صفحة الكاتب : علي حسين الخباز

المشغل النقدي (6) قراءة في حركة الأدب النسوي
علي حسين الخباز
لجنة البحوث والدراسات  في جريدة صدى الروضتين
 
آفاق التجربة الدلالية..
 
يرى بعض النقاد أن النثر هو الأدب النقيض للشعر على أساس أن للشعر قدرة تحطيم اللغة العادية دون النثر، وإعادة بناءها الجملي في المرتبة المتدنية من الشعر، ولكن هذا الرأي أصبح غير مجدٍ أمام ما حققه النثر من قفزات.. 
نوعية قربت خطواتها عبر الشعرية باستخدامها التكثيف، وخرق قانون اللغة، واكتساب صفة الشعر الشعري بما انجزه من انزياحات وتنوعات اسلوبية مرتكزة على الدلالية، بل نحن نرى أن النثرية أقرب الى اكتساب الشعرية من خلال تخلصه من معرقلات الاسترسال الشعري: كالوزن والقافية والنظم، ومن ثم الميل الموجود في النثرية الرسالية وهو الميل الى المضمونية، واحتواء الأحاسيس الإنسانية.. وبالنسبة للنثر تعد من الطاقات الفكرية والدخول الى بنية النص التعبيري الدلالي.. اليوم تحتفي صدى الروضتين بمجموعة من الأديبات الكاتبات التابعات الى مفردات العمل التثقيفي لقسم الشؤون الفكرية والثقافية في النثر، ارتكزن على تعدد الموجهات الأسلوبية التي رسمت علاماتها دلالات فكرية لها حراك انساني مثقف اكتسب الرؤية الواعية... 
 أولاً/ الكاتبة المبدعة مديحة الربيعي في بدء استهلالية تبين للمتلقي ماهية عروض التدوين، والمحافظة على تعدد القراءات والرؤى الفكرية التي تتعاطى مع نهضة الحسين (عليه السلام)، وتبدأ بتقسيم هذه الأصناف، فمنها ما يترك الفكر جانباً، ويقدم النهضة الحسينية، بما منحت العالم من شعور بالألم والفاجعة، وأسلوبية التدوين المصائبي لا يعتمد على ابراز القضية الفكرية، بل على حضور الأحاسيس، لكن الألم هو أيضاً معنى صوري للأحداث، حيث هناك الضرب والطعان والسلب والسبي والقتل.
 وترى الكاتبة الربيعي أن فعالية التأثير فاعلية آنية غير قادرة على خلق معايشة فكرية، والقسم الثاني تجدد يعتني بمقومات تحرر الثورة؛ بسبب ادراكه لهذه النظم الفكرية التحررية اللازمة لصناعة ثورة، وهي بذلك تكون وكأنها غير معنية بالقيم الوجدانية.. وتنظر الى القيمة السياسية دون ارتباطها بالرسالة السماوية.
 والقسم الثالث الذي صنعته الكاتبة هو الذي يتماهى مع الثورة، وترى الكاتبة أن هذا الصنف هو الذي يدرك ما معنى جهاد النفس، ويتعامل معها كثورة تحررية تتغلب على النوازع الانسانية، لتحطم عروش الطغاة، وقيمة هذه التضحوية هو ارتباطها الأسمى بالمثل السامية.. وتطلق الكاتبة دعوتها المبدعة لكل من تؤمن بتلك الثورة أن تؤمن بمرتبة الصنف الثالث، وهو طريق السائرين على درب الحسين (عليه السلام)، وضرورة القيم التضحوية السامية. 
****
ثانياً/ موضوع بعنوان (قدمت كربلاء فالكائنات عزاء) للكاتبة المبدعة (أمل الياسري) التي بدأت استهلاليتها بعملية جذب ارتقائي مبدع، بدأته بشهادة رجل سياسي، يدرك على الأقل معنى القيم التضحوية، فهو لم ينظر الى مسألة الحسم العسكري، وإنما نظر الى قيمة التاريخ التي خلدت التضحية وتناميها العجيب الذي استطاع أن يخلد شعارا بشعار الحسين المدوي (هيهات منا الذلة).
 استمدت الكاتبة من الموروث السياسيي قصة زعيم لا يهمنا منه سوى ما استوعبه من درس انساني واع من نهضة الحسين الفكرية، والحديث عن آفاق التجربة الدلالية، نلاحظ أن مرتكزاً مثل هذا سيأخذنا الى أفكار المسكوت عنه.. مثلاً.. ألا يشعر الانسان بحسرة أن يعي أجنبي لا علاقة له بالدين أبعاد ثورة الحسين (عليه السلام)، ويجهلها الكثير ممن يدعي الاسلام ديناً، وينصب نفسه داعية دين ودولة.
