محطة بوشهر النووية من هناك بدأت ايران مفاعلها النووي
جمال الخرسان

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
بين ايران عام 1979 التي اعدمت "عباسعلي خلعتبري" وزير الخارجية في زمن الشاه، بتهم عديدة وجهت له ابرزها هدر بيت المال حينما وقّع ورعى اتفاقية مع المانيا من اجل تشييد "محطة بوشهر النووية" وبين ايران التي احتفت في شباط العام 2014 بمراسم تسليم محطة بوشهر من الجانب الروسي الى الجانب الايراني بحضور رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية علي أكبر صالحي وشخصيات رسمية اخرى. بين الحدثين متغيرات سياسية دولية واقليمية وحتى داخلية ايرانية كبرى. تضفي مزيدا من الاثارة على بدايات ونهايات اولى المحطات النووية الايرانية على مدار اكثر من اربعة عقود.
بدايات اهتمام الشاه الايراني وهو شرطي الخليج وحليف الغرب المدلل بالمجال النووي تعود الى الخمسينات من القرن الماضي حينما وقّع عام 1957 اتفاقية تعاون نووية مع امريكا. الخطوة الاخرى المهمة في هذا الجانب تلك التي حدثت عام 1967 حينما تأسس في ايران مركز طهران للأبحاث النووية (TNRC)، وقد ارست تلك المرحلة مزيدا من التعاون النووي مع امريكا. سقف الطموح النووي الايراني لم يتوقف عند هذا الحد من التعاون وقد اسس الشاه بضوء اخضر دولي "منظمة الطاقة الذرية الايرانية" عام 1974، وكانت اولى ثمار الحراك التي اجرته تلك المنظمة التوقيع عام 1975 مع "Kraftwerk Union AG" احدى اذرع شركة سيمنز الالمانية اتفاقا مفصليا في مجال الطاقة النووية، يتم بموجبه تشييد اولى المحطات النووية في ايران وهي محطة بوشهر، وقد وقّع عن الجانب الايراني حينها وزير الخارجية عباس خلعتبري الذي اعدم بسبب هذا التوقيع بناءا على التهم التي وجهت له لاحقا. تمت الشروع ببناء محطة بوشهر النووية بعيد التوقيع مباشرة وكان مقررا ان يستغرق البناء حوالي ستة سنوات، لكن وبسبب المتغيرات الكبرى التي جرت في ايران اثر سقوط الشاه عام 1979 توقف العمل بالبرنامج بحجج عدم تسديد ايران لمستحقات مالية بذمتها للشركات المنفذة، وبعد بداية الحرب العراقية الايرانية اوكل ذلك الملف الى النسيان.
الرئيس هاشمي رفسنجاني الذي شيّد ايران ما بعد الحرب، وارسى دعائمها اعاد مرة اخرى ذلك الطموح النووي الى الواجهة من جديد، خصوصا بعد تغيير الكثير من قناعات الساسة الايرانيين بعد عقد على انتصار الثورة الايرانية، خاض رفسنجاني مفاوضات جادة مع الجانب الروسي من اجل اكمال تشييد المشروع النووي الايراني، وفي مطلع التسعينات كان له ما اراد حيث وقع الاتفاق بين الجانبين.
الاتفاق الروسي الايراني كان رهينة التفاهمات بين روسيا والغرب بين الحين والاخر، فبين مماطلة الروس من جهة والمحاولات الكثيرة جدا التي ابدتها القوى الكبرى لعرقلة المشروع ومن ابرز تلك الخطوات سلسلة من الهجمات الالكترونية التي استهدفت مفاعلات ايران النووية ومنها بوشهر من جهة اخرى تأجل افتتاح المشروع ولو بشكل جزئي حتى العام 2011، ولم تجر مراسيم التسليم بين ايران والشركة الروسية الا في شباط عام 2014 رغم ان الاتفاق الاولي بين ايران وروسيا كان قد وضع سقفا زمينا لإتمام المشروع لا يتجاوز العام 1999.
يدّعي الايرانيون ان محطة بوشهر لأغراض الطاقة السلمية فقط، لكن القوى الكبرى التي تخوض الجولة تلو الاخرى من المفاوضات مع الجانب الايراني لازالت قلقلة تجاه نشاطات ايران النووية في محطة بوشهر وكذلك في المحطات النووية الايرانية الاخرى. على سبيل المثال في تشرين الثاني عام 2011 نشرت وكالة الدولية للطاقة الذرية تقريرا عن البرنامج النووي الايراني عبرت فيه عن مخاوفها الجدية من النشاط النووي الايراني استنادا الى معلومات "ذات مصداقية" تفيد ان طهران تعكف على انتاج السلاح النووي. بعد مدة ليست طويلة على نشر ذلك التقرير تبدو الامور اكثر ايجابية بين ايران والغرب خصوصا بعد الاتفاق الذي وقع بين امريكا وايران مؤخرا والذي فسح المجال لسقف زمني طول من المفاوضات مع تسهيلات محدودة للجانب الايراني، هذه التطورات السياسية كانت حتى قبل وصول ترامب الى رئاسة الولايات المتحدة الامريكية. في مرحلة ترامب لازالت الرسائل الامريكية الى ايران مثيرة للقلق وغير واضحة. الرهان الان من قبل بعض ركائز صانعي القرار في امريكا هو اعادة النظر في الاتفاق النووي مع ايران، هذه الرغبة تنسجم تماما مع رغبة بعض البلدان الخليجية وحتى اسرائيل، ولهذا فان الاتفاق النووي يعيش مرحلة حذرة مفتوحة احتمالاتها على جميع الخيارات، يعتبره بعضهم ان اتفاقا مهما من هذا الطراز غير خاضع للعبة الانتخابات وتغيير الرؤساء، فيما يعتقد بعض آخر ان مصير الاتفاق قد يكون مشابها لمصير عدة قوانين وقعت في مرحلة اوباما كما هو الحال مع قانون التامين الصحي الذي الغاه ترامب.
