صفحة الكاتب : نبيل محمد حسن الكرخي

من الاخطاء العقائدية عند مدرسة الحكمة المتعالية ... ( 19 )
نبيل محمد حسن الكرخي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
مواقف لعلماء الشيعة ضد إدخال الفلسفة والتصوف (العرفان) في العقيدة:
صدرت عن اساطين وكبار علماء الشيعة الامامية عدة مواقف يمكن استعراض التالي منها:
 
في القرن الثاني الهجري:
هشام بن الحكم يرد على ارسطا طاليس وينقض الفلسفة:
هشام بن الحكم: الثقة الجليل يطعن على الفلاسفة، كما نقله الكشي في كتابهم، وذكره في البحار ، وهو من أجلاء أصحاب الصادق والكاظم (عليهما السلام). ولهشام هذا كتب كثيرة. منها: كتاب الدلالات (الدلالة - جش) على حدوث الأجسام، وكتاب الرد على الزنادقة. وكتاب الرد على أصحاب الطبائع، وكتاب الرد على أرسطا طاليس، كما ذكرها النجاشي في رجاله والشيخ في كتاب فهرسته وغيرهما[1].
 
في القرن الثالث الهجري:
الشيخ الفضل بن شاذان (رضوان الله عليه) ينقض الفلسفة:
الشيخ الفضل بن شاذان (رض) بن الخليل أبو محمد الأزدي النيشابوري وهو من اجلة الاصحاب ، عاش في القرن الثالث الهجري. وهو من اوائل من تصدوا لنقض الفلسفة في وقت مبكر من التاريخ الشيعي.
قال الشيخ الطوسي (رض): "الفضل بن شاذان النيشابوري فقيه ، متكلم ، جليل القدر ، له كتب ومصنفات" ، ومن بين ما ذكره منها: المسائل في العالم وحدوثه ، كتاب الاعراض والجواهر ، كتاب الرد على الغلاة ، كتاب تبيان أصل الضلالة ، كتاب النقض على من يدعي الفلسفة في التوحيد والاعراض والجواهر والجزء.
وعده الشيخ الطوسي (رض) في رجاله (تارة) في أصحاب الهادي عليه السلام وأخرى في أصحاب العسكري عليه السلام[2].
وقال النجاشي: "كان أبوه من أصحاب يونس ، وروى عن أبي جعفر الثاني ، وقيل [عن] الرضا أيضا عليهما السلام وكان ثقة ، أحد أصحابنا الفقهاء والمتكلمين . وله جلالة في هذه الطائفة ، وهو في قدره أشهر من أن نصفه . وذكر الكنجي أنه صنف مائة وثمانين كتابا"[3] ، منها: كتاب الرد على أهل التعطيل ، كتاب مسائل في العلم ، كتاب الاعراض والجواهر ، كتاب الرد على الغالية المحمدية ، كتاب تبيان أصل الضلالة ، كتاب الرد على الفلاسفة.
 
في القرن السادس الهجري:
الشيخ قطب الدين الراوندي (رضوان الله عليه) وتهافت الفلاسفة:
الشيخ قطب الدين الراوندي (رض) (المتوفى سنة 573هـ) فقيه الشيعة وحامي الشريعة ، الثقة الخبير العالم الكبير ، الشاعر المتكلم البصير المعلم ، المحدث المفسر والعلامة المتبحر ، شيخ الشيوخ أبو الحسن سعيد بن عبد الله بن الحسين بن هبة الله بن الحسن المشهور بـ (قطب الدين الراوندي) الذي قال عنه الميرزا عبد الله أفندي ، تلميذ شيخ الإسلام المجلسي رحمهما الله : (هو أجل وأعظم من كل ما ذكر فيه). وقال خاتمة المحدثين النوري (طاب ثراه) في حقه: (فضائل القطب ، ومناقبه ، وترويجه للمذهب بأنواع المؤلفات المتعلقة به ، أظهر وأشهر من أن يذكر). وغاية الفضل ما نقله ابن حجر العسقلاني قال: ( كان فاضلا في جميع العلوم ، له مصنفات كثيرة في كل نوع )[4].
كان من أكابر علماء الشيعة الإمامية ، وفطاحل فقهائهم ، وأعاظم محدثيهم صنف في كل فن ، وألف في كل علم ، وتأليفاته منذ ظهورها إلى الآن كانت مورد الاستفادة والاستدلال للعلماء والفضلاء ، ويذكرون أقواله وآراءه في تأييد رأيهم وتقوية أنظارهم. ذكره الشيخ الأقدم منتجب الدين في « الفهرست » وقال بعد سرد نسبه : فقيه عين صالح ثقة. وذكره المولى الأفندي في « الرياض » وقال بعد ذكر اسمه ونسبه : فاضل عالم متبحر فقيه محدث متكلم بصير بالاخبار شاعر ، ويقال انه « ره » كان تلميذ تلامذة شيخنا المفيد ، وذكره الشيخ الحر العاملي في « أمل الأمل » وقال : فقيه ثقة عين صالح . قال العلامة الطهراني في « الثقات العيون » : وفي مجموعة الجبعي نقلا عن خط الشيخ الشهيد محمد بن مكي أنه توفي ضحوة يوم الأربعاء 14 شوال سنة 573هـ. ومن مؤلفات الشيخ قطب الدين الراوندي (رض) كتاب (تهافت الفلاسفة)[5] ،  
 
