صفحة الكاتب : عقيل العبود

مقبرة النجف ايام زمان بين عالم الاحزان وأرشيف الدفان
عقيل العبود

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
شعور بالمحبة لرجل التصق عالمه بحكايات الأموات، وقصصهم، تلك التي كان يلقيها الواحدة تلو الاخرى على مسامعنا؛ يرويها كما لو انه على السنتهم يتنفس تراب ما تبقى لهم من حياة؛ يعرف حتى صيحاتهم، آهاتهم، آلامهم، اخر استغاثاتهم، يشدنا الى ترسانة كبريائها تلك البقعة من المكان؛
 
 
ذلك المصيرالذي ينتظرنا ذات يوم لان ننتهي اليه، ما يجعلني غير مكترث لتناقضات عالمنا المسكون بالخوف، والجزع والاضطراب، وكذلك غير متحمس للخوض في موضوعات تملأها فوضى التناقضات، والكراهية، والحروب، وتسكنها لغة البحث عن الجاه والمظهر.
 
 
مشاهد، بتحالفها مع الصمت، تجعلك بعيدا عن مفردات إلانا، هذه التي بسببها يقتل هذا بسيف ذاك، ويسرق ذاك بمال هذا، ويحسد ذاك، وذاك.  
 
 
محطة تكاد ان تكون الأقرب في معانيها الى مشاعرنا التي تدعونا لحظة الاغتراب، للدنو من عالم يسكنه الرضا.
 
 
نهاية نحث الخطى كل يوم صوبها؛ تستدرجنا بطريقة لا نفهم ألغازها، نقصدها، تحكمنا، قيودها تطوقنا، لكي نصل اليها بعد حين وفقا لقانون اللاعودة. 
 
 
آنذاك كما دموع امي، دموع الأمهات تصرخ، وهي تنشد رحلة الزمان، حينما يعد المكان نفسه متحالفاً مع تلك الخطوط، لعله يستفيق من نومته مجددا.
 
 
عطر الذكرى يبحث عن طريقة ما، يستنسخ اوراق محبته، لعلها من شرنقتها رائحة الحياة تنطلق كما طائر يبحث عن حطام ما تبقى له من سنين.
 
 
الروح احتجاجا، تتمرد على جبروتها بحثا عن كيان جديد، ربما لكي تلتقيه عند اقصى نقطة من بقاع ارض، يحتاج اليها المطر. 
 
 
صلاة الصبح تبقى ماثلة امام أعينها امي،  كحضرة الامام، تتبعها ختمة القران على أرواح المدفونين.
 
 
يوم كنت اسألها عن هذه الختمة، اوتلك، كانت تقول، "هذه السورة لخالك فلان، وتلك لخالك فلان، وتلك لخالتك، وتلك لعمتك، وتلك لجدتك"وهكذا الواحد تلو الاخر، تتلو أسماءهم، تقرا لهم بعدد تلك السور، ابتداء من سورة الحمد والبقرة، وانتهاء بسورة قل أعوذ برب الناس، وهي اخر سورة من القران، كنا نحفظها ايام المدرسة الابتدائية.
 
 
كنت اقرأها، أواتلوها على مسامع امي وهي تصلي لتستانف دعواتها قائلة:  "الصلوات تصل اليهم، فهم في ارض يحرسها الامام". 
 
 
الصورة نفسها منذ ذلك الزمان، عمامة حمراء يرتديها، وكوفية خضراء، ومعها حزام يشده على بطنه،  خطواتنا كأنها تتكلم وهي تمشي خلفه لزيارة تلك المربعات، جدار يشبه النافذة، ذلك الامتداد الذي لم يتجاوز في علوه شباك بيت متواضع. الرجل الذي اعتاد ان يشرف بنفسه على تهيئة تلك القبور، كأنه يعرف محلات دفنهم، كما يعرف تواريخ الفقد بدقة متناهية، قبر اخي الذي ملا فقدانه ذات يوم مسامعي بالبكاء والنواعي كان واحدا من الذين صورهم، كما تفاصيل حكاياتهم تتلى مع سور القران على مسامع الزائرين. 
 
انداك ارشيف ملفاتهم كما متحف تحفظه ذاكرة ذلك الرجل، قصة الشاب الذي اختطفته أمواج النهر، وذاك الذي دهس بحادث سيارة، وغيرها قصص تجعلنا ننصت اليها بخشوع كما خشوعنا ونحن نستمع الى قراءة سورة ياسين والرحمن، قصص وحكايات تفاصيلها تعلم الآخرين دروسا يصعب ان نتيقن بها دون الإنصات اليها. 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عقيل العبود
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/12/06



كتابة تعليق لموضوع : مقبرة النجف ايام زمان بين عالم الاحزان وأرشيف الدفان
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net