صفحة الكاتب : نبيل محمد حسن الكرخي

نشوء التاريخ وحقيقة الخلق وأوهام الملحدين – ( 2 )
نبيل محمد حسن الكرخي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
ومن خلال دراسة الانفجار العظيم ومحاولة تعقله على مستوى الفكر الانساني ، نجد ان هناك حاجة للإجابة عن الاسئلة التالية ، وربما هناك أسئلة أخرى ، ولكن قد تكون هذه هي الاسئلة الرئيسية التي لها علاقة بالعقيدة الدينية ، كما أن لها علاقة بالعلم أيضاً لأنها تجعل النظريات العلمية متكاملة.
1.     ما هو مصدر المادة التي انفجرت ؟
2.     ما هو سبب البدء بالانفجار العظيم ؟
3.     كيف كان الكون قبل لحظة الانفجار العظيم ؟
4.     كيف انتقل الكون الى الانتظام والتناسق بعد الانفجار ؟
اما المؤمنون فيجيبون عن السؤالين الاولين والسؤال الرابع بأن الله (سبحانه وتعالى) هو خالق المادة التي انفجرت – على فرض صحة النظرية وتماميتها – وان الانفجار تم بإرادته سبحانه وتعالى فهو مسبب الانفجار العظيم وخالق الكون. وان الإنتظام والتناسق بعد الانفجار إنَّما تم بإرادة الله (جلَّ جلاله) ومشيئته. اما ما قبل الانفجار العظيم فلم يكن شيء من العالم المادي. كان الله (تبارك وتعالى) في وجوده المجرّد المتفرّد. ومعنى التجرّد هو حيث لا مادة ولا مكان ولازمان. 
قال تعالى في سورة الكهف: ((مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا)).
وفي الكافي للكُليني عن زرارة انه سأل الامام محمد الباقر (عليه السلام): "أكان الله ولا شيء؟ قال: (نعم كان ولا شيء). قلت: فأين كان يكون؟ قال: وكان متكئاً فاستوى جالساً وقال: (احلت يا زرارة وسألت عن المكان إذ لا مكان)". ومعنى قول الامام الباقر(عليه السلام): "احلت يا زرارة" أي: "تكلّمت بالكلام المحال وهو الذي ليس له وجه صحّة اصلاً"[1].
ولا مانع من البحوث العلمية - عند المؤمنين – للوصول الى حقائق الكون وتكوينه، ولكن هناك حد للمعرفة لا يمكن للإنسان ان يتجاوزه وهو الحد الذي يقف عنده حد فهم العقل الانساني. فالعقل الانساني له مستوى من الفهم لا يتمكن ان يتعداه بحسب خلقته، ولذلك نجد أن الملحدين يبحثون ويؤسسون النظريات ومع ذلك هناك اسئلة يعترفون أنهم لا يمتلكون اجوبتها وان عقلهم لا يمكن ان يصل اليها ! ومن الممكن ان نذكر مقوله إيمانويل كانط: "عندما تنتهي حدود العقل تبتدئ حدود الإيمان". ويقول الاستاذ محمد تقي فاضل: "لقد كشف كانط محدودية العقل البشري بكتابه نقد العقل المحض، محوّلاً تمام أعمال دعاة العقلانية إلى ركام"[2].
واما الملحدون ، فهم عاجزون لحد الآن عن إجابة السؤالين الاولين ، واما السؤال الثالث (كيف كان الكون قبل لحظة الانفجار العظيم؟) فيزعمون انه لم يكن هناك شيء ! يقول ستيفن هوكينغ: 
"إذا كنا نعرف فقط ، كما هو الحال فعلاً ، ما قد حدث منذ الانفجار الكبير ، فإننا لا نستطيع أن نحدد ما حدث قبل ذلك ، وبقدر ما يخصنا ، فالاحداث قبل الانفجار الكبير لا يمكن أن تكون لها نتائج ، وهكذا فإنها ينبغي ألّا تشكّل جزءاً من أي نموذج علمي عن الكون. وإذن ينبغي أن نحذفها من النموذج ونقول ان الزمان له بداية عند الانفجار الكبير"[3]. 
ومن الواضح ان الملحد لا يريد ان يبحث عما سبق الانفجار الكبير او العظيم ، لأن الله سبحانه وتعالى هو المتفرّد بالوجود. والملحد لا يريد ان يعترف بما يروى عن الامام جعفر الصادق (عليه السلام) أنه قال: (كان الله ولم يكن معه شيء)[4]. 
 
ويرى أينشتاين في نظريته النسبية العامة أنَّ الزمان يبدأ عند متفرّدة الانفجار الكبير وسوف يصل الى نهايته إما عند متفرّدة الانسحاق الكبير (إذا تقلص الكون ثانية) أو عند متفرّدة singularity من داخل ثقب اسود[5]. وهذا يمكن مقاربته لقوله تعالى في سورة الانبياء (عليهم السلام): ((يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ)).
ويقول ستيفن هوكينغ: 
"ويعتقد ان الكون وقت الانفجار الكبير نفسه كان حجمه صفراً ، وبهذا يكون ساخناً على نحو لا متناه"[6] ! 
وإذا كان حجم الكون صفر فهو إذن غير موجود! والظاهر انه يصفه بذلك لشدّة صغره، كما بيّناه آنفاً. وهنا يبرز تساؤل عن كيفية ظهور السخونة غير المتناهية ؟ وما هو مصدرها ؟ بل من الذي خلقها سواه (جلَّ في علاه). قال تعالى في سورة فاطر: ((هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ)).
