صفحة الكاتب : علي حسين الخباز

في المهجر: الياسري: ليس هناك شيء أقسى من الصورة لكونها تمارس تجميد اللحظة الشعورية
علي حسين الخباز
  آهة تطوي المسافات، وقلب يلمّ السنوات وميض ذكرى، ودمعة تحمل التهنئة الى صدى الروضتين من مصوّرها السيد (غسان الياسري) الذي أخذته المحطات الى حيث (ألمانيا) حاملا الحزن لهفة شوق... نسأله: أين خبّأ لحظة الرحيل قلب الفنان وعين الكاميرا وذكريات كربلاء... تجيبني آهته: ياه ماذا فعلت بي... كم هو قاسٍ هو السؤال؟ ليتك ترى لهاث الحنين ودم الحزن ودمع الذكريات... خبأتها في أروقة صحن ساقي العطاشى سيدي أبي الفضل العباس (ع)، تحوم مع حمام الحضرة... وأخذت معي ذاكرة مذبوحة الوريد ... وأعتقد أن الصمتَ سيدُ البلاغة عندما تفيضُ الجراح.
 هل طوّرت الغربة فن التصوير لديك؟ 
  المصوّر غسان الياسري: من الطبيعي أن يكون للمكان دور كبير في تطوير هذه الآلة، بسبب حداثة الشاهدة، كون العين تشاهد المناظر لأول مرة، ويجب على الفنان أو المصور أن يطوّر نفسه دائما، وان لايبقى في محور واحد. وما دمنا نتحدث عن المكان؛ دعني أواسي وجعي مادام قادرا على العطاء، رغم جمال الطبيعة، وانفتاح فضاء الطبيعة، إلا أن هذا المكان فرض عليّ على حساب مكان آخر غير محدود؛ فالصحن المقدس في كربلاء والحضرة والعوالم التابعة لها، مكان غير محدود اصلا، ويختلف عن جمودية الطبيعة، فعوالم الحياة تتجدد في الحضرة كل يوم وكل ساعة، فكل لحظة نجد لقطة جديدة دموع، حزن، فرح، تعابير الوجه عند الرجاء، تعابير اليد عند التوسل، صمت الوقار، وضجة الحياة... أشياء تفتقدها لكونها أكبر من مناظر طبيعية أو غير طبيعية، لا تصل الى الروحي الفاعل. 
هل للكاميرا مشاعر، أحاسيس؟ 
  أجمل ما فيها هو صدق حديثها، وليس هناك شيء أقسى من الصورة؛ لكونها تمارس تجميد اللحظة الشعورية (فرح، حزن) وفي كل الأحوال لها علاقة حميمية جدا مع المصور، وتعبير عن الذات، وخاصة عندما يعشق المصور كاميرته، ولم يحدد كل الاعتبارات الأخر من ضمن المسعى الارتزاقي، ستحفل الكاميرا بأحاسيسها وعشقها ومحبتها. أنا أشعرُ عندما أسهو عنها ولا أمنحها الروح (تزعل)، وهي أحيانا تسألني: أين ذهبت عني؟ لماذا لست معي؟ وعتابها مرّ، فهي قلب نابض وشباب دائم.
كيف بدأ المشوارُ الأول مع الكاميرا؟
 كان عندي حب التصوير، العين التي تشاهد الصورة، لكن لم أكن أمتلك الكاميرا التي توثقها... لفترة طويلة أتأمّل مع الصور واختزنها في ذاكرتي، لحين امتلاكي كاميرا بسيطة، أوثق ما تراه عيني... بعدها وفقت بأن أكونَ أحد خدمة ساقي العطاشى (ع) مصوّرا في اللجنة الاعلامية، وصار الناس يسموني (مصور الحضرة العباسية) فأشعر اني امتلك الدنيا كلها، وأفتخر بأني امتلك أرشيفا ضخما داخل الحضرة، ولكل الحضرة، وعند هذه القداسة كوّنت تأريخي الفني... لقد منَّ اللهُ عليَّ بهذه النعمة، الشرف، الاحترام، الذي امتلكه هو من بركات أبي الفضل العباس (ع) عملت مصورا صحفيا في وكالة (aap)  لفترة من الزمن، وانتفعت كثيرا من خبرات الأساتذة الذين عملت معهم. 
للصورة افآق الواقع ـ كل شيء تراه العين ـ هل تحب رسم (اللاواقعي) وإظهار بعض التخيلات ـ الأفكار - عبر تقنية التصوير؟
  لقد أصبحت التكنلوجيا في الفترة الأخيرة تنعم بتطور ملحوظ، وخاصة في التصوير الفوتغرافي والتصوير الرقمي، والكاميرا أصبحت تسهل عليك الكثير من الصعوبات، وتقدر ان ترسم بها (اللاواقعية) لكن الأفضل نقل الواقع. وهناك تواريخ فنية أجادت وقدّمت الجمالية والرسم بالكاميرا منذ سبعينيات القرن المنصرم؛ أمثال محي عارف (رحمه الله)، والفنان الشاعر والاديب العراقي (سفيان الخزرجي) الذي حصل على لقب (المايستر)، وأعلى لقب للمصورين، وأعمال عراقية فازت بجوائز عالمية، وبعض الصور العراقية تدرس الآن في أكاديمياتهم... وأستطيع أن أقول من خلال تجربتي الأخيرة التي منحتني الاطلاع على العالم، ان المصورين الكربلائيين فنانون كبار، وكان لي الشرف أن ألتقي بهم، وأنهل من بحر خيراتهم الكبيرة، فكلهم أساتذة كبار... 
