صفحة الكاتب : علي حسين الخباز

محاورة عند منتصف الفجر
علي حسين الخباز

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 

حاوره: علي الخباز
كانت فرصة ان نتحاور على مائدة فجر ايماني الملامح مستغلين زيارة الاستاذ صباح محسن كاظم للزيارة الاربعينية في كربلاء المقدسة؛ فقد بدأ الحوار بادعاء البعض ان الثقافة في العراق في زمن النظام السابق اخذت ابعادا منهجية متطورة؟
 صباح محسن كاظم:ـ عراقة الثقافة العراقية معروفة من اور الى الوركاء الى بابل وآشور ومن ثم بغداد الى سامراء ثم انطلاقها الى الكوفة والبصرة مع وجود حقيقة ثابتة مسارها واقعة الطف التي اثرت في مسار التاريخ فجعلته محجة حضارية للعالم بأسره، وكل الذي فعله النظام السابق هو أدلجتها لحزب واحد، وشخص واحد، وكل ثقافة مؤدلجة غير اصيلة (ثقافة الدينار). 
المحاور:ـ لكن تبقى تلك الثقافة فعلا قائما فهل يا ترى تكويننا الثقافي اصبح فعلا أم أنه ردة فعل؟
صباح:- اعتمدت الثقافة المضادة على العديد من المناحي والاتجاهات، فهناك من قاوم وجابه الموت كـ(عزيز السيد جاسم، وحميد المختار...) وهناك من حمل الوطن الى منافيه ساعيا لمواصلة الداخل، وكل ما ينتج خارجا يصل الى الداخل بأقصر وأسرع الطرق، وكان مؤثرا اكثر من الثقافة المروجة، وهناك ايضا من التزم الصمت مثل (البريكان، واحمد خضير...) ومن انتجته الثقافة المنفتحة فهم ليسوا وليدي اللحظة ولابد من جذر ثقافي تنامى عبر مراحل الصمت. 
 المحاور:ـ سعيا الى محاورة نظيفة نرى ان الاسماء قد اختلفت ماهيتها من حيث المعنى العام فحميد المختار ومحنته غير محنة عزيز السيد جاسم؟ 
صباح:ـ كانت لعزيز مسارات مختلفة تباينت من موقف لموقف ومنها اجبر على التنظير لحزب البعث فما انتجه صدام من كراريس كانت له، ولكن على مستوى الابداع فهو كان عبقريا، وكذلك هادي العلوي، والدكتور علي الوردي، وحسين المحفوظ، وعلي جواد الطاهر، وعبد الامير الورد، وعناد غزوان... هذه الاسماء لا أعتقد انها أضرت بالثقافة العراقية، نحن لا نؤيد ما كتبه عزيز لصالح النظام حتى لو أجبر، ولكننا نؤيد ونبجل ونجل ما كتبه عزيز السيد جاسم في محمد سلطة الحق، وعلي سلطة الحق، كون ما كتبه كان لصالح الفكر والثقافة بشكل عام.
المحاور:ـ لماذا استهدفت الثقافة العراقية بهذه الجدية الشرسة؟
صباح:ـ الثقافة العراقية هي ثقافة يسارية كون الحزب الشيوعي ولد من تراكمات الدولتين البريطانية من جهة والدولة العثمانية من جهة اخرى، لأن الثقافة العراقية في بداية القرن التاسع عشر كانت كنقطة بداية لانطلاقها تلتها في الخمسينيات الثقافة القومية والمتمثلة بـ(غائب فرمان، وفؤاد التكرلي...) وغيرها، ثم تلاها جيل الستينيات والمتمثلة بعبد الرحمن الربيعي في روايته الوشم والقمر والأسوار بالتدريج بدأت الحركة الادبية بالنكوص خصوصا بعد ضرب الحركة الاسلامية عام 1980 ثم التراجع الثقافي والانحسار المد الثقافي لصالح ثقافة النظام.
المحاور:- أين دور الثقافة الاسلامية في خضم هذا المعنى الصارخ؟