 
وكذلك كيف يمكن ان يفسر الفيزيائيون سبب السخونة اللامتناهية لـ "بروتو الكون" ومصدرها، كما هي فرضيتهم في نظرية الانفجار العظيم ؟ وكيف يفسروا سبب الانفجار العظيم؟
والمادة متلازمة مع المكان، وكل المخلوقات، المجرات والملائكة والارواح والجن والبشر تحتاج الى مكان لوجودها. فقط الخالق وحده هو الغني عن المكان ولا يحتاجه ، لأنه موجود قبل خَلْقِهِ، وهو الذي خَلَقَهُ. والعقل البشري لا يستطيع تخيل موجود في "لا مكان" ، إذ أننا عندما نحاول تصوّر أو تخيّل اللامكان فلا نواجه إلا العماء ! فكيف اذا كان ذلك الموجود هو الذات الالهية المقدسة التي لا يمكن ابداً لإنسان ادراك كنهها او تخيل كيف تكون. فيكون تصورّنا أو تخيّلنا لوجود الخالق في اللامكان هو عماء في عماء.
في نهج البلاغة: عن أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليهما السلام): (من وصفه فقد حدّه ، ومن حدّه فقد عدّه ، ومن عدّه فقد ابطل أزله ، ومن قال كيف؟ فقد استوصفه ، ومن قال أين؟ فقد حيزه. وعالم إذ لا معلوم. ورب إذ لا مربوب. وقادر إذ لا مقدور)إلخ[7]. 
وعنه (عليهما السلام) في إحدى خطبه يصف الخالق (سبحانه وتعالى): (لا تصحبه الاوقات ولا ترفده الادوات ، سبق الاوقاتَ كونُه والعدمَ وجودُه والابتداءَ ازلُه) إلخ[8].
ويروى عن الامام محمد الباقر (عليه السلام) انه قال لاصحابه: (وكلّ ما ميّزتموه بأوهامكم في أدقّ معانيه مخلوق مصنوع مثلكم مردود اليكم ، والباري تعالى واهب الحياة ومقدّر الموت ، ولعلّ النمل الصغار تتوهّم أنَّ لله زبانيتين فإنّهما كمالها ، تتوهّم أنَّ عدمهما نقصان لمن لا يكونان له ، هكذا حال العقلاء فيما يصفون الله تعالى به)إلخ[9].  
وفي الكافي ، روى الشيخ الكليني بسنده أن نافع بن الازرق سأل الامام محمد الباقر (عليه السلام) فقال: أخبرني عن الله متى كان؟ فقال الامام الباقر (عليه السلام): (متى لم يكن حتى اخبرك متى كان، سبحان من لم يزل ولا يزال فرداً صمداً لم يتخذ صاحبة ولا ولدا)[10].
 
اما بخصوص السؤال الرابع: كيف انتقل الكون الى الانتظام والتناسق بعد الانفجار ؟
يقول ستيفن هوكينغ عن القانون الثاني للديناميكا الحرارية: 
"هو يقرر ان الانتروبيا [أي العشوائية] في نظام منعزل تتزايد دائماً"[11].
ومما كتبه ف. بوش في كتابه اساسيات الفيزياء، عن القانون الثاني للديناميكا الحرارية: 
"تحدث جميع التغيرات التلقائية بحيث تزداد الفوضى في الكون"[12]. 
وهذا القانون في حالة تطبيقه على الكون كله مع نظرية الانفجار العظيم ، سنصل الى نتيجة انه لو لم يكن هناك خالق للكون لما وجدنا هذا النظام والتصميم الدقيق للكون ، من مجرات وكواكب ومجموعات شمسية وحتى مجموعتنا الشمسية وظروف الحياة على الارض. لان هذا القانون يقود للفوضى وليس للنظام. بمعنى أن نتائج الانفجار العظيم وما تمخّض عنه يكون مجموعة من النجوم والكواكب المبعثرة والعشوائية وغير المنتظمة في مجرات ومدارات إلخ. أي لم نكن لنتمكن ان نشاهد هذا التركيب العجيب والذكي للكون لو لم تكن هناك إرادة في تركيبه على هذا النحو من قبل الخالق (تبارك وتعالى). 
وضمن نفس الاطار يتحدث ستيفن هوكينغ قائلاً: 
"وحتى لو ثبت أن البحث عن الثقوب السوداء البدائية أمر سلبي ، كما يبدو ، فإنه مع ذلك سيعطينا معلومات مهمة عن أطوار الكون المبكرة جداً. ولو كان الكون المبكر في حالة فوضى أو عدم انتظام  أو كان ضغط المادة منخفضاً فإن المرء ليتوقع له ان يستنتج عدداً من الثقوب السوداء البدائية أكثر كثيراً من الحد الذي حدَّدته من قبل مشاهداتنا عن خلفية أشعة جاما. ولا يستطيع المرء أن يفسّر عدم وجود أعداد قابلة للرصد من الثقوب السوداء البدائية إلا لو كان الكون المبكر مستوياً ومتسقاً جداً وذا ضغط عالِ"[13]... "اننا لم نتمكن بعدُ من العثور على ثقب أسود بدائي"[14].
فمحصلة كلامه ان الانتظام والتناسق هو سمة الكون منذ البدء ، منذ لحظة الانفجار العظيم ، وفق تصميم متقن وذكي بل أكثر من عبقري، بخلاف القانون الثاني للديناميكية الحرارية. لأنه يعترف بأنه لم يتم العثور على ثقوب سوداء بدائية ، وكلما كان عدد الثقوب السوداء البدائية أكبر كلما دلّ ذلك على ان الفوضى أكثر ، وهو يعترف بأنَّ:
 " عدم وجود أعداد قابلة للرصد من الثقوب السوداء البدائية إلا لو كان الكون المبكر مستوياً ومتسقاً جداً وذا ضغط عالِ". 
