نصفها وعندما ادخل الكوفة ادفع لك النصف الآخر.
وليس غريبا على معاوية ممارسة هذه الاساليب الدنيئة فقد مارسها مع امير المؤمنين من قبل عندما رفع المصاحف وغيرها ولكن العجيب ان يتواطئ هذا الخائن مع من قتل ابنيه الصغيرين في غارة بسربن ارطأة المشهورة في اليمن بأمر من معاوية ويخون ابن عمه وابن رسول الله من اجل دراهم معاوية نعم لقد انسل الخائن عبيد الله بن العباس في الليل ودخل عسكر معاوية ومعه بضعة الآف من المنافقين ممن باعوا آخرتهم بدنياهم.
وكان معاوية هو اول من تكلم في الصلح كاذبا ونشر ذلك في صفوف جيش الامام الحسن. وفي الصباح انتظر الناس ان يخرج قائدهم ليصلي بهم فجاءهم الصوت من معسكر معاوية: ان اميركم عبيد الله بن العباس مع معاوية في خبائه والحسن بن علي قد وافق على الصلح فعلام تقتلون انفسكم . لكن هذه الخدعة لم تفت على القائد البطل قيس بن سعد ولاعلى اصحابه الاوفياء فصلى بهم وامرهم بالصبر والثبات والقتال ومناهضة معاوية مهما كان الحال فأجابوه لذلك وعاهدوه على المضي في القتال حتى النفس الاخير.
كان موقف عبيد الله بن العباس قد فتح الباب لذوي النفوس الضعيفة والقلوب المريضة للغدر والخيانة والتسلل الجماعي الى معسكر معاوية فتذرعوا بموقفه لانه ابن عم الحسن واولى الناس بمناصرته والتضحية دونه فكان من اسباب تفكك جيش الامام الحسن . وفي مقابل هذا التفكك والانهزام والخيانة فقد نشط اصحاب معاوية في نشر الترغيب والترهيب في صفوف جيش العراق فاستمالوا رؤساء ربيعة فراسل خالد بن معمر احد زعمائها البارزين معاوية وبايعه عن ربيعة كلها كما راسله وبايعه عثمان بن شرحبيل احد زعماء تميم وتتابع الخائنون من جميع كتائب الجيش وقبائل الكوفة وكتبوا الى معاوية بالسمع والطاعة واستحثوه على السير نحوهم وضمنوا له تسليم الحسن اليه ان شاء عند دنوه اوقتله!.
ووقف الامام لينبه اهل الكوفة الى ما سيؤول اليه مصيرهم جرّاء خيانتهم لامامهم وطاعتهم لمعاوية قائلا: ويلكم .. والله ان معاوية لايفي لاحد منكم بما ضمنه في قتلي واظن اني ان وضعت يدي في يده فاسالمه لم يتركني ادين بدين جدي واني اقدر ان اعبد الله عز وجل وحدي ولكن كأني انظر الى ابنائكم واقفين على ابواب ابنائهم يستسقونهم ويستطعمونهم بما جعل الله لهم فلايسقون ولايطعمون فبعدا وسحقا لما كسبته ايديهم وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
ولكن كل هذه النصائح الرشيدة والمواعظ البليغة لم تنفع فيهم بل ازدادوا غيا وضلالا وشاعت الخيانة وكثر الغادرون وفي احد الايام وبينما كان الامام الحسن يصلي رماه رجل بسهم فأصابه!
اطمأن معاوية بان المعركة لو وقعت بين اهل الشام واهل العراق فستكون لصالحه وسيكون الحسن واهل بيته والمخلصون من اصحابه خلال ايام معدودات ما بين قتيل وجريح ولكن استيلاؤه عليها بالقوة لايعطيها الصبغة الشرعية التي كان يموّه على الناس بها فأذا مااصيب الحسنان فان الامر سينقلب عليه فهما سيدا شباب اهل الجنة وريحانتا الرسول وهذا لايجهله المسلمون لذلك ولغيره عرض على الحسن فكرة الصلح في اولى رسائله وترك له ان يشترط ويطلب مايريد وراح يردد حديث الصلح في مجالسه وبين انصاره في جيش العراق ويامرهم باشاعته وكاتب القادة والرؤساء به ليبث روح التخاذل والاستسلام بينهم وكانت خطته انه بعد ان ينجح في ذلك يستطيع ان يتخلص من الحسن باغتياله سرا اوقتله بالسم كما فعل.
اما الامام الحسن فلم يكن يفكر في الصلح مع معاوية ولابمهادنته وقد دعاه الى بيعته اكثر من مرة كما ذكرنا غير انه لما شاعت الخيانة في جيشه وانسل عدد كبير من جيشه الى معسكر معاوية مما ادى الى تفكك جيشه ولم يبق معه سوى اهل بيته وعدد قليل من اصحابه الاوفياء فرأى انه ان خاض بهم الحرب فسوف يبادوا كلهم خلال ايام وربما على يد الخونة من جيشه كما كتبوا بذلك الى معاوية ولو فعل الحسن ذلك وقاتل معاوية بمن معه لآلت الامور لصالح معاوية ولصاح معاوية على المنابر انه عرض الصلح على الحسن ولكن الحسن ابى الا اراقة الدماء.
وكل ذلك لم يكن ليخفى على الامام الحسن فهو يعرف معاوية ويعرف غدره ومكره ودسائسه وقد احاط بكل ما يترتب على المضي في الحرب والصلح من نتائج ومعطيات فكان الصلح على مافيه انفع لمصلحة الاسلام واقل ضررا وقد تم الصلح كما املته حكمة الحسن في سبيل مصلحة الاسلام العليا فهو اولى الناس بحفظ الاسلام والدفاع عنه ومصلحة الاسلام عنده فوق كل شئ وبالتالي فهو الامام المفترض الطاعة والمعصوم من الخطأ والمنزّه من الزلل كما قال رسول الله (ص) : الحسن والحسين امامان قاما او قعدا.
(الإمام بعد الصلح)
كانت هذه الفترة من اقسى ما لاقاه الامام الحسن في حياته فقد رأى عدو الاسلام معاوية يدخل عاصمة ابيه دخول الجبابرة فبقي اياما في الكوفة وهو حزين متألم ثم اخذ يعد العدة للرجوع الى مدينة جده (ص) بعيدا عن قوم غدروا به وبأبيه واقام (ع) في المدينة المنورة ينشر تعاليم الاسلام ويساعد الفقراء والمحتاجين وينصر المظلومين.

لكن وجوده كان ثقيلا على معاوية فأخذ يعد العدة للتخلص منه باساليبه الغادرة التي مارسها مع الكثيرين حتى واعد جعدة بنت الاشعث زوجة الامام الحسن بعشرة الآف دينار ان هي سقته سماً. وارسل اليها السم فجعلته في طعامه فمات منه وكان ذلك يوم السابع من صفر سنة 49 وعمره الشريف 47 سنة.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي فضيله الشمري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/06/12



كتابة تعليق لموضوع : الإمام الحسن وظلامته والصلح الذي كشف زيف الطغاة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net