في القرن السابع الهجري:
العلامة الحلي (قُدِّسَ سِرّهُ) وجهاد الفلاسفة:
يقول العلامة الحلي (رض) (المتوفى 726هـ) في تذكرة الفقهاء ، في فصل (فيمن يجب جهاده وكيفية الجهاد): (الذين يجب جهادهم قسمان: مسلمون خرجوا عن طاعة الامام وبغوا عليه ، وكفار ، وهم قسمان: أهل الكتاب أو شبهة كتاب ، كاليهود والنصارى والمجوس وغيرهم من اصناف الكفار كالدهرية وعباد الاوثان والنيرات ، ومنكري ما يعلم من الدين ضرورة ، كالفلاسفة وغيرهم)[6].
وقال العلامة (رض) في تذكرة الفقهاء: "والحرام : ما اشتمل على وجه قبح ، كعلم الفلسفة لغير النقض ، وعلم الموسيقى وغير ذلك مما نهى الشرع عن تعلمه ، كالسحر ، وعلم القيافة والكهانة وغيرها"[7].
و"ما ذكره العلامة في كتاب كشف الحق ونهج الصدق حيث قال : البحث الخامس في أنه تعالى لا يتحد بغيره : الضرورة قاضية ببطلان الاتحاد ، فإنه لا يعقل صيرورة الشيئين شيئا واحدا وخالف في ذلك جماعة من الصوفية من الجمهور فحكموا بأنه تعالى يتحد بأبدان العارفين حتى تمادى بعضهم وقال إنه تعالى نفس الوجود وكل موجود فهو الله تعالى وهذا عين الكفر والإلحاد . الحمد لله الذي فضلنا باتباع أهل البيت دون الأهواء المضلة"[8].
 