هذا هو ما تم منذ اول لحظة للتاريخ بل اجزائها ، الانتظام والتناسق ، هو صفة الكون ، بخلاف القانون الثاني للديناميكا الحرارية ، لأن هناك ارادة أقوى ارادت للكون ان ينتظم ويتناسق ، هي إرادة الخالق.
وقد حاول ستيفن هوكينغ ان يجد مخرجاً لهذه المشكلة التي تعني قَبْرُ الإلحاد ، فقال: 
"... وحيث ان الكون سيكون في حالة تمدّد من قبل ، تماماً مثل ما في نموذج الانفجار الكبير الساخن ، فإن المفعول التنافري لهذا الثابت الكوني سيجعل الكون إذن يتمدّد بسرعة تتزايد أبداً. وحتى في المناطق التي تكون جسيمات المادة فيها أكثر من المتوسط ، فإنَّ شدّ جاذبية المادة سيتفوّق عليه مفعول هذا الثابت الكوني التنافري. وهكذا فإن هذه المناطق ستتمدَّد أيضاً على نحو تضخمي متزايد السرعة. وإذ هي تتمدَّد ويزداد تباعد الجسيمات ، فإن المرء سيجد كوناً متمدداً يحوي بالكاد أي جسيمات وما زال في حالة البرودة الفائقة. وأي أوجه عدم انتظام في الكون ستتم ببساطة تسويتها بالتمدد ، مثلما تُسوَّى تجعدات البالون المطاطي عندما يُملأ بالهواء. وهكذا فإن حالة الكون الحالية من استواء واتساق يمكن أن تتطوَّر من حالات ابتدائية كثيرة مختلفة متسّقة"[15]. 
وواضح ان هذا المثال الذي ذكره هوكينغ لا يسعف هذه الحالة ، فإنَّ تجعدات البالون تُسوّى عندما يملأ البالون بالهواء بجزيئاته العشوائية ، وحينما تسوى تجعدات البالون تبقى الجزيئات داخل البالون على عشوائيتها ولا تنتظم كما تنتظم الكواكب ! في حين ان الكون (الذي يقابل البالون في مثال هوكينغ) حينما امتلأ بالنجوم والكواكب العشوائية بحسب القانون الثاني للديناميكية الحرارية، فإن تلك النجوم والكواكب اخذت تنتظم دون سبب واضح مع تمدد الكون ، بخلاف مثال البالون ! وفي الحقيقة فإن تمدد الكون هو في حقيقته توسع للمجرات التي تملئه. فالكون هو الفراغ الممتليء بالمجرات، وتمدد الكون لا يعني تمدد الفراغ بل تمدد المجرات (بما فيها من نجوم وكواكب وثقوب سوداء) وتوسعها. أي ان النجوم والكواكب هي التي انتظمت وبدأت بالتمدد في نفس الوقت لسبب مجهول بالنسبة للملحدين لمخالفته للقانون الثاني للديناميكا الحرارية، ومعلوم بالنسبة للمؤمنين وهو ان ذلك تم بمشيئة الخالق (سبحانه وتعالى). إذن لم يفلح هوكينغ في تفسير كيفية انتقال النجوم والكواكب من العشوائية الى الإنتظام والتناسق. فإنَّ مجرّد تمدد الكون يعني اتساع المجال الحاوي على النجوم والكواكب العشوائية واتساع المجال لوحده لا يسبب الانتظام بل يسبب اتساع المجال الذي تدور فيه النجوم والكواكب بصورة عشوائية مؤدية الى تصادمها وانهيارها !
ولا ننسى ان التفسير الذي ذكره هوكينغ لانتقال الكون من العشوائية الى الانتظام والتناسق يتعارض مع كلام سابق له في كتابه نفسه حيث قال: 
" ان الانتروبيا – أي العشوائية – في نظام منعزل تتزايد دائماً"[16].
تقول لسلي ويكمان: 
" ومثلما رأى هويل ذلك، فإنّ الانفجار العظيم لم يكن انفجارا فوضويا، ولكن على العكس من ذلك، حدثا منظما بكيفية دقيقة جدا، ولم يكن له أن يحدث بمحض الصدفة"[17]. 
وهذا يعني أن الانفجار العظيم بدلاً من أن يولّد الفوضوية فقد خالف طبيعة المادة وقوانين الفيزياء وانتظم في تناسق فريد، وهذا لا يمكن أن يحدث بدون تدخل خالق عظيم وحكيم.
واقترح ان يتم تغيير اسم النظرية من (الانفجار العظيم) الى (الانبثاق العظيم)، فهو أقرب الى الواقع الذي يحكي عن انبثاق الكون وخلقه تم بإرادة إلهية. وأيضاً واقع يتحدث عن عدد من الاسئلة – كالتي ذكرناها في هذا البحث – لا يمكن للملحدين الاجابة عنها إجابة عقلائية إلا بالاعتراف بما تقوله الاديان السماوية.
 
مشكلة قوانين الفيزياء والانفجار العظيم:
يتعامل علماء الفيزياء مع قوانينها تعاملاً فيه قدسية كبيرة ! فهم لا يتصورون كوناً لا سلطة لقوانين الفيزياء فيه !؟ ولذلك تجد أن أينشتاين آمن بحتمية الكون وكل ما فيه من حركة حتى افعال الانسان اعتبرها خاضعة لقوانين لا يمكنه الحيود عنها ! وحينما قالت نظرية الانفجار العظيم بأن الانفجار وبدايات نشوء وتشكل الكون لم تكن تخضع لقوانين الفيزياء المعروفة بل انها تشكلت بعد أن استقر الكون، نجد ان بعض علماء الفيزياء يتذمرون من هذه النقطة في هذه الفرضية، أي نقطة ان لا يكون الانفجار العظيم خاضعاً لقوانين الفيزياء !!
