صفحة الكاتب : د . طلال فائق الكمالي

حديث يوم الأثنين: الحلقة 17 الصدمة:النظرية والإجراء.
د . طلال فائق الكمالي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

في منتصف القرن الماضي نضجت فكرة نظرية الصدمة التي عرض مفهومها (دونلد كامرون) والمتضمنة إمكانية صناعة إنسان جديد بتفكير وعواطف وأحاسيس جديدة عبر انسلاخ الشخصية القديمة وإلغائها، فقد ذهب كامرون إلى أنَّ الأفكار والمشاعر والأخلاق تأتي من مصدرين هما: ذكريات الماضي وإدراك الحاضر، ولكي يتم أعداد شخصية جديدة لأي إنسان يتوجب إلغاء شخصيته القديمة؛ لذا نجده عرَّض ـ عن طريق تجاربه ـ بعض الأشخاص لجلسات كهربائية وارغمهم على تعاطي عقاقير الهلوسة لكي يمحو خزين ذاكرتهم، ومن ثم سعى لتعطيل إحساسهم بمحيطهم وإدراكهم إليه، فكان يحجرهم في غرف مظلمة يسودها الصمت بغية تعطيل ذكريات الماضي ومدركات الحاضر، حينئذ سيكون هذا الإنسان الجديد طوع توجيهات العامل عليه يأتمر بأمره وينتهي بنهيه، من أجل ذلك نجد أنَّ الاستخبارات الأمريكية استفادت من فكرة هذه النظرية وطبقتها إجرائياً على معتقليها في غوانتنامو وأبو غريب للغرض نفسه. 

ولأن مفهوم نظرية الصدمة وفكرتها اغتيال لماضي الأشخاص وشل لحاضرهم وخنق مستقبلهم سعى (ميلتون فريدمن) إلى تطوير تلك النظرية من تطبيقها على الأشخاص إلى تطبيقها على الشعوب من أجل الهيمنة عليهم والسيطرة على مصادر قوتهم لتكون تلك الشعوب أسيرة لأميركا؛ بل جعلها أحد أدوات إمبراطورتيها السياسية وماكنتها الاقتصادية وسوقاً مستهلكاً لمنتوجات الشركات الرأس مالية التي لا تفهم إلا لغة المال فحسب حتى لو تلوّنت بلون الدم وتعطّرت برائحة البارود. 

ولتحقيق ما تقدم إجرائياً كانت ضحية أميركا دول متعددة كان من بينها العراق، فقد سعت تنفيذ (الصدمة) عبر أدوات كثيرة منها: إشاعة الفساد، الحرب الطائفية، ارتفاع الأسعار، انهيار المثل والقيم، أعمال شغب، مظاهرات غير منضبطة، خطف ونهب وقتل في الشوارع، هنا أُشيعت فوضى عارمة قادت البلاد نحو نفق مظلم لا يعلم كيف سيُسدل ستار مشهد ازماته، ومتى تكون نهاية خلاصه؛ لدرجة أنْ يأس الشارع من الحل واستسلم لواقعه القاسي وآل الحال به إلى أنْ يُشل تفكيره وتختلط الأوراق أمامه لينتهي إلى الصدمة المنشودة التي ينسى الشارع فيه تاريخ معاناته وآهاته لدرجة أن يترحم على الطغاة والجبابرة وأيام القحط والذل والمسكنة ليُعلن علناً أنه مستسلماً لكل طلبات صانعي الصدمة ولكل خياراتهم.

إنها الصدمة التي يؤول الشعب فيها إلى اليأس عن النهوض بواقعه اقتصادياً، سياسياً، فكرياً، إداريا، أخلاقيا هنا تأتي الارادات الأجنبية لتقول قولتها وتنفذ خططها على أرض الواقع من دون عناء وجهد ومن دون أن يقلقها صوت الصحوة لا من قريب ولا من بعيد ويُسدل ستار تاريخ أمة.

أقول: متسائلاً بعد أنْ تقبلنا الصدمة بمحض إرادتنا، وترحمنا على قاتلينا، واستسلمنا لأجندة صناع الصدمة... هل انتهى كل شيء في ضوء استسلامنا؟ هل فقدنا كل الحلول بلحاظ تشتت أفكارنا؟ أم اختلطت جميع الأوراق بما فيها أوراق أولوياتنا؟ أم اختلت الموازين فبات المعروف منكراً والمنكر معروفاً عندنا؟

أقول والقول لله تعالى) : إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ)


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . طلال فائق الكمالي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/03/20



كتابة تعليق لموضوع : حديث يوم الأثنين: الحلقة 17 الصدمة:النظرية والإجراء.
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net