في القرن الحادي عشر الهجري:
كلام صاحب "الشافي في شرح الكافي" في ذم الفلسفة:
قال الشيخ خليل بن الغازي القزويني (1001- 1089)هـ: (واحتياج الكافي إلى الشرح الشافي حرّك العزم منّي ، فشرعتُ في شرحه في حرم اللّه تعالى في جوار الكعبة البيت الحرام ـ زاده اللّه تعظيما ـ في سنة سبع وخمسين وألف هجريّة ، وجعلته هديّة لبقيّة اللّه تعالى في أرضه ، وحجّته على بريّته ، الإمام الثاني عشر المنتظر، القائم بالحقّ، صاحب الزمان الحجّة بن الحسن ، عليه وعلى آبائه الطاهرين أجمعين صلوات اللّه وتسليماته وتحيّاته ، اللّهُمَّ احفظه من بين يديه ومن خلفه ، وعن يمينه وعن شماله ، ومن فوقه ومن تحته ، وعجِّل إنجاز ما وعدته من النصر والظفر . وقد اشتهر اُصول الكافي بالإشكال ، وليس الباعث عليه في الأكثر إلّا أنّ جمعا أدخلوا بعض اُصول الفلاسفة وبعض اُصول المعتزلة واجتهاد المخالفين في اُصول أصحابنا ، فذهبوا إلى ما أرادوا ؛ مفزعهم في المعضلات إلى أنفسهم ، وتعويلهم في المبهمات على آرائهم ، كأنّ كلّ امرئٍ منهم إمام نفسه ، قد أخذ منها فيما يرى بعُرىً وثيقات ، وأسبابٍ محكمات ؛ فنسأل اللّه العفو والعافية)[9].
وقال : (وسيجيء في ثاني عشر «باب العقل والجهل» ؛ فتقديم كتاب العقل على سائر الكتب كتقديم الفلاسفة فنّ منطقهم على مقاصدهم . هذا ، وليس المحتاج إليه من قوانين منطقهم إلّا اُمورا سهلة النفع ، مركوزة في عقول العوامّ أيضا ، لا حاجة كثيرا إلى تدوينها ، بل هي نقطة كثّرها الجاهلون ، وحسبك دليلاً على أنّ منطقهم لا يفي بالعصمة عن الخطأ كثرةُ مناقضات متعاطيه ومعلّميه ، فربّ عالمٍ به قتله جهلُه ، وعلمه به معه لا ينفعه وإن استعان به)[10]. وهو يوافق كلام السيد ابو القاسم الخوئي (رض) حيث يقول: (و أمّا علم المنطق فلا توقف للاجتهاد عليه أصلاً، لأن المهم في المنطق إنما هو بيان ما له دخالة في الاستنتاج من الأقيسة والأشكال كاعتبار كلّية الكبرى وكون الصغرى موجبه في الشكل، مع أن الشروط الّتي لها دخل في الاستنتاج مما يعرفه كل عاقل حتى الصبيان ، لأنك إذا عرضت على أيّ عاقل قولك: هذا حيوان، وبعض الحيوان موذٍ، لم يتردد في أنه لا ينتج أن هذا الحيوان موذٍ. و على الجملة المنطق إنما يحتوي على مجرد اصطلاحات علمية لا تمسها حاجة المجتهد بوجه، إذ ليس العلم به ممّا له دخل في الاجتهاد بعد معرفة الأُمور المعتبرة في الاستنتاج بالطبع)[11].
فالسيد الخوئي (رض) يريد ان يقول ان القضايا المنطقية المهمة في الحياة هي قضايا بديهية يعرفها جميع الناس ، ولذلك نجد ان المنطق هو جزء من علم الكلام ومن قواعده لا بإعتبار ان علم الكلام يستند في تحقيقاته الى المنطق الذي هو جزء من الفلسفة بل لكون القضايا المنطقية الرئيسية هي قضايا بديهية يتفق عليها جميع الناس ولذلك فهي معتمدة في علم الكلام وتشكل ركناً فاعلاً فيه. 
وبعبارة اخرى ان القضايا العقلية البديهية التي يستند اليها علم الكلام هي القضايا الفطرية التي فطر الله سبحانه الناس عليها وميزات الفطرة هي (أنها ليست بحاجة الى التعليم والتعلّم كما انها ليست قابلة للتغيير ولا التبديل وميزة ثالثة وهي ان فطريات كل نوع من الموجودات تتوفر في جميع افراد ذلك النوع وإنْ كانت قابلة للضعف والشدّة)[12]. وتقسم الفطرة الى قسمين (اولهما المعارف التي هي من لوازم وجود الانسان والثاني الميول والرغبات التي هي مقتضى كيفية خلق الانسان)[13] ، والقسم الاول كما هو واضح هو مدار اهتمامنا والذي له علاقة بعلم الكلام.
وحيث ان الناس في كل امة واصحاب اي عقيدة يتخاصمون فيما بينهم كلٌ يريد اثبات عقيدته وصحتها وتهافت عقيدة الاخر وعدم مقبوليتها الفكرية نجد ان علم الكلام له حضور قوي عند الامم الاخرى ، فهو وسيلة كل صاحب عقيدة في اثبات صحة عقيدته ، فاليهودي يستخدمه لاثبات صحة اليهودية وعلوها على المسيحية والمسيحي يستخدمه ايضاً ضد اليهودية ، وكذلك البوذي والهندوسي والارثوذكسي ضد الكاثوليكي وبالعكس.
فعلم الكلام ليس علماً محصوراً في نطاق الاسلام ، ولكن يصح ان نقول ان جميع ادواته المستعملة عند الاسلاميين هي ادوات عقلية بديهية تنطلق من النص الاسلامي المقدس من الكتاب الكريم والسنة الشريفة فلا يوجد فيه امتداد خارج الاسلام او في الامم السابقة. ولذلك نجد ان ميزة علم الكلام في الاسلام انه لا يستند لنظرية صاحبها ارسطو او افلاطون بل هو ينطلق من الايات الشريفة والاحاديث الطاهرة بأدواته العقلية البديهية.
 
