صفحة الكاتب : نزار حيدر

أَلْمُجَامَلَاتُ...لِمَاذَا؟! [١٣]
نزار حيدر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

   أَمّا بالنِّسبةِ لِلنَّاسِ، وتحديداً الذين يتحلَّقون حولَ المسؤول، فانَّ من أَهمِّ أَسباب مجاملاتهِم الزّائدة لَهُ في الشّأن العام أَمرَين؛

   الأَوَّل؛ عندما يَكُونُ المرءُ إمَّعةً [أَي معَ] فلا يهتمّ بالحقِّ والباطل ولا بالصحِّ والخطأ وإِنَّما كلُّ همَّهُ كيف يحمي مصالحهُ الخاصَّة بغضِّ النَّظر عن الوسيلة والأُسلوب، فتراهُ يتقرَّب من المسؤول بأَقصى درجاتِ المجاملة لإرضائهِ وبالتّالي ليظلَّ مُحتفظاً بالمسافةِ القريبةِ مِنْهُ!.

   هذا النَّوع من النّاسِ يتميَّز بضعفِ الشَّخصيَّة فيراها ظِلٌّ للآخَرين دائماً، ولذلكَ فهو يقولُ لكلِّ أَحدٍ: أَنا معكَ، فلا يثبُت على شيءٍ لضعفِ رأيهِ وقلَّةِ حيلتهِ!.

   الثّاني؛ عندما يتَّصف الانسان بأَقصى درجات الطَّمع لدرجةِ أَنّهُ يبيعُ دينهُ من أَجْلِ منصبٍ أَو حفنةٍ من مالٍ، ولهذا السَّبب فهو يُجاملُ مَن فوقهُ حدِّ القرَف وضياع الحُقوق!.

   والطَّمع يقضي على شخصيَّة الانسان ورجولتهِ، والى ذلك أَشار أَميرُ المؤمنين (ع) بقولهِ {الطَّمَعُ رِقٌّ مُؤَبَّدٌ} ويقولُ عليه السّلام {أَكْثَرُ مَصَارِعِ الْعُقُولِ تَحْتَ بُرُوقِ الْمَطَامِعِ} فالطَّمعُ، إِذن، يقضي على العقل وتالياً على الرّأي، بل انّهُ يقضي على دين المرء! الا ترَونَ ماذا فعلَ بالسّياسيّين [الاسلامَويّين] الذين يدَّعون أَنّهم لا يبدأُون يومهُم في الوزارةِ أَو الدّائرةِ إِلّا على وضوءٍ؟!.

   كما أَنَّ الطَّمع والكذِب توءمان، يدمِّران شخصيَّة المرء اذا اجتمعا فيهِ، ولذلك يُحذِّر أَميرُ المؤمنين (ع) من ذلك بقولهِِ {عَلامةُ الاِْيمَانِ أَنْ تُؤثِرَ الصِّدْقَ حَيْثُ يَضُرُّكَ عَلَى الْكَذِبِ حَيْثُ يَنْفَعُكَ، وأَن لا يَكُونَ فِي حَديِثِكَ فَضْلٌ عَنْ عِلْمِكَ، وَأَنْ تَتَّقِيَ اللهَ فِي حَدِيثِ غَيْرِكَ}.

   أَما قويّ الشّخصيَّة والواثق بنفسهِ عِلماً ومنطقاً وعملاً ونزاهةً وخبرةً وتجربةً فلم يكن بحاجةٍ الى أَن يُجامل في الشَّأن العام وبالتّالي لم يكُن أَبداً سبباً في تضييع الحقوق، لأَنّهُ عزيزُ النَّفسِ وكريمُها!.

  يقولُ أَميرُ المؤمنين (ع) {مَنْ كَرُمَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ هَانَتْ عَلَيْهِ شَهْوَتُهُ}.

   كما أَنَّ الواثق من نَفْسهِ لا يحتاجُ الى أَن يُجامل ليتودَّد كَذِباً ونِفاقاً! فهو ينتزع موقعهُ انتزاعاً برصيدهِ الشَّخصي وليس بالتودُّد الكاذِب! أَرأَيتم كيفَ يُجاملُ ضعيفُ الشَّخصيَّةِ ليتودَّد بِذِلٍّ عند المسؤول الذي يُبدي لَهُ الزُّهد وعدم الرَّغبةَ فيه؟!.

   يقول أَميرُ المؤمنين (ع) {زُهْدُكَ فِي رَاغِبٍ فِيكَ نُقْصَانُ حَظٍّ، وَرَغْبَتُكَ فِي زَاهِدٍ فِيكَ ذُلُّ نَفْس}.

   ولكلِّ ذَلِكَ فلقد كان أَميرُ المؤمنين (ع) يقف بوجهِ وينبِّه على أَيَّة سلوكيّات خاطئة تُساعدُ على نموّ حالات التذلُّل وضعف الشّخصيَّة عند النّاسِ، فلقد قال (ع) وقد لقيهُ عند مسيرهِ إلى الشّام دهاقين الأَنبار، فترجّلوا لَهُ واشتدُّوا بَيْنَ يدَيهِ: مَا هذَا الَّذِي صَنَعْتُمُوهُ؟! فقالوا: خُلُقٌ مِنَّا نُعَظِّمُ بِهِ أُمَرَاءَنَا.

   فقال (ع): وَاللهِ مَا يَنْتَفِعُ بِهذَا أُمَرَاؤُكُمْ! وَإِنَّكُمْ لَتَشُقُّونَ بِهِ عَلَى أَنْفُسِكْمْ فِي دُنْيَاكُمْ، وَتَشْقَوْنَ بِهِ فِي آخِرَتِكُمْ، وَمَا أخْسرَ الْمَشَقَّةَ وَرَاءَهَا الْعِقَابُ، وَأَرْبَحَ الدَّعَةَ مَعَهَا الاَْمَانُ مِنَ النَّارِ!.

   وهذا هوَ على وجهِ الدِّقَّة الفرق بين القائِد الحقيقي الذي يُعلِّم رعيَّتهُ ويربِّيهم على العِزَّةِ والكرامةِ وقوَّةِ الشَّخصيَّة ليقولوا رأيهم بلا تردُّد ويسأَلون بلا خوفٍ ولا يُجاملونَ على حسابِ الحقِّ في الشَّأن العام! وبين القائدِ المزيَّف الذي همَّهُ السُّلطة والسَّطوة فلا يتحلَّق حولهُ إِلّا الأمَّعات والطمّاعين في فاضلِ موائدهِ الحرام! وبما ينسجم وأَخلاقيّاتهِ فلا يجدونَ أَنفسهُم عندهُ إِلّا بالمجاملةِ على كلِّ شيءٍ إِلّا على مصالحهِم الخاصَّة والأَنانيَّة!.

   *يتبع

   ٢٨ شباط ٢٠١٧

                       لِلتّواصُل؛

‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نزار حيدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/03/01



كتابة تعليق لموضوع : أَلْمُجَامَلَاتُ...لِمَاذَا؟! [١٣]
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net