صفحة الكاتب : د . محمد ابو النواعير

تاثير الفساد الاداري والمالي والبيروقراطي على مفهوم الخدمة الوطنية .. قرائة نقدية في خطاب السيد عمار الحكيم
د . محمد ابو النواعير

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

في الملتقى الاسبوعي الثقافي الذي يقيمه السيد الحكيم ( عمار ) تطرق الى عدد من المشاكل السياسية ( على الصعيد المحلي والاقليمي ) , وتناول بعدها مشكلة تعد من اهم المشاكل المجتمعية والادارية التي يعاني منها المواطن العراقي منذ عقود , الا وهي مشكلة الروتين الاداري البيروقراطي وتمظهره كصيغة توليفية جديدة من صور الفساد المالي والاداري , وكسرطان يعمل على تقويض البنى الادارية لمؤسسات الدولة العراقية الحديثة , مسلطا الضوء على اشكالية مفهومية مصطلح ( الخدمة الوطنية ) وأنطباقات هذا المصطلح على ارض الواقع من عدمه .
يقول السيد الحكيم (عمار) : \" ان مفهوم الخدمة الوطنية من المفاهيم الأساسية التي يتحدث عنها الجميع ولكن سياقات العمل اليومية لا تشير الى هذه الخدمة ، اليوم مجمل السلوك العام يوحي بدولة المسؤول وليس دولة المواطن ، الامتيازات والخدمات والصلاحيات والقرارات تتخذ من المسؤول اما المواطن فله الله ، ولا احد يقف طويلاً ويفكر بهموم المواطنين اليوم أكثر ما أسمعه من المواطنين ان المواطن عندما يدخل الى الدوائر الحكومية في الكثير من الحالات يجد الموظف او المسؤول غير متفاعل في تمشية معاملاته الإدارية وعليه ان يقدم عطاءات مالية حتى تنجر هذه المعاملة او تلك، انه شيء مؤسف للغاية في بلد كالعراق يعتز بالقيم الوطنية والإنسانية، ولكن هكذا يكون التعامل عندما يدخل الإنسان البسيط لانجاز معاملة او أي قضية يشعر بإحراج كبير ولا يستطيع انجاز معاملة الا بالعطاءات المالية ووساطة لهذا وذاك من الناس ويقولون له راجعنا بعد شهر او شهرين ويبقى اشهر طويلة يذهب ويأتي حتى تنجر المعاملة او لا تنجر، هذه ليست حكومة الخدمة الوطنية ، المواطن يدخل عزيز الى أي دائرة والمسؤول او الموظف في أي دائرة من واجبه قضاء حاجة المواطن وتسهيل مهمته , وهناك تفاصيل كثيرة وكثيرة ويخجل الإنسان ان يستعرضها \" .
ان ما تعرض له السيد الحكيم من مشكلة خطرة كمشكلة الفساد الاداري والمالي وبمختلف انماطه انما هو ظاهرة موجودة في مختلف المجتمعات والدول سواء كانت متقدمة او نامية بهذا القدر او ذاك ولاسيما فساد البيروقراطية ( الفساد الروتيني ) وهو الفساد المرتبط بممارسات مخالفة للسلوك الوظيفي القويم للموظف.
ان المفهوم اللفظي للبيروقراطية هو الادارة عن طريق المكاتب فهي طريقة في العمل او الحكم تتميز بتغليب المكتبية والروتين والاهتمام بالجوانب الشكلية من الامور من دون الاهتمام بالامور الجوهرية في العمل وكذلك تعني الانعزال عن الشعب واهمال حاجاته وقد انحرف معنى البيروقراطية في السنوات الاخيرة واصبح المقصود به التبذير والفساد وعدم التقيد .
