صفحة الكاتب : د . فائق يونس المنصوري

دونالد ترامب.. هل يمكن ان يضع التغير المناخي على مسار "منطقة الخطر"؟؟
د . فائق يونس المنصوري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
 البيئة مدخل السياسة الاميركية
لإلقاء نظرة عن كيف ستتغير السياسة في واشنطن بحدة تحت إدارة دونالد ترامب (Donald J. Trump)، دعونا لا ننظر إلى أبعد من مسالة البيئة. حيث دعا السيد ترامب مسالة التغير المناخي التي يسببها الإنسان بـ “الخدعة". وتعهد بتفكيك وكالة حماية البيئة "بكافة اشكالها تقريبا" (Environmental Protection Agency).
وقد تكون ظاهرة الاحتباس الحراري في الواقع أبرز مثال عن كيف ستتغير السياسة في واشنطن في ظل إدارة ترامب. ذلك لان الرئيس أوباما قد قال ان جهوده لتثبيت الولايات المتحدة باعتبارها الرائدة عالميا في تقرير سياسة المناخ هي ارثه الذي يفخر به.
وفي تحرك مبكر ضد واحدة من القضايا الرئيسية للرئيس أوباما، عين ترامب السيد Myron Ebell  من معهد المؤسسة التنافسية المدعومة من رجال الأعمال على رأس الفريق الانتقالي لـوكالة حماية البيئة E.P.A. الخاصة به. حيث أكد السيد Ebell أن كل ما سببه الاحترار الناجم عن التلوث بغازات الدفيئة هو شيء متواضع ويمكن أن يكون مفيدا. هذا ويشير الملف الشخصي للسيد Ebell  في 2007 بانه " لسان حال الصناعة النفطية ".
ترامب وخدعة التغير المناخي
ولكن إذا كان السيد ترامب سيبلى جيدا في تنفيذ وعود حملته الانتخابية، فان خبراء في سياسة التغير المناخي قد حذروا من أن تركة أوباما قد تنهار بسرعة. ثم قد لا يكون للعالم وسيلة لتجنب العواقب الأكثر تدميرا لظاهرة الاحتباس الحراري، بما في ذلك ارتفاع مستويات سطح البحر والجفاف الشديد ونقص الغذاء، وحدوث المزيد من الفيضانات والعواصف القوية. 
وتعهد السيد ترامب بالفعل بـ “إلغاء" اتفاق المناخ الذي اقر في باريس العام الماضي، والذي الزم أكثر من 190 دولة للحد من انبعاثاتها بتلويث كوكب الأرض بغاز ثاني أكسيد الكربون المسبب للاحتباس الحراري، وتفكيك خطة الطاقة النظيفة التي اقرها الرئيس أوباما (domestic climate change regulations.).
 فقد قال Michael Oppenheimer، أستاذ العلوم الجيولوجية والشؤون الدولية في جامعة برينستون Princeton University وعضو الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ، الذي تصدر عنه التقارير العالمية عن حالة علم المناخ بانه "إذا تراجع ترامب عن ذلك، فإنه سيجعل العالم أقل احتمالا بأن يحقق ذلك الهدف من أي وقت مضى، وسيضمن بالتأكيد بأننا سوف نتوجه إلى "منطقة الخطر".
ترامب والتزامات مؤتمر باريس للتغير المناخي
والسيد ترامب لا يمكنه قانونيا منع البلدان الأخرى من الوفاء بالتزامات اتفاق باريس، كما انه لا يستطيع محو قواعد أوباما للمناخ بسرعة أو من جانب واحد. لكنه يستطيع، كرئيس، اختيار عدم تنفيذ خطة باريس في الولايات المتحدة. ويذلك يمكنه أن يبطئ إلى حد كبير أو يضعف تطبيق قواعد أوباما التي لن يكون لها تأثير يذكر على الحد من الانبعاثات في الولايات المتحدة، على الأقل خلال فترة ولايتة.
