صفحة الكاتب : نبيل محمد حسن الكرخي

من الاخطاء العقائدية عند مدرسة الحكمة المتعالية ... ( 14 )
نبيل محمد حسن الكرخي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
قِدَم العالم:
تتلخص فكرة القول بقدم العالم ان الله سبحانه وتعالى لا يمكن ان يكون معطلاً ، أي وبدون ان يصدر عنه شيء ، او بدون ان يفيض عنه شيء ولذلك فحيثما يوجد الله تعالى يوجد معه الفيض عنه وهو العالم ولذلك حيث ان الله تعالى قديم فالعالم ايضا قديم وهو موجود بوجوده تعالى. وانه تعالى دائم الفيض ولا يمكن ان يقال انه تعالى كان ولم يكن له فيض حيث ان ذلك معناه التعطيل له تعالى ، وهناك جماعتين ذهبوا الى نفس النتيجة ، فجماعة (وهم الوهابية) ذهبوا الى انهم يرون ان صفة (الخلق) هي صفة ذات وليست صفة فعل ، فما دام الله تعالى موجود فهو خالق ، وحيث ان الله سبحانه قديم وازلي فخالقيته ايضا قديمة وازلية وإلا كان التعطيل أي ان من يقول بخلاف ذلك فإنما ينسب الله تعالى الى التعطيل عن الخلق الذي هو من صفاته الذاتية بحسب زعمهم ! وقد ذهب الى هذا المذهب ابن تيمية القائل بوجود حوادث لا اول لها !! بينما الحق هو ان صفة (الخلق) هي صفة فعل وليست صفة ذات ، بدليل اننا يمكن ان نسلبها عنه تعالى شأنه فنقول: "لم يخلق الله انساناً بالف رأس" ، ولو كانت صفة ذات كما يزعمون لما صح سلبها عنه تعالى ، فمن صفات الذات الحياة والعلم والقدرة ، وهي صفات لا يمكن سلبها عنه تبارك وتعالى. وجماعة آخرون ، وهم الفلاسفة الغنوصيون ، ذهبوا الى ان الله سبحانه وتعالى دائم الفيض والجود والعطاء وما دام هو كذلك فلا بد ان يكون فيضه اي وجود المخلوقات ايضا قديمة بقدمه تعالى ! وهو كلام مبني على عقيدتهم في وحدة الوجود والموجود كما هو ظاهر ، فهو مذهب باطل ببطلان هذه العقيدة كما بيناه آنفاً. ويضاف لذلك أن الخطأ الذي يقعون فيه أنهم يتصورون انه اذا كان الله تعالى ولم يكن معه العالم الذي خلقه فان في ذلك تعطيلا عن الفيض. فما ادرانا نحن البشر بشؤونه تعالى وهو القائل جلَّ وعلا: ((كل يوم هو في شأن)) !
وايضاً من لوازم باطل قول الفلاسفة بقدم العالم و قول ابن تيمية بوجود حوادث متسلسلة لا اول لها (وكِلا القولين له نفس المؤدّى والنتيجة) ، هو ان ذلك يعني انه ما دام الله سبحانه وتعالى موجود فالمخلوق موجود ! فيكون المخلوق شريك لله تعالى في الوجود لا ينفك عنه ، وهذا القول في حقيقته تعطيل لقدرة الله تبارك وتعالى ، لانه يعني انه لا يمكن لله ان يوجد وحده الا وله شريك معه في الوجود هو المخلوق !! 
ولنستعرض الان بعض اقوال المؤيدين والرافضين لقدم العالم ...
فالفيض الكاشاني ، تلميذ ملا صدرا وصهره واحد اعلام مدرسة الحكمة المتعالية ، يصف القائلين بعدم قدم العالم بأنهم زعموا ان الله عزّ وجل "كان حيناً من الدهر عاطلاً عن الجود فارغاً عن افاضة الوجود ، ثم شرع في الايجاد"[1].