 ولدت البيروقراطية ( مع افرازاتها : الفساد الاداري والمالي ) مع نشوء الدولة الحديثة المعززة بعدد كبير من الموظفين العموميين ورجال الادارة العامة ذوي الاختصاص بالمهام الموكلة اليهم او من سياسيين لهم نفوذ في الدولة وقراراتها السياسية لتحقيق مكاسب شخصية .
ويمكن القول ان الحضارات القديمة سواء في عهد الفراعنة في مصر والصين وكذلك في الامبراطورية الرومانية او دولة الاغريق شهدت نوعا من البيروقراطية البدائية ذلك ان هذه الدول القديمة عرفت نظام الوظيفة العامة ودعت الحاجة الى استخدام اعداد كبيرة من الموظفين لتنظيم عمليات الري والصرف وجباية الضرائب وكانت تلك المجتمعات تقوم على اساس العائلة والقبيلة ولم تعرف الانظمة الادارية المعقدة , والادارة لم تظهر الا مع ظهور مؤسسة الدولة المدنية حيث ظهرت الحاجة الى وجود ادارة تشرف على ايجاد الموارد المالية لتمويل حاجات الدولة واشباع خزينتها وركزت البيروقراطية وجودها وتوطدت اكثر بعد نهاية عصر النهضة الاوربية وخاصة بعد ظهور الفكر الليبرالي والثورة الصناعية .
 اذا نستطيع القول ان البيروقراطية والفساد الاداري لا يمثل في جوهره المجتمع بل هي سوف تتسبب بانفصال بين الدولة والمجتمع وتمثل التعارض بين المصلحة العامة وما يستخدمه اداريي الدولة لخدمة اوضاعهم ومصالحهم الشخصية .
لقد اعتبر جون ستيوارت مل ان البيروقراطية لا تقتصر على الجهاز الاداري فهي كذلك شكل من اشكال الحكومة وصفة تطلق على نظام الحكم بما يميزه عن الانظمة الاخرى .
ان جميع المؤسسات الحكومية فيها فئتان من الموظفين فئة تعمل بامانة ونزاهة ومهنية ولها القدرة الادارية بما يمكنها من اداء العمل الوظيفي والفئة الثانية لا تعمل بل تتظاهر بالعمل وليس لها القدرة الادارية والكفاءة بما يمكنها من اداء مهامها الوظيفية وفي ظل هذه الاوضاع تكون الفئة الثانية عالة على الفئة الاولى وهذه الفئة تقوم بجميع الواجبات لذلك تكون هذه الفئة متعبة ومرهقة من العمل الاداري وهم يخطئون ويعاقبون وهنا يلجأ الرؤساء الى تخطيهم في مجالات الترقية وتقتصر على الفئة الثانية غير العاملة وغير الفعالة وتكون لهؤلاء الترقيات ويرفع عنهم العقاب والتعيين والترقية لا تكون للمهنية والكفاءة والنزاهة انما للمحسوبية والمحاباة والمجاملة .
وتشير الدراسات والبحوث المتعلقة بالادارة العامة والجهاز الاداري في الدولة الى ان البيروقراطية في الادارة الحكومية لها عدة مظاهر وتتمثل بما يلي :
1. ضعف الثقة بين الجمهور والسلطة مما يثير السخط وعدم الرضا والنقد المباشر الاذع والمتكرر الذي يفقد السلطة شرعيتها في الاخير .
2. اثراء قلة على حساب الكثرة مما يزيد من اتساع الفجوة بين الفريقين وعدم العدالة والتميز الطبقي داخل المجتمع .
3. القلق وعدم الاستقرار في العمل وغياب الامان في الفرص التي يحصل عليها العامل .
 4. ظهور فئة من المتسلقين وكأنهم الصفوة التي يعتمد عليها في العمل في حين انها لامبرر لوجودها.
ان تفشي الفساد الاداري والمالي في الجهاز الاداري يرجع الى اسباب متعددة وأهمها اهمال الحكومة والقائمين عليها وفساد رجال الادارة العامة بسبب غياب المنظومة الاخلاقية من ضمير ونزاهة واخلاق لدى هذه الطبقة .