ذم الشيخ محمد باقر المجلسي (رضوان الله عليه) للفلسفة:
قال الشيخ محمد باقر المجلسي (طاب ثراه) (1037- 1111)هـ ، وهو يتحدث عن انتهاء العلوم الى امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليهما السلام) وبعض الدعاوى الباطلة التي تنتسب اليه للحصول على الشرعية ! فقال ما نصه : (اعلم أن دأب أصحابنا رضي الله عنهم في إثبات فضائله صلوات الله عليه الاكتفاء بما نقل عن كل فرقة من الانتساب إليه ع لبيان أنه كان مشهوراً في العلم مسلما في الفضل عند جميع الفرق و إن لم يكن ذلك ثابتا بل و إن كان خلافه عند الإمامية ظاهرا كانتساب الأشعرية و أبي حنيفة و أضرابهم إليه فإن مخالفتهم له ع أظهر من تباين الظلمة و النور و من ذلك ما نقله ابن شهرآشوب رحمه الله من كلامه في الفلسفة فإن غرضه أن هؤلاء أيضا ينتمون إليه و يروون عنه و إلا فلا يخفى على من له أدنى تتبع في كلامه ع أن هذا الكلام لا يشبه شيئا من غرر حكمه و أحكامه بل لا يشبه كلام أصحاب الشريعة بوجه وإنما أدرجت فيه مصطلحات المتأخرين و هل رأيت في كلام أحد من الصحابة والتابعين أو بعض الأئمة الراشدين لفظ الهيولى أو المادة أو الصورة أو الاستعداد أو القوة و العجب أن بعض أهل دهرنا ممن ضل و أضل كثيرا يتمسكون في دفع ما يلزم عليهم من القول بما يخالف ضرورة الدين إلى أمثال هذه العبارات و هل هو إلا كمن يتعلق بنسج العنكبوت للعروج إلى أسباب السماوات أ و لا يعلمون أن ما يخالف ضرورة الدين و لو ورد بأسانيد جمة لكان مؤولا أو مطروحا مع أن أمثال ذلك لا ينفعهم فيما هم بصدده من تخريب قواعد الدين هدانا الله و إياهم إلى سلوك مسالك المتقين و نجانا و جميع المؤمنين من فتن المضلين))[14].
 
في القرن الثاني عشر الهجري:
المحقق البحراني يذم الصوفية:
قال الشيخ يوسف البحراني (1107- 1186)هـ ، في الدرر النجفية: (وهم مشايخ الصوفية الذين يكادون بدعاويهم يزاحمون مقام الربوبية ، فما بين من وقع في القول بالحلول أو الاتحاد ، او وحدة الوجود الموجب جميعه للزندقة والالحاد ، وامثال ذلك من المقالات الظاهرة الفساد)[15].
 
في القرن الثالث عشر الهجري:
تكفير الشيخ شريعتمدار للقائلين بوحدة الوجود:
قال الشيخ محمد جعفر الاسترآبادي المعروف بشريعتمدار (1198- 1263)هـ: (وافاد صدر الحكماء في(الشواهد الربوبية) أن الحركة عبارة عن الخروج من القوّة الى الفعل وأثبت الحركة في الجوهر الصوري ، مع انه لا بدّ في كل حركة من بقاء الموضوع بشخصه ، بناءً على ان الجوهر – الذي وقعت فيه الحركة الاشتدادية – نوعه باقٍ في وسط الاشتداد وإن تبدلت صورته الخارجية بتبدّل طور من الوجود بطور آخر أشدَّ أو اضعف ، فتبدُّل الوجود في الحركة الجوهرية تبدّل في أمر خارج عن الجوهر. ولا يخفى أنّ ذلك مبني على القول بأصالة الوجود ، وأن وجود كلّ شيء تمام حقيقته ، ولا يصح ذلك إلا بالقول بوحدة الوجود وهو باطل بل كفر أشدُّ من كفر النصارى واليهود ، كما لا يخفى على المتأمل"[16].
 
