صفحة الكاتب : ادريس هاني

الإبداع ومشكلة الإطار
ادريس هاني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
إلى أي حدّ بإمكان ملكة الإبداع أن تتفتّق داخل الإطار المعرفي علما أنّ واحدة من أبرز وظائفه هو الرّقابة..فالإطار يمارس سيادته الكاملة على التفكير ويفرض شروطا دقيقة ، وأرى أنه سابق على أولى فعالية التفكير..فالكائن قذف به داخل مجال مفعم بالشروط التي تحدد له شكل وجوده ومصيره..والمعرفة لم تكن يوما مؤسسة لوجوده بل وجوده هو الذي أسس لمعرفته..وهذا لا يناقض فكرتنا االموصولة بالحكمة المتعالية والتي ترى عدم انفكاك المعرفة عن الوجود..بلى، فالمعرفة عين الوجود..ومصيرهما واحد..وإنما نعني أنّ الشرط الوجودي الأول انعكس في المدى المعرفي فأعطانا حالة مشروطة بالإطار.بما أنّ المعرفة عين الوجود فإنّ قصة الإطار هي نابعة من النشأة الأنطولوجية التي جعلت التفكير في الإطار هو الشكل الوجودي والتاريخي لكائن يفكر..وهو كذلك كائن عاقل لكن في إطار.. ولكي يكسر الكائن شطط الإطار فهو يتمسّك بقدرته الفائقة على الانعتاق والتمرد..التمرد على الإطار والهروب من المدرسة..الشكل الكفاحي الذي يرهن وجود الكائن إلى مسار من الكدح الوجودي والمعرفي..يتدحرج الكائن من إطار إلى آخر في دورات تربك منطق التاريخانية نفسه باعتبار أنها لا تحصي النكسات..وينعكس هذا الوضع السيزيفي لكائن يتدحرج بين الأطر في مراتب الفكر فتتضارب في الجيل الواحد بل في الذات الواحدة بوصفها ذوات، حيث تتداخل وتتزاحم الأطر في التجربة الفكرية الواحدة مما ينبثق عنه الشكل المتاح من الإبداع الذي عادة ما يأتي منقوصا..ذلك لأنّ شروط الإطار الظاهر منها والباطن تمارس سلطتها الخفية والمعلنة مما يجعل الذات نفسها فضاء للمفارقة..
التحرر من الإطار وهم ، لأنّ تأثيره المغناطيسي يجري وفق مستوى من التردد يصعب التقاطه من خلال إجراءات نقد العلم التي لا زالت غير قادرة على الرصد وممارسة التفكيك التام، ولكنها تستطيع أن تحدس حقيقة مفادها أنّ الموضوعية في ضوء حتمية الإطار أمر مستحيل، فليس ثمة إلاّ موضوعية مشروطة بالإطار..
الإبداع داخل الإطار إبداع محدود ومحصور ولكنه متحرر من سطوة الرقابة، وهو إبداع يسلّم بالحدود المسبقة..بينما الإبداع خارج الإطار يفرض تحدّي الإطار الذي يتم خرم حدوده، وتحدّي الأطر التي تحلّ محلّه إذ لا غنى عن الإطار..
وفي هذا الوضع يصبح الإبداع الحقيقي ليس في ممارسة شكل من التحايل المنهجي على الإطار بل يكمن في ممارسة الشّفافية وذلك بالتصريح بما في يدنا من أسس وخلفيات وكيفية معالجة الموضوع..والشفافة في العلم لا زالت أمرا متعذرا..لأنّ معظم أشكال المقابسة تتمّ بطرق خفية..أرقاها التّناص وأدناها السّرقات..والتناص أرضية مناسبة للإبداع لأنه سفر غير معلن بين الأطر يسمح لللاّوعي المعرفي أن ينتظم بالطريقة التي تمنح الوعي فرصة للمصالحة مع الأطر الأخرى دون أن يدفع فاتورة الانتقال الصعب...

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ادريس هاني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/12/06



كتابة تعليق لموضوع : الإبداع ومشكلة الإطار
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net