يقول ستيفن هوكينغ:
"نظرية النسبية العامة ..... تتنبأ بأن الكون بدأ بكثافة لا متناهية عند متفرِّدة الانفجار الكبير. المتفرِّدة تنهار عندها النسبية العامة وكل قوانين الفيزياء الأخرى: فلا يستطيع المرء أن يتنبّأ بما سينتج عن المتفرِّدة. ... فإنَّ هذا يعني أن المرء يستطيع أيضاً أن يحذف الانفجار الكبير وأي احداث من قبله، خارج النظرية، لأنها لا يمكن أن يكون لها تأثير على ما تشاهده. وسيكون للمكان- الزمان حد (أي بداية) عند الانفجار الكبير". يبدو ان العلم قد ازاح الغطاء عن مجموعة من القوانين تخبرنا، في نطاق الحدود التي يضعها مبدأ الريبة، عن الطريقة التي سيتطوّر بها الكون بمضي الزمن، لو عرفنا حالتها في أي وقت بعينه. هذه القوانين ربما كانت أصلاً صادرة عن الرب، إلا انه يبدو وكأنه بعدها ترك الكون ليتطوَّر حسب هذه القوانين ولم يعد يتدخل الآن فيه، ولكن كيف اختار الرب الحالة الابتدائية أو الشكل الابتدائي للكون؟ ماذا كانت (الشروط الحديّة) عند بدء الزمان؟ إحدى الاجابات الممكنة هي القول بأن الرب أختار الشكل الابتدائي لأسباب لا يمكننا أن نأمل في فهمها. ومن المؤكّد أن هذا أمر يدخل في نطاق سلطة كائن له قدرة مطلقة، ولكن إذا كانت القدرة المطلقة قد بدأت بطريقة غير مفهومة هكذا لماذا اختارت أن تترك الأمر يتطور حسب قوانين نستطيع أن نفهمها؟ ظل هدف العلم على مدى تأريخه كله هو التحقُّق تدريجياً من أن الاحداث لا تحدث اعتباطياً، ولكنها تعكس نظاماً معيّناً في الاساس، قد يكون أو قد لا يكون ملهماً ربانياً. سيكون من الطبيعي لا غير افتراض أن هذا النظام ينبغي أن ينطبق، ليس فحسب على القوانين، وإنما ينطبق أيضاً على شروط حد المكان- الزمان التي تعيِّن الحالة الابتدائية للكون. قد يكون ثمَّة عدد كبير من نماذج للكون لها ظروف ابتدائية مختلفة كلها تخضع للقوانين. ينبغي أن يكون ثمَّة مبدأ ما ينتخب حالة واحدة وبالتالي نموذجاً واحداً ليمثل كوننا"[18].
يعترف الملحد هوكينغ في ان الانسان له قدرات عقلية محددة لا تمكنه من فهم كيفية نشوء الكون بل لا يمكن أن يأمل في فهم ذلك. والملحد الاخر ريتشارد دوكنز يقول شيئاً مماثلاً: 
"ان امخاخنا قد بُنيت للتعامل مع أحداث ذات (مقاييس زمنية) تختلف جذرياً عن تلك التي تميّز التغير التطوري"... ان امخاخنا معرضة لمقاومة الداروينية"[19].
إذن هما متفقان على امر واحد وهو ان هناك قوانين لا يتمكن عقل الانسان من فهمها. الملحد هوكينغ يرى انها القوانين التي بدأ نشوء الكون بها، والملحد دوكنز يرى انها القوانين التي تطورت الحياة وفقاً لها.
ونقول ان الإله (تبارك وتعالى) إنما خلق الكون فانبثق من العدم بقدرته العجيبة والعظيمة، وهذا يعني ان قوانين الخلق والانبثاق – إنْ كان هناك قوانين – لا يمكن لإنسان ان يفهمها او يتعقلها. اما ما حدث بعد ذلك من انفصال القوى الاربعة (الكهرومغناطيسية والنووية الشديدة والنووية الضعيفة والجاذبية) فقد تكونت تدريجياً الامر الذي ادّى الى تشكّل الكون بالطريقة التي مرها اليوم. وربما هذا يستفاد من قوله تعالى: ((((إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ))، والذي قد يستفاد منه التدرج في خلق الكون لمدة (ستة أيام) لا نعلم هل هي من ايامنا الارضية او ايام أخرى حسابها مختلف. المهم ان الآية تتحدث عن الخلق التدريجي في ستة ايام، والظاهر ان هذا حدث بعد الانبثاق من العدم، قال تعالى: ((بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ)). إذن كان الخلق من العدم بـ (كن فيكون)، ثم تطور الخلق تدريجياً نحو اكتمال القوانين الفيزيائية. وللأمرين دلالتاهما. فالخلق من العدم يثبت وجود إله قدير. والتدرج في القوانين تثبت وجود إله عليم وحكيم، وهو تدرّج يقود الانسان لتعقل نشوء الكون والبحث عمّن قنن تلك القوانين واخضع الكون لها. 
 
ويقول هوكينغ: 
"الهدف النهائي للعلم هو ان يمد بنظرية وحيدة تصف الكون كله"[20]. 
ويقصد بها وجود نظرية تجمع القوى الفيزيائية الاربعة: القوة الكهرومغناطيسية، والقوة النووية الضعيفة والقوة النووية القوية وقوة الجاذبية. 
