صفحة الكاتب : نزار حيدر

أَلْمُجَامَلَاتُ...لِمَاذَا؟! [٩]
نزار حيدر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

   أَخذت مدينة أَربيل {زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ} ولبِس مبنى البرلمانُ أَجملُ أزيائهِ الشَّعبيّة إِستعداداً لاستقبالِ الوفود الرّسمية وشبهِ الرّسمية التي دُعيت لحضورِ إِحتفاليّة التّوقيع على الاتّفاق الاستراتيجي التّاريخي!.

   فقد دُعيَ البرلمان الكُردي الى إِجتماعٍ هو الآخر تاريخي حضرتهُ وفودٌ وضيوفٌ عِدَّة كنتُ انا أَحدهُم، فقد امتلأَ الصفّ الأَوّل من قاعة البرلمان بِنا!.

   وبعد أَن ألقى قادة الحِزبَين وعلى رأسهم مام جلال طالباني وكاك مسعود بارزاني كلماتهُم الرّنّانة التي ألهبت مشاعر الحضور! تمَّ الإعلان في نهاية المطاف عن ولادةِ الاتّفاق الاستراتيجي التّاريخي الذي مدَّتهُ (١٠) أعوام حرَّم الاقتتال الكُردي الكُردي مهما كان السَّبب!.

   إِنفضَّ الاحتفال وخرجَ الجميع من مبنى البرلمان مستبشرينَ فرحينَ مطمئنِّينَ!.

   لم تمرّ (٤٨) ساعة فقط حتى اندلعَ أَعنفُ قتالٍ إِستمرّ بشَكلٍ مفجعٍ ومؤلمٍ إِنتهى بسيطرة قوّات الاتّحاد الوطني على أَربيل بالاضافةِ الى السُّليمانيَّة التي يُسيطر عليها بالأَساس، كونها معقلهُ التّاريخي! فيما حوصرَ الحزب الدِّيمقراطي بمصيف صلاح الدين وشقلاوة! وهو الأَمرُ الذي لم يقبل بهِ الحزب كأَمرٍ واقعٍ بأَيِّ شكلٍ من الأَشكال! فكان أَن لجأً الى حيلةٍ مثَّلت الطّامّة الكُبرى! الى الطّاغية الذّليل صدّام حسين ليطلب مِنْهُ المساعدة العسكريّة لطردِ خصمهِ اللَّدود الذي وقَّع معهُ للتّوّ الاتّفاق الاستراتيجي التّاريخي!.

   لم يتردَّد الطّاغية في الاستجابةِ للطَّلب ولم ينتظر طويلاً أَبداً! فطلب المساعدة من كاك مسعود يُعتبرُ بالنّسبةِ لَهُ الفُرصة الذَّهبيَّة التي طالَ انتظارُها ليُثبتَ للكُردِ قبل غيرهِم أَنّ مردَّهُم وملجأهُم في نِهاية المطاف الى بغداد!.

   صباح اليوم التّالي إِجتاحت قوّات بغداد مدينة أَربيل لتدمِّر أَوَّلاً وقبل كلِّ شَيْءٍ مقارّ المعارضة العراقيّة وتعتقل العشرات من عناصرِها وتنقلهُم الى بغداد ليتمَّ بعد ذَلِكَ إعدامهُم جميعاً!.

   ولولا لطف الله تعالى لكنتُ أَنا وعائلتي مِمَّن أَلقت المُخابرات العراقيّة، التي اصطحبتها القوّات العراقيّة معها لحظة إِجتياح أَربيل، القبض عليهِم واصطحبتهُم الى بغداد لمواجهةِ المصير المحتوم!.

