صفحة الكاتب : د . حازم عبودي

الوسائط المادية للتصوير في جدارية الخزاف بسام ريجارد " التراث سفينة العراق "
د . حازم عبودي

 

بعد ان شغل العلم والدراسات النقدية الكثير من الجوانب في حياة الكتاب والمؤلفين لازال البحث جاريا عن اخريات تتمثل في سياقاتها ومجاوراتها النهج ذاته لكنها تقترب وتتفرد احيانا , وموضوعة الفلسفة النقدية في فنون العنوان والموضوع لابد ان تتعلق بمزايا وملامح وخصائص وسمات معينة هي على الارجح لاتتجاوز حدود الموضوعية التي من شأنها ان ارتكزت في مبادىء التكوين (الفكرة والموضوع والتعبير )الى نشر ثقافة الفن , الا ان الفلسفة تتطلب الاعتقاد الجمالي والفني  ووصفت تلك المعتقدات باهميتها وعليه ان البحث في الفلسفة والمعتقد مجال يتضح حينما نتمكن من رسم جمالياته في ميدان الفنون التشكيلية والخزف واحدا منه .
تعمدنا قراءة الجدارية ذات الابعاد 10 قدم طولا و3.5 قدم عرضا من نهايتها في وصف حي لمجريات التاريخ والحاقه بحديثه ومعاصرته تمثل (الجدارية )العمل الجداري الخزفي برمته اربعة عشر جزءا تفاوتت مساحتها وابعادها واضلاعها فجاء الموضوع وقراءته من جانبين ايسر المتلقي او يمينه ذلك ان الخزاف (بسام) امتلك الرؤية الواضحة لهكذا اعمال ومنذ البدء في امتلاكه الرؤية في الجمال وعلم الجمال مستعينا بما يتعلق بطبيعة الفن وقيمته , اذ ليس بمفهومنا التحدث عن الموضوع والعمل الخزفي وماتلاه دونما التعرض للشواهد المتعلقة بجزئياته كونها الادلة في التعرف والكشف عن الفنون , ودراستنا الحالية في خضم التعرض لمحتوى الجدارية التراثية وتسليط الضوء على مفرداتها ومستوايتها الشكلية فضلا عن جزئياتها , ومثل مااسلفنا يتكون الجزء الاخير من موضوعة (التراث سفينة العراق )والتي سيتم قراءتها من النهاية وحتى البداية بصورة افقية للاجزاء (14,13,12,11)ذات البعدين الطول والعرض فقط (الجزء 14 من يسار المتلقي (والجزء الاول ) من يمينه شكل مثلث ذو اطار زيتوني اللون او الاخضر الغامق احتوى على مساحات بزاوية 40 درجة صفراء وبنية غامقة لخطوط متعرجة ومنكسرة شغلت بغية اضفاء سد الفراغ كونها جزء من كل كما ووسم اللون البني بمنمنمات زخرفية ونقاط وخطوط .
في حين ظهر الجزء الثاني (13) من شكل هندسي شبه مربع تفاوتت اضلاعه الزيتونية اللون , احتوت على مساحتين متقابلتين ومتناظرتين من تمارين خط الثلث العربي مع ميزان الذهب (النسبة الذهبية )وبلون ابيض احاطت مقطعا (سبع عيون ) ذو لون ازرق شذري نفذه الخزاف فوق ارضية بنية اللون , الكتابة والاشكال هي من تراث العراق في لغته وعاداته وضعت في حضن مجموعة من المربعات الهندسية المتجاورة وغير المتشابهة في اللون ومنها الاصفر والابيض الوردي والاحمر والوردي والبني الفاتح والذي لم يخلو ايضا من شكل (سبع عيون ) والشكل سبع عيون مهيمن للشعب العراقي باعث عن الطمأنينة وباعد عن الحسد لذا كرره الخزاف .
اما المقطع 12 وهو الجزء جاء شبيها بسابقه من حيث العناصر الكتابية للخط العربي ومكملا لامتداد الاشكال المربعية الهندسية ذات اللون الابيض الموشى باربعة مثلثات اتجاهية ذات محورية دائرية ثم مربع بني غامق واخر اصفر ذو ملمس نقطي خشن .فضلا عن الجزء الحادي عشر او المعرف بالرابع وضعه الخزاف (بسام ) فوق الجزءين( 13 ,12)  تمثل بوجود ملامس ثلاثية الابعاد نافرة بشكل واضح عن ارضيتها تمثل جانبها تعرجات اتصفت بطبيعة جبال منطقة الشمال العراقي ويجاوره بعض من الكتابات القديمة للحضارات العراقية الغابرة ربما تقترب من الاشورية .