ويقول أيضاً: 
"فإنَّ معظم الفيزيائيين يأملون في العثور على نظرية موحَّدة تفسِّر كل القوى الاربع على انها أوجه مختلفة لقوة وحيدة. والحقيقة أن الكثيرين سيقولون إنَّ هذا هو الهدف الرئيسي للفيزياء اليوم"[21].
وقد تم النجاح بتوحيد القوى النووية الضعيفة والقوى الكهرومغناطيسية فقط، بنظرية (واينبرج- سلام) وبسببها مُنِحَ  العالم الفيزيائي الباكستاني محمد عبد السلام وعالم الفيزياء الامريكي ستيفن واينبرج Steven Weinberg في عام 1979 جائزة نوبل للفيزياء.
فخلاصة ما يريد هوكينغ قوله – في النص الاخير والنصوص التي سبقته - ان هناك نوعان من القوانين الاولى هي التي ابتدأ بها الكون عند الانفجار العظيم، وهي تلك القوانين التي قال عنها (لا يمكننا أن نأمل في فهمها)، ولكن هذا يعني تثبيت لحقيقة وجود الخالق، ولذلك فقد بدأ يسعى، هو وآخرون، الى ايجاد نظرية توحد القوى الاربعة، بمعنى ان تكون القوة الجديدة الناتجة من ذلك التوحيد هي  مشابهة أو نفس القوة والقوانين التي سارت عليها القوانين الابتدائية – بحسب ظنه - وبعد حدوث الانفجار العظيم تفرقت تلك القوى الى الاربعة المعروفة وبدأت القوانين الفيزيائية التي نعرفها اليوم !
إذن يمكن ان نقول ان ايجاد نظرية تجمع القوى الاربعة يعني تقوية رأي الالحاد – بحسب ظن الملحدين! - في عدم وجود خالق للكون وعدم وجود مسبب للإنفجار العظيم، فهو يزعم ان الانفجار العظيم حدث تلقائياً ووفق القوانين الفيزيائية التي نعرفها اليوم نفسها، غاية ما في الامر أن تلك القوانين في بدء الانفجار العظيم كانت متوحدة وبعد ذلك تفرقت، فالفيزياء هي التي تحكم نشوء الكون وليس الخالق – بحسب اوهام الملحدين - سواء في حالته الابتدائية او الدائمية التالية لها !! مع احتمال ان تلك القوى المتوحدة بقوانينها الفيزيائية المعروفة قد نتجت عن تلك القوانين (التي لا يمكن فهمها) وانبثقت عنها.
وحيث أن الفيزيائيين لحد الان عاجزون عن إيجاد النظريّة الموحدة، فإن بعضهم يزعم احياناً أن القوانين التي كانت في الحالة الابتدائية عند نشوء الكون هي نفس القوانين التالية لتلك المرحلة !! يكذبون احياناً من أجل تمرير عقيدتهم الإلحادية !
فبعض هؤلاء الملحدون يبحثون عن القوانين التي كانت سائدة في بداية الكون ولا يبحثون عمن قنن تلك القوانين، ولا عمَّن تسبب في ان تسلك المادة سلوك تلك القوانين. يتصورون ان وجود قوانين الفيزياء هي نهاية المطاف وهو في الحقيقة بدايته !
 
ب ـ نظرية الاكوان المتعددة المتوازية Many worlds theory :
فكرة الاكوان المتعددة Multiverse يتم التعامل معها بأسلوبين، الأول يلجأ اليه بعض علماء الفيزياء الملحدين لإيجاد نظرية بديلة عن نظرية الانفجار العظيم التي يطرحونها لأنها تتحدث عن بداية للكون، الأمر الذي يحتم الإعتراف بوجود الخالق، وهو ما يخالف عقيدتهم الإلحادية. فيلجأون الى الإدعاء بوجود عدد كبير جداً من الاكوان وظهور كوننا وارضنا هو احد الاحتمالات من بين ملايين الاحتمالات المتأتية من ملايين الاكوان !
 
والاسلوب الثاني يعتبرها نظرية وُجدت لتحل مشكلة معينة في ميكانيك الكم. هدفها كان محدداً لكنها خلقت مشكلة كبيرة أو ربما إكتشاف كبير ومذهل ! فقد جاء في موسوعة الويكيبيديا: 
"في عام 1954، مرشح للدكتوراة من جامعة برنسيتون اسمه (هيو إيفيرت) جاء بفكرة جذرية: أنه يوجد أكوان متوازية، بالضبط شبه كوننا. كل هذه الأكوان على علاقة بنا، في الواقع هم متفرعين منا وكوننا متفرع أيضاً من آخرين. خلال هذه الأكوان المتوازية، حروبنا لها نهايات مختلفة عن ما نعرف. الأنواع المنقرضة في كوننا تطورت وتكيفت في الآخرين. في أكوان أخرى ربما نحن البشر أصبحنا في عداد المنقرضين. هذا التفكير يذهل العقل ولحد الآن ما يزال يمكن فهمه. الأفكار العامة عن الأكوان أو الأبعاد المتوازية التي تشبهنا ظهرت في أعمال الخيال العلمى. لكن لماذا يقوم فيزيائي شاب ذو مستقبل بالمخاطرة بمستقبله المهنى عن طريق تقديم نظرية عن الأكوان المتوازية؟
بنظريته عن الأكوان المتوازية، إيفريت كان يحاول الإجابة عن سؤال صعب متعلق بفيزياء الكم: لماذا الأجسام الكمية تتصرف بشكل غير منضبط؟ إن المستوى الكمى هو أصغر ما اكتشف العلم حتى الآن. دراسة فيزياء الكم بدأت في عام 1900، حينما قدم العالم ماكس بلانك هذا المفهوم لأول مرة على المجتمع العلمى. دراسات بلانك للإشعاع دفعت نحو بعض الاكتشافات التي تتعارض مع قوانين الفيزياء التقليدية. هذه الاكتشافات اقترحت وجود قوانين مختلفة في هذا الكون، تعمل على المستويات العميقة غير تلك القوانين التي نعرفها.