تلك الخطوات يمكن أن تودي بالهلاك لأهداف اتفاق باريس للحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بما يكفي لدرء ارتفاع درجات الحرارة في الغلاف الجوي بحوالي 3.6 درجة فهرنهايت على الأقل، وهي النقطة التي يقول كثير من العلماء، بان الكوكب سيسير بعدها إلى مستقبل لا رجعة فيه من الاحترار الشديد والخطير معا.
ودون المشاركة الكاملة للولايات المتحدة (ثاني أكبر ملوث من غازات الاحتباس الحراري في العالم، بعد الصين) فأن ذلك الهدف هو على الأرجح بعيد المنال، حتى لو كان كل بلد آخر من الموقعين على اتفاق باريس يسعى للإيفاء بتعهداته. كما ويذكر الخبراء، انه من دون مشاركة الولايات المتحدة، فان الحكومات الأخرى ستكون أقل حماسا لتنفيذ حصصها من خفض الانبعاثات التي تعهدت بها. واضاف السيد أوبنهايمر بان "ذلك الهدف من الصعب للغاية تحقيقه، ولكن يمكن القيام به وبصعوبة كبيرة، من خلال العمل الدؤوب للغاية لكل بلد على حدة". 
مؤتمر مراكش للتحقق من التزامات باريس
ان انتخاب السيد ترامب كرئيس للولايات المتحدة من المرجح أن يلقي بظلاله على مؤتمر مراكش في المغرب، حيث يجتمع المفاوضون العالميون لعقد مؤتمر لمدة 12 يوما لتجزئة الخطوات المقبلة لاتفاق باريس عن كيفية الوفاء والتحقق من الالتزامات، وعن كيفية دفع ثمن إلزام التنفيذ من قبل الدول الفقيرة التي لا تستطيع توفير تكنولوجيا السيطرة على الانبعاثات في ظل اضطرابات سوق الطاقة. واثناء سفره في نيوزيلندا، سُئل وزير الخارجية الأميركية جون كيري عما إذا كان لا يزال يخطط لحضور المؤتمر بالنظر إلى نتائج الانتخابات فأجاب: "أنا بالتأكيد ذاهب لمراكش، وربما الأهم من ذلك إنني أتطلع بشدة لأن اكون هناك".
ويبدو ان تشاؤم السيد اوبنهايمر وغيره من خبراء السياسة المناخية سيكون له ما يبرره. عندما ذكروا ان جميع الأطراف الرئيسية من بواعث غاز ثاني أوكسيد الكاربون بحاجة لاتخاذ إجراءات على المدى القريب لدرء زيادة 3.6 درجة في المناخ العالمي.
وخلصت التقارير العلمية التي صدرت خلال العامين الماضيين الى أن قياس درجات الحرارة عالميا للكوكب والمتولدة بسبب الأنشطة البشرية قد بدأت بالفعل. ويتوقع ان يكون هذا العام في طريقه لان يصبح الأكثر سخونة على الاطلاق، ناسفا السجلات السابقة للعامين الماضيين 2015 و2014.
السياسة المناخية في عهد ترامب
وخلص التحليل المنجز من قبل مركز أبحاث المناخ التفاعلي Climate Interactive (وهو أحد مراكز الأبحاث العلمية التي توفر البيانات المستخدمة من قبل العديد من الحكومات) الى أن سياسات الولايات المتحدة سوف تشكل نحو 20% من تخفيضات غازات الدفيئة المتوقعة في إطار خطة باريس اعتبارا من عام 2016 إلى عام 2030. ولكن في ظل غياب إجراءات السياسة المناخية المتوقعة في الولايات المتحدة تحت إدارة ترامب (كما ذكر علماء مجموعة المناخ التفاعلي) سيكون من الصعوبة حساب خفض الانبعاثات الغازية.
