صفحة الكاتب : نزار حيدر

عْاشُورْاءُ السَّنَةُ الثّالِثَةُ ( 9 )
نزار حيدر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
    ٢/ لم يُعِرْ الامامُ الحُسين (ع) أَيَّ اهتمامٍ للشّائعات والدّعايات المُغرضة وحملاتِ التَّشكيك الواسعةِ التي كان يُطلقها ضدّهُ وضدَّ مشروعهِ الاصلاحي عددٌ من (الصّحابة) الحاسدينَ لهُ وكذلك الأمويّين، في محاولةٍ خبيثةٍ منهم لتشويهِ سمعتهِ وسمعةِ نهضتهِ الرّساليةِ الرَّبانيَّةِ الانسانيّةِ العظيمةِ.
   فالواثقُ بربِّهِ وبنفسهِ وبمنهجهِ وبأهدافهِ لا يتأثّر بذلك مهما حاولَ المُغرضون وبذلوا من جُهدٍ لثَنيهِ او لاجبارهِ على التّراجع! وهل مثل الحُسين السّبط (ع) يُمكن أن يتأثَر بحملاتِ التّشويهِ على الرّغمِ من انّ بعضها كانَ قاسياً جداً؟! أبداً.
   وحدهُم المشكِّكون بمنهجهِم والمتردِّدونَ في سلامةِ أَهدافهِم الذين يخلطُون عملاً صالحاً وآخرَ باطلاً هُمُ الذين يُعيرون اهتماماً لكلامِ النّاسِ السَّلبي، وكأَنَّهم يرَون فِيهِ الفرصةَ الذّهبيّة للهربِ من المسؤولية والتّراجعِ عَنِ المشروعِ.
   وإنَّ من أسوء ما يدفعُ بالمُصلحين المزيّفين الى التّراجعِ عن مشروعهِم هو تحجُّجهم بذريعةِ تعرُّضِ سُمعتهِم الى الطّعن! وكأنّهم يظنّون انّ طريقَ الاصلاحِ مُعبَّدٌ بالورودِ كما ظنّ بعض المسلمين الأوائل من الذين حدّثنا عنهم القرآن الكريم بقولهِ {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ}.
   إِنّ السُّمعةَ هي أوّلُ ما يتعرّض الى الغمزِ واللّمزِ من قِبَلِ المتضرّرين بالاصلاحِ، فمن لم يكن على استعدادٍ للتّضحيةِ بها فهوَ على غيرِ استعدادٍ للتّضحيةِ بأَيِّ شَيْءٍ آخرَ، ولذلك تحمّل الحُسين السّبط (ع) تعرُّض سمعتهُ للغمزِ واللّمز لانّهُ كانَ صادقاً في مشروعهِ الاصلاحي فكانَ مُستعدّاً للتّضحيةِ بكلّ شَيْءٍ وأَوّلها سُمعتهُ!. 
   فعلى الرّغمِ من أَنَّ الامام الحُسين (ع) تعرّض منذُ اللحظة التي اتَّخذ فيها قرار رفضِ البيعةِ لطاغيةِ الشّام يزيد بن مُعاوية، وحتى استشهادهِ في يوم عاشوراء في كربلاء عام ٦١ للهجرةِ للكثيرِ جداً من الانتقادات والكلامِ الخشِن غَيْرَ المؤدّب حدّ التّجاسُر! وسَمِع الكثيرِ من الطُّعونِ حتّى بشخصيتهِ فضلاً عن قرارهِ بالخروجِ من مكّة المكرّمة قاصداً العراق، الا انّهُ لم ينثنِ ولم يتردّد ولم يُعِد حساباتهُ ليغيّر ويبدّل وينقلب، لانّهُ بالأساسِ كان على ثقةٍ عاليةٍ بنفسهِ وبالقيم التي خرجَ من أَجلِها وبالأَهداف التي يضحّي من أَجْلِ إنجازِها.
   وبرأيي، فانَّ هذه المنهجيّة الحُسينيّة الرّاقية هي أَحد أهمّ أَسرار انتصارِ الحركاتِ الاصلاحيّةِ عِبر التّاريخ، خاصَّةً حركات الأنبياء والرُّسل، والى هذهِ الحقيقةِ يُشيرُ القرآن الكريم بقولهِ {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}. 
   فبالصّبرِ واليقينِ يتركِ المصلحُ بصمتهُ في المجتمعِ والتّاريخ.
   وفي نفس الإطار يُقارن لنا الامامُ أَميرُ المؤمنين (ع) بين جيلَين من المسلمين في صورةٍ رائعةٍ يُشيرُ فيها الى سرِّ الانتصار.
   يقول عليه السلام {وَلَقَدْ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ(ص) نَقْتُلُ آبَاءَنا وَأَبْنَاءَنَا وَإخْوَانَنا وَأَعْمَامَنَا، مَا يَزِيدُنَا ذلِكَ إلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً، وَمُضِيّاً عَلَى اللَّقَمِ، وَصَبْراً عَلى مَضَضِ الاْلَمِ، وَجِدّاً عَلى جِهَادِ الْعَدُوِّ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ مِنَّا وَالاْخَرُ مِنْ عَدُوِّنا يَتَصَاوَلاَنِ تَصَاوُلَ الْفَحْلَيْنِ، يَتَخَالَسَانِ أَنْفُسَهُمَا، أيُّهُمَا يَسْقِي صَاحِبَهُ كَأْسَ المَنُونِ، فَمَرَّةً لَنَا مِنْ عَدُوِّنَا، ومَرَّةً لِعَدُوِّنا مِنَّا، فَلَمَّا رَأَى اللهُ صِدْقَنَا أَنْزَلَ بِعَدُوِّنَا الْكَبْتَ، وَأَنْزَلَ عَلَيْنَا النَّصرَ، حَتَّى اسْتَقَرَّ الاِْسْلاَمُ مُلْقِياً جِرَانَهُ وَمُتَبَوِّئاً أَوْطَانَهُ، وَلَعَمْرِي لَوْ كُنَّا نَأْتِي مَا أَتَيْتُمْ، مَا قَامَ لِلدِّينِ عَمُودٌ، وَلاَ اخْضَرَّ لِلاِيمَانِ عُودٌ، وَأَيْمُ اللهِ لَتَحْتَلِبُنَّهَا دَماً، وَلَتُتْبِعُنَّهَا نَدَماً!}.