في المدى القصير، الفيزيائيين الذين قاموا بدراسة مستوى الكم لاحظوا أشياء غريبة عن هذا العالم. أولاً، الجزيئات الموجودة في هذا المستوى تأخذ أشكالاً مختلفة بشكل اعتباطى. على سبيل المثال، العلماء لاحظوا أن الفوتونات (رزم صغيرة من الضوء) تتصرف كجسيمات وكأمواج! حتى الفوتون المفرد يقوم بهذا التناوب في الحالة. تخيل أنك ظاهر وتتصرف كإنسان صلب حينما ينظر إليك صديق، لكن حينما يلتفت إليك ثانيةً تكون تحولت إلى غاز! عُرف بمبدأ عدم اليقين لهايزنبرج. الفيزيائي "فيرنر هايزنبرج" اقترح أنه بمجرد ملاحظة المادة الكمية، فنحن نؤثر في سلوكها. وبالتالى، فنحن لا يمكن أن نتأكد تماماً من طبيعة الشئ الكمى ولا صفاته المميزة، مثل السرعة والموقع.
هذه الفكرة تم دعمها بتفسير كوبنهاغن لميكانيكا الكم. هذا التفسير طرحه الفيزيائي الدنماركي "نيلز بور"، أن الجسيمات الكمية لا تتواجد على حالة واحدة معينة أو على حالة أخرى، لكن في كل هذه الحالات المحتملة في نفس الوقت. إجمالي مجموع الحالات للشئ الكمى يسمى بدالة الموجة wave function. وحالة الشئ الموجود في كل حالاته الممكنة في نفس الوقت، تسمى بالوضع الفائق superposition.
طبقا لبور، حينما نقوم بملاحظة شيء كمى، فنحن نؤثر في سلوكه. الملاحظة تقوم بكسر حالة الوضع الفائق للشئ وتجبره على اختيار حالة واحدة من دالة الموجة الخاصة به. تفسر هذه النظرية لماذا يحصل الفيزيائيين على قياسات متضاربة من نفس الشئ الكمى: فالشئ الكمى يختار حالات مختلفة أثناء عمليات القياس المتتالية.
تم قبول تفسير بور على نطاق واسع، واحتفظ بقبول غالبية مجتمع علماء الكم. ولكن بعد حين، أخذت نظرية العوالم المتعددة لإيفريت بعض الاهتمام الجدّي. وفى الجزء التالي سنقرأ معاً كيف تعمل نظرية العوالم المتعددة" ... " هيو إيفيرت الشاب اتفق مع ما اقترحه الفيزيائي القدير نيلز بور عن عالم الكم. هو وافق على فكرة الوضع الفائق وأيضاً فكرة دالة الموجة. لكن إيفيرت اختلف مع بور في نقطة حيوية أخرى.
بالنسبة لإيفريت، فقياس الشئ الكمي لا يجبره على اتخاذ حالة معينة أو أخرى. وبدلا ً من ذلك، فقياس الشئ الكمى يسبب تفرع حقيقى في الكون. فالكون تم نسخه تماماً إلى كونين، وكل واحد من الكونين يمثل نتيجة محتملة للقياس. على سبيل المثال، لنفترض أن دالة الموجة لشئ ما هي كلاً من جسيم وموجة. حينما يقوم الفيزيائي بقياس هذا الشئ، فهناك نتيجتين محتملتين: إما أن يلاحظ هذا الشئ كجسيم أو كموجة.
حينما يقوم الفيزيائي بملاحظة الشئ، ينقسم الكون إلى كونين اثنين لتلبية كلاً من الاحتمالين. وعلى ذلك، فالعالم الفيزيائي في أحد الكونين وجد أن الشئ تم قياسه على أنه موجة. أما العالم الفيزيائي المشابة في الكون الآخر فقد قاس الشئ على أنه جسيم. وهذا أيضاً يفسر لماذا يتم قياس الشئ الواحد على أكثر من حالة. هذا الفارق، هو ما يجعل نظرية العوالم المتعددة لإيفريت منافسة لتفسير كوبنهاغن، كتفسيرين لميكانيكا الكم.
على قدر الإثارة التي قد تبدو عليها، فنظرية العوالم المتعددة لإيفريت لها معانى ضمنية بعد المستوى الكمى. فلو هناك حدث له أكثر من نتيجة محتملة، إذن - لو نظرية إيفيرت صحيحة- الكون سيتفرع حينما يتم هذا الحدث. وهذا يحدث حقيقةً حتى لو اختار الفرد أن لا يقوم بأي فعل. وهذا يعنى أنك لو تعرضت لموقف يكون فيه الموت نتيجة محتملة، إذن ففى كون موازى لنا، أنت ميت. هذا مجرد سبب واحد يجعل البعض يشعر بالانزعاج تجاه نظرية العوالم المتعددة.
