صفحة الكاتب : نبيل محمد حسن الكرخي

من الاخطاء العقائدية عند مدرسة الحكمة المتعالية ... ( 1 )
نبيل محمد حسن الكرخي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
 إلهـي هـل انت خلقتنا أم افضتنا أم يا ترى نحن من تجلياتك كما يزعم ابن عربي !!!
أم يا ترى انت افضت "الحقيقة المحمدية" وهي التي خلقتنا كما يزعمون !!؟
أم يا ترى كانت تضحيات ومقاتل الائمة الاطهار (صلوات الله عايهم) من أجل ان يتّبع الشيعة ابن عربي ويتخذونه إماماً يفسر لهم كيف يفكر خالقهم وكيف هو علمه وإرادته وكيف انه من خلال تثليثه يخلق الكائنات !!
هذه الاسئلة وغيرها ربما تكشف عن عمق الازمة العقائدية التي ينتجها اتّباع مدرسة الحكمة المتعالية الشيعية التي التزمت بإنتقائية التراث الصوفي لابن عربي مع الفلسفة الاشراقية تارة والمشائية تارة اخرى ، ثم تغليف ذلك كله بغلاف الشرعية الدينية بعد سفسطائيات تأويلية باطنية ما انزل الله سبحانه وتعالى بها من سلطان !
وحدث عبر التاريخ تلويث لعقيدة الشيعة الامامية (بقصد او بدون قصد) من داخلها بالملوثات الفكرية الفلسفية والغنوصية التي من ارهاصاتها "الصوفية" التي اخترقت الاسلام والغنوصية كفكر باطني اخترق جميع الاديان السماوية وانتشر في الموروثات الفكرية الوضعية لمختلف الامم. فما نهدف اليه في هذا البحث هو تمييز الاصيل عن الدخيل وايقاف التبعية العقائدية لتراث ابن عربي والفلسفتين الاشراقية والمشّائية ومنع مساواة الولاء لهم بالولاء للائمة الاطهار (عليهم السلام). فإذا تمكنّا بحول الله وقوته من التمييز المذكور فعند ذاك نتمكن من ايقاف المد الغنوصي الذي يريد ان يستولي على مذهبنا الاصيل وعقيدتنا الاسلامية المحمدية الطاهرة بعد ان عجز كبار الطغاة من طمس معالمها بقتلهم الائمة الاطهار (عليهم السلام) والعلماء الاخيار (رضوان الله عليهم) وبث الفتن والاضاليل بين ابناء الامة الاسلامية المحمدية الواحدة. 
إنَّ قضية ادخال التصوف أو جانب الفلسفة في العقيدة الشيعية هي قضية حساسة للغاية فمن المعلوم ان الشيعة الامامية ينتهون بجميع قضاياهم الدينية العقائدية والفقهية والاخلاقية الى النبي (صلى الله عليه وآله) عن طريق التمسك بالثقلين اللذين امرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالتمسك بهما وهما الكتاب الكريم والعترة الطاهرة (عليها السلام) لكي يكون هذا التمسك المرتكز الاساسي في الأمن من الضلال. اما المنهج العقائدي (الفلسفي- العرفاني) الذي تنتهجه مدرسة الحكمة المتعالية الشيعية بالاستناد الى تراث ابن عربي فيعني ان يتم اضافة مفاهيم فلسفية وعرفانية ظنّية كمرتكز ثالث الى جانب الكتاب والعترة وبذلك تنهار المنظومة النبوية التي تعهدت بالامن من الضلال لمن يسلك سبيل التمسك بالثقلين والتي من اجلها سالت الدماء الزكيّة للائمة المعصومين وتقطعت احشاء آخرين منهم بالسم (صلوات الله عليهم أجمعين) !
فمن الروايات التي تحذّر من الصوفيّة: روى الاردبيلي في كتاب حديقة الشيعة عن الامام جعفر الصادق (عليه السلام) حينما سُئِلَ عن الصوفية انه قال: (إنهم أعداؤنا! فمن مال إليهم فهو منهم ويحشر معهم وسيكون أقوام يدّعون حبنا ويميلون إليهم ويتشبهون بهم ويلقبون أنفسهم بلقبهم ويقولون أقوالهم ألا فمن مال إليهم فليس منا وإنّا منه براء ومن أنكرهم وردّ عليهم كان كمن جاهد الكفار بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله). 