ذم وتحريم صاحب الجواهر (قُدِّسَ سِرّهُ) للفلسفة:
اما الشيخ محمد حسن النجفي (قدّس سرّه) (توفى 1266هـ) صاحب كتاب جواهر الكلام ، والمرجع العام للشيعة في زمنه ، ففي كتاب السلسبيل للعلامة الجليل الحاج ميرزا أبو الحسن الإصطهباناتي قال: سمعت عن بعض تلامذة صاحب الجواهر أنه في مجلس درسه جاء بعض أهل العلم وفي يده كتاب من الفلسفة، فسأل عنه عما في يده، فلما رآه صاحب الجواهر قال: والله ما جاء محمد من عند الله إلا لإبطال هذه الخرافات والمزخرفات[17].
 
موقف الشيخ الانصاري (قُدِّسَ سِرّهُ) من الفلسفة:
قال الشيخ الانصاري (توفي 1281هـ) في فرائد الاصول وهو يرى أنه لا يحق للفقيه الخوض في المسائل العقلية بدعوی تحصيل ملاكات الاحكام فان ذلك يخالف توقيفية الاحكام وأنه لا نتيجة عملية له سوی التشكيك بالامارات الظنية التي عمدتها الاخبار ، ثم يعرج الى المنع من ادخالها في القضايا العقائدية أيضاً ، فيقول عن كل ذلك: "وقد اشرنا في أول المسالة الى: عدم جواز الخوض لاستكشاف الاحكام الدينية في المطالب العقلية والاستعانة بها في تحصيل مناط الحكم والانتقال منه اليه على طريق اللم ، لأن انس الذهن بها يوجب عدم حصول الوثوق بما يصل اليه من الاحكام التوقيفية ، فقط يصير منشأ لطرح الامارات النقلية الظنية لعدم حصول الظن له منها بالحكم. وأوجب من ذلك ترك الخوض في المطالب العقليّة النظرية ، لإدراك ما يتعلّق بأصول الدين ، فإنّه تعريض للهلاك الدائم والعذاب الخالد ، وقد اشير الى ذلك عند النهي عن الخوض في مسئلة القضاء والقدر ، وعند نهي بعض اصحابهم صلوات الله عليهم عن المجادلة في المسائل الكلامية. لكن الظاهر من بعض الاخبار: أن الوجه في النهي عن الاخير عدم الاطمئنان بمهارة الشخص المنهي في المجادلة ، فيصير مفحماً عند المخالفين ، ويوجب ذلك وهن المطالب الحقة في نظر اهل الخلاف."[18].
 
ذم الميرزا النوري (طاب ثراه) لملا صدرا:
قال المحدث الميرزا حسين النوري الطبرسي (1254-1320)هـ ، في خاتمة المستدرك: (الحكيم المتأله الفاضل محمد بن ابراهيم الشيرازي الشهير بملا صدرا ، محقق مطالب الحكمة ، ومروِّج دعاوي الصوفية بما لا مزيد عليه ، صاحب التصانيف الشائعة التي عكف عليها من صدقه في آرائه وأقواله ، ونسج على منواله ، وقد أكثر فيها من الطعن على الفقهاء حملة الدين ، وتجهيلهم وخروجهم من زمرة العلماء ، وعكس الأمر في حالي ابن العربي صاحب الفتوحات فمدحه ووصفه في كلماته بأوصاف لا تنبغي إلا للأوحدي من العلماء الراسخين ، مع أنه لم ير في علماء العامة ونواصبهم أشد نصباً منه ، أليس هو القائل في الفتوحات في ذكر بعض حالات الأقطاب ما لفظه: ومنهم من يكون ظاهر الحكم ، ويحوز الخلافة الظاهرة كما حاز الخلافة الباطنة من جهة المقام ، كأبي بكر وعمر وعثمان - وعلي وحسن ومعاوية بن يزيد وعمر بن عبد العزيز والمتوكل)[19]. 
 