الوجه الآخر المزعج أيضاً في تفسير العوالم المتوازية أنه يهدم مفهومنا الخطى عن الزمن. تخيل أن خط الزمن يعرض تاريخ حرب فيتنام. فبدلاً من خط زمنى مستقيم يعرض أحداث جديرة بالملاحظة تتقدم للأمام، فخط الزمن حسب نظرية العوالم المتعددة يتفرع ليعرض كل نتيجة محتملة لكل حدث تم. ومن هنا، كل نتيجة محتملة لحدث تم، ستؤرخ. لكن الشخص لا يستطيع أن يكون مدرك لتوائمه الآخرين - أو حتى موته شخصياً- الموجودة في أكوان موازية. إذن كيف نستطيع أن نعرف أن نظرية العوالم المتعددة صحيحة؟ التأكيد على أن هذه النظرية ممكنة نظرياً، حدث في التسعينيات عن طريق تجربة فكرية thought experiment (تجربة متخيلة تستخدم لإثبات أو تفنيد فكرة ما نظرياً) اسمها الانتحار الكمى quantum-suicide. هذه التجربة الفكرية جددت الاهتمام بنظرية إيفيرت. التي اعتبرت هراءً لسنوات عديدة. ومنذ أن تم إثبات إمكانية العوالم المتعددة، توجه الفيزيائيين والرياضيين إلى البحث في المعاني الضمنية للنظرية في العمق. لكن نظرية العوالم المتعددة ليس النظرية الوحيدة التي تريد أن تشرح الكون. وأيضاً ليست الوحيدة التي تقترح وجود أكوان موازية لنا.
استطلاع رأي: الفرضيات الشبيهة بفرضية العوالم المتعددة تعتبر الآن اتجاه عام في مجتمع ميكانيكا الكم. على سبيل المثال، اقتراح تم بين 72 من الفيزيائيين البارزين، قام به الباحث الأمريكي ديفيد روب في عام 1995 ونشر في الدورية الفرنسية Sciences et Avenir في يناير من عام 1998، أشار إلى أن 60 % تقريباً يعتقدون أن نظرية العوالم المتوازية حقيقية.
الاعتقاد بوجود اكوان أخرى هو من محض التخمين، ولا يمكن الإجابة على هذا السؤال بالبحث العلمي والطرق العملية إذ أننا نعيش في كوننا الذي نعرفه ونحاول دراسته وتفسير ظواهره ، ونحن " محبوسون" فيه. ولا تزال تشغلنا أمور فيزيائية واقعية وليست تخمينا، لم نتوصل حتى الآن في حلها، فنحن لا زلنا لا نعرف ما هي المادة المظلمة، ولا نعرف ما هي الطاقة المظلمة، ولا نعرف كيف حدث الانفجار العظيم ؟ من (لا شيء) !
وأبسط من ذلك، لا نعرف، لماذا خلق البروتون في عالمنا بهذه اللكتلة بالذات وبهذه الشحنة بالذات ؟ ولماذا وكيف خلق الإلكترون بهذه الكتلة بالذات (أخف من البروتون نحو 1840 مرة) ولماذا بهذه الشحنة بالذات والتي تعادل تماما شحنة البروتون، مع كونها شحنة سالبة ؟ ولماذا بخواصه هذه الكهربائية والمغناطيسية والجاذبية ؟ وخواص البروتون ؟ في عالمنا تناسب تلك الخواص تخليق الهيدروجين وتخليق العناصر الأخرى، ويستمد كوننا خواصه من نجوم ومجرات من خواص تلك اللبنات الأولية من بروتونات ونيوترونات وإلكترونات. السؤال حول تعدد الأكوان ينبع من : هل توجد انفجارات عظمى أخرى تؤدي إلى خلق جسيمات غير التي يتكون منها كوننا ؟ كوننا فيه نظام باهر ويعترف به كل العلماء، ويعم بالحركة والحياة، فهل هو الوحيد ؟ هل نحن مميزون ؟ أم هناك العديد من الأكوان المختلفة في تركيبتها، وهل حدث أن توافقت الظروف في عالمنا فقط، فأصبحنا هنا ؟ البعض يتساءل :هل نحن مميزون؟"[22].
إذن هذه مجرّد فرضية تخمينية تحاول تفسير ظاهرة ما، لم يقم عليها أي دليل ! فكيف يمكن ان يثبت بصورة واقعية يقينية وجود اكوان أخرى ونحن نعيش داخل كوننا !؟ فأبسط مطلب هو ان يكون المراقب للاكوان ومستكشفها موجوداً خارجها لينظرها ويثبت وجودها ، او هناك طريق آخر وهو ان ينتقل الانسان من كون الى آخر ليثبت وجود الكون الآخر الذي ينتقل إليه او اكوان أخرى بحسب ما يتنقل اليه الانسان !! 
وجود اكوان اخرى لا يثبت بحسابات نظرية فقط دون دليل واقعي ودون وجود واقعي لها. فكيف وانه حتى حسابات النظرية غير موجودة لهذه النظرية بل مجرد إفتراضات !!
ومن جهة اخرى، متى كانت النظريات العلمية تثبت بإستطلاعات الرأي حتى لو كان بين علماء الفيزياء ؟!!
فلنفترض ان نظرية الاكوان المتعددة المتوازية حقيقة – وفرض المحال ليس بمحال فكيف بما هو دونه – فماذا ستحل لنا من مشاكل بخصوص موضوعنا (الخلق)؟ وما هي الاسئلة التي ستجيب عنها ؟ لا شي !! لماذا لاشيء ؟ لأن هذه النظرية ليس انها لم تجب عن الاسئلة المحيّرة للملحدين بل إنها عقَّدت الوضع ! فهذه النظرية تقول بوجود عدد هائل جداً من الاكوان !! وهؤلاء الملحدون يعجزن عن إثبات كيفية نشوء كون واحد فقط بعد ان كان العدم، فكيف سيجيبون عن نشوء هذه الاعداد الهائلة منها ؟! 