   وهكذا عادَ الحقدُ والكراهيّة والحرب المُفترضة بين الحزبَين الحاكِمَين الى سابقِ عهدها! فلقد تمَّ تجريم [اللّون الأخضر] في أَربيل ولم يَعُد أَحدٌ يجرُؤ على الاجهار بولائهِ للاتّحاد الوطني! ولقد زاد من أُوارها فشل ما سُمِّي وقتها بـ [حرب التَّحرير] التي أَعلن عنها رئيس المجلس التَّنفيذي للمؤتمر الوطني العراقي الموحّد المرحوم الدّكتور أَحمد الجلبي! وبتصرُّفٍ شخصيٍّ لا علاقةَ لَهُ بحركةِ المُعارضةِ التي كانت تنضوي تحت لواء المؤتمر! في تلك القصّة المعروفة التي أَتمنّى أَن يُسعفُني الوقت يوماً لتدوينِ تفاصيلها للتّاريخ!. 

   إِستمرّ الانقسام الكُردي الكُردي على هذا الحال الى العام (٢٠٠٣) عندما قرَّرت إِدارة الرَّئيس بوش تفعيل قانون تحرير الْعِراقِ والذِّهاب لاسقاط نِظامُ الطّاغية الذّليل صدّام حسين!.

   فهل كان بالامكانِ أَن تذهب الولايات المتَّحدة الى الْعِراقِ في ظلِّ الانقسام الكُردي الكُردي؟! بالتَّأكيد لا لأَنّ الكُرد بالنّسبةِ الى واشنطن حلفاءَ مُحتملون أَكثر من أَيِّ طَرفٍ سياسيٍّ آخر من أطراف حركة المعارضة العراقيّة!.

   إِستدعى الأَميركان الزَّعيمَين الكُرديَّين مام جلال وكاك مسعود الى واشنطن بطائرةٍ عسكريَّةٍ خاصَّةٍ حملتهُما من قاعدة إِنجرليك التركيَّة للتَّباحث معهُم بشأن ضَرورة تجميد خلافاتهِم وترحيلِها الى ما بَعْدَ التّحرير والّا فانّهم سيزعلونَ عليهِما!.

   وبالفعل جمَّد الزَّعيمان كلَّ خلافاتهما وشاركا كَتِفاً الى كتفٍ في مَشروعِ التّغيير عام ٢٠٠٣!.

   لقد جمَّد الزُّعماء الكُرد خلافاتهم ورحَّلوها الى إشعارٍ آخر ولكنَّهم بالتأكيد لم ينسوها أَبداً! فإلى الآن أَسمع بعضهُم يقولُ بأَنّهُ ليس بوسعهِم نسيان ما فعلهُ كاك مسعود معنا عام (١٩٩٦) في إشارةٍ الى طلب المساعدة من الطّاغية ضدَّهم!.

   وهكذا عادت اليوم نَفْسِ المشاكل بينهُما وأَكثر، حتّى انقسمَ إِقليم كُردستان عملياً الى إِقليمَين واحِدٌ في الشِّمال وآخرٌ في الجَنوب! ولولا المراقبة الأَميركيّة والأوروبيَّة المستمرَّة للعلاقة بينهم لانفجرَ الاقتتالُ مرّةً أُخرى وبأشدِّ ما يَكُونُ رُبما!.   

   لماذا كلّ هذا؟!.

   لأَنّهم أَرادوا حلَّ مشاكلهِم الحقيقيّة بأَقصى المُجاملات!.

   والى هذا اليوم إِستمرَّت المواجهات الكُرديّة الكُرديّة بطُرُقٍ عِدَّة! وستستمرّ!.

   هذا نموذجٌ عراقيٌّ! فهل عرفتُم لماذا ظلَّت الأَزمات تترى على العراقييّن منذُ التّغيير عام ٢٠٠٣ ولحدِّ الآن؟!.    

   *يتبع

   ٧ شباط ٢٠١٧

                       لِلتّواصُل؛

‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نزار حيدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/02/08



كتابة تعليق لموضوع : أَلْمُجَامَلَاتُ...لِمَاذَا؟! [٩]
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net