تحريم المرجع العام السيد كاظم اليزدي (قدّس سرّه) للفلسفة:
حكى القوچاني عن أحد تلامذته أنّه عندما وجهه لدراسة الفلسفة امتنع ، ثم ذهب إلى السيّد كاظم اليزدي (قدّس سره) - (1247- 1337)هـ - الذي كان أبرز المراجع في عصره ليستفتيه في ذلك ، فلما التقاه يقول: "التقيت بالسيّد اليزدي وسألته عن رأيه بقراءتي للفلسفة بمقدار يمكنني من معرفة مصطلحاتها، فقال لي: لا ينبغي أن تدرسها إذ موضوعاتها ليست حقّاً ولا باطلا صرفاً ، فإن لم تسقط في الضلالة فإنّك ستضيع عمرك على الأقل ، ولهذا فأنا أعتبرها حراماً"[20].
 
القرن الرابع عشر الهجري:
ممانعة المرجع العام السيد ابو الحسن الاصفهاني (قدّس سرّه) للفلسفة:
السيد ابو الحسن الاصفهاني (رض) (1284-1365)هـ ، المرجع العام للشيعة في الفترة (1921-1945)م.
قال الشيخ حيدر الوكيل: حدثنا السيد حسين بن سيد علاء بن السيد محسن الحكيم (رض) قال حدثني الشيخ الوحيد الخراساني انه ذهب الى السيد الاصفهاني (ره) واخبره بكثره الدروس الفلسفية في الحوزة فجمع الفضلاء في احد البيوت واخبرهم بانه يحرم الراتب على من يشتغل بها[21].
وقال الشيخ علي النمازي الشاهرودي: "قـال العـلامة الجليل المرجــع الديني السيــد أبــو الحسن الاصفهاني في كتاب الوسيلة في كتاب الوقف: لو وقف على العلماء انصرف إلى علماء الشريعة فلا يشمل غيرهم كعلماء الطب والنجوم والحكمة. يظهر منه أن في نظره أن علماء الحكمة كعلماء النجوم ليسوا بعلماء الشريعة، وكتبهم ليست كتب الشريعة المقدسة"[22].
 
 
تحريم المرجع العام السيد البروجردي (قدّس سرّه) للفلسفة:
وبخصوص تحريم المرجع العام السيد حسين الطباطبائي البروجردي (قدّس سرّه) (1292- 1380)هـ ، قال الشيخ علي ملكي الميانجي: (وقد سمعت آية الله السيد موسى الشبيري الزنجاني المعاصر يقول: لقد كان آية الله البروجردي على وشك تحريم العلوم العقلية إلى جانب السيد محمد رضا سعيدي ــ آية الله الشهيد سعيدي ــ وكان هو أيضاً مخالفاً للفلسفة، إلاّ أنّ تدخل البهبهاني وغيره من العلماء منع من حصول ذلك. أما مخالفة البروجردي لتدريس الفلسفة في حوزة قم فهو أمرٌ مفروغ منه؛ فقد أبدى رفضه لها سواء بالتصريح بالنهي عن ذلك أو عن طريق إظهار عدم ارتياحه لممارسة ذلك العمل في حوزات قم)[23].
 