صباح:- بواكير الثقافة الإسلامية بدأت في الإصلاح الذي بدأ في القرن التاسع في نهايات حكم الدولة العثمانية والمتمثل بحركة المصلحين الإسلاميين كجمال الدين الافغاني، ومحمد عبدة، والمجدد السيد الشيرازي وغيرهم في كربلاء وجماعة العلماء في النجف بعد ثورة العشرين بدأت تشكل وعيا اسلاميا، ومن ثم تشكل حزب الدعوة الاسلامي، ومن بعده منتدى النشر في النجف الاشرف كالشيخ المظفر، والبكاء، والشيح الوائلي (رحمهم الله جميعا) وغيرهم من العلماء الفحول، هذه النخبة من منتدى النشر هي التي قادت الحركة الاسلامية لمواجهة المد اليساري او الشيوعي وانا اعتقد ان المفكر محمد باقر الصدر كان له القدح المعلى لمناقشة الفكر الإسلامي عالمياً عندما اصدر كتابيه فلسفتنا واقتصادنا.
المحاور:- هل كان للمنبر الديني دور في نشر الثقافة العراقية؟
صباح:- في ستينيات هذا القرن كان للمنبر دور مهم في كل محافظات العراق؛ فالناصرية كانت عبارة عن مدينة غنية في الشعر بأنواعه والقصة والرواية والتيارات السياسية المنوعة، وانتجت جيلا يستوعب كل التيارات التي كانت موجودة على ارض الواقع، جيل يرفض الأفكار اليسارية، ويشذب التيارات القومية وغيرها من الحركات الاخرى، والمنبر الحسيني هو الواسطة لنقل هذه المفهومات وهذه الاطروحات، وكان لخطبائنا ولا سيما الدكتور (الوائلي) دور مهم في بث منظومة فكرية تقيم رؤاها على الدليل (نحن اصحاب الدليل اينما مال نميل).
المحاور:ـ والصوت المرجعي؟
صباح:- المرجعية لها العديد من الاسهامات في تبنيها حركة المقاومة والثوار ضد الانكليز في ثورة العشرين كما كان للمرجعية دور كبير لمواجهة المد الشيوعي بعد انتشار المد الاحمر، ولها دور في عدم الانسياق وراء السلطة لمحاربة الأكراد، وكان للمراجع دور كبير لمواجهة المنظومة البعثية التي حاولت إجتثاث الهوية الشيعية من الشارع العراقي لهذا قرر النظام الفاشستي تصفيتهم.
المحاور:- انفتاح الثقافة العراقية على الوسائل الاعلامية المختلفة هل يقوِّي الثقافة أم يضعّفها؟
صباح:- انا متفائل جدا بهذا الانفتاح خصوصا بعدما دخلت لنا آليات اعلامية توصيلية جديدة كالشبكة العالمية النت أو الستلايت واعني الفضائيات وغيرها من الأمور التي كانت محرّمة عليه ابان حزب البعث السابق فأصبح الشعب العراقي اكثر شعب ينتج ثقافة، وهذا واضح من خلال اطلاعنا على الصحف والمجلات ومواقع الانترنت والمسرح العراقي هو كذلك... إذن الثقافة العراقية خرجت من قمقمها الى العالمية.
المحاور:- لكن الملاحظ ان المؤسسات الثقافية العراقية غير مفعّلة؟
صباح:- الحقيقة أنا كتبت مقالات عدة في جريدة الصباح في هذا المجال بوجود مؤسسات ثقافية غير مفعّلة كمقالة إصلاح الثقافة وثقافة الاصلاح، وركزت على بنية الثقافة وانشاء المسارح والمطابع والاهتمام بالمثقف وبرغم كل هذه المعرقلات، إلا اننا نجد ان الثقافة العراقية ما زالت بخير.
المحاور:- كانت المهرجانات تسعى لإظهار خط محدد والآن تعددت المهرجانات بعدما جُزِّئت تحت يافطة الأدلجة؟
صباح:- فلتتعدد المهرجانات ومن ثم يتساوق المجحف باتجاه جديد خصوصا ونحن في حالة مخاض ولنا في ذلك مثلا يتمثل في الثورة الفرنسية والبريطانية والامريكية اي الزنوج وكذلك افريقيا ولبنان ولكننا وجدنا الكل ينهض من أجل بلده كذلك نحن في العراق ستكون النهاية تصب في مصلحة العراق في كل المجالات (فَأَمَّا الزبَدُ فَيَذهبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنفعُ الناسَ فَيَمكُثُ فِي الأَرضِ...).