وروي عن إمامنا علي الرضا (عليه السلام): ”من ذُكر عنده الصوفية، ولم ينكرهم بلسانه وقلبه فليس منا ومن أنكرهم كان كمن جاهد الكفار بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله)[1].
وهناك رواية عن اعتراض بعض الصوفية عل الامام علي الرضا (عليه السلام) مما يبين موقفهم المتأزم والمناقض للاسلام ، تقول الرواية: دخل عليه بخراسان قوم من الصوفية فقالوا له إن أمير المؤمنين المأمون نظر فيما ولاه الله تعالى من الأمر فرآكم أهل البيت أولى الناس بأن تؤموا الناس ونظر فيكم أهل البيت فرآك أولى الناس بالناس فرأى أن يرد هذا الأمر إليك والأمة تحتاج إلى من يأكل الجشب ويلبس الخشن ويركب الحمار ويعود المريض. قال وكان الرضا متكئا فاستوى جالسا ثم قال: (كان يوسف نبياً يلبس أقبية الديباج المزردة بالذهب ويجلس على متكئات آل فرعون ويحكم ، إنما يراد من الإمام قسطه وعدله ، إذا قال صدق ، وإذا حكم عدل ، وإذا وعد أنجز. إن الله لم يحرم لبوساً ولا مطعماً)  وتلا ((قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ))[2].
وما رواه الشيخ الجليل الشيخ بهاء الدين محمد العاملي في كتاب الكشكول قال : قال النبي صلى الله عليه وآله : لا تقوم الساعة حتى يخرج قوم من أمتي اسمهم صوفية ليسوا مني وإنهم يهود أمتي إلى أن قال : هم أضل من الكفار وهم أهل النار[3].
ومن الروايات التي تحذّر من الفلسفة: عن توحيد المفضل: الامام الصادق (عليه السلام) انه قال: (فتباً وخيبة وتعساً لمنتحلي الفلسفة كيف عميت قلوبهم عن هذه الخلقة العجيبة حتى انكروا التدبير والعمد فيها)[4].
ومن الروايات التي تحذّر من التصوّف والفلسفة معاً: عن حديقة الشيعة عن الامام العسكري (عليه السلام) انه قال: (سيأتي زمان على الناس (...) علماؤهم شرار خلق الله على وجه الأرض لأنهم يميلون إلى الفلسفة والتصوف وأيّم الله أنهم من أهل العدول والتحرف يبالغون في حب مخالفينا ويضلون شيعتنا وموالينا وإن نالوا منصبا لم يشبعوا من الرشا ، وإن خُذلوا عبدوا الله على الريا ، ألا إنهم قُطّاع طريق المؤمنين والدعاة إلى نحلة الملحدين فمن أدركهم فليحذرهم وليصن دينه وإيمانه)[5]. 
 
وغالباً ما يبرز التساؤل عن وجود العديد من اكابر علماء الشيعة من الذين انتموا الى المسلك العرفاني ، فكيف ننتقد هذا المسلك الذي يعني انتقادهم ؟! وجواب ذلك اننا هنا لا ننتقد عموم العرفان والذي هو في اقصى ابعاده لا يتجاوز كونه تجربة شخصية لا يمكن الجزم بصحتها حتى بالنسبة للشخص القائم بها بنفسه ، بل ننتقد ادخاله كبابٍ معرفي للعقيدة الشيعية الامامية المنتمية حصراً الى فكر آل البيت (عليهم السلام) ، فعقيدتنا قد تناقلناها كابراً عن كابر عبر القرون حتى انتهت الى الائمة الاطهار (عليهم السلام) ، فهُم والقرآن الكريم المصدران الوحيدان للعقيدة الاسلامية المحمدية ، فلا ابن عربي ولا غيره من اصحاب المسلك الصوفي الغنوصي يُسمح لهم بإدخال مفاهيم عقائدية مخالفة لمنهج آل البيت (عليهم السلام) او لم ترد عندهم لأننا نعلم ان ائمتنا الاطهار (عليهم السلام) قد بينوا لنا جميع قضايانا العقائدية التي يتوجب علينا معرفتها واعتناقها لنحصل على السعادتين الدنيوية والاخروية ، والقرآن الكريم صريح بانه ((مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ)) فلا مجال لطريق آخر غير طريقهم (عليهم السلام) ولا معارف عقائدية اخرى غير معارفهم (صلوات الله عليهم).