صراع الفحم مع الطاقة النظيفة
كتب John Sterman (وهو أستاذ في ديناميكيات النظام في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا) في التحليل التفاعلي للمناخ صباح يوم الأربعاء الماضي (يوم اعلان نتائج الانتخابات الاميركية) " سيجد المتشائمون هذا الصباح دعما وفيرا من اليأس ". وأضاف السيد Sterman "بوجود السيد ترامب في المكتب البيضاوي والأغلبية الجمهورية في مجلسي النواب والشيوخ"، "هنالك أمل ضعيف في أن خطة الطاقة النظيفة ستفلح بالبقاء على قيد الحياة في المحكمة العليا أو العمل الاتحادي وتلبية التزام الولايات المتحدة ببنود اتفاق باريس. والأسوأ من ذلك ان غيرها من الدول الرئيسية الباعثة للغازات - وخاصة الهند - لديهم الآن سبب وجيه لعدم متابعة تنفيذ تعهدات باريس التي قطعوها: فإذا لم تلتزم الولايات المتحدة بعهودها التي قطعتها، فلماذا يجب ان تلتزم الدول النامية بوضع حد لانبعاثاتها "؟
ان خطة الطاقة النظيفة هي محور الطموح من إرث أوباما في تغير المناخ ومفتاح التزامه باتفاق باريس، وهي في جوهرها عبارة عن مجموعة من لوائح وكالة حماية البيئة والتي تهدف للحد من التلوث الحراري لكوكب الارض بسبب محطات الطاقة التي تعمل بالفحم. وفي حال إقرارها، فإن لوائحها ستغير من قطاع الكهرباء الأمريكي، وستُغلق المئات من المصانع التي تعمل بالفحم ويتم الدخول في حومة بناء جديدة وواسعة من مزارع الرياح والطاقة الشمسية. ومن المتوقع أن هذه الخطة تهدف لخفض انبعاثات الولايات المتحدة من محطات توليد الكهرباء 32% عن مستويات عام 2005 بحلول عام 2030. ولكن هذا البرنامج معروض حاليا لسلطة القضاء من قبل 28 ولاية وأكثر من 100 شركة، ويتوقع المثول أمام المحكمة الاتحادية العليا في وقت مبكر من العام المقبل.
ورغم ان السيد ترامب وغيره من الجمهوريين قد هاجموا خطة الطاقة النظيفة ووصفوها بأنها "حرب على الفحم"، الا انه كرئيس لا يملك السلطة القانونية للتراجع من جانب واحد عن اللوائح التي وضعت من قبلE.P.A.  تحت حكم قانون الهواء النظيف المقر عام 1970 (Clean Air Act.). ومع ذلك، يمكن لترامب استهداف اللوائح من خلال تعيين قضاة في المحكمة العليا من الاصدقاء للنشاط الصناعي ومن ثم رفض الدفاع عن الخطة عندما تمثل أمام المحكمة.
ترامب وتفكيك وكالة حماية البيئة 
كما نه يمكن لترامب أيضا توجيه E.P.A.  لإعادة إصدار خطة تكون صديقة للصناعة للغاية، ومن شأن هذه الخطوة أن تكون أيضا عرضة لدعاوى قضائية من قبل المدافعين عن البيئة، الأمر الذي يزيد من إطالة أمد العملية. وبالتنسيق مع الجمهوريين في الكونغرس، فانه يمكنه أن يخفض ميزانية E.P.A.، مما يشل قدرتها على اتخاذ القرار الصحيح.
وذكر Jeff Holmstead أحد المسؤولين السابقين في E.P.A. في عهد إدارة الرئيس جورج دبليو بوش. " بأنهم (أي جماعة وكالة حماية البيئة) قد لا يزال لديهم انظمة ولكنهم ليسوا مضطرين لتنفيذها بنفس الطريقة التي كانت على عهد إدارة أوباما"، واضاف "وفي هذه الأثناء، فان تلك الدعاوى غالبا ما تستمر لسنوات وسنوات". وحتى لو فشل السيد ترامب في نهاية المطاف بإحباط قواعد أوباما في تغير المناخ، فسيمكنه ضمان تأخير تنفيذها خلال فترة ولايته، عبر جعلها تشق طريقا طويلا من الدعاوى القضائية عبر قاعات المحاكم.
