صفحة الكاتب : محمد زكي ابراهيم

تولستوي
محمد زكي ابراهيم

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

في رواية تولستوي الشهيرة "آنا كريننا" التي كتبها في أواخر القرن التاسع عشر، يتحدث المؤلف عن نمطين من أنماط العيش في روسيا القيصرية قبل أن تعصف بها رياح الثورة. الأول هو ما كان يرزح تحته السواد الأعظم من الناس في السهوب والوديان والقرى الممتدة إلى ما لانهاية، إلى جانب نمط ثان هو ما كان يتمتع به النبلاء والإقطاعيون وسادة الأرض في المدن الكبرى، المكتظة بالسكان. 

وقد استطاع تولستوي بمهارته العالية أن يجمع بين الاثنين في عمل روائي طويل، وأن يقوم بعملية استشراف موضوعية للمستقبل، متنبئاً بأسلوب جديد للحياة العصرية، يضرب القيم التقليدية عرض الحائط. ولكنه يقر في النهاية أن دون ذلك خرط القتاد، وأن من العسير الاستمرار في ذلك إلى ما لانهاية، فيلقي ببطلته الجميلة تحت عجلات القطار.

والذين قرأوا هذه الرواية يدركون أن زمن المطولات قد ولى، وأن مؤلفات بهذا الحجم لن تجد لها سوقاً رائجة كما كانت عليه الحال من قبل. وأن تولستوي لو بعث من جديد لاختصرها بجزء أو جزءين من أجزائها الثمانية. ومع ذلك فباستثناء بعض التفاصيل التي أقحمها المؤلف انتصاراً لمذهبه الفكري فإن الرواية تبدو ممتعة ومتماسكة. وفيها من المفارقات ما يجعلها موضع إعجاب القراء أجمعين. ويصح اعتبارها في ما عدا ذلك رواية تاريخية تسجل ما طرأ على الحياة الروسية في تلك الحقبة من تحولات، فالرواية هي تأريخ من نوع خاص، يتصف بالشمول والواقعية.

ومن المؤكد أن هذه الرواية وسواها من مؤلفات تولستوي ورفاقه قد لعبت دوراً مهماً في تغيير قناعات الإنسان الروسي يومئذ. وأنه وجد فيهن أجوبة لما كان يخطر على باله من أسئلة. فالتغيير السياسي لا يأتي من دون مقدمات.

ولا أعلم على وجه القطع إن كان للأدب في العراق دور في حدوث الانقلاب على الدكتاتورية. إلا أن من الواضح أن عملاً من هذا الطراز لم يكن ليمر بسهولة داخل العراق. ومن حسن الحظ أن اللغة العربية ليست لغة العراقيين وحدهم، وأن هناك بضع مئات من الملايين من الناطقين بها في آسيا وإفريقيا، ينتجون أعمالاً فنية وأدبية مهمة تؤدي الغرض المنشود.

ليست هناك رواية واحدة أو مسرحية أو عمل درامي يمكن أن يكون أي منها مسئولاً عما حدث في العراق من تحول للرأي العام وإيمان بحدوث تغيير سياسي وأيديولوجي حاسم. ولكن من المؤكد أن كل ما كتبه إخواننا العرب أو أصدقاؤنا الأجانب عن الديمقراطية والدين والتعددية والعدالة الاجتماعية قد رفد المعارضة الشعبية بصنوف القوة والعزيمة والموضوعية، وجعلها تؤمن أن اي صلة لها بالخارج سوف تعود عليها بالفائدة بعد أن زالت في غمضة عين الحواجز التي تفصل أي بلد في العالم عن سواه من البلدان الأخرى في الشرق والغرب على حد سواء !


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد زكي ابراهيم
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/02/08



كتابة تعليق لموضوع : تولستوي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net