المحاور:ـ استنهاض الحركة الثقافية لابد ان ينتج لنا نهضة اعلامية لكن المؤاخذ ان الاعلام لم يكن بحجم الثقافة الاسلامية؟
 صباح:- في ظل التقنية الحديثة والخطاب الاعلامي الممنهج والأطروحات التي تتناسب مع عقلية المتلقي نحتاج الى كوادر، الى خبرات، الى مبدعين يعملون على تطوير هذا الخطاب خصوصا بوجود خطاب الدمولوجيا متطورة جدا والعالم يشتغل على منحيين الفساد المالي والفساد الاخلاقي والقوى العالمية الان تتحرك وَفْق هذين المحورين من خلال انتشار الفساد الخلقي والمادي عن طريق المخدرات وغيرها، والإعلام الإسلامي امام محك خطير وامكانياته صغيرة والمنخرطون في هذا الاعلام جدا قليلون من ذوي الاختصاصات الاعلامية الذين يأخذون الدين على عاتقهم ضد هذه الهجمة الكبيرة، ولدينا مدارس تعد مراكز للفكر الاسلامي كالازهر في مصر، والمدرسة التونسية الاسلامية، والحوزتين العلميتين في النجف، وقم... لكننا لم نجد خطابا يوازي السي آي أي او الجزيرة أو العربية.
المحاور:ـ هذا يعني اننا لم نواكب مسير الثورة الالكترونية فكيف سنطوع هذه الثورة لصالح الهوية العراقية؟ 
 صباح:ـ لم نستثمر الاعلام الالكتروني لقضايا تخدم الحقيقة ـ العلم ـ الثقافة - وارى معظم ما يستخدم (للمغازلات، وللجات، وللدردشة...) فلا يبحث في القضايا الجادة للعلم والتكنولجيا وللثقافة أو تطوير الذرة والكهرباء والهندسة الوراثية، ومعظم المهندسين يدخلون الى مواقع لا قيمة لها، فلم يعطَ لهذا الانتاج قيمته رغم ثقله وما نحتاجه اليوم هو إنشاء مواقع ذات اهمية ولجميع اللغات لتطوير الامكانيات العربية ودراسة الواقع السياسي تدخل الان الى اي موقع لترى بعينيك مواضيع دون روح ومهاترات وشتائم والعيب واضح طبعا مشكلتنا تكمن في التوعية والتنظير الذي يحتاجه هؤلاء الشباب لتجتاز هذه المرحلة والان الثقافة الراقية بخير وعلينا مكافحة الامية الثقافية والامية الفكرية والمعالجة تأتي من منظومة التفكير التي تأتي من روح المصالحة والبحث لتطوير منهج علمي تعليمي؛ فالمناهج تتخلف وآخر مكتشفات العلمية الحديثة أنتجته تجارب متطورة، والان اصبح التدريس عبارة عن مجموعات بحثية كل اربعة يبحثون عن طريق الاستاذ يتواصل معهم بواسطة النت وورقة الامتحان يأخذها الطالب معه ليجيب عليها بالبيت فاذا تغيرت الضروف التعليمية ستتغير المفاهيم الكلية بالبلاد نحو التطوير:
لابد من القضاء على الأمية الحضارية ومحاولة ادخال الحاسوب الى انظمة التعليم، ومعرفة كيفية التعامل الصحيحية مع هذا الجهاز للتعليم البحثي لجمع المعلومات، فالمعمول الان لا يخدم الفكر ولا يخوض في تجارب عالمية ليترجم لنا القضية الحداثوية الحضارية فنحن ما زلنا في خطواتنا الاولى.

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي حسين الخباز
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/02/21



كتابة تعليق لموضوع : محاورة عند منتصف الفجر
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net