يقول فرانسيس فوكوياما في كتابه ( بناء الدولة ) ان المشاكل التي تحدث في مؤسسات الدولة , مثل الفساد المالي او مخالفة القانون او حتى الخمول البيروقراطي او التقاعس البسيط في الاداء , فمردها السلوك النفعي لأدارة الموسسة .
ويؤكد فوكوياما ايضا ان مشاكل الفساد الاداري لا تتنزل من الاعلى الى الاسفل , بل من الاسفل الى الاعلى وبشكل جانبي ايضا ضمن المؤسسة الواحدة .
وقد اشارت الدراسات الحديثة المختصة في مجال بناء الاجهزة الادارية الى وجود انماط عديدة للفساد الاداري والمالي . ومنها :
1 ـ الفساد العرضي ( الصغير ) :
وهو تعبير عن سلوك شخصي اكثر مما هو نظام عام في مؤسسة مثل الاختلاس او المحسوبية أو سرقة الادوات المكتبية أو بعض المبالغ البسيطة مما ينتج عنه الحصول على بعض المكافأت الخاصة وهذا مايسمى بنمط الاداري الديمقراطي  .
2 ـ الفساد المنتظم .
وهو الفساد الذي يعم مؤسسة حتى تصبح منظمة ادارة فساد، أي بمعنى اخر ان العمل برمته يدار من خلال شبكة مترابطة للفساد يستفيد ويعتمد كل عنصر على الاخر  ويكثر الفساد في القطاعات التي يسهل جني الربح منها حيث يسود الضعف في النظام وتضعف الرقابة والتنظيم وهذا مايسمى بنمط الادارة الفوضوية .
3ـ الفساد الشامل .
وهو النهب والسرقات الكبيرة  للاموال  الحكومية من قبل شركات وصفقات وهمية أي تحويل الممتلكات العامة الى مصالح شخصية بدعوى وطنية وهو  مايسمى بالنمط  الاداري الدكتاتوري ..
وقد يكون التعرض الى الحلول الواقعية لهذه المشكلة الخطرة يتطلب وضع خطط متنوعة طويلة الامد , وقد تعتبر الحكومة ( أذا توفرت فيها شروط المصداقية والثقة ) معنية بحل هذه المشكلة من خلال أستخدام السلطة والقوة من قبل اجهزة الادارة العليا لصنع القرار المصيري والستراتيجي ومتابعة تنفيذ تلك القرارات داخل المنظمة .
وتعتبر الحكومة الصالحة من الشروط الاساسية المسبقة لتحقيق الحكم الرشيد الذي يستطيع ردع الفساد المستشري في الدولة والمجتمع ..
وان جوهر الديمقراطية وبعيداً عن التعريفات والمعطيات الاكاديمية هو أن يختار الناس من يحكمهم ويسوس أمرهم والا يفرض عليهم حاكم يكرهونه أو نظام وان يكون لهم حق محاسبة الحاكم اذا أخطأ وحق عزله اذا انحرف  والا ينساق الناس الى اتجاهات او مناهج اقتصادية او احتماعية او ثقافية او سياسية لايعرفونها ولا يرضون عنها .
السيد الحكيم يحث على ان يمتلك المعنيين رؤية واضحة لحجم هذه المشكلة , فهو يرى انه ولحل هذه المشكلة : \" يجب  وضع المقاييس الدقيقة التي تضمن خدمة المواطن وتراعي مصالح الناس في كل صغيرة وكبيرة \".
محمد احمد ابو النواعير
Abunawaeer74@yahoo.com
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . محمد ابو النواعير
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2010/10/15



كتابة تعليق لموضوع : تاثير الفساد الاداري والمالي والبيروقراطي على مفهوم الخدمة الوطنية .. قرائة نقدية في خطاب السيد عمار الحكيم
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net