صفحة الكاتب : محمد كاظم خضير

امة لاتقرأ يسهل خداعها
محمد كاظم خضير

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

من يتأمل واقعنا العربي من حيث المعرفة والثقافة، أو بمعنى أدق (القراءة)، يشعر بالاندهاش وربما يصاب بالصدمة من هول الحقيقة المؤلمة فـــ(أمة اقرأ لا تقرأ)!

حيانا الحال يغني عن السؤال والجواب معا ! العرب لا يقرأون , واذا قرأوا لا يفهمون , واذا فهموا لا يعملون (موشى ديان) . بغض النظر عن الهدف الذي أدلى من أجله بهذا التصريح , يكاد يكون وزير الدفاع الاسرائيلي في حرب 67 قد أصاب كبد الحقيقة ! وللأسف في أمة أول كلمة نزلت عليها في كتابها المقدس (القرآن الكريم) قوله تعالى ( إقرأ) , وعلى أمة كانت الأمية تطغى عليها , والغالبية العظمى منها لا تكاد تجد قوت يومها . بل تجد أنه مع ارتفاع مستوى الدخل وانحسار مستوى الأمية في جميع انحاء العالم الاسلامي , وارتفاع نسبة المتعلمين والمثقفين , ومع ذلك تجد المشهد الثقافي في تقهقر مستمر ! شارع المنتبي  في بغداد  (معقل الثقافة) في العراق العظيم , حيث تتركز فيه دور الطباعة والنشر والمعرفة والمكتبات العريقة , بدأت تنحسر شيئا فشيئا وتحل مكانها محلات السيراميك والأدوت الصحية بكل مستلزماتها والمخازن الخاصة بها , هذا الأمر بدأ منذ بداية الثمانينيات من القرن الماضي يعني قبل الثورة التقنية والمعرفية , حيث كان الكتاب الورقي سيد الموقف . بل أصبح من المعتاد إن تجد في جميع الدول العربية والاسلامية بدون استثناء الإغلاق المتواصل والمنظم للمكتبات الثقافية , أو تحولها إلى ممارسة أنشطة أخرى تدر عليهم أرباحا (الموت البطيء) ! بل تجد إن معظم المكتبات القائمة والتي ما زالت صامدة حتى الآن ,  قد بدأت في التركيز على المستلزمات المدرسية , الأدوات الكتابية , التجهيزات المكتبية , الأجهزة التقنية , الألعاب ! ولم يعد الكتاب (الثقافة) تشغل إلا حيزا صغيرا من تلك المكتبات , بل لا يكاد أن يبين (لزوم) الديكور , وتجد معظمها كتب بالية قد عفا عليها الزمن وذات لون ثقافي واحد (لا جديد) . أما الصحف والمجلات فمنذ فترة طويلة لا تجد أحد يلتفت اليها لأسباب لا تخفى على أحد (ضعف المحتوى) و (مقص الرقيب ) ! بل تجد أن دور النشر أصبحت لا تغامر في طباعة أي اصدار , بل وغالبا ما يتم ذلك عن طريق المؤلف أو الدخول معه في (شراكة) ! أو تتم الطباعة عن طريق الأندية الأدبية والتي بدورها تعاني من (سبات شتوي) طويل أو تتم الطباعة من قبل (فاعل خير) ! بل تجد العديد من أعلام ومثقفي الأمة الأحرار قد عاشوا وماتوا فقراء لا يملكون من حطام الدنيا شيئا (العقاد) مثالا . حقا الأمة التي لا تقرأ تموت قبل أوانها (مالك بن نبي) . ما يقوله المفكر الجزائري يتجسد في الواقع الأليم الذي تعيشه الأمة , حيث تنتشر الحروب والأرهاب والتطرف والفقر والجوع وتجزئة المجزأ وتقسيم المقسم  , والبعض يصارع من أجل البقاء ! في الماضي كانت القاهرة تؤلف وبيروت تطبع وبغداد تقرأ , والآن انظر إلى حال تلك الدول ؟! هناك مقولة قديمة جدا تقول : (قل لي ماذا تقرأ أقول لك من أنت) , كي تتأكد من صدق هذه المقولة , ما عليك سوى أن تلج إلى أي مجلس أو مضافة أو ديوانية , وحاول أن تستمع إلى الأحاديث التي تدور بين الحضور لتعرف إلى أين وصل ( المستوي الثقافي) ! في المطارات تم تأمين! بل تجد أن البعض لم يتصفح كتابا أو يقرا في مجلة أو صحيفة منذ سنوات ! المشكلة أن تجد أن البعض ما زال يكابر ويستشهد بقيمة المبيعات التي تحققها معارض الكتاب , مع أن الكتب التي يتم بيعها في المعارض تستخدم غالبا في الزينة , على اعتبار أن المكتبة في المنزل جزء من الديكور مثلها مثل غرفة النوم والمجلس والطعام ! بل أن معارض الكتاب تحولت إلى أماكن للترفيه (فعاليات للعوائل والأطفال والهدايا ) اضافة إلى الندوات والمحاضرات والمسابقات المسيسة (الموجهة) , والتي ليس لها علاقة بالثقافة غالبا ، وتجدهم يبررون ذلك بأن هذه الفعاليات تتم على هامش معارض الكتاب ! مع أنها أصبحت تطغى عليها وتكاد تكون هي القاعدة والمعارض هي الإستثناء ,  ومن دونها سوف تجد الاقبال على هذه المعارض ضعيفا جدا, ناهيك احيانا عن الارقام المبالغ فيها التي يقدمها القائمون على تلك المعارض , لاثبات نجاحها وضمان استمرارها  (تبادل منافع) . أما الجانب التقني (الثقافة الالكترونية)  فليست بأحسن حالا , بل أصبح من المعتاد أن تجد مقطع تافه أو تغريدة شاذة أو خبر ما وقد حقق نسبة مشاهدة تجاوزت الملايين , بينما تجد المقالات الثقافية الجادة و(العميقة) في الطرح لا تحظى بأي أقبال , واحيانا لا تتعدى اعداد القراء العشرات , مع انها قد تكون عائدة إلى كتاب ومفكرين يشار إليهم بالبنان . بل تجد أن المقالات التي تتحدث عن اسعار الغذاء والماء والكهرباء والهاتف والصحة والبلديات تحظى باقبال منقطع النظير من قبل القراء (ثقافة الخدمات. وفي دراسة  يبلغ معدل القراءة عند المواطن في امريكا ما يعادل (16) كتاب سنويا , أما في العالم العربي فمجرد (ربع صفحة) ؟! في الغرب تجد الكتاب رفيق درب المواطن , حيث تجده دائما معه في حله وترحاله , وهنا يكمن السر في تقدم هذه الأمم . الخطب كبير والمصاب جلل والحلول لا يمكن اختزالها في كلمات أو اسطر . يبدأ الحل من المنزل (تنمية ملكة القراءة) ثم المدرسة والجامعة ( تنمية ملكة البحث )  والادارة بل والشارع , وكل منها بحاجة إلى وقفة وتفصيل


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد كاظم خضير
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/04/16



كتابة تعليق لموضوع : امة لاتقرأ يسهل خداعها
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net