صفحة الكاتب : حسين جويد الكندي

على هامش صور من تاريخ الارهاب
حسين جويد الكندي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
      تمثل ظاهرة الإرهاب خطر يهدد الدين رغم أن الدين أو فهم النصوص الدينية هو الذي افرز قسم كبير من مخرجات الإرهاب بمعنى إن أشكال العنف التي نشهدها اليوم مؤسسة على نصوص دينية تأخذ مشروعيتها عند معتقديها من أصالة الدين وتجذره في الوعي سواء على مستوى الفرد او المجتمع , ولعل ذلك يفسر الى حد ما انتشار ظاهرة العنف ضد الاخر في المجتمعات الدينية بصورة اكبر من انتشارها في اي مجتمع آخر ومنها المجتمعات ( اللادينية ) .
ان كل مسلم يعيش الاهتمام بامور دينه يشعر بالالم والحزن لما يجد من معالم التخلف والتبعية والتراجع الحضاري الذي اصاب الامة الاسلامية على الصعد والمجالات كافة , وخاصة في المجال الفكري والثقافي , حيث اصبح المسلمون بين ماضوي سلفي يعيش الجمود على عتبة التراث ويتطلع الى ازوهام الحضارة الاسلامية في سالف الزمان كنموذج حضاري يبارز به التيارات الفكرية الجديدة وبين من يقتات على موائد الاخر المتحضر في مجال الفكر والثقافة والرؤى الفلسفية .     
ان التاريخ السياسي للارهاب لم يكن مرتبطا بالاسلام كدين قدر ارتباطه اليوم صورة في المتخيل الانساني بصورة عامة , واذا كانت القوانين بتكيفات نصوصها تجمع على حصول صوره واقترانها بالاكراه الموجب لفقد الاختيار ـ وبذلك تعتبر تعديا صارخا لمجموعة الحقوق التي يكفلها القانون للافراد ـ فان الشريعة الاسلامية كانت سباقة الى حفظ تلك الحدود عن طريق نصوص لاتقل في اهميتها القانونية وشروطها الجزائية عن القوانين المعاصرة .
وبالجملة فالفرق بين التنظيمات الارهابية , وحركات التحرر , اصبح اكثر وضوحا من ذي قبل , خاصة مع تشكل المنظمات عابرة القارات للجريمة , فلم يعد ـ الخلط ـ المتعمد بين حركات التحرر واشكال الارهاب الدولي كسابق عهده , مع ازدياد وتيرة التصنيف لتلك التنظيمات , من خلال استقراء نوعية النشاط الذي تمارسه , الذي يعكس الى حد ما تطور اساليب الجريمة بفعل الدعم المادي وزخم الدعم المعنوي  المتعلق بمجموعة النصوص الدينية التي تعطي مشروعية لتلك التنظيمات في ارتكابها للجريمة , ويعتبر هذين العاملين من اهم العوامل التي ساعدت التنظيمات الارهابية لأن تكون رقما يحسب له حساب في معادلات التوزان في العلاقات الدولية في الاونة الاخيرة .
يعزو اغلب المحللين انتشار ظاهرة الارهاب في الشرق الاوسط بصفة خاصة , الى وجود الجذر التاريخي او كما عبر الدكتور عادل سالم عبد الجادر ( المرض المتعثر ) وهنا يرد السؤال الذي طالما كان ملحا , الم يكن هذا المرض موجودا من قبل في ادبيات الحركات والتنظيمات السياسية الفاعلة في هذه المنطقة ؟؟ الم تكن النصوص ذاتها التي تتداولها التنظيمات الارهابية اليوم موجودة من قبل ؟؟ , ومع الاعتراف بوجود هذه النصوص , الم يكن التعايش السلمي والعيش المشترك بين مختلف الطوائف والاديان هو الظاهرة الاكثر وضوحا في مجموعة العلاقات العامة عبر التاريخ في العراق والشام واليمن ؟؟ وبصراحة اكثر هناك من يعمل على اثارة الاقتتال بين ابناء الوطن الواحد تحت مسميات الدين والقومية والعرق , كلما دعت ضرورات الحفاظ على النظام السياسي في هذه الدولة او تلك من هذه الدول .
الدعوة الى ( قراءة النصوص التاريخية وفهمها بروح عصرها ) تشير ضمنا الى ان تلك النصوص ـ التي تبيح العنف غير القانوني ـ تنتمي الى منظومة القيم والاخلاق الاسلامية , وهذا الامر يتطلب اثبات ارادة الشارع الاسلامي العنف غير المبرر , وقد ثبت في الحكمة ان ذلك منفي من ساحته ـ عزوجل ـ " بيده الخير وهو على كل شي قدير " فالشارع الاسلامي عقل محض لايصدر منه الا الخير , وهنا نحتاج الى اثبات آخر يتعلق ببراءة الشريعة من النصوص التي تبيح الارهاب , تلك النصوص التي تعبر عن الفهم البشري لنصوص الهية , امتزجت مع متطلبات المراحل التاريخية , ومقتضيات التمسك بالعقيدة , ومع تطاول الدهور اكتسبت اقوال الرجال ( الذين ياخذ منهم ويرد عليهم ) قدسية النص الالهي للاعتبارات المذهبية والطائفية والفئوية .
