صفحة الكاتب : كريم مرزة الاسدي

البحور المركبة بتفعيلتيها المرتبة (الحلقة الثامنة)
كريم مرزة الاسدي

نعرج في هذه الحلقة على بحور (دائرة المشتبه) المهملة , وتسألني لماذا الآن ؟  لئنّ البحرين المهملين (المتئد) و (المنسرد ) يتشكل كل شطر منهما بدايةّ ّمن تفعيلتين متشابهتين , ثم تعقبهما تفعيلة مغايرة كالسريع الفائت , أمّا (المطـّرد)  وضعناه على رأس المجموعة الثانية للدائرة الآنفة الذكر, لتشكله من تفعيلة واحدة بداية ً, تليها تفعيلتان متشابهتان , لتضمهم حلقة واحدة  .    
البحر المتـّئد نصفه حيٌّ ونصفه ميت (مهمل ) ! :
 البحر(المتـّئد) , اسمه اسم فاعل   من التـّؤدة ,أي السكينة , وهو مقلوب المجتث , وأجزاؤه :
فاعلاتن فاعلاتن مستفعَ لن        فاعلاتن فاعلاتن مستفعَ لن
الوزن كما تراه ثقيلا , ولو كره المحبون ! أشبه بالنثر المنظوم كقول البائع : ( منْ يشتري الباذنجان ) , على حد تعبير الجاحظ في بيانه وتبيانه , ووزنه (مستفعلن مفعولاتْ) , ويبقى البائع الباذنجاني أطرى نغماً , وألطف سمعا من الوزن اللغوي البحت - غير الفني - للمتعثر  (المتئد ) ,وتسألني لماذا أطلقت صفة المتعثر على هذا البحر البائس , أقول لك بحقً وحقيقة يعجبني المقطع ( فاعلاتن فاعلا ) ويطربني  كثيرا , ويمكن أن نحوله عروضياً الى (فاعلاتن  فاعلن ) : وإليك ارتجالاً مني :
بالبحور  الصافية          (بلْ بحو رصِْ    صافية     فاعلاتن فاعلن)
والقوافي الشـافية          (ولْ  قوا فِِشْ      شافية     فاعلاتن فاعلن )
نسكبُ السّرَّ الوفي        (نسْ كبسْ سرْ   رل وفي  فاعلاتن فاعلن  )  
للجمال ِ السّرمدي        ( للْ جما لسْ   سرْمدي    فاعلاتن  فاعلن)
يا أخا الّدّنيا أخي         ( يا أخد دنْ  يا أخي     فاعلاتنح  فاعلن )     
 هذاالوزن ياعزيزي القارىء المقطع الأول لشطر المتئد , وهو نفسه  (منهوك البحر المديد ) , والعرب لم تأتِ - الا ما ندر - بالمديد منهوكا ولا مشطورا  الا مجزوءا,ولابد أنك لاحظت المفطع , وتمعنت فيه , فأنّه يتشكل من (سبب خفيف - وتد مجموع - سببان خفيفان- وتد مجموع )( /ه //ه /ه /ه //ه   2 3  2 2 3        - ب - - - ب -) , دقق في الإيقاع غير الرتيب وغير الناشز في المقطع الكريم , بينما  يقع الخلل والثقل الذي أوسمته بالتعثر ؟ في النصف الثاني من تقطيع شطر البحر المتئد ( تن مس ْتفـْعَ لنْ) ( سببان خفيفان - وتد مفروق - سبب خفيف ) والوتد المفروق أصلاً هو سبب خفيف يليه حرف متحرك , فإذن المقطع يتشكل في واقعه من أربعة أسباب خفيفة وحرف متحرك يتيم , إنا لله وإنا إليه راجعون ! (/ه /ه /ه /ه/   2 2 3 (2 1 ) 2      - - - ب - ) , لا أخالك ترضى بهذا النصف الميت  ! , مثال تعبان من القديم على المتئد:
ما لسلمى  في البرايا  من مُشبهٍ          لا ولا البد رُالمنيرُالــمستكملُ (اشباع الضم الى واو)
فاعلاتن    فاعلاتن    مستفعَ لن          فاعلاتن   فاعلاتن   مستفعَ لن
وإليك  المثال الثاني , والصنعة واضحة على ملامحه الثقيلة :
كنْ لأخلا ِق التصابي  مستمرئاً          ولأحوال الشبابِ  مستحليا
