صفحة الكاتب : السيد اسعد القاضي

هكذا يختار الأموي أضحيته
السيد اسعد القاضي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 

أشرقت شمس اليوم العاشر من شهر ذي الحجة.. يوم عيد الأضحى.. استيقظ الناس من نومهم متفائلين بهذا اليوم المبارك الميمون.. يتلاقون بالابتسامة والبشر.. يلبسون جديد الثياب.. وآخرون غضب الحاكم عليهم.. أنزلهم سجناً أنشئ من أجل الاقتصاص من العدل، بدلاً من أن يكون عقوبة على الظلم.. فهو سجن الابرياء لا سجن المجرمين.. أُودع فيه المآت من أتباع علي وفاطمة.. يناديهم الحاكم الفظّ: اخسؤوا فيها ولا تكلمون..
 
صلّى الحٓجّاج الثقفي صلاة العيد.. حضر وقت ذبح الأضحية.. لكن الأضحية هذه المرة تختلف عن سابقاتها.. الحَجّاج يختار أضحيته بنفسه.. تُرى كيف سيختار؟! الأضحية اليوم هو نزيل من نزلاء السجن.. يتقرب به إلى ربه العزيز الجبار الحكم العدل.. يلتفت إلى الشعبي وملؤ إهابه حقد وحَنَق..
 
ــ يا شعبي، هذا يوم أضحى، وقد أردت أن أضحّي فيه برجل من أهل العراق، وأحببت أن تستمع قوله، فتعلم أني قد أصبت الرأي في ما أفعل به.
 
أراد الحَجّاج ـ فيما يزعم ـ أن يجعل الشعبي شاهداً على استحقاق العراقيّ المظلوم بأن يُتقرب إلى الله بإراقة دمه.. لأيّ ذنب يُقتل؟.. تُزهق روحه.. تُفجع عائلته.. لأنه والى علياً وقدّمه حيث الله تعالى قدّمه..
 
يستنكر الشعبي هذا الفعل الشنيع..
 
ــ أيها الأمير، أوَ ترى أن تستنّ بسنة رسول الله (ص)، وتضحّي بما أمر أن يُضحّى به، وتفعل مثل فعله، وتدَع ما أردت أن تفعله به في هذا اليوم العظيم إلى غيره؟.
 
ــ يا شعبي، إنك إذا سمعت ما يقول صوّبت رأيي فيه، لكذبه على الله وعلى رسوله، وإدخال الشبهة في الاسلام.
 
رغم المحاولات.. لم يفلح الشعبي في التخلص من هذا الإحراج.. سيرى بأم عينيه بريئاً يُذبح بدل كبش الأضحية.. أمر الحَجّاج بإحضار السجين الذي وقع عليه الاختيار.. صاح بجلاوزته..
 
ــ احضروا الشيخ.
 
جيء بالرجل السجين فإذا هو يحيى بن يعمر.. يغتمّ الشعبي.. يحدّث نفسه.. أيّ شيء قاله هذا الرجل ما أوجب قتله؟!.
 
بدأ الحٓجّاج بسؤال يحيى.. حاول تأكيد عذره في قتله والتقرب بدمه إلى الله تعالى..
 
ــ أنت تزعم أنك زعيم العراق؟.
 
ــ أنا فقيه من فقهاء العراق.
 
ــ فمن أيّ فقهك زعمت أن الحسن والحسين من ذرية رسول الله؟!.
 
ــ قال ما أنا زاعم ذلك، بل قائله بحق.
 
ــ وبأيّ حقّ قلته؟.
 
ــ بكتاب الله عز وجل.
 
فكر الشعبي تفكيراً سطحيّاً فلم يجد في القرآن ما يدل على أن الحسنين من ذرية رسول الله.. كأنه نسي أن كتاب الله فيه تبيان كل شيء.. فكّر الحٓجّاج.. التفت ليحيى..
 
ــ لعلك تريد قول الله تعالى: (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناء كم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين)، وأن رسول الله (ص) خرج للمباهلة ومعه علي وفاطمة والحسن و الحسين؟.
 
سرى الارتياح في قلب الشعبي.. وتفائل بتخلّص يحيى من الجواب، حيث تكفّل الحٓجّاج ببيانه.. لكن يحيى يمتلك شاهداً آخر من كتاب الله.. فانبرى قائلاً..
 
ــ والله إنها لحجّة في ذلك بليغة، ولكن ليس منها أحتجّ لما قلت.
 
فبهت الذي كفر.. حيث كان يظن أن لا دليل من كتاب الله إلا هذه الآية.. فكان عازماً على تفنيدها وإبعادها عن ما تدلّ عليه.. أطرق برأسه إلى الأرض.. رفع رأسه نحو يحيى..
 
ــ إن أنت جئت من كتاب الله بغيرها في ذلك فلك عشرة ألف درهم، وإن لم تأت بها فأنا في حلّ من دمك..
 
عاد الغمّ إلى الشعبي.. جعل يحدّث نفسه: ما بال يحيى لم يكتفِ بالآية التي تلاها الحٓجّاج؟! ما الذي دعاه إلى هذا؟! ما يدريه أنه سوف يقتنع الحٓجّاج إذا أتاه بآية أخرى؟!.. لا يزال الشعبي مضطرب الفكر قلقاً.. قطع تفكيرٓه صوتُ يحيى..
 
ــ قول الله تعالى: (ومن ذريته داود وسليمان) من عنى بذلك؟.
 
ــ إبراهيم (عليه السلام).
 
ــ فداود وسليمان من ذريته؟.
 
ــ نعم.
 
ــ ومن نصّ الله عليه بعد هذا أنه من ذريته؟.
 
قرأ الحجاج تتمّة الآية التي تذكر ذريّة إبراهيم: (وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين وزكريا ويحيى وعيسى).
 
ابتدره يحيى بالسؤال ليقيم عليه الحجة..
 
ــ ومن أين كان عيسى من ذرية إبراهيم (عليه السلام) ولا أب له؟ 
 
ــ من أمه مريم (ع).
 
ــ فمن أقرب؟ مريم من إبراهيم (ع) أم فاطمة من محمد (ص)؟ وعيسى من إبراهيم أم الحسن والحسين (ع) من رسول الله (ص)؟.
 
سكت الحٓجّاج حيث ألقمه يحيى حجراً.. لم يبق عنده عذر في قتله.. بعد أن أقام الدليل من كتاب الله أن الحسنين (ع) من ذرية النبي (ص).. صرخ الحجاج بجلاّده..
 
 ــ أطلقوه قبحه الله، وادفعوا إليه عشرة ألف درهم، لا بارك الله له فيها. 
 
كانت أمنية الحَجّاج أن يضحّي بواحد من سجنائه.. يتقرب الى الله بدمه.. تقرباً يدمي قلب الغيور.. يثير حفيظة الإنسانية.. لكنه خاب أمله.. خسرت صفقته.. دعا بجزور فنحره.. دعا بطعام أكله مع جلسائه.
 
كتبه: السيد اسعد القاضي
 
المصدر: كنز الفوائد للكراجكي ص١٦٧

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


السيد اسعد القاضي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/11/27



كتابة تعليق لموضوع : هكذا يختار الأموي أضحيته
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net