اما العرفان فاذا كان بمعنى التقوى والتكامل الاخلاقي وتطوير الجانب النفسي للمؤمنين فنحن غير معترضين عليه بل قد ننشده ونستفيد منه.     
كما ان الفلسفة اذا كانت بمعنى تطوير القابلية الذهنية والمزيد من التعمق في العلوم العقلية والاستعداد لرد الشبهات التي يثيرها خصوم الاسلام مستندين الى فلسفتهم الغربية ، فلا بأس بدراسة الفلسفة وتعلمها ، ولدينا شاهد على اهمية النتاجات الفلسفية الاسلامية المدافعة عن العقيدة ومنها كتاب فلسفتنا للسيد محمد باقر الصدر. أمّا اذا كانت الفلسفة باباً لإحداث تغييرات عقائدية تنحرف بعقيدتنا بعيداً عما ارشدنا اليه الأئمة الهداة عليهم السلام) من قبيل قول الفلسفة بالواحد لا يصدر عنه الا واحد وتطبيقها على الخالق تعالى عمّا يصفون ، او قولهم باستحالة اعادة المعدوم والذي به يحرّفون المعاد الجسماني الى معاد روحاني ، او قولهم بوحدة الوجود وما فيه من مفاسد ، او قولهم بأن الارادة الالهية هي صفة ذات وليس صفة فعل والذي يؤدي الى القول بقدم العالم. فهذه الاسباب تجعلنا نضع حاجزاً بين الفلسفة وبين العقيدة الدينية ، فكيف اذا اضفنا اليها التساؤل التالي: كانت الفلسفة معروفة في زمن المعصومين عليهم السلام ، فهل ايدوها ام ادانوها ام اعرضوا عنها ؟
فأما تأييدهم (عليهم السلام) للفلسفة فغير وارد. وامّا ادانتهم (عليهم السلام) للفلسفة فلم تردنا بروايات معتبرة ، بل الروايات التي وردت والتي سنذكر بعضها قد يتم تضعيفها. وامّا إعراضهم (صلوات الله عليهم) عن الفلسفة فمؤكّد ، وهنا يبرز سؤال آخر: ماذا يعني اعراض الائمة الهداة (عليهم السلام) عن الفلسفة ومهاجمة اصحابهم لها في مؤلفاتهم ؟! وهو الحد الادنى لبيان موقف الائمة الاطهار (عليهم السلام) من الفلسفة بعد ان تنزلنا عن الروايات ودلالاتها.
اذن قضيتنا منحصرة في رفض ادخال اي مصدر عقائدي آخر غير المصادر المنتهية الى آل البيت (عليهم السلام). نعم قد يُقال ان اهل المنهج العقائدي (الصوفي – الفلسفي) يزعمون انهم انما يستندون الى الآيات القرآنية والاحاديث الشريفة فيفسرونها بمعناها الباطني الذي يظنون انه معناها الحقيقي الذي صدرت من اجله ! وقد وجدنا ان منهج علمائنا منذ عصر الائمة (عليهم السلام) وعصر الغيبة الصغرى ثم عصر الغيبة الكبرى هو العمل بظاهر المعنى لا العمل بباطنه ، وعلى هذا تأسست العقيدة الشيعية الامامية. بل ان اللجوء الى اسلوب التفسير الباطني قد يصبح ذريعة ومأخذ على اهل المنهج العقائدي (الصوفي – الفلسفي) نتيجة تفسير كلامهم بغير مقاصد معانيه الظاهرية ، فيعترض شخص ويزعم أن ظاهر كلامهم غير حجة ويستلزم الاخذ بباطن كلامهم مما يعني اتخاذ معاني ونظريات جديدة لم يعرفوها ! وتظل تتسلسل القضية ولا يتمكن احد بعد ذلك من ايصال اي فكرة او عقيدة لأن كل من يتكلم ياتي الاخر ويفسر كلامه بغير ظاهره أي بزعم ان باطنه كذا وكذا ، فتشيع الفوضى العقائدية بين الناس !! وهذا بخلاف مقاصد الشريعة المقدسة. 