وقال الفيض الكاشاني ، شارحاً نوعي الحدوث: الحدوث الذاتي والحدوث الزماني: "اعلم ان للحدوث معنيين احدهما الحدوث الذاتي: وهو ان يكون ذات الحادث مسبوقاً بذات المحدث ، والآخر الحدوث الزماني: وهو ان يكون زمان وجود الحادث مسبوقاً بزمان عدمه ، والمعنى الاول يجري في كل ما سوى الله ، وهو ثابت في كل ما يجري ، فما يدخل تحت الزمان دون ما تقدم على الزمان ، وهو ايضاً ثابت في كل ما يجري فيه ، لا يشذ عنه شاذ"[2].  الى ان يقول: "والان اراك تشتهي ان تعرف كيفية هذه الاحداث والابداع والصنع والاختراع ولا اراك تستطيع معي صبرا ان جئتك بمر الحق ، فلنأت بلمعته تمثيلية تكسر سورة استبعادك المطلق ، فاستمع لما يتلى عليك ، وخذه اليك... كل موجود تام  فإنه يفيض على ما دونه مما في جوهريته وصوره المقوّمة لذاته ، قالوا مسك عنه لبطل ذلك الفيض ، مثال ذلك النار فانها تفيض على ما حولها من الاجسام التسخين والحرارة ، وهي جوهريتها ، والصورة المقومة لها ، وةمتى لم يتواتر منها الحرارة متصلاً عدمت وبطلت ، إذ يضمحل الاولى منها فالاولى ، وهكذا يفيض من الماء الرطوبة والبلل على الاجسام المجاورة له ، والرطوبة هي جوهرية الماء والصورة المقومة لذاته ، فما لم تكن متصلة الى المحل بطلت عنه واضمحلت ، وهكذا يفيض من الشمس النور والضياء على الارض والهواء ، وهو جوهري لها ، فاذا حجز بينهما حاجز اضمحل الضوء وبطل ، وهكذا تفيض من الروح الحياة على البدن ، وهي جوهرية لها ، فإذا فارقت الروح البدن بطلت حياة الجسد من ساعته واضمحلت ، وذلك لأن الفيض ما دام متواتراً متصلا دائما دام المفاض عليه ، فان انقطع انقطع ن فهكذا حكم وجود العالم من الباري سبحانه الذي هو وجود بحت ووجوب صرف ، على ان وجود هذه الافعال ليست من هذه المخلوقات ، بلى هي أيضاً من الله عز وجل ، وانما هي معدات للقابلات ، والافاضة من خالقها جل صنعه عن المثال كما جل ذاته عن الوهم والخيال"[3]. 
اما ملا صدرا فيصف العالم بالحدوث الزماني وهو يقصد العالم المخلوق حبث انه يعتبر الحقيقة المحمدية او العقل الفعّال هي جزء من الفيض الباقي ببقاء الله تعالى شأنه. ولا يصح في عقيدة ملا صدرا ان يكون الحدوث ذاتي لان العالم هو فيض منه تعالى فهو موجود بوجوده فلا حدوث ذاتي انما هو حدوث زماني !!! يقول: "فعلم بالبرهان والقرآن جميعاً ان هذا العالم الجسماني بكلّه حادث مسبوق بالعدم الزماني"[4]. ويقول في موضع آخر: "الكتب الالهية والآيات الكلامية قائلة ناطقة بأن العالم بأسره حادث زماني  لأن الغرض من خلق العالم ليس نفسه بل ما هو اشرف منه فإن الطبايع الجسمانية وما في حكمها لا يمكن ان يكون هي الغاية الاقصى في الوجود بل البرهان الحكمي ناهض على ان للطبايع غايات اخرى هي اعلى منها ، وكل ما هو أعلى من الطبيعة الكونيّة لا يكون وجوده في هذا العالم بل في عالم آخر. فثبت بالبرهان ان هذا العالم بأسره واقع تحت الفساد ويلحقه العدم والانقراض وما يلحقه العدم والانقراض فهو حادث زماني لا محالة ، فالعالم وكل ما فيه حادث زماني" ... "فالغرض من اصل الابداع وجود الباري وفيضه ان يصل الى كل ناقص الى كماله وتبلغ المادة الى صورتها والصورة الى معناها ونفسها وان تلحق النفس الى درجة العقل ومقام الروح"[5]. فملا صدرا وفق هذا النص يميّز بين العالم وبين الباري جلَّ وعلا ولكنه يعتبر فيض الباري الى جانبه  من حيق القدم فيتحدث عن العالم الذي هو مخلوق ويندثر وليس الذي هو مفاض لأن الفيض باق ببقاء مفيضه اي الله تعالى عمّا يصفون.