لم تلق فكرة في الاسلام من تشويه مالقيته فكرة الجهاد , وقد عملت انظمة الجور على تفعيل هذا الجانب من حركة الفكر الاسلامي , مما ساعد على انحراف فكرة الجهاد عن مراميها واهدافها الايجابية , بل مجمل افكار الدعوة , فاستخدمت نصوص معينة محكومة بظرفها المكاني والزماني بما يحقق مكاسب جيوسياسية للملك العضوض الذي ارسيت اولى لبناته عام 40 هـ , هذا المنهج الذي اصبح سنة ومنهج عمل فيما بعد عندما تقاسم المماليك البلاد الاسلامية , وتحولت الدعوة الى الله ورسوله الى الدعوة باسم الله ورسوله الى من ينز على منبر رسول الله ويحكم المسلمين بالقهر والغلبة , وتحولت اموال الفيء التي كانت ترد المدينة وتوزع بعدالة عمر بن الخطاب على المسلمين , الى حيازة خاصة لطائفة من المتحلقين حول مقام الخلافة والمقربين الى حاشية الخليفة , فاطل الباطل براسه , فهذا مروان بن الحكم بن ابي العاص ( طريد رسول الله ) مخاطبا جموع الثائرين الذين احاطوا ببيت عثمان قائلا : ( جئتم لتفتكوا بنا ملكنا )  ـ ولو انه سلمه لهم ماستطاعوا الى خليفة رسول الله سبيلا ـ .
ان تاويل النصوص الخاصة بالجهاد لمصلحة زيادة في الرقعة الجغرافية في الولايات والامصار الاسلامية , وعلى حساب المعاني والقيم الاسلامية العليا  , اصبح هو الهاجس الرئيسي لحكام المسلمين , ذلك انهم وجدوا في الجذر التاريخي شرعية لتلك الافعال المنافية لجوهر وروح الرسالة الاسلامية , وقد استشعر عمر بن الخطاب ذلك في وقت مبكر , ولو استمر به المقام لتغيرت الخارطة السياسية لأمة الاسلام , غير ان يد الاغتيال طالته لتوقف ذلك المشروع الاصلاحي , فعمر منع اغلب الصحابة ممن يستشعر فيهم الطموح للملك من مغادرة المدينة وحظر عليهم الاقامة في الامصار الجديدة , وما ذلك الا لانه استشعر خطورة ان يتحول الصحابة الى تجار عقارات في بلاد مابين النهرين والهلال الخصيب , مستفيدين من قداسة الصحبة , وقبائلهم التي انتقلت في قسم كبير منها الى تلك المناطق .
ان الاسباب الرئيسية التي دعت الى نشوء افكار التطرف واستخدام العنف عند المسلمين سواء من ارتد منهم بعد فقد النبي ( ص ) او حتى ظهور حركة الخوارج وماصاحبها , انما ترجع الى الشعور بحصول خلل ما في فلسفة توزيع الثروة او الطريق الذي تجبى فيه هذه الاموال , بمعنى ان التطرف يتعلق بالجانب الاقتصادي , فالقبائل التي ارتدت انما رفضت تسليم اموال الزكاة الى الخليفة الجديد ـ وفي ذلك نقاش ليس هنا محله ـ المهم ان الردة تتعلق بصورة مباشرة بآليات توزيع موارد الدولة , والخوارج وان كان خلافهم مع علي سياسيا بامتياز , الا ان اصل خلافهم مع معاوية يتعلق بجهة اخرى , لها مساس بطريقة العيش , فالبذخ والترف التي كان يعيشها النخبة ممن يتعشقون بلاط معاوية , وممن يحتسبون اما على الصحابة او الفقهاء , القت اشكالا متعددة من صور المظلومية التي انكرها الخوارج بالسيف , والخوارج يعتبرون ذلك خروجا عن مبادى الاسلام ومثله العليا , وذلك يفسر الى حد ما تجردهم عن زخرف الحياة واتجاههم الى عيشة التقشف والكفاف , وكم هو عظيم وصف علي لهم قال : هؤلاء قوم ارادوا الحق فاخطاوه , ومن اراد الحق فاخطاءه ليس كمن اراد الباطل فاصابه .