ماذا تسمّي خوارق التصوير، خرق النمطي أم قوة حداثوية أم تجاوز قانون؟ 
  احترام القانون والقواعد المتبعة شيء مطلوب؛ فالقواعد وضعت من اجل ظهور الصورة، لكن هناك بعض الخروقات الانبهارية التي يستخدمها القليل من المحترفين، فأنا أرى من منطقة الضوء، منطقة اشراق وأمل في المحتوى العام، والعتمة مكان مظلم يخفي وراءَه أشياء، هذا اسمه الظل والضوء، والصورة تبقى هي الصورة رغم اختلاف القراءات والمنظر عبر مناطق التأويل؛ فاللقطة تصور بالعين قبل الكاميرا، لتقرأ بعد ذلك بسهولة... بعض الصور، يصعب قراءتها، كونها تحتاج الى مران وحس مرهف فني... الاختلاف موجود، والتسمية ليست مهمة، خرق أو غير ذلك... المهم  اذا صور مثلا مجموعة من المصورين شخصا في زورق، فهل يعني انك سترى صورا متشابهة؟ ثق ستجد تشابها فقط للوهلة الأولى، ربما، وبعدها ستكشف فوارق كثيرة وكبيرة، فوارق العين والروح والإحساس والخبرة، فلكل واحد منهم شأنه. 
ذكريات أول صورة؟ 
 إحساس يعيش في داخلي لا يموت، لكونه لا يخص الزمن الماضي، بل هذه الصورة مثّلت عندي الإحساس المستمر والدائم، صورة امرأة عجوز تتوكأ على عصا سنواتها ملامح جنوبية، قطعت مئات الكليومترات مشيا كي تزور... أعتبرها الصورة الأولى، والباقية في ذاكرتي، وكأنني ألتقطها كل يوم بل كل لحظة تصوير، أرى دمعة الولاء ماثلة أمامي، أرى المودة والعاطفة والحنين، أرى في وجهها التحدي والوداعة والإصرار... عجيب أمر هذه الصورة، خاصة وانا أجوب المواكب والشعائر الحسينية المعمورة ببركات الامام الحسين (ع)، في المجالس الحسينية المقامة في المدن الالمانية، وقد صورت مجموعة من الصور التي تمثل مواكب ومجالس حسينية وسط الثلوج والبرد القارص، يحملون لافتات: (أبد والله ما ننسى حسيناه) والحضور في هذه المجالس كبير، يأتون من مدن بعيدة، ومن دول أخريات مثل هولندا، والسويد، يأتون لإحياء المراسيم. 
يعني أنك عشت عاشوراء في ألمانيا؟
  عاشوراء في بلاد الغربة له طعم خاص، لما يحمل من معنى، أناس تأتي من أماكن بعيدة، تتحدى الثلوج والبرد هم وعوائلهم. الأجواء العاشورائية هنا ساحرة؛ لما تحمل من ذكرى مصيبة سيد الشهداء (ع) فتندمج الغربة بالاشتياق لصاحب المقام (ع)، فكيف بي وأنا أتأمل لحظتها صور العتبة العباسية المقدسة، أعيش الألم دمعا والفرحة فخرا... هناك بعض الحسينيات تتواجد فيها العوائل العراقية والعربية، وهناك مواكب من شيعة أهل البيت عليهم السلام، ومراكز اسلامية كبيرة، خاصة بالشيعة، فاتحة أبوابها للجميع، فتتواجد بعض القوميات الأخريات، والمذاهب الأخر، وهناك ايضا أذى الناصبية ارهاب يعاكس هذه الشعائر. 
ماذا تعني لك السنة السابعة من صدى الروضتين؟
  تعني لي الكثير، فأنا كنت موجودا حين زراعة البذرة الأولى المباركة، وكنت أنظر اليها وهي تكبر ببركة الخدمة والعاملين عليها، ببركة صاحب العتبة المقدسة، سيدي أبي الفضل العباس (ع)... فألف مبارك على صدى الروضتين عيدها، وألف مبارك هذا الجهد لمنتسبيها، وكل عام وصدى الروضتين بألف ألف خير...

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي حسين الخباز
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/03/07



كتابة تعليق لموضوع : في المهجر: الياسري: ليس هناك شيء أقسى من الصورة لكونها تمارس تجميد اللحظة الشعورية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net