   فالتّحدّياتُ تُصقِل شخصيّة المُصلح، وهيَ سببٌ للكشفِ عن معدنهِ الحقيقي! وهي سببٌ مباشرٌ لتزيد في ثباتهِ ويقينهِ! أَمّا (المُصلح) الذي يتراجع عن مشروعهِ بمجرّد ان تتعرّض سمعتهُ لطعنِ المُغرضين، ويستسلم للواقع بمجرّد ان يسمعَ كلاماً سيّئاً من النّاس، وينحرف عن مسارهِ الحقيقي بمجرّد ان يشنَّ المتضرّرون ضدّهُ حملات التّسقيطِ والتشويهِ! فهو ليس أكثر من [ماركة مُزيّفة] وانّ مثلهُ لن يحقِّق شيئاً ولن يترك بصمةً لا في المجتمعِ ولا في التّاريخِ.
   ولقد رأينا نماذجَ من هذهِ الماركاتِ المُزيّفة تحت قُبَّة البرلمان، فعلى الرّغم من عقود الجهاد والنّضال والتّضحيات، الّا انّها انقلبت على كلّ شَيْءٍ في اوّل اختبارٍ للسّلطةِ والقُدرةِ!.
   حتّى القِيَمِ التي جاهدوا من أجلها انقلبوا عليها جُملةً وتفصيلاً، ليكتشفَ العراقيّونَ أَنّهم ليسوا أكثر من تُجّار دينٍ ومذهبٍ وقيَمٍ، وهم ليسوا رجال دولةٍ ابداً، إِنّما وظّفوا حتى الحُسين (ع) والتّاريخ ورموزهُ والشّهداء ودماءهم وتضحياتهم لِهذهِ اللحظةِ! لحظة التّربُّع على السّلطةِ! ولازالوا يفعلون الشّيء نَفْسَهُ، فيستمرّونَ بتجارتهِم الخاسرةِ المفضوحةِ، على الرّغمِ من أَنّهم هذه المرّة سيفشلونَ مهما تحلّقوا حول الطّاولات المستديرةِ وسعَوا لتقديمِ عروضٍ بهلوانيّةٍ واستعراضاتٍ انتخابيّةٍ! بعد ان فضحهمُ الله تعالى!.   
   انَّ المشروع الاصلاحي الحقيقي بحاجةٍ الى مُثابرةٍ وصبرٍ وثباتٍ واستقامةٍ وتحدٍّ للظُّروف مهما قَسَتْ.
   ولقد ضربَ الامامُ الحُسين (ع) أَروع صُور الثّبات حتّى النّهاية، وكذلك أَهلُ بيتهِ وأَصحابهِ الذين استُشهدوا معهُ في يَوْمِ عاشوراء، فهذا العبّاسُ بنُ عليٍّ (ع) حاملُ لواء الحُسين السّبط (ع) في كربلاء يصفُ الامامُ عليّ بن الحُسين السّجّاد زين العابدين (ع) صلابتهُ وثباتهُ بقولهِ {كانَ عمّيَ العبّاس (ع) نافِذَ البصيرةِ صُلبَ الاِيمانِ جاهدَ مَعَ أخيهِ الحُسين (ع) وأبلى بلاءً حَسَناً ومَضى شهيداً} وقولهُ (ع) {رَحِمَ الله عمّيَ العبّاس، فلقَد آثرَ وأَبلى وفَدى أخاهُ بنفسهِ حتّى قُطعت يداهُ فأبدَلهُ الله بِجناحَين يطيرُ بهِما مع الملائكةِ في الجنّةِ كما جَعَلَ لجعفرِ بنِ أبي طالبٍ وانَّ للعبّاسِ عِنْدَ الله تباركَ وتعالى منزلةً يغبطُهُ عليها جميعُ الشّهداء يَوْمَ القيامَةِ}.
   أَمّا الأَصحابُ فقد وصفهُم سيِّدُ الشّهداء (ع) لأختهِ العقيلة زينَب بنتَ عليٍّ (ع) عندما سألتهُ لتطمئنَّ منهُم قائلةً لهُ {أخي هل إستعلمتَ مِن أَصحابِكَ نِيّاتَهُم؟ فإنّي أَخشى أَن يُسلموكَ عِنْدَ الوثبةِ واصطِكاكِ الأسِنَّةِ!} بقولهِ (ع) {أما والله لقد لَهَزتَهُم وبَلَوْتَهُم وَلَيْسَ فيهم الّا الاشوَسِ الأَقعَسِ، يَستأنِسونَ بالمنيَّةِ دوني آستئْناس الطِّفلِ بِمَحالِبِ أُمِّهِ}.
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نزار حيدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/10/10



كتابة تعليق لموضوع : عْاشُورْاءُ السَّنَةُ الثّالِثَةُ ( 9 )
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net