 يتجسد وعي الكتابة عند الكاتبة (أمل الياسري) هو تمكنها من السيطرة على أكثر من مسرى قصدي في آن واحد، فهي استشهدت بقول الزعيم الفيتنامي لتصل صلب موضوعها، الذي ينظر الى تفاوت الجيشين، من المؤكد أنه سيفكر بأن الحل العسكري الوحيد لإنقاذ الموقف هو فرض التراجع والانسحاب والاستسلام، فاستحدثت في موضوعها بعض الجمل المعبرة عن صلابة الموقف الحسيني مثل (السخاء الحسيني، عرش الشهادة الأبدي)، ومن ثم تحويل هذه الرؤية الى تاريخية، رؤية الواقع الذي افرز صلابة الواقعة في موقف المرجعية، وأبطال الحشد.. منطلقة من اتحاد الصرخة بصرخة اصحاب الحسين، الذي هد عروش الطغاة، وصرخة ابطال الحشد الجهادي الذي يقض مضاجع الدواعش، فنجد أن قوة الموضوع تكمن في استخراج الموقف الثوري المعاش من رحم الموقف التاريخي.. هذه هي لغة التجربة الساعية لتفجير البنية الشعرية في خضم الموقف كمعالجة من معالجات البناء التدويني. 
**** 
ثالثاً/ موضوع الكاتبة ايناس محمد حسين المعنون (الاعلام بين التوجه والتضليل) لغة سردية هادفة، تجسد وعياً يقوده رأي خاص للكاتبة يمثل مستوى النضوج، وعلاقة النص بالتلقي على مستويات مختلفة من القبول، فهي اشتغلت على حيثيات عرض الواقع، وكأنها تكتب عرض حالة الوطن ومعاناته.. مثلاً ابتلاؤه بالحرب النفسية والإعلامية التي تعرض لها، وتتأسف لكون الظروف المحيطة بأوضاع العراق ساعدت في نمو واتساع مخاطر هذه الحرب.
 كنا نود ونتمنى أن تدخل صلب الموضوع؛ لتوضح لنا كيف ساعدت هذه الظروف وماهيتها، وما الذي تريده من خلال هذا الموضوع.. وفي محور آخر تقول الكاتبة ايناس محمد حسين: حتى بتنا لا نفهم اين هي الحقيقة؟ بينما نحن نؤمن بأن جميع القوى التي صورت او تصور قابلا من تصورات لا تستطيع ان تقضي على مدركات هذا الشعب، والحرب القائمة هي قامت ضد وعي الشعب العراقي الذي لم يتقبل يوما كل اغراءات التطبع والتطبيع التي نجحت في بعض الدول العربية.
 لكن في العراق، كان وعي الشعب العراقي في غاية قوته، مع ما أوصلته الحروب المستمرة التي انهكت البلد.. وفي معنى آخر تقول: ولماذا اصبح العثور عليها في الاخبار والكتب ووسائل الاعلام، صعبا لدرجة كبيرة؟ نرى ان الحقيقة المؤمنة لا تمنحها وسائل الاعلام، فالتيه الحقيقي هو طلب البحث عن الحقيقة في اعلانات منطفئة، وترى أن كل مواطن يحتاج أن يضع لنفسه جهاز تحكم خاص يحدد به وجهته ليدرك عراقيته، وهذا برأينا هو حل ارتكازي مهم ومحصن ذاتي لابد من تشجيعه وتطويره.. وبهذا الوضع يستطيع أن يدرك بوعيه الحقيقة.
 وعملت الكاتبة على تحفيز الوعي الوطني، واليقظة ضد زراعة الطائفية، والانتباه لزراع الفتنة.. كانت حسنة الموضوع اولا التركيز على وحدة الوطن والدفاع عن العراق الموحد، وضرورة الانتماء الى الهوية الوطنية.. وفي الخاتمة نجحت الكاتبة في الحصيلة السردية لتطالب بوقفة اعلامية وطنية لمواجهة الاعلام المنحرف، وهذا هو الوجود المعنوي لنجاح الموضوع. 
****
رابعاً/ الموضوع خاطرة بعنوان (رسالتي اليك يا حسين) للكاتبة اللبنانية المبدعة رجاء بيطار، قبل الدخول الى استقراء الملامح العامة لهذه الخاطرة، علينا أن نقول: ان تجربة الكاتبة رجاء بيطار الابداعية أكبر من أن تحتويها خاطرة وعودة نفسية لموضوع معنوي، فهي حاولت ان تدفع باتجاه المد الشعوري المتسع؛ لاحتواء الشغف الانساني، ويتم ذلك بلغة منفتحة على العديد من الصياغات الاسلوبية لتكامل البنية المعنوية للنص: 
