صفحة الكاتب : السيد ابراهيم سرور العاملي

مدرسة _عاشوراء/٢٢/*فلسفة العبادة في سلوك الإمام زين العابدين (ع)*
السيد ابراهيم سرور العاملي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

العبادة في مدرسة أهل البيت (ع) لها فلسفة خاصة على مستوى السلوك والمنهج وهي لا تنفك عن المصاديق التي ترتبط بها إرتباطا وثيقا وعمليا ..فالعبادة بحسب المدرسة التربوية لأهل البيت تمثل 

الكثير على كافة المستويات والصعد.

ولذلك زين العابدين سيد الساجدين يمثل لنا أرقى درجات العبادة، وأروع آثار العبادة، زين العابدين الذي كان تسقط من جبهته كل سنة سبع ثفنات من طول السجود، حتى كان يقلب بذي الثفنات، وكان من كثرة العبادة نحيف الجسم، إذا مرّت الريح أمالته، زين العابدين هذا العابد العظيم الذي يقول لابنه الإمام الباقر: بني محمد، ناولني صحيفة أعمال جدي أمير المؤمنين «لأن الأئمة يقتدون بعلي، علي هو الباب، علي هو القدوة»، يقول الإمام الباقر: فأناولها إياه فيبكي ويبكي وتذرف دموعه على خديه ويقول: من يقدر على عبادتك يا أمير المؤمنين؟!

قَالَ طَاوُسٌ الْفَقِيهُ رَأَيْتُهُ (اي الامام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام) يَطُوفُ مِنَ الْعِشَاءِ إِلَى سَحَرٍ وَ يَتَعَبَّدُ، فَلَمَّا لَمْ يَرَ أَحَداً رَمَقَ السَّمَاءَ بِطَرْفِهِ وَ قَالَ: "إِلَهِي غَارَتْ نُجُومُ سَمَاوَاتِكَ وَ هَجَعَتْ عُيُونُ أَنَامِكَ، وَ أَبْوَابُكَ مُفَتَّحَاتٌ لِلسَّائِلِينَ، جِئْتُكَ لِتَغْفِرَ لِي وَ تَرْحَمَنِي وَ تُرِيَنِي وَجْهَ جَدِّي مُحَمَّدٍ ( صلى الله عليه و آله ) فِي عَرَصَاتِ الْقِيَامَةِ".

ثُمَّ بَكَى وَ قَالَ: "وَ عِزَّتِكَ وَ جَلَالِكَ مَا أَرَدْتُ بِمَعْصِيَتِي مُخَالَفَتَكَ، وَ مَا عَصَيْتُكَ إِذْ عَصَيْتُكَ وَ أَنَا بِكَ شَاكٌّ، وَ لَا بِنَكَالِكَ جَاهِلٌ، وَ لَا لِعُقُوبَتِكَ مُتَعَرِّضٌ، وَ لَكِنْ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي، وَ أَعَانَنِي عَلَى ذَلِكَ سَتْرُكَ الْمُرْخَى بِهِ عَلَيَّ، فَالْآنَ مِنْ عَذَابِكَ مَنْ يَسْتَنْقِذُنِي، وَ بِحَبْلِ مِنَ أَعْتَصِمُ إِنْ قَطَعْتَ حَبْلَكَ عَنِّي، فَوَا سَوْأَتَاهْ غَداً مِنَ الْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيْكَ، إِذَا قِيلَ لِلْمُخِفِّينَ جُوزُوا وَ لِلْمُثْقِلِينَ حُطُّوا، أَ مَعَ الْمُخِفِّينَ أَجُوزُ، أَمْ مَعَ الْمُثْقِلِينَ أَحُطُّ، وَيْلِي كُلَّمَا طَالَ عُمُرِي كَثُرَتْ خَطَايَايَ وَ لَمْ أَتُبْ، أَ مَا آنَ لِي أَنْ أَسْتَحِيَ مِنْ رَبِّي".

ثُمَّ بَكَى وَ أَنْشَأَ يَقُولُ:

"أَ تُحْرِقُنِي بِالنَّارِ يَا غَايَةَ الْمُنَى *** فَأَيْنَ رَجَائِي ثُمَّ أَيْنَ مَحَبَّتِي‏

أَتَيْتُ بِأَعْمَالٍ قِبَاحٍ زَرِيَّةٍ *** وَ مَا فِي الْوَرَى خَلْقٌ جَنَى كَجِنَايَتِي"‏

ثُمَّ بَكَى وَ قَالَ: "سُبْحَانَكَ تُعْصَى كَأَنَّكَ لَا تَرَى، وَ تَحْلُمُ كَأَنَّكَ لَمْ تُعْصَ، تَتَوَدَّدُ إِلَى خَلْقِكَ بِحُسْنِ الصَّنِيعِ، كَأَنَّ بِكَ الْحَاجَةَ إِلَيْهِمْ وَ أَنْتَ يَا سَيِّدِي الْغَنِيُّ عَنْهُمْ".

