صفحة الكاتب : عادل علي عبيد

قراءة حسينية (أولى )
عادل علي عبيد
 (1)
 
الشعر الشعبي الذي رافق الحادثة الطفية الشريفة  ، يحسب له حسابا في الفضل بأنه قرب المعنى وجعل الحادثة الأليمة مباشرة ، وكأن مشهدها حيا يمثل تمامك .. فتجد (الحسكة) قريبة إلى تفعيل المشهد ، بل هي تؤكد وتعزز وتثري  حرارته ، لاسيما وان معلومة راهنة نقولها بصراحة إن عشاق الشعر الشعبي في العراق يتعدون الـ 80% إن لم نقل أكثر .. لذا تجد أن أي قارئ متميز متمكن فحل لا يمكن له أن يجتاز دور وصف الحادثة وتعزيزها وتوليفها بالشعر الشعبي ، وخاصة في مجال ما يعرف بـ (النعي) . هذا يشجعني على القول إن القراءة العراقية للحادثة الطفية الشريفة أصبحت وبفضل هذا الشعر تقليدا منبريا عاما لما يعرف بـ (الردات ) ومنذ بداية الثلاثينيات من القرن الماضي وحتى الساعة .
 
 
قراءة حسينية (أولى )
 
(2)
 
ينزفني ويثيرني ويزعجني أن اسمع من بعض أرباب المقاتل والمنابر تضعيف صورة الإمام الحسين (عليه السلام) هذا البطل الهمام والفحل الذي لم يجد به زمان .  أيعقل سادتي أن يكون الحسين (خائفا يترقب) / أيعقل أن تخرج المخدر ات المصونات اللواتي ضربن مثلا في الستر والشرف والعفة ناثرات الشعور ..... إلى غيره من الألفاظ التي لا تبتغي إلا استقطاب الحس البليد / أيعقل أن يكون الحسين مخذولا يضرب أخماسا بأسداس وهو الذي خبر وعرف وتيقن من مصيره ، واخبر وتحدث به إلى أهل بيته ، وهو يعرف ويدرك ويعي لا محالة انه صريع (حتما) ويكفينا ما يردده أولئك من القول المأثور : ( شاء الله إلا أن يراني شهيدا ويراكن سبايا ) إلى غيره من أقوال ثقف ونوه ومهد لها الحسين الشهيد قبل أن يشرع بعروجه ومسيره الحق . . اعتقد أن هذا الأمر حسم بقول حبر الأمة عبد الله بن عباس : (أي شهيد يا ابن أخي أنت اليوم ) .
 
 
 
قراءة حسينية (أولى )
 
(3)
 
يقسم المنبر الحسيني إلى مدرستين :
 
الأولى : مدرسة (ملائية تقليدية) تعتمد الكلام الدارج وتنشد (النعي) سبيلا للوصول إلى أغراضها وأهدافها ، إذ يؤلف هذا النعي ما يزيد على 90% من وقت المجلس (المحاضرة) . وينشط هذا النوع من المنابر والقراءات في الأرياف ومناطق المزارع والقرى النائية ، ولا يتطلب من القارئ أن يكون طالب حوزة او ممن خاض دورات في القراءة والخطابة .
 
الثانية : مدرسة موضوعية علمية تعتمد اللغة العربية الفصحى سبيلا للوصول والإثراء ، ويؤلف الشرح والحديث والتفسير والتحقيق هنا ما يعادل 95% من وقت المجلس (المحاضرة) ، ويعمد القارئ إلى ختم المجلس بطريقة النعي – وكأنها سنة معمول بها تقترب من طريقة التأثر والتأثير - وتنشط هذه المجالس الحلقات المنابر في المدن والجوامع والحسينيات – ومن محاسن المرحلة أنها انتشرت (تقريبا) في عموم المشهد المنبري . ويتطلب من القارئ أن يكون شخصية معروفة ، او طالب حوزة خاض دورات ودروس وبرامج في مجالات الخطابة والقراءة الصحيحة والشرح والتفسير وكيفية إيصال الفكرة .
 
ملاحظة :
 
من غرائب ما سمعت أن الصديق الكاتب والإعلامي توفيق التميمي حدثني قائلا : هناك من يحيي ليلة العاشر بقراءة مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) على آلة العود ، وهناك رواد لهذا النوع من القراءات .
 
 
 
قراءة حسينية (أولى )
 
(4)
 
مع جل احترامنا إلى الأدوار الاستثنائية الكبيرة التي يلعبها المنبر الحسيني ، ولكننا بحاجة ماسة جدا إلى قراءة حسينية (جديدة) متأنية واثقة ، تعتمد عملية استنطاق التأريخ ، واستكشاف أغواره ، والبحث عن خفاياه غريبه وعجيبه ، ووضع اليد على ملفقاته وتجنياته ، شريطة أن نمتطي الدلالة والمعلومة المنطقية والقياسية والاستقصائية – التمحيصية ، وصولا إلى وضع أصابعنا المرتعشة على ذلك الجرح العميق الغائر ، الذي ما فتيء يجدد دمه ويحجب الحقائق ويدرأ المسلمات .
 