ومن المعلوم إنَّ المنهج العقائدي (العرفاني- الفلسفي) هو جزء من مدرسة الحكمة المتعالية وهي مدرسة فكرية ظهرت في التشيّع على يد الشيخ صدر الدين الشيرازي الشهير بصدر المتألهين أو ملا صدرا (980هـ - 1050هـ / 1572م-1640م) بعد اتّباعه للتراث الصوفي لابن عربي ، ولذلك تجد ان هذه المدرسة تجلّ وتحترم ابن عربي وتستنير بفكره وتعلن تبعيتها لأفكاره وتراثه رغم مباينته للثقلين الذين اشار رسول الله (صلى الله عليه وآله) الى ان التمسك بهما يجنب المسلم الضلال ، وهما الكتاب والعترة الطاهرة (عليها السلام). 
إذن هدفنا في هذا البحث اعلان ضرورة تطهير العقيدة الشيعية الامامية من كل اثر لمدرسة الحكمة المتعالية ومن كل اثر صوفي غنوصي او كل اثر فلسفي يتعارض مع منهج أهل البيت (عليهم السلام) القائم على علم الكلام.
 
افتراق المتصوفة عن آل البيت (عليهم السلام):
رغم ادعاء الصوفية انتسابهم الى الامام علي بن ابي طالب (عليهما السلام) بسلاسل الطرق الصوفية المزعومة ، الا انه لم يدل دليل على صحتها من غيرهم ، بل الاكيد من خلال ائمة آل البيت (عليهم السلام) ومن خلال بعض الوقائع ان الصوفية بعيدين عن منهج آل البيت (عليهم السلام). وكنموذج لافتراق الصوفية عن آل البيت الاطهار (عليهم السلام) نجد أنّ ذا النون المصري (179- 245)هـ والذي يمكن ان نعده احد اركان تأسيس التصوف في المجتمع الاسلامي ، نجد وقد ملأ كلامه بالاهمال لأي اشارة الى آل البيت الاطهار (عليهم السلام) وأنَّهم هم احد مصدري المعرفة الذين ما إنْ تمسك بهما المسلم فلن يضل ابداً كما في حديث الثقلين الشريف ، مع انَّ ذا النون عاصر ثلاثة من الأئمة الاطهار (عليهم السلام) هم الامام علي الرضا (عليه السلام) المتوفى سنة 203هـ ، والامام محمد الجواد (عليه السلام) المتوفى سنة 220هـ ، والامام علي الهادي (عليه السلام) المتوفى سنة 254هـ ! ومع ذلك لم ينهل من معينهم العذب !! وكذلك نجد انه بالرجوع الى تراث ابن عربي انه يخلو من اي تمسك او اتباع لمنهج آل البيت الاطهار (عليهم السلام) وان ورود ذكرهم في بعض القضايا العامة في كلامه لا تكشف عن انه كان يغرف من معينهم العذب.