ويكشف السيد قاسم علي الاحمدي عن موقف ملا صدرا من فرضية "قدم العالم" الفلسفية ويبين انه رغم محاولة ملا صدرا اظهار افكاره ومنهجه بأنه ممن يقول بحدوث العالم الا انه في الحقيقة يعتقد بـ "قِدَم جزئي للعالم" حيث يقول بقدم العالم لبعض المخلوقات كالعقول المفارقة ! ويميز ملا صدرا بين " الموجود بوجوده تعالى والموجود بإيجاده" ! 
فكتب ملا صدرا في رسالة حدوث العالم: "فمن العقلاء المدققين والفضلاء المناضرين ، من اعترف بالعجز عن هذا الشأن من إثبات الحدوث للعالم بالبرهان قائلا: العمدة في ذلك الحديث المشهور والإجماع من المليين ، وأنت تعلم أن الاعتقاد غير اليقين ... وقال : القول بقدم العالم إنما نشأ بعد الفيلسوف الأعظم أرسطو بين جملة رفضوا طريق الربانيين والأنبياء ، وما سلكوا سبيلهم بالمجاهدة والرياضة والتصفية وتشبثوا بظواهر أقاويل الفلاسفة المتقدمين من غير بصيرة ولا مكاشفة ، فأطلقوا القول بقدم العالم . وهكذا أوساخ الدهرية والطبيعية من حيث لم يقفوا على أسرار الحكمة والشريعة ، ولم يطلعوا على اتحاد مأخذها واتفاق مغزاهما . ولشدة رسوخهم فيما اعتقدوا من قدم العالم وزعمهم أن هذا مما يحافظ على توحيد الصانع وانثلام الكثرة والتغيير على ذاته ، وأن قياساتهم مبتنية على مقدمات ضرورية هي مبادي البرهان ، لم يبالوا بأن ما اعتقدوا مخالف لما ذهب إليه أهل الدين بل أهل الملل الثلاث من اليهود والنصارى والمسلمين من أن العالم - بمعنى ما سوى الله وصفاته وأسمائه - حادث . . أي موجود بعد أن لم يكن بعدية حقيقية وتأخرا زمانيا ، لا ذاتيا فقط ، بمعنى أنه مفتقر إلى الغير متأخر عنه في حد ذاته ، كما هو شأن كل ممكن بحسب حدوثه الذاتي وهو لا استحقاقية الوجود ولا عدم من نفسه . ومنهم ، وإن كان ممن التزم دين الإسلام لكنه يعتقد قدم العالم ، ويظن أن ما ورد في الشريعة والقرآن واتفق عليه أهل الأديان في باب الحدوث للعالم ، إنما المراد منه مجرد الحدوث الذاتي والافتقار إلى الصانع . وذلك القول في الحقيقة تكذيب للأنبياء من حيث لا يدري ، ولا يخلص قائله ، ولا يأمن من التعذيب العقلي والحرمان الأبدي ، لأن الجهل في الأصول الإيماني إذا كان مشعوفا بالرسوخ يوجب العذاب الروحاني في دار المآب . ثم تأويل ما ورد في نصوص الكتاب والسنة إنما هو لقصور العقول عن الجمع بين قواعد الملة الحنيفة والحكمة الحقيقة ، وإلا فألفاظ الكتاب والسنة غير قاصرة عن إفادة الحقائق وتصوير العلوم والمعارف المتعلقة بأحوال المبدأ والمعاد حتى يحتاج إلى الصرف عن الظاهر للأقاويل وارتكاب التجوز البعيد والتأويل. وهكذا فعله أبو نصر فارابي في مقالة التي في الجمع بين الرأيين والتوفيق بين مذهبي الحكيمين أفلاطون وأرسطو ، حيث حمل الحدوث الزماني الوارد في كلام أفلاطون حسب ما اشتهر منه ودلت عليه الألفاظ المأثورة منه على الحدوث الذاتي ، وهذا من قصور في البلوغ إلى شأوا الأقدميين الأساطين". 