 أولاً: ارتكزت على خبرتها بادارة نسقية الافعال، فابتدأت بأفعال مضارعة من اجل بعث الاستمرارية، فابتدأت بأفعال المضارعة: (يرفرف/ يمتد/ تتلوى/ نلتقط..).. الخ.
ثانياً: اعتمدت على علامات الاستفهام التي تفتح المعنى الى رؤى تعبيرية لإغناء المساحة المتاحة للسرد من أجل شد الانتباه على الحدث، ومتابعة الاجوبة بما تمتلك من فسحة سردية: (وهل؟/ فيم؟/ بأي؟ ماذا اقول بعد؟ وماذا اكتب؟) 
 ثالثاً: ترتكز على علامات التعجب، ساعية لتنبيه المتلقي من خلالها، وشد كذلك التركيز على الموقف المعنوي.. ولو جئنا بمثله مداداً..!/ وما أحلى الفناء فيك يا حسين..!/ يا حسين مدد... الخ.. ومن تلك العلامات التعجبية، ما يتواءم مع الجمل الاستفهامية، فتقترن العلامة الاستفهامية مع علامات التعجب. 
رابعاً: ارتكزت اللغة الدلالية على مفهومي اللازمة لخلق نسيج صوتي يوائم بها وحدة الموضوع، وهذه اللازمة مثل تكرار (يا حسين) في بداية بعض الجمل وبنية التكرار للتوكيد، ومع هذا قادرة على تعميق التأثير، وصناعة جرس موسيقي يسترسل الجمل بقوة مثل: (ولكن/ حسب/ اجل/ ولو/ ...).. الخ... مع استنطاق اللغة الدلالية من خلال رسم ملامح الاستثناءات بقوة بعض من لغة المصطلحات مع وجود طول غير مبرر لاحتياج النص الى تكثيف.
 على كل حال.. اشتغلت الكاتبة في نص نثري شاعري بأحاسيسها ومشاعرها الجياشة للرمز الحسيني، وفيه الكثير من البؤر الجمالية العالية القيمة: (واني لم افهم معنى هذه الدمعة إلا حين اذرفها بحرقة وحنين.. ذلك انها فطرة من عطاء الاله يجود بها على من منّ عليه بهداه). 
****
خامساً/ نص نثري بعنوان (المرأة وصراع المساواة بالرجل) للكاتبة المبدعة المهندسة سلاهب طالب الغرابي.. تتمحور نصوص بعض الاخوات الاديبات الكاتبات على تحديد علاقة الواقع النصي بالواقع الحياتي عبر فهم قائم على مكونات الرؤية.. ونموذج تجربة الكاتبة سلاهب ترتكز على منافسة حضارية مع الشائع الاعلامي في قضية المرأة ودعابة المساواة مع الرجل..! لتكشف عن المساحة المخدوعة اثر حشو ثقافي مرعب، وقفت بوجهه الكاتبة بثقافة هذه الكاتبة التي رفضت الارتكاز على مقالة تقليدية في موضوعها؛ كونها لا تريد ان تعبر عن احساس انثى بليدة تبحث عن المساواة أو تقف ضدها، بل هي اعتمدت افكار متباينة لأشخاص مجربين من الكتاب والنقاد، الوعي الندي الذي يعكس مناقضة الوعي ليعبر عن مدارك روحية قدمت به نقاشاً فكرياً وفنياً قائماً على التأمل مبتدئة بتعريف المساواة.
 ومن ثم تناولت العديد من الآراء المتباينة، وترى عدم جواز المساواة.. اجمل المواضيع تلك التي تحمل آراء قناعة مستندة على رؤية معبرة، وتذهب الكاتبة الى كشف سلبيات معتقد ارسطو وفرويد، ونشعر نحن كمتلقين بأن هذا الكشف يقوم على مسند دلالي كبير يغرف من بحر المسكوت عنه، وكأنها تريد أن تقول: إن كنتم تبحثون عن الرأي العلمي والنظرة العلمية العلمانية، لتعرفوا منها معنى قبول المساواة، فهذا أرسطو وأمامكم فرويد الذي كان له أسوأ رأي في المرأة..! الكتابة وعي ورؤية.. وهذه الكاتبة أكدت حضورها الفاعل داخل موضوعها.. وهذا بطبيعته يجمل مستويات المستوى الابداعي النسوي.. ويقدم أدباً ومثقفاً واعياً يعرف قيمة دوره في الحياة.

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي حسين الخباز
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/03/19



كتابة تعليق لموضوع : المشغل النقدي (6) قراءة في حركة الأدب النسوي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net