كما ان سهل التستري (توفي 283م) قد عاش في القرن الثالث الهجري وعاصر إمامة الامام علي الهادي والامام الحسن العسكري والامام الحجة بن الحسن المهدي (عليهم السلام) ومع ذلك كان يقول: (أنا حجة الله على الخلق وأنا حجة على أولياء زماني)[6] ! وهو أيضاً كان يدعي لنفسه دعاوى عريضة ما انزل الله سبحانه وتعال بها من سلطان كقوله: (أشهدني الله تعالى ما في العلى، وأنا ابن ست سنين، ونظرت في اللوح المحفوظ، وأنا ابن ثمان سنين، وفككت طلسم السماء، وأنا ابن تسع سنين، ورأيت في السبع المثاني حرفاً معجماً حار فيه الجن، والإنس ففهمته وحمدت الله تعالى على معرفته، وحركت ما سكن، وسكنت ما تحرك بإذن الله تعالى وأنا ابن أربع عشرة سنة)[7]! وقبله تحدث بولس مؤسس المسيحية عن صعوده الى السماء فقال: (إنه لا يوافقني أن أفتخر. فإني آتي إلى مناظر الرب وإعلاناته 2 أعرف إنسانا في المسيح قبل أربع عشرة سنة. أفي الجسد؟ لست أعلم، أم خارج الجسد ؟ لست أعلم. الله يعلم. اختطف هذا إلى السماء الثالثة 3 وأعرف هذا الإنسان: أفي الجسد أم خارج الجسد؟ لست أعلم. الله يعلم 4 أنه اختطف إلى الفردوس، وسمع كلمات لا ينطق بها، ولا يسوغ لإنسان أن يتكلم بها)[8]. 
وضمن إطار الدعاوى الخارقة ومزاعم العروج والتجليّ نجد ان التستري لم ينفرد بها بل هي دعاوى للعديد من زعماء الصوفية ! فلأبن عربي دعاوى عديدة في هذا الاطار منها ما يخص عروجه الى السماء. ومنها نيله مقام التجلي فشاهد نوراً ساطعاً ووجد نفسه جسماً بدون جهات وقد كتب عن هذا النجلي قائلاً: "وهذا مقام نلته سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة بمدينة فاس في صلاة العصر وأنا اصلي بجماعة بالمسجد الازهر بجانب عين الجبل فرأيت نوراً يكاد يكون أكشف من الذي بين يدي غير أني لما رأيته زال عني حكم الخلف ، وما رأيت لي ظهراً ولا قفا ولم افرّق في تلك الرؤيا بين جهاتي بل كنت مثل الأكرة لا اعقل لنفسي جهة إلا بالفرض لا بالوجود. وكان الامر كما شاهدته ، مع انه كان قد تقدم لي قبل ذلك كشف الأشياء في عرض حائط قبلتي ، وهذا الكشف لا يشبه هذا الكشف"[9] !! مع ان آل البيت الاطهار (صلوات الله عليهم) مع عظيم وجلاله قدرهم ومنزلتهم لم يصدر عنهم انهم عرجوا الى السماء ، بخلاف دعاوى المتصوفة الغنوصيين !!
فكان تأسيس التصوف تحت عباءة التعبد والزهد وطلب المعرفة وتسميهم بالعرفاء هو محاولة للوقوف بالضد من المشروع الالهي المتمثل بتنصيب الائمة الطهار (عليهم السلام) كمصدر للمعرفة الصحيحة والهدى.
 
فيما يجب معرفته من الدين:
في الخصال للشيخ الصدوق (رض): عن الامام الرضا (عليه السلام) عن آبائه الطاهرين (عليهم السلام) عن أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) أنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (الايمان معرفة بالقلب ، وإقرار باللسان ، وعمل بالاركان)[10].
وفي امالي الشيخ الطوسي (رض): عن الامام الرضا (عليه السلام) عن آبائه الطاهرين (عليهم السلام) عن أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) أنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (الايمان عقد بالقلب ، ونطق باللسان ، وعمل بالاركان)[11].
يقول السيد محمد سعيد الحكيم (مد ظله): "أما عمل الاركان فهو عبارة عمّا فرضه الله تعالى على الانسان من عمل. والذي يتكفل بذلك علم الفقه. ويكفي فيه التقليد بشروطه المقررة لمن لا يتيسر له الاطلاع على أدلته التفصيلية"[12]... "يجب الاذعان بكل حقيقة دينية إجمالاً او تفصيلاً: نعم إذا قام الدليل عليها – بنحو أوجب العلم بجعل الله تعالى لها وتبليغ رسله بها – وجب الاعتقاد بها على نحو ما عُلِمَتْ. كما يجب الاعتقاد إجمالاً بكل ما جعله الله تعالى وأنزله على رسوله ، وبكل حقيقة دينية ، والاذعان بذلك كله على إجماله إذا لم يعلم بتفاصيله"[13]. 