ستواجه السيد ترامب صعوبات في خططه للقضاء على E.P.A.، وإن كان من المرجح أنه يمكن أن يقلل بشكل جوهري من حجمها. هذا ما قالته Jody Freeman، وهي أستاذ في القانون البيئي في جامعة هارفارد ومستشار سابق لأوباما وقالت انه يحتاج الى موافقة الكونجرس ليمحو تماما وكالة حماية البيئة.
ثم أشارت السيدة فريمان أن تغيير العديد من القوانين البيئية الرئيسية، بما في ذلك قانون الهواء النظيف، وقانون المياه النظيفة، والأنظمة والقواعد التي سنت والتي تشرف عليها E.P.A.  هذه القواعد التي يُعمل بها منذ عقود تتطلب أيضا العمل عليها من الكونغرس، وسيكون للديمقراطيين في مجلس الشيوخ بالتأكيد جهودا في منعها - ما لم يختار قادة الجمهوريين في مجلس الشيوخ تعطيل ما تبقى من قواعد التعطيل   Filibuster rules التي اضعفت أصلا من قبل الديمقراطيين.
أراء الأطراف الرئيسية لبواعث غازات الاحتباس الحراري
أشار مسؤولو التغير المناخي في الصين (أكبر ملوث لغازات الاحتباس الحراري في العالم) الى عزمهم على مواصلة خطط خفض انبعاثات الكربون بغض النظر عن خطط السيد ترامب، وعزمهم بالإيفاء بتعهد الرئيس الصيني، شي جين بينغ، باتفاق باريس من أن الانبعاثات الصينية ستنخفض بعد عام 2030، وان الصين سوف تضع نظاما وطنيا العام المقبل لإجبار الشركات على دفع رسوم لتلوث الكربون. كما ذكر الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال لقائه مع وزير الخارجية الأميركي كيري في وقت سابق ان "موقف الصين هو مع التنمية منخفضة الكربون، غير أن التعامل مع التغير المناخي ليس شيئا يمكن لأي شخص ان يطلب منا القيام به" وقال Chai Qimin، المفاوض الصيني، في رد عبر البريد الالكتروني من محادثات مراكش. "هذا ما نريد أن نفعله".
وذكرت الهند (ثالث أكبر ملوث لغازات الدفيئة في العالم) ان انتخاب السيد ترامب اثار الشكوك حول الاستعداد للمضي قدما. بينما في ظل إدارة أوباما، تعهدت هيلاري كلينتون، ثم وزير الخارجية الاميركي، بأن البلدان الغنية ستوفر 100 مليار دولار سنويا بحلول عام 2020 لمساعدة الدول الفقيرة على الانتقال إلى أشكال أنظف من الطاقة. وأوضح مسؤولون هنود ان خطواتهم لخفض الانبعاثات ستعتمد على المساعدات المالية من الدول الغنية، لكنما السيد ترامب تعهد أيضا بقطع كل "المدفوعات المالية لبرنامج الاحترار العالمي."
وأضاف Arunabha Ghosh (المدير التنفيذي لمجلس الطاقة والبيئة والمياه من مجموعة سياسة نيودلهي) "اعتقد بالتأكيد ان هذا سيؤثر على زخم المفاوضات لأنه يلقي بالكثير من الأسئلة"، واضاف ان "فرص الأموال العامة القادمة من تمويل المناخ أكثر كآبة بكثير الآن"، وقال. " اني لا أشعر بتفاؤل كبير في الوقت الراهن."
Reference:
Donald Trump Could Put Climate Change on Course for ‘Danger Zone’. By CORAL DAVENPORTNOV. The New York Times, NOV. 10, 2016
 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . فائق يونس المنصوري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/11/13



كتابة تعليق لموضوع : دونالد ترامب.. هل يمكن ان يضع التغير المناخي على مسار "منطقة الخطر"؟؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net