صفحة الكاتب : عقيل العبود

الرحمة مقولة يشار بها الى معنى الله في الارض
عقيل العبود

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

هنالك ارادتان إلاهيتان تتجسدان في مقولة الرحمة؛ الاولى خلقية، والثانية جعلية. وهاتان الارادتان بموجبهما يتلخص معنى الاسلام كونه دينا نموذجيا لكل الديانات، ولكل الامم، وبموجبهما يتم إثبات ان القران تبيان لتفسير إشكاليات الخلق والمخلوقات، بما في ذلك نظام العقل والحس.  

 

 

اما الإرادة الخلقية فعلاقتها بالرحمن الذي خلق الانسان، وهذا الرحمن أودع حقيقته في نفس هذا المخلوق البشري من خلال القران الذي هو بيان للتفسير والمعرفة. 

 

 

حيث ورد في سورة الرحمن  "الرحمن علم القران، خلق الانسان، علمه البيان " ووردت كلمة الرحمن مع الخلق، ولم ترد كلمة الله، وهذا يدل على وجود نسبة تشكلت في نفس المخلوق، مادتها الرحمة،  اما كلمة البيان فهي لها علاقة بمعنى تبيان، وتبيان له علاقة بعقل الانسان الذي اراد الله له العلم، فعلمه من العلوم ما لم يعلم الملائكة "وعلم الانسان ما لم يعلم".

 

 

وكلمة قران تفرع منها: "انا أنزلناه قرانا عربيا لعلكم تعقلون" . والتعقل معناه استخدام العقل بغية الوصول الى اعلى مرتبة من مراتب الرحمة التي بها تسود مقولة التعايش بين الامم والثقافات وبالرحمة يصبح العقل اكثر قدرة على التفكر والعطاء.

 

 

اما الإرادة الجعلية فهي تشير الى ان الجعل مسبوقا بخلق. بمعنى ان الله خلق، فجعل. ورب الخلق أودع من رحمته في نفس الانسان، ليكون الانسان اليفا مع أقرب مخلوق لديه وهو زوجته التي من خلالها تكبر المجتمعات حيث قوله في سورة الحجرات اية ١٣، 

 

 

"انا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم  شعوبا وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله اتقاكم ان الله عليم خبير". 

 

 

ومن آياته "ان خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة ان في ذلك لآيات لقوم يتفكرون" 

 

 

والرحمة هنا تبتدىء من خلال علاقة الزوج بالزوجة، والقبائل انما اراد لها الله ان تكون رحيمة متراحمة من خلال لغة التكاثر والتعايش على اساس عدم انتزاع الرحمة والمحافظة عليها. لذلك صار "أبغض الحلال عند الله الطلاق" لانه اي الطلاق بسبه تتهدم الاسرة ويفقد الازواج رحمة السكن والمسكن. 

 

 

 هذه الرحمة وجب عليها ان تمتد بين الشعوب والثقافات والأمم، كمقولة أراد الله لها ان تسود وتسمو. فالثقافة الصحيحة يجب ان تتحول من ثقافة امة الى ثقافات أمم. 

 

 

والتقوى ليس مفردة للإيمان فقط، انما هي مفردة للعلم والتعاون والمحبة، حيث بها تجتمع كيانات مختلفة وشعوب مختلفة، واكرم هذه الكيانات هي الثقافة التي لديها القدرة على استيعاب جميع الثقافات، لذلك وردت كلمة التفكر ضمن سياق الآية. 

 

 

ولو ذهبنا الى الآية التي تقول "ولو شاء ربك لجعل الناس امة واحدة ولا يزالون مختلفين"، لوجدنا انها يشار بها الى الاختلاف الأممي للثقافات كونها تحكي عن مشيئة أراد الله لها ان تسمو بين البشر، وهذه المشيئة انما تم تنسيبها الى العقل الانساني بغية إقامة مجتمع يسوده مبدا التثاقف، اي التفاعل والتزاوج بين الثقافات المختلفة للشعوب بدون حروب ونزاعات. وهنا ارتبط نزول القران بالتعقل والتفكر،  كما في سياق الايات التي أدرجت في هذا الباب. 

 

 

 بمعنى انه نعم يصح للانسان ان يتزوج من دين اخر بحسب قوله: "انا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم  شعوبا وقبائل لتعارفوا"

 

 

 

 

إذن هذه المودة جعلت على اساس المعنى الرحماني للخلق الالهي الذي تجسد في نفس الانسان.   

 

 

 

 

لذلك "انا أنزلناه قرانا عربيا لعلكم تعقلون" تجد كلمة التعقل، ومعناها الاستمرارية في التفكر لاكتشاف الجديد من الأحكام، وبغية البحث في آلية جديدة تتفق مفرداته ومنطق العصر الجديد.

 

 

فالقران تفسيره حالة متجددة، حيث مثلا لم تعد آلية قطع اليد قائمة، كون ان هنالك آليات اخرى لقطع اليد، ومن ضمن هذه الإلهيات منع الانسان من السرقه من خلال عزله وأشعاره بذنبه بهذه الطريقة اوتلك. 

 

 

رغم اننا وللأسف تتفشى الان في مجتمعاتنا الرشوة والسرقة وتمشية معاملة هذا على حساب ذاك، بطريقة تكاد ان تكون أبشع من تصوراتنا العادية عن معنى السرقة الواردة في القران، هذا ناهيك عن سرقات تكاد ان تكون اكثر خطورة من السرقة المباشرة، حيث يدخل بعضها في المال الربوي، والبعض الاخر في تشغيل الاموال بعقود وطرق فاسدة.

 

 

إذن هنالك خطاب قرآني غير قابل للتغيير والتحريف، كونه ثابت في معيار السماء، كما هو ثابت في معيار الارض، فالرحمة ثابتة  ولا يمكن القفز عليها، وكذلك استمرارية هذه الرحمة، ففي سورة "واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا" انما تشير الى مساحة الرحمة الالهية التي  تجسدت مع الرحمة الأبوية، كحالة خلق ابتدأت بالزوج والزوجة لتنتهي بعلاقة الابن بالآباء.

 

 

إذن هنالك خلق تبعه جعل، والجعل حالة من حالات الاستحقاق بعد سلسلة تكامل المنظومتين الحسية والعقلية للانسان، فلو لم يكن هنالك خلق لم يكن هنالك جعل، والقران في هذا الجعل موضوع يستوعب في مساحته موضوعات شتى من ضمنها العقل الذي تراه دائما يبحث عن التكامل الاجتماعي والثقافي. 

 

 

والقران فيه من المتغير والثابت من الأحكام ما يجعله صالحا لكل الأزمان، ولكن بشرط التجديد في الفهم والاستنباط. نعم لقد ولى زمن القوالب الجامدة، وجاء زمن يفرض علينا اعادة تحليل الفتاوى، بناء على الجديد، وحجتنا في هذا قول الله سبحانه في صيغة "لعلكم تعقلون" وصيغة "تتفكرون". 

وهذا هو الحل الذي نردع ونحارب فيه فتاوى التكفير والتحزب والكراهية. 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عقيل العبود
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/12/03



كتابة تعليق لموضوع : الرحمة مقولة يشار بها الى معنى الله في الارض
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 1)


• (1) - كتب : عقيل العبود ، في 2016/12/03 .

إرادتان تتجسدان بدلا عن يتجسدان للتنويه والاعتذار.
عقيل مع المحبة




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net