وقال السيد عبد الله شبّر: "وقيل إنه لا يجب على عامة الناس معرفة أصول الدين بالدلائل التفصيلية وترتيب الاشكال المنطقية ، وإنما يجب ذلك كفاية لدفع شبه الكفار والمعاندين ، وهذا هو الظاهر من سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) والائمة مع سائر الناس ، وأكثر الخلق كانوا بهذه الصفة ، ولذا ورد عليكم بدين العجائز وبدين الاعرابي ، حيث قال: البعرة تدل على البعير وأثر الاقدام على المسير أفسماء ذات ابراج وأرض ذات فجاج لا يدلان على اللطيف الخبير. ولذا ترى ان من اكتفوا بالدلائل الاجمالية ولم يعرفوا الدور والتسلسل ولا اصطلاحات المتكلمين والمنطقيين أكمل إيماناً وأثبت جناناً وأشد اعتقاداً ممن يخوضون في ذلك"[14].
 
الترويج لتراث ابن عربي داخل الحوزات الشيعية:
إنَّ ما يعاني منه المؤمنون اليوم هو وجود حوزات دينية ومؤسسات شيعية تروّج لافكار ابن عربي في وحدة الوجود والموجود وهم لهم نظرتهم الخاصة التي تجعلهم يرون تلك الافكار هي الحق الاصيل في الاسلام ! ذلك الحق الذي لا يصلون اليه الا بترك ظاهر الآيات والروايات الشريفة وتبني تفسير باطني لها هو في اغلب الاحيان لا يرتبط بظاهر اللفظ ولا يصل اليه بصلة بل هو قائم على تفسير القرآن بالآراء الفلسفية ، وهناك اجماع في الامة الاسلامية شيعتها وسنتها على حرمة تفسير القرآن بالرأي ! 
 
دولة الفلاسفة:
كان افلاطون وسقراط يقفان بالضد من النظام الديمقراطي ويريان ان الحكم يجب ان يكون للفلاسفة !
يقول د. عزت قرني: "وليس من السهل معرفة ميول سقراط السياسية وهل كانت ميولاً ديمقراطية أم محافظة، ولعلها أقرب الى المحافظة، فهو ينتقد النظام الديمقراطي القائم على الاختيار العشوائي وعلى القرارات المتخذة تحت ضغط الجماهير التي لا يحكمها العقل في كل تصرفاتها[15].
وقال أيضاً متحدثاً عن سقراط: "وكانت له كذلك اعتراضات على النظام الديمقراطي، اهمها أنه نظام يسمح بأن يصل الى الحكم أي فرد من أفراد الشعب، وبأن يصعد الحدادون والتجار الى منصة الجمعية العمومية ليدلوا بآرائهم في أمور لا يفقهون فيها شيئاً، ولكنها مع هذا أهم امور البشرية: العدالة والحرب والسلام، وهم لا يفقهون فيها شيئاً لأنهم غير متخصصين فيها، والشخص الواحد الوحيد الذي يجب ان ينصت له الشعب وأن يطيعه هو ذلك المتخصص في تلك الامور، وهو نقد يعادل في الحق هدماً لأهم أسس النظام الديمقراطي"[16].
"إذن مشروع أفلاطون: أن تتولى قلة قليلة ولكن بيدها العلم حكم المدينة، وهي التي ستشرع وتدير التربية وفق نموذج اخلاقي ثابت، وهي لن تحكم لمصلحتها بل لخير المحكومين الذين يجب ان يظل كل منهم في مركزه والا يأخذ لنفسه وظائف لا تؤهلها له لا خلقته ولا تعليمه، وحجر الزاوية في هذا المشروع هو أن ياخذ الفلاسفة بزمام السلطة، او على الاقل أن يصير بعض الحكام القائمين فعلا على الحكم فلاسفة، وهو بديل اسهل كثيراً من الاول"[17].