وإذا قلنا أن نظرية "الانفجار العظيم" هي التي ادت الى ظهور هذه الاكوان المتعددة مثلما نفترض أنها انتجت كوننا، فهذا يعني ان الاسئلة التي اثرناها عن "الانفجار العظيم" باقية سواء كان الكون واحداً او متعدداً.
وإذا كانت الاكوان المتعددة المفترضة أزلية كما يمكن ان يزعم البعض فهذا معناه ان مشكلة المادة الازلية باقية حيث ترفضها الفطرة والعقل والفلسفة والبحث العلمي والبحث العقائدي الكلامي. وهذا ما سنناقشه في الفقرة القادمة.
وإذا لم تكن الاكوان المتعددة وليدة الانفجار العظيم ولا هي ازلية فمن أين جاءت إذن ؟؟
وليكن واضحاً إننا لا نرفض نظرية الاكوان المتعددة المتوازية، بل نريد المزيد من الادلة والحجج عليها حتى نتمكن من الاقتناع بها والتعامل معها بصورة واقعية يقينية. وإن قبلناها فهذا لا يعني أنها تتمكن من ان تفسر لنا نشوء الكون.
وهناك من يحاول مقاربة فكرة الاكوان المتعددة بحقيقة وجود (سبع سموات وسبع أرضين) المذكورة في القرآن الكريم، ويعتبر أن هناك سبعة اكوان !
 
 
 
________________________________________
[1] شرح اصول الكافي / المولى محمد صالح المازندراني / ضبط وتصحيح السيد علي عاشور / دار احياء التراث العربي / الطبعة الاولى ، 2000- ج3 ص134.
[2] مقال بعنوان (مفهوم العقل بين الفلسفة والدين، قراءة نقدية مقارنة)، بقلم أ. محمد تقي فاضل، ترجمة: مشتاق الحلو، منشور في موقع مجلة نصوص معاصرة، بتاريخ 18 / 6 / 2014.
[3] تاريخ موجز للزمان / ستيفن هوكينج – ص91.
[4] الفصول المهمة في أصول الائمة / الحر العاملي ت 1104هـ / مؤسسة معارف اسلامي إمام رضا (عليه السلام) / الطبعة الاولى ، 1418هـ - ج1 ص154.
[5] تاريخ موجز للزمان / ستيفن هوكينج – 195.
[6] تاريخ موجز للزمان / ستيفن هوكينج – ص197 و198.
[7] نهج البلاغة / من كلام الامام علي بن ابي طالب (عليهما السلام) / جمعه الشريف الرضي / تحقيق الشيخ محمد عبده / دار الذخائر في قم المقدسة / الطبعة الاولى 1412هـ  – ج2 ص40.
[8] نهج البلاغة / من كلام الامام علي بن ابي طالب (عليهما السلام) / جمعه الشريف الرضي / تحقيق الشيخ محمد عبده / دار الذخائر في قم المقدسة / الطبعة الاولى 1412هـ  – ج2 ص119.
[9] رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين (عليه السلام) / السيد علي خان المدني الشيرازي / تحقيق السيد محسن الاميني / مؤسسة النشر الاسلامي / الطبعة الرابعة ، 1415هـ - ج4 ص387.
[10] الكافي / الشيخ محمد بن يعقوب الكُليني / تصحيح وتعليق علي اكبر الغفاري / دار الكتب الاسلامية في طهران / الطبعة الخامسة ، 1363هـ.ش – ج1 ص88 ، كتاب التوحيد باب الكون والمكان.
[11] تاريخ موجز للزمان / ستيفن هوكينغ – ص175.
[12] أساسيات الفيزياء / ف. بوش / ترجمة د. سعيد الجزيري ود. محمد أمين سليمان / دار ماكجروهيل للنشر / الطبعة العربية ، 1982 – ص352.
[13] تاريخ موجز للزمان / ستيفن هوكينج / ترجمة مصطفى ابراهيم فهمي / دار التنوير للطباعة وانشر / الطبعة الاولى 2016- ص190 و191.
[14] تاريخ موجز للزمان / ستيفن هوكينج - ص191.
[15] تاريخ موجز للزمان / ستيفن هوكينج – ص215.
[16] تاريخ موجز للزمان / ستيفن هوكينغ – ص175.
[17] مقال بعنوان (كيف يثبت صدى الانفجار العظيم وجود الخالق؟) ، بقلم: لسلي ويكمان وهي مديرة مركز أبحاث العلوم في جامعة أزوسا. كما عملت مهندسة في شركة "لوكهيد مارتن للصوارخ والفضاء" حيث شاركت في مشروع المسبار "هابل" التابع لوكالة أبحاث الفضاء الأمريكية. ، منشور في موقع CNNarabic في 23 كانون الاول/ ديسمبر 2014.
[18] تاريخ موجز للزمان / ستيفن هوكينج – ص(205-207).
[19] صانع الساعات الأعمى / ريتشارد دوكينز / ترجمة د. مصطفى ابراهيم فهمي / المركز القومي للترجمة / الطبعة الاولى – ص16.
[20] تاريخ موجز للزمان / ستيفن هوكينج – ص36.
[21] تاريخ موجز للزمان / ستيفن هوكينج – ص125.
[22] الموقع الالكتروني: ويكيبيديا ، الموسوعة الحرّة، تحت عنوان (متعدد الأكوان).

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نبيل محمد حسن الكرخي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/12/29



كتابة تعليق لموضوع : نشوء التاريخ وحقيقة الخلق وأوهام الملحدين – ( 2 )
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net