و تجدر الإشارة الى أنّ زحافاته (الخبن : حذف الثاني الساكن في الحشو ) و(الكف : حذف الساكن السابع في الحشو) , و ضربه أحيانا قد يأتي مخبونا مقصوراً , أي  يعتري (مستفعلن) زحاف (الخبن) بحذف الساكن الثاني , وعلـّة (القصر) بإسقاط الساكن السابع , وإسكان المتحرك الذي قبله : فتصبح التفعيلة (متفـْعَ لْ ) فتتحول الى (فعولن) , فالعجزسيتشكل من ( فاعلاتن فاعلاتن فعولن ) , وهذا تتخيله  قريباً من عجز الرمل المحذوف ( فاعلاتن فاعلاتن فاعلن ) , ولكن لاحظ الثقل الكبير عند نطق البحرين حتى تعرف لماذا أهمل المتئد المسكين ,إليك هذا البيت من الرمل المحذوفة عروضته , والمحذوف ضربه, مع التصرف بإبدال كلمة (دائباً ) في الشعر الأصلي بكلمة (عالياً) لغرض المقارنة , ولهما نفس الوزن   :
لا تقلْ أصْلي وفصْلي عالياَ        إنـّما أصْل الفتى ما قد حصلْ
فاعلاتن    فاعلاتن  فاعلن         فاعلاتن  فاعلاتن    فاعلن
نتصرف بالبيت لنحوله الى المتئد المحذوف الضرب , وتأفـّف مستثقلا :
لا تقلْ أصلي وفصلي مُسْتعلياً       إنـّما أصل الفتى ما جناهُ
فاعلاتن   فاعلاتن   مستفعلن        فاعلاتن   فاعلاتن فعولن
كما ترى زيادة السبب الخفيف الثاني (تفْ) في (مستفعلن) , وتغيير مواقع الوتد المجموع والسبب الخفيف في تفعيلتي (فاعلن) و(فعولن ), غيّرت  إيقاع البحرين بتمامهما وكمالهما من جميل ذائع الى ثقيل ضائع , والمتئد لا يأتي مجزوءاً , لماذا ؟! لئنَّ مجزوءه مجزوء ( الرمل) (فاعلاتن  فاعلاتن ).
 البحر المنسرد (مهمل) :
   وجاء ( المنسرد) من سرد الحديث, إذا نطق به من غير توقف ولا غطيط (1) , وهذا وزنه مبني على تفعيلتين متشابهتين بداية , وتفعيلة مغايرة بعدهما مثله مثل ( السريع ) و ( المتئد)  السابقين, فأجزاؤه :
مفاعيلن  مفاعيلن فاعَ لاتن           مفاعيلن  مفاعيلن  فاعَ لاتن
 من زحافاته (الكف ) و (القبض : حذف خامس التفعيلة الساكن في الحشو ) , قيل عنه مقلوب المضارع (2)  - مررنا على هذا مر الكرام سابقا -  وما هو بمقلوبه تماماً  فالمضارع أصله (مفاعيلن فاعَ لاتن مفاعيلن ) مكررة مرتين , فالتفعيلة المغايرة جاءت وسطاً , فهو مقلوب البحر المهمل ( المطـّّرد) , وربما هو مولـّد من ( المتئد) كما ذهب بعضهم (3) , وأنا أرى - على أغلب الظن - أراد المولدون العبث بالهزج وأصله (مفاعيلن  مفاعيلن مفاعيلن ) , ولكن كما تعلمون هذا البحر لا يأتي الا مجزوءاً ( مفاعيلن مفاعيلن ) , لثقل التام منه , فرغبوا بالتغيير فأضافوا تفعيلة (فاعَ لاتن) الى مجزوء الهزج , فتورطوا بثقل أثقل , على كل حال  يبقى أخف من متئده على الأذن, والثقل يقع في  السبب الأول للتفعيلة الأخيرة (فا ) , فاذا حُذفت تصبح التفعيلة (عَ لاتن ) ,  فتتحول الى (فعولن )  , وبالتالي سينقلب الوزن الى مجزوء الوافر المعضوب , والعضب إسكان خامس ( مفاعلتن ) , إذ تتحول الى (مفاعيلن )  :
مفاعيلن مفاعيلن فعولن        مفاعيلن مفاعيلن فعولن
و ( بحور الشعر وافرها جميلُ ), ومثال هذا  ( الوافر)  الجميل :
إذا لم تسْتطعْ شيئاً فدعهُ       وجاوزهُ إلى ما تسْتطيعُ
بينما مثال المنسرد المثقل بـ (فا ) الزائدة إقرأ وتأفف  !:
لقد ناديتَ أقواماً حين جابوا       وما بالسمع من وقر ٍ لو أجابوا
لقد ناديْ  تأقْ وامن حيْن جابو     وما بلْ سمْ عمن وقـْرنْ  لوْأ جا بو
مفاعيلن   مفاعيلن   فاعََ لاتنْ        مفاعيلنْ    مفاعيلن      فاعَ لاتنْ
دقق  لو حذفت (حيْ) من الصدر , و (لوْ) من العجز - بغض النظر عن المعنى - لأصبح البيت خفيفاً جميلاً من مجزوء الوافر المعضوب :
لقد ناديت أقواماً نجابوا        وما بالسمع من وقر ٍأجابوا
وإليك المثال الثاني للمنسر الفاني :
على العقل فعوّل في كلّ شأن ِ           ودان ِكلّ من شئتَ أنْ تداني