 
دولة وحدة الوجود والموجود:
وكإمتداد لفكر الفلاسفة في الوصول الى السلطة او ان يحكم فكرهم السلطة ، نجد ان اهل التصوف الغنوصي من المسلمين اسلموا هذه الفكرة وتبنوا إتجاه مماثل وخطير يهدد عقيدة الامة بصورة جدّية ، حيث كتب الشيخ الصوفي عبد الغني النابلسي (توفي1143هـ /1731م) في رسالته (إيضاح المقصود من وحدة الوجود) : (نقل العارف المحقق الشيخ احمد القشاشي المدني رحمه الله تعالى في رسالته في وحدة الوجود عن ابن كمال باشا رحمه الله تعالى ، ومن خطه نقل ، كما صرّح بذلك ، أنه يجب على ولي الامر ان يحمل الناس على القول بوحدة الوجود)[18] ! وهذا الذي كان ابن كمال باشا (توفي 940هـ /1534م) يطلبه يتحقق اليوم تدريجياً بصورة مغايرة نوعاً ما بعد قيام النظام الاسلامي في جمهورية ايران وانتشار المراكز الدينية والثقافية المتبنية للحكمة المتعالية وتراث ابن عربي ، حتى اصبحت بعض اهم الواجهات العلمائية الشيعية تابعة لهذه المدرسة وتراث ابن عربي ، من اشهرهم على المستوى الثقافي الشعبي العام: السيد محمد حسين الطباطبائي صاحب تفسير الميزان ، والسيد الخميني ، والشيخ مرتضى مطهري ، والشيخ محمد رضا المظفر ، والشيخ عبد الحسين كاشف الغطاء. وربما يتكرر التاريخ ، وكما انقلبت المملكة الصفوية على التصوف الذي كان اساس بنيانها ، ربما ستنقلب الجمهورية الاسلامية في ايران يوماً ما على الحكمة المتعالية التي كانت اساس البنيان الفكري لمؤسسيها. 
اما علماء واعلام مدرسة الحكمة المتعالية فلا موقف لنا معهم سوى قوله تعالى في سورة سبأ: 
((وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ)).
 
 
________________________________________
الهوامش:
[1] الاثنا عشرية / الحر العاملي 1104هـ – ص31.
[2] كشف الغمة في معرفة الائمة / علي بن ابي الفتح الاربلي ت 693هـ - ج3 ص103.
[3] الاثنا عشرية / الحر العاملي 1104هـ – ص16.
[4] التوحيد / المفضل بن عمر الجعفي – ص31.
[5] الاثنا عشرية / الحر العاملي 1104هـ – ص33. وأيضاً: مستدرك الوسائل / ميرزا حسين النوري – ج11 ص380.
[6] الطبقات الكبرى المسماة بلواقح الانوار في طبقات الاخيار / الشيخ عبد الوهاب الشعراني -  ج1 ص67.
[7] المصدر السابق -  ج1 ص155.
[8] الكتاب المقدس ، العهد الجديد ، رسالة بولس الثانية الى اهل كورنثوس ، الاصحاح الثاني عشر ، (1- 4).
[9] محي الدين بن عربي / الدكتور محسن جهانگيري – ص64.
[10] الخصال / الشيخ الصدوق (رض) - ص178.
[11] الامالي / الشيخ الطوسي (قدس سره) - ص449.
[12] اصول العقيدة / السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم (مد ظله) – ص45.
[13] المصدر السابق – ص48.
[14] حق اليقين في معرفة اصول الدين / السيد عبد الله شبّر - ص572.
[15]  الفلسفة اليونانية حتى افلاطون / د. عزت قرني – ص138 و139
[16]  المصدر السابق – ص140.
[17]  المصدر السابق – ص176.
[18] ايضاح المقصود من وحدة الوجود / الشيخ عبد الغني النابلسي – ص21.
 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نبيل محمد حسن الكرخي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/10/21



كتابة تعليق لموضوع : من الاخطاء العقائدية عند مدرسة الحكمة المتعالية ... ( 1 )
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net