صفحة الكاتب : محمد زكي ابراهيم

ليس السياسيون وحدهم
محمد زكي ابراهيم

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
لا بد أن يشعر المرء بالأسى من ردود الأفعال التي تظهر على وجوه الناس في العراق، كلما وقعت أزمة في الشارع، أو حدثت معضلة في الداخل. لا فرق في ذلك بين رجل أمي وآخر متعلم، أو بين موظف حكومي وبائع خضار. أو بين عامل مقهى وأستاذ جامعة، وهكذا.
ثمة أمر يوحد بين هؤلاء جميعاً، رغم أن عوامل الفرقة كثيرة، وموارد الخلاف عظيمة. هذا الأمر هو اليأس من الحاضر الذي يحيط بهم من كل جانب، وانعدام الثقة في المستقبل، الذي يطل عليهم في كل لحظة.
ولا يدين هؤلاء الفلاح أو العامل أو الموظف أو رجل الأعمال أو سائق الأجرة، فهم بنظرهم جميعاً مبرؤون من كل عيب، منزهون عن كل خطأ. بل السياسي الذي راودته أحلام الشهرة، أو امتعض من النظام السابق، أو قضى شطراً من حياته في السجن، فوجد نفسه في هرم السلطة. ولم يبخل عليه الأهل والأقارب والأصحاب وأبناء القرية بأصواتهم في الانتخابات!
والويل كل الويل لموظفي الدرجات الخاصة الذين ارتقوا مناصبهم لطول خدمة أو حصلوا عليها لحميم قرابة. فهؤلاء ملعونون أينما ذهبوا، مكروهون أينما حلوا! والصفة التي تجمع بينهم في رأي العامة هي الفساد!
معذورون هؤلاء الذين يطلقون التهم في كل اتجاه، فهم لم يلمسوا بعد نعيم الديمقراطية الذي طالما حلموا به، ولم يتنشقوا شمس الحضارة التي تاقت أنفسهم إليها، رغم ما قدموه من تضحيات وما تكبدوه من آلام.
ولكن الواقع أن التخلف الذي هيمن على الحياة، والفساد الذي نخر المؤسسات، ليس سببه هؤلاء وحدهم، رغم أنهم حازوا على سمعة طائرة فيه. بل سببه هو كل أولئك الذين اشتكوا منه ثم لم يترددوا في الانغماس به، كلما سنحت لهم الفرصة!
ليس ثمة من يتقاضى أجره من عرق جبينه، فإنتاجية الفرد العراقي لا تتعدى نصف ساعة في اليوم! ولا يوجد من تهمه مصلحة شعبه، فالغش التجاري موجود في كل مكان. وليس فيهم من يؤثر السلعة المحلية، مع تواضعها، على المنتج الأجنبي، وهكذا!
إن الثقافة الاجتماعية السيئة التي تضع قيم العشيرة فوق كل اعتبار، هي التي صنعت هذا الخراب، لأنها أتت بمن لا نفع فيه. وأباحت ارتكاب الآثام دون مبرر.
عندما يحجم الفرد عن العبث بالممتلكات العامة في الشارع والسوق والمؤسسة والمصنع والحقل، ويتحرر من الجهل والخرافة، ويحتكم إلى المنطق والعقل، فلن يتمكن السياسي أو رئيس الحزب أو الوزير أو المحافظ أو المدير من ازدراء الناس والعبث بمستقبلهم لقاء مكاسب مادية أو معنوية، أو منصب أو درجة رفيعة.
إن القاعدة الشعبية هي التي توفر الغطاء للنافذين، وهي التي تسمح لهم بتجاوز السلوك الوظيفي، إلى ما لا نفع فيه. وهي التي تصنع منهم أباطرة، في زمن غابت فيه هذه المفردة عن الأذهان. وإذا ما وجدت هذه القاعدة  أن  بإمكانها اختيار الطريق الأمثل، فلن يجرؤ شخص ما، مهما علت منزلته، أن يحيل نهارها إلى ظلام، ومدنها إلى خراب. فالوعي هو المقدمة الضرورية لكل تغيير.

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد زكي ابراهيم
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/02/10



كتابة تعليق لموضوع : ليس السياسيون وحدهم
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net