صفحة الكاتب : محمد الحمّار

! كتاب "إستراتيجيا" ح (8): لا يميننا يمين ولا يسارنا يسار
محمد الحمّار

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 لقد أدى الانقلاب العُقدي، بالتواطىء مع عوامل أخرى، إلى خلط رهيب بين اليمين واليسار في السياسة. وهو خلط متصل بثنائية تحمل نفس الاسم لكن سياقها لا يتسق مع سياق السياسة. أعني بذلك ثنائية اليمين واليسار في الدين. باختصار، عدم اتساق يمين السياسة (محافظة، تقليد، ثراء، إمكانية الظلم والاستبداد وما إلى ذلك) مع يمين الدين (الشهادة والمعاهدة والأكل والمصافحة والوضوء حركات تتمّ باليد اليمنى، إرضاء الله بأن يكون الكتاب في اليمين).

لكن المشكلة مشكلات. و هي كذلك كنتيجة لذلك الخلط. هنالك المتدين المسلم الذي يخشى اتهامه بالكفر لو مارس يسار السياسة. هذا في حال استيعابه لمفهوم اليسار في السياسة. وإن كان الأمر كذلك تراه يختفي إما وراء العلمانية و اللائيكية، وإما وراء التزمت الديني بمختلف أشكاله وألوانه. وهنالك المتدين الذي لا يختار الاختفاء وراء أحد السرطانين الاثنين. وهو الذي يختار يمين السياسة لأنّ اسمها "يمين" ولأنّ الدال عنده لا يمكن أن يدل إلا على الخير في كل الأحوال. فهذا المتدين يوهم نفسه بواسطة ممارسة الغش الفكري أنه يرضي ضميره. كما أنّ هنالك المتدين الذي يمارس يسار السياسة عنوة، وذلك على حساب الفهم والمعرفة. وهذا الصنف سرعان ما يتخلى عن أحد الممارستين، بحسب ظروفه دون سواها:
-  قد يتخلى عن التديّن إلى درجة اللجوء إلى الإقصاء تجاه المتدينين الممارسين للسياسة. وفي هذا الوضع تنتصب غالبية أهل اليسار تونس إجمالا، متكلسة مرجعياتهم ومواقفهم.
-  وقد يتخلى عن السياسة اليسارية من حيث لا يشعر ويتحول إلى ناشط يميني. وسبب تحوله أنه لم يوفق بين الحد الأدنى من التدين الذي أراد المحافظة عليه ليحفظ به ماء الوجه، وبين فهمه لطبيعة النضال السياسي اليساري من أجل المستضعفين والمظلومين والمقهورين والفقراء والمساكين والشغالين والعاطلين عن العمل. وهذا الصنف بقي يعيش في وهم اليسار بينما خسر تدينه ويساره. وهو صنف متوفر بكثرة في تونس.هم الذين نزعوا قبعة تشي جيفارا  ورزحوا تحت نير ربطة العنق، مُرتدين كسوة كبار المسؤولين في الإدارة والحكم في تونس في فترة أواخر الثمانينات والتسعينات والألفينات. وهم الذين زكوا النظام البائد إن بالتملق له ابتغاء الاعتياش من "سخاء" ذات اليد لديه، وإن بخدمته والولاء له عنوة ابتغاء التربع على الكراسي و الثراء الفاحش وتسلق السلم الاجتماعي بسرعة قياسية. 
والخلاصة أن لا أولئك ولا هؤلاء كانوا على الأقل أمناء في اختياراتهم. لو كانوا يتمتعون بحد أدنى من النزاهة ودماثة الأخلاق والوفاء للثقافة العربية الإسلامية و للشعب وللوطن وللأمة لاضطلعوا باختياراتهم. عندئذ كان من الممكن أن يصلحوا أنفسهم بأن يسمحوا للنخبة المثقفة أن تحسم الأمر (أمر الخلط والأخلاط) علميا وبالتالي أن تساهم في نحت شخصية التونسي المتصالح مع يمينه ومع يساره، إن في الدين أم في السياسة، أم في العلاقة بينهما مثلما سنرى. لكن هيهات، كان المثقف من المنتمين بالضرورة إلى إحدى التيارات الهجينة إن لم نقل إلى كلاها.  فكانت الثقافة ترجمانا أمينا للخور العقدي واللغوي، ومنه الإيديولوجي و السياسي.
محمد الحمّار
كانت هذه الحلقة (8) من كتاب بصدد الإنجاز: "إستراتيجيا النهوض بعد الثورة".
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد الحمّار
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/08/22



كتابة تعليق لموضوع : ! كتاب "إستراتيجيا" ح (8): لا يميننا يمين ولا يسارنا يسار
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net