انتقاد المرجع العام السيد محسن الحكيم (قدّس سرّه) لوحدة الوجود:
قال السيد محسن الطباطبائي الحكيم (قدّس سره) (1306- 1390)هـ / (1889- 1970)م ، في مستمسك العروة الوثقى: (أما القائلون بوحدة الوجود من الصوفية فقد ذكرهم جماعة ، ومنهم السبزواري في تعليقة على الاسفار ، قال: "والقائل بالتوحيد إما أن يقول بكثرة الوجود والموجود جميعا مع التكلم بكلمة التوحيد لسانا ، واعتقادا بها إجمالا ، واكثر الناس في هذا المقام . وإما أن يقول بوحدة الوجود والموجود جميعا ، وهو مذهب بعض الصوفية . وإما أن يقول بوحدة الوجود وكثرة الموجود ، وهو المنسوب إلى أذواق المتألهين . وعكسه باطل . وإما أن يقول بوحدة الوجود والموجود في عين كثرتهما ، وهو مذهب المصنف والعرفاء الشامخين . والاول : توحيد عامي ، والثالث : توحيد خاصي ، والثاني : توحيد خاص الخاص ، والرابع : توحيد أخص الخواص" . أقول : حسن الظن بهؤلاء القائلين بالتوحيد الخاص والحمل على الصحة المأمور به شرعا ، يوجبان حمل هذه الاقوال على خلاف ظاهرها ، وإلا فكيف يصح على هذه الاقوال وجود الخالق والمخلوق ، والآمر والمأمور والراحم والمرحوم ؟ ! وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت واليه أنيب)[24].
 
 
________________________________________
الهوامش:
[1] مستدرك سفينة البحار / الشيخ علي النمازي الشاهرودي - ج8 ص298 وما بعدها.
[2] معجم رجال الحديث / السيد ابو القاسم الخوئي (رض) - ج14 ص(309– 311).
[3] فهرست اسماء مصنفي الشيعة ( رجال النجاشي ) / ابو العباس احمد بن علي النجاشي الاسدي الكوفي ت450هـ - ص 306 - 307
[4] الدعوات ( سلوة الحزين ) / قطب الدين الراوندي - ص5. بتصرف 
[5] منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة / الشيخ قطب الدين الراوندي (رض) المتوفى 573ه‍ - ج1 ص(50-639) بتصرف.
[6] تذكرة الفقهاء / العلامة الحلي (رض) - ج9 ص41.
[7] المصدر السابق - ج9 ص37.
[8] الاثنا عشرية / الحر العاملي 1104هـ – ص58.
[9] الشافي في شرح اصول الكافي / الشيخ خليل بن الغازي القزويني - المقدمة ، ج1 ص82.
[10] المصدر السابق - ج1 ص161.
[11] التنقيح في شرح العروة الوثقى ، تقرير بحث السيد ابو القاسم الخوئي (رض) / الشيخ الميرزا علي الغروي - ج1 ص12.
[12] الخلاصة الفلسفية / السيد علي حسن مطر الهاشمي  – ص336.
[13] المصدر السابق – ص336.
[14] بحار الانوار / العلامة المجلسي (رض) / تحقيق محمد باقر البهبودي / دار إحياء التراث العربي في بيروت / الطبعة الثانية 1983م – ج40 ص173.
[15] الدرر النجفية في الملتقطات اليوسفية / الشيخ يوسف البحراني – ج2 ص228.
[16] البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة / الشيخ محمد جعفر الاسترآبادي المعروف بشريعتمدار - ج1 ص480.
[17] مستدرك سفينة البحار / الشيخ علي النمازي الشاهرودي – ج8 ص302.
[18] فرائد الاصول / الشيخ الانصاري (رض) ت1281هـ - ج1 ص64.
[19] خاتمة مستدرك الوسائل / ميرزا حسين النوري الطبرسي - ج2 ص239.
[20] سياحة في الشرق / السيّد النجفي القوچاني - ص342.
[21]  من حوار مع الشيخ حيدر الوكيل بتاريخ 28 / 2 / 2016م.
[22] مستدرك سفينة البحار / الشيخ علي النمازي الشاهرودي - ج8 ص298 وما بعدها.
[23] مقال بعنوان (إعادة النصاب، قراءة نقديّة لمقالة – العقل والدين بين المحدّث والحكيم) بقلم الشيخ علي ملكي الميانجي ، ترجمة محمد عبد الرزاق ، منشور في موقع نصوص معاصرة الالكتروني بتاريخ 16 اغسطس 2014م. وأيضاً المقال منشور في مجلة نصوص معاصرة ، العدد 7.
[24] مستمسك العروة / السيد محسن الحكيم (رض) - ج 1  ص391.

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نبيل محمد حسن الكرخي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/11/14



كتابة تعليق لموضوع : من الاخطاء العقائدية عند مدرسة الحكمة المتعالية ... ( 19 )
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net