ولا عجب سادتي فمثلما حملت النهضة الحسينية بصفحاتها كل العناوين والتوصيفات والأجناس البشرية : العربي ، الأعجمي ، المسيحي ، الرومي ، الأبيض ، الأسود .... فهي تحمل كل غريب وشارد ووارد وقريب وبعيد وناء ... بل ان هذه النهضة وعلى الرغم من قلة زمانها ، وعدد روادها ، إلا أنها جسدت كل معاني الحياة والإنسانية من خلال عبر وعظات ودروس ضجت بها كتب التاريخ ، والغريب الغريب أن دروسا جديدة تضاف إلى سفرها الخالد .
 
 
 
 
 
قراءة حسينية (أولى )
 
(5)
 
ابن شقيقتي كان نشطا ومرتبكا وكثير الحركة ، وهو يحث عزيمته وخطاه مع جماعته لبناء السردق الحسيني الذي يجاور دارنا . تعجبت أيما عجب لهمته الاستثنائية ، وحركته الدؤبه ، وعزيمته الأصيلة ،  وانتمائه للعمل الحقيقي الذي لم أره فيه من ذي قبل – إذا ما عرفنا انه من النوع الـ (عجوزي) - .. كان وبفطرته المعهودة يزودني بتقرير آني لأنشطته وجماعته في التحضير لأيام العاشوراء .. فجهد في البناء والتشييد والنظافة والعمل الخاص ، وقام بفعاليات وتحضيرات وأنشطة لها علاقة باستقبال المعزين من المواكب الأخرى والتي دائما ما تكرر زيارتها في الأيام العشرة المعروفة . وكنت ازداد إعجابا بهذا الشاب ، وانحني أمام جهده وجديته العاليتين ، ولكني تذكرت أمرا شجعني لأن اقترب منه هامسا لأقول : ولكنك يا ابن شقيقتي العزيز لا تصلي ؟ وأردفت : ويا عزيزي وابن شقيقتي الكل يتفق أن الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر عمود الدين إذا قبلت قبلت قبل ما سواها ، وإذا ردت ... فرفع رأسه وحدق بي وساح بوجهي ، وتفحص معالمي ، وتبين ملامحي – وكأنه لم يرها الا للمرة الأولى - وغاص بعيني ، ولم يرد علي جوابا !!
 
ملاحظك : ابن شقيقتي الأخرى ، اتصلت به يوما قائلا : أين أنت يا عزيزي ، لم اسمع صوتك من زمان ؟ أجاب : خالي العزيز ، أنا الآن (مشاي) وأنا في الطريق ولليوم العاشر . قلت له : ولكن أنت لا تصلي ؟ أجاب : خالي : (أشوفك بخير ) .
 
 
 
 
 
 
 
قراءة حسينية (أولى )
 
(6)
 
 
 
إخوتي : تؤلف الحادثة الطفية الحسينية الشريفة لنا جميعا منعطفا كبيرا ومتجددا في الذات الجمعية العراقية ، وأنا – العبد الفقير البائس - (خجل) هنا لأن انوه إلى أمر مهم وخطير ، وهو أن هذه المناسبة الكريمة كبيرة المعاني ، وغزيرة العبر ، وكريمة المواعظ .. يجب استثمارها استثمارا موضوعيا وعلميا واجتماعيا منتجا .. والله والله والله يستطيع المنبر والمدرسة والمحاضرة والدرس والوسيلة الإعلامية الوطنية أن يجعل من هذه المناسبة الكبيرة مفطنا ومحفزا ودافعا للعمل الحقيقي المجدي ، والإنتاج الذي يغنينا عن منة الآخرين . وان عاشوراء الشهادة والإباء والبطولة والصمود والتضحية هو موسم الوحدة العراقية ، وموسم الإخاء و ،وسم العمل والإنتاج ، وموسم النهوض ، وموسم الحب العراقي بنكهته الجديدة ، بعيدا عن كل متعلقات الكره والبغض والانقسام والرصد الغائي ! نستطيع بل بالإمكان لأن نبني عراقا نموذجيا كالحسين ، ونؤسس دولة حصينة محمية على صغرها كمخيمه الصامد ، ونؤثث دارنا المهدمة ، ونؤشر بجرأة استثنائية بوضوح شمسنا اللاهبة على المشبوهين والسراق والقتلة والفاسدين والمتلاعبين بمقدراتنا وعراقنا العزيز .. يستطيع المنبر والمدرسة والمحاضرة والدرس أن يترجم الدرس الحسيني من خلال إشهار شعار (حي على العمل) حي على الإنتاج والبناء ، نعم البناء في كافة معانيه ومفاصله ودروسه وأبعاده .. نستطيع من خلال الدرس الحسيني أن نبني العراق ( ننظفه ونزرعه ونحميه ) وباستطاعتنا ايضا أن ننسى العبارة المكرورة والتي تجعلنا نطأطيء الرؤوس ونشعر بعظم الإثم والتقصير عندما نسمع أن إيران جميلة ونظيفة ، وشعبها نظيف وحضاري ، وكذلك تركيا وارمينيا وغيرها . نستطيع نستطيع نستطيع .

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عادل علي عبيد
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/10/10



كتابة تعليق لموضوع : قراءة حسينية (أولى )
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net