صفحة الكاتب : د . عادل عبد المهدي

الايديولوجيا.. تحيي وتميت
د . عادل عبد المهدي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

غالباً ما يسألني سماحة السيد سامي البدري، اين وصل المشروع؟ والمشروع هو انني خلال مؤتمر لندن للمعارضة عام 2002، والتفكير بمستقبل البلاد، كتبت رسالة لشهيد المحراب قدس سره. اقترحت في الرسالة -التي اطلعت السيد البدري على محتواها- تشجيع قيام تشكيل غير ايديولوجي. فالتغيير بات على الابواب، والنظام القادم سيكون نظاماً ديمقراطياً يعتمد الانتخابات. فكيف سنتقدم لها بتشكيل ايديولوجي، تتمايز عنه (ايديولوجياً ايضاً) الغالبية الساحقة للكرد والسنة والتيارات الوضعية، بل كثير من التيارات الشيعية والاسلامية؟ وكيف ستتشكل الاغلبية والوعاء الانتخابي لمثل هذا التشكيل؟ لذلك طرحت احتلال الايديولوجيا مكانها المناسب والصحيح، وان يكون للانتخابات والحياة السياسية في المجتمع والدولة تشكيل جديد يستطيع استيعاب ومخاطبة كل الشعب، يقوم على الاخلاق الفاضلة والمبادىء السامية واحترام ثوابت الامة، وعلى المبادىء الاساسية لحقوق المواطنين والانسان، وبناءات دولة المواطن، وعلى منهاج سياسي واقتصادي واجتماعي وامني وتعليمي وصحي وفي العلاقات الداخلية والخارجية الخ، يمكن لاي مواطن ان ينتمي اليه ويتبناه ويعمل في صفوفه، دون المس بالمعتقد او الايديولوجيا التي يحملها، او يحملها الاخرون. تشكيل جدي وحقيقي، وليس واجهي او وهمي، يؤمن اعضاؤه وجمهوره فعلاً بمناهجهم ورؤاهم. فبدون هذه القناعة والعمل بموجبها سنمارس الخداع او القمع، او نسقط في العزلة ليس الا.

وبعد مؤتمر لندن، طُرح الموضوع في لقاء مع شهيد المحراب، وحضره سماحة الشيخ همام حمودي، كما اتذكر. كان هناك قبول عام للخطوة، مع مساحات غامضة، كان المطلوب من الوقت والجهد الفكري ان يقدم الاجابات عليها. فالايديولوجيا موجودة في مراحل الدكتاتورية كما في مراحل الحريات والديمقراطية وحكم الشعب. ففي الاولى هي قوة عظيمة امام قوة استولت على الحكم والحياة باسم ايديولوجيا اخرى خارج ارادة الشعب. اما في الثانية، فالايديولوجيا قوة عظيمة، ولعلها ستكون اعظم بسبب الحريات، لذلك عليها تنظيم رؤيتها ونفسها، لتحتل مواقع التأثير الارشادي والمعنوي والايماني، بل التنظيمي في مساحاتها. ففي الثانية نقول بان الحاكمية ستكون للشعب.. والشعب ساحات وايديولوجيات وسلوكيات مختلفة، كما هو حال معظم الدول ومنها العراق. من هنا اهمية قيام التشكيلات غير الايديولوجية الحقيقية شكلاً ومضموناً. لتبقى الايديولوجيات في المساحات التي لا يُصطدم بها ولا تصطدم بغيرها.. ولتبقى نظيفة، مبدئية، خلاقة، مؤثرة، ثابتة. وان محاولات قيام تشكيلات كـ "دولة القانون" و"المواطن" و"الاحرار" و"الاصلاح" و"التيار المدني" و "العراقية" و"الوطنية" و"التغيير" و"التحالف الكردستاني"، الخ هي ارهاصات وتململات وتحركات، جادة وغير جادة، لمواجهة هذا الإِشكال، اذ تشير اسماؤها لمحاولات غير مكتملة لموضعة كل من الايديولوجيا، والحراك السياسي الاجتماعي، كل في مكانه الصحيح.

لقد كانت الايديولوجيا دائماً، وستبقى، من اهم محركات التاريخ.. ومصادر بناء النظم السياسية والاجتماعية المعروفة، وبناء الانسان ومنظومات الحياة. والايديولوجيا قد تكون دينية او طبقية او قومية او فلسفية، الخ. لكن عندما لا يأخذ اصحاب الايديولوجيا المكان والزمان والظروف بنظر الاعتبار.. وعندما يسعون لفرض معتقدهم على المجموع خارج ارادته، فان الامور سترتد على اصحابها. كانت هذه هي ازمة الايديولوجيا الطبقية متمثلة بالاحزاب الشيوعية وتجاربها.. وازمة الايديولوجيا القومية متمثلة بـ"البعث" و"الناصرية"، والحركات القومية الكردية، وغيرها.. وهي ازمة الاحزاب الاسلامية ومدى نجاحها في تكييف مكانها ودورها في المجتمع والدولة. فالنقاش لا يدور عن صحة المعتقد، بل عن الموضعة الصحيحة للاشياء. فعندما لا تدور الحياة السياسية والاجتماعية حول المناهج ومن يقف معها او ضدها، ويتجاوز الايديولوجيون حدودهم ويطالبون من كل منتظم وموظف ومرشح ووزير ان يكون من ذات معتقدهم، وان تتلبس كل شؤون الدولة والحكم والمجتمع بلبوسهم، فهنا سيدخل الايديولوجي وتشكيله، في تضاد كبير مع الجمهور الواسع العريض، ومع الايديولوجيات الاخرى. مما يقوده اما للعزلة، او للانتهازية السياسية، والخداع ووضع الاقنعة لاخفاء ما لا يمكن اخفاؤه وللتبشير بما لن يصدقه احد عليه، عندها سيستمر الصراع المتجدد بين اصحاب الايديولوجيات، او سيتم اللجوء للمحاصصة والتعطيلات المتبادلة والتحالفات المتضادة التي تفجرها خلافات هي في جوهر مباني كل منها.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . عادل عبد المهدي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/03/07



كتابة تعليق لموضوع : الايديولوجيا.. تحيي وتميت
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net