ويعلّق السيد قاسم علي الاحمدي على هذا النص بقوله: "أقول : يستفاد من كلامه أمور : منها : إن الفلاسفة لم يبالوا من مخالفة الشريعة فيما ذهبوا إليه من القدم الذاتي . ومنها : إنهم أولوا نصوص الكتاب والسنة ، وما اتفق عليه أهل الأديان في باب حدوث العالم ، وقالوا : إنما المراد منه مجرد الحدوث الذاتي والافتقار إلى الصانع ، وهذا القول في الحقيقة تكذيب للأنبياء ومستلزم للعقاب الأبدي . ومنها : ألفاظ الكتاب والسنة غير قاصرة عن إفادة الحقائق كي تحتاج إلى صرفها عن ظواهرها ، وارتكاب التجوزات البعيدة فيها ، فالمستفاد من الكتاب والسنة ليس إلا الحدوث الزماني ، بمعنى مسبوقية العالم للعدم وإن له أول وابتداء. ولا يخفى أن قوله هذا اعتراف وإقرار بما ذكرناه من اتفاق الآيات والأخبار والمليين على حدوث العالم زمانا . . أي مسبوقيته بالعدم الصريح . ثم إن ما نسبه ملا صدرا إلى الفلاسفة من التأويل ، وعدم الفهم ، والقصور في الإدراك ، وتكذيب الأنبياء ، ومخالفة الضرورة . . وأمثالها يشمل نفسه قبل أن يشمل غيره ، كيف لا وهو يقول : إن العقول المفارقة خارجة عن الحكم بالحدوث لكونها ملحقة بالصقع الربوبي ، لغلبة أحكام الوجود عليها ، فكأنها موجودة بوجوده تعالى لا بإيجاده وما سوى العقول من النفوس والأجسام وما يعرضها حادثة بالحدوث الطبعي - أي الزماني -. فليس حكم الحدوث عنده ساريا بالنسبة إلى جميع أجزاء العالم ، لخروج العقول عنده عن هذا الحكم ، بل فيما يجري فيه الحركة الجوهرية وهو عالم الطبايع والأجسام وما يتعلق بها . وقال أيضا : الفيض من عند الله باق دائم ، والعالم متبدل زائل في كل حين ، وإنما بقاؤه بتوارد الأمثال كبقاء الأنفاس في مدة حياة كل واحد من الناس ، والخلق في لبس وذهول عن تشابه الأمثال ، وبقائها على وجه الاتصال. والحاصل: إنه قد سلم بعدم تناهي سلسلة الحوادث من حيث البدء ، وقال بأزليتها وعدم انقطاع وجودها في الأزل إلى حد. ثم إن هذا الكلام على خلاف ما ذهب إليه المليون ، ودلت عليه الآيات المتظافرة والأخبار المتواترة كما سيأتي قريبا بيانه إن شاء الله تعالى . مضافا إلى أن ما فيه من مفاسد أخر . . لا تخفى . والمقصود في المقام : إنه مع توغله وتبحره في المباحث الفلسفية ، والتزامه بقواعدهم العقلية . . أقر بصراحة الكتاب والسنة واتفاق المليين على الحدوث الزماني للعالم"[6].
كما إنَّ الفيلسوف القاضي سعيد القمي ــ وهو من الفلاسفة البارزين أيضاً ــ فقد نفى أن يكون مختار الملا صدرا الحدوث الحقيقي ، وأخيراً يقول آية الله العظمى الحاج السيد أحمد الخوانساري: إجماع الملّيين على الحدوث الزماني، لا الحدوث الذاتي، ولا الحدوث الثابت من جهة الحركة الجوهرية"[7].
وفي جانب آخر نجد ان الخلاف الفلسفي حول قدم العالم او حدوثه يكشف عن تهافت الفلسفة وعدم مقدرتها في اثبات الحقائق اليقينية ، ولذلك فهي لا تصلح كمصدر للمعرفة الدينية. وقد بيّن العلامة الحلي (رض) افتراقهم كالتالي:
•          "إن العالم إما محدث الذات والصفات ، وهو قول المسلمين كافة والنصارى واليهود والمجوس.