ثُمَّ خَرَّ إِلَى الْأَرْضِ سَاجِداً، قَالَ فَدَنَوْتُ مِنْهُ وَ شُلْتُ بِرَأْسِهِ وَ وَضَعْتُهُ عَلَى رُكْبَتِي، وَ بَكَيْتُ حَتَّى جَرَتْ دُمُوعِي عَلَى خَدِّهِ، فَاسْتَوَى جَالِساً وَ قَالَ: "مَنِ الَّذِي أَشْغَلَنِي عَنِ ذِكْرِ رَبِّي"؟

فَقُلْتُ: أَنَا طَاوُسٌ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ، مَا هَذَا الْجَزَعُ وَ الْفَزَعُ؟! وَ نَحْنُ يَلْزَمُنَا أَنْ نَفْعَلَ مِثْلَ هَذَا وَ نَحْنُ عَاصُونَ جَانُونَ.

أَبُوكَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، وَ أُمُّكَ فَاطِمَةُ الزَّهْرَاءُ، وَ جَدُّكَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله )!

قَالَ: فَالْتَفَتَ إِلَيَّ، وَ قَالَ: "هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ، يَا طَاوُسُ دَعْ عَنِّي حَدِيثَ أَبِي وَ أُمِّي وَ جَدِّي، خَلَقَ اللَّهُ الْجَنَّةَ لِمَنْ أَطَاعَهُ وَ أَحْسَنَ وَ لَوْ كَانَ عَبْداً حَبَشِيّاً، وَ خَلَقَ النَّارَ لِمَنْ عَصَاهُ وَ لَوْ كَانَ وَلَداً قُرَشِيّاً، أَ مَا سَمِعْتَ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ ﴾ ، وَ اللَّهِ لَا يَنْفَعُكَ غَداً إِلَّا تَقْدِمَةٌ [أي هديّة] تُقَدِّمُهَا مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ" .

بحار الأنوار  : 46 / 81.

هذا الإمام زين العابدين يمثل لنا العلاقة الوثيقة بين العبادة وبين الحركة الاجتماعية، كان يحمل جراب الطعام على ظهره، ويدور به على فقراء المدينة بيتًا بيتًا.

و يكاد المرء يستمع إلى مواعظه إلاّ ويستشعر نكهتها التربوية والاجتماعية والسياسية ، ودورها في تهذيب النفوس وتنقيتها ، فهي من جانب تدعو إلى التسامي والترفّع ، ومن جانب آخر إلى التصدّي للظالمين والثورة عليهم ، وتؤكد كذلك على مسؤولية الاِنسان في هذه الحياة الدنيا ودوره فيها.. الاَمر الذي يعطي العبادة دورها في إحياء المجتمع والفرد من خلال فتح الاَبواب إلى مضامينها وأهدافها التي قد لا يدركها إلاّ القليل ممن تذوّق روح الشريعة الاِسلامية وأبصر أبعادها.

 

فالكلمات التي يعرضها الامام السجاد عليه السلام هنا ـ كما في غيرها ـ تعبّر تعبيراً دقيقاً عن منهج سلوكي عظيم غارقٍ في الشفافية والروح من جهة ، ومستغرقٍ في الفكر والواقع من جهة اُخرى ، فكما أنّه ارتباط عاطفي شديد الصلة متين الانشداد بربِّ العزّة تبارك وتعالى ، ولكنّه من زاوية اُخرى عميق الغوص في الجانب التربوي والاَخلاقي والمعرفي الذي لايكتفي صاحبه خلاله بالعرفان المجرّد و (تهويماته) الجميلة ، بل يسحبه إلى الواقع المعاش بكلِّ تفاصيله وخيوطه ونسيجه المعقّد.

« ولا ترفعني في الناس درجة إلاّ حططتني عند نفسي مثلها » وهذه أسمى وأرفع سبل تربية الذات ، ودحض الاَنا ، وتجاوز الكبر ، والاِجهاز على كل أشكال الغرور والهوى والغطرسة الذاتية. 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


السيد ابراهيم سرور العاملي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/10/28



كتابة تعليق لموضوع : مدرسة _عاشوراء/٢٢/*فلسفة العبادة في سلوك الإمام زين العابدين (ع)*
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net