اما الجزء الجداري (10 ) فكان عموديا على اجزاء اخرى متكونة من اربع اجزاء ويجاورها اربع عمودية اخرى , تمثل الجزء العلوي بشكل لطير ابيض اللون يتجه صوب مقدمة القارب لاينشر جناحيه ناعم الملمس البصري وهنا دليل لاستخدام الوسائط المادية للتصوير في رمزية عالية عن مايكمن في طيات الزمن ومعناه ربما لايمثل هجرة الخزاف الى موطنه الثاني (امريكا ) وانما حساباته بالعودة الى الوطن الام (العراق ), في حين جاء الجزء (9) شبيها ب(13,12)وظف الخزاف اضلاع المربعات بتشابه كل اثنين ذلك ان الجدارية هي موضوع موحد يرتكز الى الكلية المتشظية وان كل جزء يمثل زاوية وموضوع ملحق بسابقه واخره ,حيث الشناشيل البغدادية ثلاثية الابعاد بزجاج ازرق ووزهري , وهو طراز عرفت به الدول الاسلامية والفاطمية والعثمانية في مدن كالقاهرة وتونس والرباط والقيروان وبغداد , كما رفعت الكتابة بخط ديواني (ماشاء الله) وهي من الكتابات التي تتواجد فوف جدران العمارات والبيوت بشكل عديد , وجاء اسفل الكتابة قوسين ازرق وشذري في تأكيد لنهري دجلة والفرات في بلاد الرافدين .
هكذا يتعرض الجزء (8) (شكل طيني من سبع عيون زرقاء اللون )تتوسط المربعين  والجزءين  (9.7) حيث السابع كسابقه مربع الشكل فيها باب ذو منحنى قوسي باللونين الاخضر والوردي , فيما تواجدت بعض من المساحات المعينية والى جانبها خطوط هندسية حمراء وزرقاء تدل بلاشك عن زجاجيات الشناشيا التي تضفي جمالا على متلقيها وحتى ساكنيها انذاك .لقد حاول (بسام ) في استكمال جداريته من خلال اضافات وسائطه الشكلية في الرسم والنحت والفخار فتعرض الى الجزء (6) وهو مربع ايضا لايختلف كثيرا عن (13,12,6,4)احتوى الجزء على هلال ابيض اللون يحيط بسعف نخلة مثمرة خضراء اللون والى جانبه وجه امرأة ريفية ترتدي عباءة سوداء ورداء باللونين الابيض والاحمر , حتى لنجد ان الجزء (3) تم استكماله ليعرب عن لونية في بنية غامقة وفاتحة تماثل موج النهر او الاهوار وضعها الخزاف في اسفل القارب او الجدارية .ولعل ان الاجزاء (10.9.8.7.6.5.4.هي عمودية في التكوين الجداري مثلت الشراع في القارب .
ومن خلال الجزء ماقبل الاخير وهو الثاني جاء محملا بالعديد من الرموز وابرزها الثور رأس ثور مقرن يحمل على جبينه (خضرمة) زرقاء هي ايضا من معتقدات الفلاحة للحفظ من العين ويشابه الى حد كبير اصل الزراعة في الزمن السومري والاشوري والبابلي يستند الرأس الى اوراق شجرة خضراء اللون ظهرتا بصورة متقابلة ومتناظرة امامية المشهد واسفلهما رموز لكتابة بخط الثلث وهذا ايذان باستمرار الكتابة منذ غابر الزمان ووجود انسان الحضارات حتى يومنا الحالي , كما وتوجد حمامة بيضاء تجثو فوق ايوان يحتوى على فانوس عربي تراثي ريفي حيث لاتوجد الطاقة الكهربائية .
واخيرا حل الجزء الرابع عشر او الاول في التتبع واصفا مقدمة قارب وضعت سمكة كبيرة على جداره باتجاه مقدمة الزورق تطفو فوق زرقة مويجه ماء النهر .
هكذا كانت رحلة الفنان مع تراثه العراقي عميقة ثاوية في التاريخ وناجعة في ذكرياته العصية على النسيان سجلها واضحة في فخاره النحتي كمظهر فني وجمالي لايخلو من الاثر والتأثير واستعارته للحوادث والاماكن والازمنة في الحياة الواقعية وعالجها بدقة عالية من خلال شكلانية السفينة ومضمونية احداثه وارتباطه بنظم العمل الفني في مجال الخزف كونه العالم القائم بذاته تارة في الرسم واخرى بالخط العربي واخرى بالنحت وكلها صيغت ببوتقة النار والصهر في الافران لشيها ثم افعمها باللون واكاسيده بل وزجاجه من خلال استخدام الالومينا والاركلاين ,وبالتالي جعلنا في مساوي لغته الفنية بعد ان نظم عناصر تشكيلاته وبادلنا جسمانية كتله الطينية هكذا نجح الخزاف (بسام ) ان جعلنا في احساس مادياته الوسائطية كما وماثلنا تصوراته واسلوبه واوردنا لونياته المشبعة بالافق التراثي لمجتمع عراقنا المعاصر .
 
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . حازم عبودي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/05/22



كتابة تعليق لموضوع : الوسائط المادية للتصوير في جدارية الخزاف بسام ريجارد " التراث سفينة العراق "
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net