•          وإما أن يكون قديم الذات والصفات ، وهو قول أرسطو ، وثاوفرطيس ، وثاميطوس ، وأبي نصر ، وأبي علي بن سينا . . فإنهم جعلوا السماوات قديمة بذاتها وصفاتها إلا الحركات والأوضاع ، فإنها بنوعها قديمة ، بمعنى أن كل حادث مسبوق بمثله إلى ما لا يتناهى . 
•          وإما أن يكون قديم الذات ، محدث الصفات ، وهو مذهب انكساغورس ، وفيثاغورس ، والسقراط ، والثنوية . . ولهم اختلافات كثيرة لا تليق بهذا المختصر . 
•          وإما أن يكون محدث الذات ، قديم الصفات ، وذلك مما لم يقل به أحد لاستحالته ، 
•          وتوقف جالينوس في الجميع"[8].
بينما قال الشهرستاني في (نهاية الاقدام) ان من القائلين بحدوث العالم من الفلاسفة: ثاليس ، وإنكساغورس ، وإنكسيمايس من أهل ملطية ، وفيثاغورس ، وإنباذقلس ، وسقراط ، وأفلاطون من أهل آثينية[9]. في حين بيّن العلامة الحلي (رض) ان انكساغورس وفيثاغورس وسقراط كانوا يقولون بحدوث صفات العالم بينما ذاته قديمة بحسب فلسفتهم ! وهذا يكشف لنا عن المدى الواسع الذي يمكن ان يختلف به الفلاسفة !! 
ومن الجدير بالذكر ان الشهرستاني في نفس المصدر قال: "وإنما القول بقدم العالم وأزلية الحركات بعد إثبات الصانع ، والقول بالعلة الأولى إنما ظهر بعد أرسطاطاليس ، لأنه خالف القدماء صريحا وأبدع هذه المقالة على قياسات ظنها حجة وبرهانا ، وصرح القول فيه من كان من تلامذته مثل الإسكندر الافروديسي ، وثامسطيوس ، وفرفوريوس ، وصنف برقلس المنتسب إلى أفلاطون في هذه المسألة كتابا أورد فيه هذه الشبهة"[10]. 
 
اما فيما يخص الموقف الشرعي من الفرضية الفلسفية الضالة التي تنص على "قدم العالم" فنطلع على المواقف التالية لعلمائنا الابرار (رضوان الله عليهم):
"قول الشيخ الصدوق: الاعتقاد بقِدَمِ غير الله كفرٌ بالإجماع ، ويقول الشيخ المفيد: من قال بالقدم خارج عن الملّة ، وفي السياق عينه، يرى السيد المرتضى: أنْ لا قديم سوى الله، وما سواه حادث ذو بداية ، ويقول شيخ الطائفة الطوسي: إنّ القدم من صفاته ــ عز وجل ـ ، أما أبو الفتح الكراجكي فيقول: لا قديم سواهُ ، وقد ذهب إلى هذا القول كلٌ من أبي صلاح الحلبي، والسيد أبي المكارم ابن زهرة الحلبي، فقالا بالحدوث واستدلا عليه ، وهكذا الحال بالنسبة لإمام المفسّرين الطبرسي؛ حيث قال بأنّ القدم من صفاته ــ عزّ وجلّ ــ ولا شريك له فيه ، وقال الطوسي نصير الدين: لا قديم إلاّ الله"[11].
"واعتبر العلامة الحلي كلّ ما سوى الله حادثاً ، وقال أيضاً: "من اعتقد بقِدم العالم كافرٌ إجماعاً ؛ وفي هذا يكمن الفرق بين المسلم والكافر وحكمه حكم الكفّار يوم القيامة بالإجماع"[12].