البحر المطـّرد (مهمل) :
هذا البحر يدخل ضمن المجموعة الثانية من البحور المركبة حسب تصنيفنا , وهي التي تتشكل من تفعيلة واحدة مغايرة لتفعيلتيين متشابهتين من بعدها في الشطر الواحد ,وضعناه على رأس هذه المجموعة ,ليس لأهميته كما قد تتوهم , وإنّما لننتهي من البحور الهاملة المهملة , أجزاؤه :
فاعَ لاتن مفاعيلن مفاعيلن      فاع َلاتن مفاعيلن مفاعيلن (4)
زحافاته (القبض ) و (الكف) , قد يأتي تاماً أو مجزوءا , وفي كلتا الحالتين , العروضة إمّا صحيحة (مفاعيلن ) أو( مقبوضة (مفاعلن) ,  وضرب كلّ حالة منها, إمّا صحيح التفعيلة أو مقبوضها ,ولك أن تجرب ما تشتهي , إذا كنت شاعرا مطبوعا , أو متشاعرا مصنوعا ! وإليك ما أهدي إليك : 
منْ مجيري من الأشجانِ والكرْبِ          مَنْ مزيلي  من الأبعادِ بالقربِ
منْ مجيْ ري  منل أشْجا   نوَل كرْبي      منْ مزيْ لي    منل أبْعا   دبلْ قرْبي 
فاع َلاتن        مفاعيلن     مفاعيلن         فاع َلاتن         مفاعيلن     مفاعيلن
الوزن ثقيل , ولكنه شجي ببث الأشجان والأحزان المكبوتة في النفس المكلومة , وإليك مثال آخر :
ما على مستهام ٍريعَ بالصّّدِّ                       فاشتكى ثمَّ أبكاني من الوجدِ
ما على مسْ  تهامن ريْ  عبصْ صدْ دي        فشْ تكى ثمْ  مأَبْ كاني  منلْْ وجْدي
فاع لاتن       مفاعيلن      مفاعيلن              فاع لاتن      مفاعيلن     مفاعيلن
/ه/ /ه/ه        //ه/ه/ه       //ه/ه/ه                /ه/ /ه/ه       //ه/ه/ه     //ه/ه/ه
النظام ( - ب - -   ب - - -  ب - - -            - ب - -     ب - - -    ب - - -) المقطعي
العروض (3"2+1" 2 2        3 2 2    3 2 2             3"2+ا"  2 2    3 2 2      3 2 2 ) الرقمي
دقق رجاء الأوتاد المجموعة نصف الأسباب الخفيفة , أي الأسباب تعد ثلثين من أجزاء البيت , والتلث الباقي أوتاد, والوتد المجموع يأتي في بداية التفعيلات , ما عدا في تفعيلتي (فاعلاتن ) جاء وسطاً  , فحوروه الى وتد مفروق (3 "2+1" ليبقى أولا خدعة , لو غيّرنا موضعه , وأرجعناه الى البداية , لكانت التفعيلات :
مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن       مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن
وهذا هو البحر ( الهزج) بتمامه وكماله كما ورد في دائرته ( المجتلب) , ولكن لا يأتي الا مجزوءا , فحاولوا إعطاء جرعة للهزج التام  بتقديم سبب التفعيلة الأولى على وتدها في كلّّ شطر فـ (طردوه) , ثم أعادوا الكرّة مع التفعيلة الثالثة من كلّ شطر فـ (سردوه) ,  كي يُحيوه , فخاب مسعاهم و (المطرد ) و ( المنسرد) معاهم الى حين الإحياء الإحياء   , والاّ ...لا يصلح العطار ما أفسد الدهرُ  ...والدّرُّ - إنْ أهملتْ أيّامُهُ - درُّ !!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)حقي : المفصل  ص 133 مصدر سابق 
(2) الهاشمي : ميزان الذهب ص 128 مصدر سابق
(3 )عباس عودة شنيور : محاولات التجديد ... ص 7 جامعة البصرة 2002  م .
(4) ابن جني : العروض  ص 47  التقديم والتخقيق  د . احمد فوزي الهيب
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


كريم مرزة الاسدي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/08/20



كتابة تعليق لموضوع : البحور المركبة بتفعيلتيها المرتبة (الحلقة الثامنة)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net