العامل الاقتصادي كان ولايزال وسيبقى السبب الرئيسي في ظهور صور الارهاب , خاصة في الفئات المهمشة من المجتمعات الاسلامية , التي تتخذ من الانتماء الى التنظيمات الارهابية وسيلة لبيان رفضها للواقع الاجتماعي والحياتي الذي تعيشه , وياتي تسخير النصوص بعد ذلك ليزيد من قابلية الافراد للتضحية في سبيل الاهداف التي يعتقدون بعد ذلك انها مقدسة ولها علقة باقامة حدود الدين وشريعة سيد المرسلين , والطريف ان اولئك النفر الناقمين على النظام الاجتماعي والساخطين على الطبقة المترفة والمستفيدة من نظام الحكم اتخذت من العنف مع الاخر سبيلا لتحقيق اهدافها التي وبسبب راديكالية افكار الثورة , تقرا على انها اهداف غير مشروعة , فقتل الخليفة الثالث بالكيفية التي ينقلها التاريخ , ماكانت لتتخذ هذا الجانب من الوحشية لولا نقمة جنود الخلافة وفرسان الفتوحات من التوزيع غير العادل لفىء الفتوحات واستئثار اقارب الخليفة وحاشيته من الامويين والمروانيين بجهود ودماء عوام المسلمين الذين وجدوا انفسهم قرابين فداء لنخبة لم تدخل الاسلام الا بقوة السيف وارغام الظروف الموضوعية لهم بعد ان سقطت الجزيرة العربية عسكريا بيد المسلمين , فدخلوا الاسلام تامينا لمصالحهم وحياتهم ليس الا .
ربما تكون دعوى التنظيمات الارهابية اليوم لاتلقى ماكانت تلقاه من قبول , لانها وببساطة فقدت قابلية تسخير النصوص لصالح الدعوة الى الحوار مع الاخر , واذا اردنا الحديث عن الخوارج الذين لااتفق مع من يصفهم من ضمن التنظيمات الارهابية فانهم تمسكوا بظاهر النصوص من دون وعي للمفاهيم التي كانت ترمي اليها , والتي يمكن من خلالها مسايرة النص للحالات الحياتية المتجددة , الخطأ الذي وقع فيه الخوارج في صدر الاسلام تمثل في التمسك بظاهر النص ودعواهم " لاحكم الا لله " دليل واضح على ذلك , بمعنى انهم لايبايعون عليا ولا معاوية , انما البيعة عندهم لله ... الى هذه الدرجة وصل التصحر في وعي بعض قراء الكوفة وما أجمل ماقال في هذا الفكر علي بن ابي طالب قال : (  نعم " لاحكم الا لله " لكن الله لايباشر عباده , فلابد للناس من حاكم ) , ليس للتطرف جغرافية فالعراق واليمن والشام كانت ولا زالت مراكز الدعوة الاسلامية واهلها اهل الفكر والنظر وحيث كان التفكر كانت الاراء , واذا كان للخوارج راي فقد واجهتهم في هذه الامصار اراء استطاعت باعتدالها ووسيطتها ان تسود النمط الاسلامي العام , وفي سياق الحديث عن الخروج على السلطان الغالب , يذهب اغلب المؤرخين الى اعتبار النزارية فرقة تنتمي الى الاسماعيلية في عقائدها الا انها اختلفت بعد ذلك معها في اساليب المعارضة السياسية , حيث كانت في ذلك الوقت تتبلور مفاهيم الدفاع المقدس عن الثغور من غزوات الصليبين , غير ان طريقة انهاء الحضارة الفاطمية القت بظلالها على الاداء السياسي للاسماعيلين بعد ذلك , في صورة من اوضح صور العمل السري للمعارضة السياسية .
 آن لمثقفينا ان يقولوا كلمتهم بشجاعة , ان مجرد تطوير صيغ الخطاب السياسي الديني , لاينتج في النهاية صيغ جديدة يمكن من خلالها التواصل مع مبادى المعارضة السياسية على اساس من ارادة سلامة الدولة في اقطار العالم الاسلامي , لان الفكر العربي الاسلامي امضى في سبيل ايجاد هذا التطور اكثر من الف واربعمائة عام , ولازالت ظاهرة الارهاب تلقي بزخمها على مجمل الصورة السياسية في اقطار هذا العالم , استنفذنا الجهود في تطوير الخطاب ولم نصل الى شي , آن لنا ان نغير من طبيعة خطابنا السياسي , رافة بالاجيال القادمة , وحتى لايقال على الطبقة المثقفة التي وقفت على مكامن الخلل بانهم كانوا دون مستوى المسؤولية التاريخية التي القيت على عواتقهم .

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حسين جويد الكندي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/10/31



كتابة تعليق لموضوع : على هامش صور من تاريخ الارهاب
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net