أمّا الشيخ جعفر كاشف الغطاء، فقد عدّ الاعتقاد بقدم المجرّدات من الكفر ، ويقول الميرزا القمي في هذا الباب: وكان الحقّ تعالى حيث لم يكن معهُ شيء آخر، لذا لا شريك لهُ في القديم أيضاً، وهذا ما أجمعت عليه الأديان كافة ، وقد ذهب النجفي صاحب الجواهر إلى القول بأنّ كتب الحكماء السابقين ممّن قال بقدم العالم هي في عداد كتب الضلال ، ويورد الشيخ الأنصاري في باب القطع: لقد أجمعت الشرائع السماوية على حدوث العالم الزماني[13].
لقد باتت مسألة الحدوث واحدةً من أهمّ قضايا الفلسفة والكلام، وكان بعض الفلاسفة يطلقون بعض التعابير، من قبيل: الحدوث الدهري، والحدوث الذاتي، إلاّ أن هذا الأمر لم يقلّل من الخلاف الواقع في الآراء، وقد لامَ الفيلسوف المعروف في القرن الثاني عشر إسماعيل الخواجوئي على الحكيم الكبير الميرداماد ربطه بين حديث: وكان عرشه على الماء وبين مسألة الحدوث والقدم[14].
فمن خلال معرفة معنى القول بقدم العالم نكتشف ان القول بـ "قدم العالم" يتعارض مع القول بـ "الواحد لا يصدر منه الا واحد" ومع ذلك يتبنى الفلاسفة ومدرسة الحكمة المتعالية كلا القولين في تناقض يكشف عن عدم قدرة الفلسفة على بيان العقيدة الدينية ، ولذلك ارسل الله سبحانه الانبياء والرسل (صلوات الله عليهم) ونصّب الاوصياء (صلوات الله عليهم). فقولهم بقدم العالم يتبين منه حتمية وجود المخلوق مع وجود الخالق لزعمهم ان عدم وجود المخلوق يعني تعطيل الله تعالى عما يصفون ولزعمهم ان الفيض من الله تعالى متواصل بوجوده تعالى ولم ينقطع ولا ينقطع ويمثلون ذلك باشعة الشمس الصادرة من الشمس او الحرارة الصادرة من النار ! في حين انهم في جانب آخر يقولون بأن الله تعالى لم يصدر عنه سوى فيض واحد اطلقوا عليه اسم "الحقيقة المحمدية" وبعضهم يسميه "العقل الفعّال" وان هذا الفيض الوحيد هو الذي خلق العالم !! 
 
 
 
 
________________________________________
الهوامش:
[1] رسائل في الفلسفة / ضبط وتصحيح الشيخ عمار التميمي – ص185.
[2] المصدر السابق – ص190.
[3] المصدر السابق – ص192 و193.
[4] اسرار الآيات / صدر الدين محمد بن ابراهيم الشيرازي ت1050هـ / تعليقات حكيم مولى علي نوري - ص89.
[5] المصدر السابق - ص91 و92.
[6] وجود العالم بعد العدم عند الإمامية / السيد قاسم علي الأحمدي – ص(34-37).
[7] مقال بعنوان (إعادة النصاب، قراءة نقديّة لمقالة – العقل والدين بين المحدّث والحكيم) بقلم الشيخ علي ملكي الميانجي ، ترجمة محمد عبد الرزاق ، منشور في موقع نصوص معاصرة الالكتروني بتاريخ 16 اغسطس 2014م. وأيضاً المقال منشور في مجلة نصوص معاصرة ، العدد 7.
[8] وجود العالم بعد العدم عند الإمامية / السيد قاسم علي الأحمدي – ص28 و29.
[9] المصدر السابق – ص24.
[10] المصدر السابق – ص25 و26.
[11] مقال بعنوان (إعادة النصاب، قراءة نقديّة لمقالة – العقل والدين بين المحدّث والحكيم) بقلم الشيخ علي ملكي الميانجي ، ترجمة محمد عبد الرزاق ، منشور في موقع نصوص معاصرة الالكتروني بتاريخ 16 اغسطس 2014م. وأيضاً المقال منشور في مجلة نصوص معاصرة ، العدد 7.
[12] المصدر السابق.
[13] المصدر السابق.
[14] المصدر السابق.

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نبيل محمد حسن الكرخي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/11/09



كتابة تعليق لموضوع : من الاخطاء العقائدية عند مدرسة الحكمة المتعالية ... ( 14 )
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net