صفحة الكاتب : علي علي

أمل السياب مازال معلقا
علي علي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

   كلما تهمّ الغيوم بمخاض جديد، أفترش حدائقي العطشى من سنين، بعد أن أدمنت القنوط واليأس والجدب والجفاف، فيحضرني لحظتها -من ضمن من يحضر- كثيرون ممن يجيدون دور النديم. بالأمس حضرني سيدي السياب.. بدر، فوجدت نفسي أحاوره مرددا ماقال:

«عيناك غابتا نخيل ساعة السَحر.. أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر».. 

لكن ساعة السَحَر سويعةٌ سرعان ما انتهت، وبقيت غابات النخيل تلفحها رياح الهجير وتلفح وجهي رمال البيد، ورحت أبحث لاهثا عن شرفتين إلا أني لم أجد إلا.. خندقين في ليلة محق فيها القمر وغار في أفق بعيد.. ألبسَتْ العتمة الأضواء الراقصة وشاحا أسود فبدت كالثقوب السوداء في سراب خلته نهر.. نهر...  

مجذافي هو الآخر تأصّلت جذوره في الرمال، نجومي أفلت ولم تعد تنبض، فلا ضباب ولاأسىً شفيف..  

«دفءُ الشتاءِ فيه وارتعاشةُ الخريف والموتُ والميلادُ والظلامُ والضياء»

كلها تستغيث وابدراه 

طفلك سيدي السياب لم يعد ينتشي خوف القمر..

الكروم.. لم تعد كروما.. أدغال.. كأخطبوط  كممت كركرة الاطفال 

العصافير.. لم تعد في وكناتها. فقد زلزلت عشها وصمْتها ألعوبةُ القدر.. قدر.. قدر 

فعذرا سيدي السياب، أنشودة المطر لنا جميعا غصة ألمها، ولك وحدك غيثها وخراجها.

المساء الذي تثاءب في حضنك الرؤوم غط في سبات سرمدي بعد أن ملّ غيومه وهي تعصر السراب.  

الطفل الذي هذى قبل ان ينام عادت له امه لتقبله قبلة الوداع.. وايقن كذبهم.. «حين لجّ في السؤال وقالوا له: بعد غدٍ تعود.. لابد أن تعود»

صيادك الحزين جمع الشباك، كنت تظنه يلعن المياه والقدر.. عذرا سيدي.. لم يعد له في اللعن باع، فقد عشقته الامواج وضمته مع عشيقيها الاولين في القاع، وانضم صوته مع صراخهم.. وابدراه.. وابدراه..

نم قريرا سيدي السياب.. فالتي كنت تسألها: 

«أتعلمين أيَّ حزنٍ يبعثُ المطر؟

وكيف تنشجُ المزاريبُ إذا انهمر؟

وكيف يشعرُ الوحيدُ فيه بالضياع؟»

أجابت على أسئلتك الثلاث.. فقد حزنت.. ونشجت.. وضاعت.. ولم يأتها المطر بل أتاها «الدم المراق»..

والبروق التي مسحت «سواحل العراق بالنجوم والمحار»، صدئت وتساقطت كفتات نيازك عتاق..

الرعد.. لم يعد يخيف السفن والسفـّان.. زئيره بات بقايا نغمة وتر مبحوح.

«وكلّ عامٍ - حين يعشبُ الثرى- نجوع.. ما مرَّ عامٌ والعراقُ ليسَ فيه جوع»

وصدى صيحتك: «يا خليج يا واهب المحار والردى» مازال يأتينا بنفس النشيج.. 

«وكلّ دمعةٍ من الجياعِ والعراة» كان لك من ألمها أمل

«وكلّ قطرةٍ تُراقُ من دمِ العبيد» كان لك بها نشيد

«فهي ابتسامٌ في انتظارِ مبسمٍ جديد أو حلمةٌ تورّدتْ على فمِ الوليد في عالمِ الغدِ الفتيّ واهبِ الحياة سيعشبُ العراقُ بالمطر». 

كم كان أملك بالمطر عظيما سيدي!  كم سنبلة ارتوت من املك! . كم غيث همى من أملك! . ولا مطر..

وأملك: «سيعشب العراق بالمطر».. مازال معلقا، فقد وقف العراق حيث وقفت.. وتجمدت الأحلام حين رحلت، وجميعنا منتظرون، لعلنا نصحو يوما على فارس أحلام شهم، نزيه، وطني، شريف، يحقق شيئا مما حلمت به.

aliali6212g@gmail.com


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي علي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/03/14



كتابة تعليق لموضوع : أمل السياب مازال معلقا
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net