صفحة الكاتب : الشيخ ليث الكربلائي

خلافة الامام علي : نموذج الدولة الدينية
الشيخ ليث الكربلائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

تشويه المفاهيم بضاعة رائجة ساعد عليها عدة عوامل ولعل من اهم المفاهيم التي كُرِّست جهود كبيرة ووُظِفتْ عوامل كثيرة لاجل تشويهها مفهوم الدولة الدينية او ( الحكومة الاسلامية ) واهم ما ساعد على ذلك فشل اغلب الاحزاب النفعية التي الصقت نفسها بالدين ووصلت الى دفة السطة في المنطقة العربية وان كانت هي نفسها لم تتبن مشروع الدولة الدينية ! فمع انهم لم يتبنوها ، عادت اخفاقاتهم سلبا عليها ! وليست هذه هي المغالطة الوحيدة في هذا الموضوع بل ثمة مغالطة اشد تمويها للحقائق اذ كثيرا ما نسمع ونرى بعضهم يقارن بين العلمانية كنظرية وبين الاسلام كتطبيق ؛ بين العلمانية كمتون وبين الاسلام كواقع قائم بسلوك الدول الاسلامية شعبا لا حكومة ! مع علم المقارن ان الالتزام بجميع حيثيات النظرية على ارض الواقع ليس بالامر السهل لاسيما في النظريات الاجتماعية والسياسية اذ الواقع محكوم بظرفه الخاص ، مغالطة منهجية مارسها كتاب على مستوى عال من الثقافة كمحمد اركون وغيره .

الاشكالية عندهم في نموذج الدولة الدينية اقوى منها في  النظرية لذا سأحاول في هذه الاسطر تسليط الضوء على نموذج جلي من نماذج الدولة الدينية في التاريخ الاسلامي اعني خلافة الامام علي ع لان النموذج ابلغ من النظرية فاذا كانت النظرية تجيب على سؤال : لماذا يعمل ذلك الشيء بتلك الطريقة ؟ فان النموذج يصف كيفية عمل الشيء مباشرة متخطيا ذاك السؤال والفارق ان النظرية اعم من الامكان والفعل بل غالبا ما تكون اقرب الى المثالية بينما يدور النموذج في عالم الفعل والواقع .
تسلم الامام علي ع الخلافة بعد اطاحة الثوار بحكم عثمان فوجد الاوضاع متردية بشكل عام الى ابعد حد وعلى اثر ذلك وضع خطة اصلاحية شاملة لشؤون الادارة والاقتصاد والسياسة وغيرها يمكننا ان نلاحظ منها عدة محاور بما يتناسب مع وضع المقال :
الاول : تطهير جهاز الحكم :
اذ منح الامام عليه هذا المحور اهمية بالغة لانه لا قوام للدولة بجهاز فاسد لذا فور توليه الخلافة عزل ولاة عثمان الذين جيروا السلطة لمنافعهم حتى طغى عليهم وعلى من يعود لهم – لاسيما العوائل الاموية – ثراء فاحش جراء اختلاساتهم من بيت المال .
ومن ابرز من تم عزله معاوية ، رغم ما أُشير على الامام ع من ضرورة التريث في ذلك خشية من تمردهم لكنه ابى معلنا ان لا مداهنة على حساب المبادىء واقوات الناس .
الثاني : تأميم الاموال المختلسة :
اصدر الامام ع قراره الحاسم بتأميم الاموال التي نهبها الحكم المباد فوضعت السلطة يدها على قطائع عثمان لذوي قرباه من الامويين التي استأثروا بها من بيت مال المسلمين وهذا اشد ما افزع الامويين واقض مضاجعهم .
الثالث : مراقبة الولاة ومحاسبتهم :
كان ع يتحرى امر ولاته ويرسل خلفهم من يتفقد صنيعهم حتى ان حضور احدهم لوليمة قوم لا يجلس عليها الفقراء ما كان ليخفى على الامام عليه السلام فما اسرع ان صار يقرع الوالي على صنيعه ! كان ع يقول في شأن الولاة : " من استعمل خائنا فان محمدا ص بريء منه في الدنيا والاخرة " حتى انه سلام الله عليه اذا شعر برغبة احدهم بالامارة حبا للدنيا حال بينه وبينها كما حصل لطلحة والزبير بعد ان طلباها .
الرابع : ثبات المبادىء في مواجهة المؤامرة :
تعد نظرية المؤامرة التبرير الاكثر استخداما في عالم السياسة ومع ان كثير من رؤوس قومه كانوا يبيتون له الدسائس التي انتج بعضها الجمل وصفين والنهروان مما يوفر لاي سلطان عذرا في مؤاخذة الناس بالظنة ومصادرة الاموال الا ان عليا سلام الله عليه ما كان ليتعامل بهذه الطريقة حتى مع خصومه فضلا عن شعبه فها هو يعفو عن اصحاب الجمل ويتغاضى عن ابن العاص في صفين ويقف واعظا عطوفا امام الخوارج ، هذا ما صنعه بخصومه فما بالك بصنيعه مع شعبه !
الخامس : العدالة الاجتماعية :
ومن مصاديقها انه ع ساوى بين الناس بالعطاء فلا فضل للمهاجرين على الانصار ولا لقرابة على غيرهم ولا لعربي على اعجمي خلافا لما كان سائدا في خلافة الثلاثة ، وقد خف اليه بعض اصحابه يطلب منه العدول عن عدالته هذه ! خشية تكالب القوم عليه فما كان منه ع الا ان قال : " لو كان المال لي لسويت بينهم فكيف وانما المال مال الله .." ! فما كان ليجامل احدا من بيت مال المسلمين ولو كان من ذوي قرابته او عائلته .
السادس : انعاش الاقتصاد :
بذل الامام عليه السلام جهدا في انشاء المشاريع الزراعية والعمل على زيادة الانتاج الزراعي الذي كان الركيزة الاساس التي يستند اليها الاقتصاد لذا كان ع يؤكد على ولاته بذلك كما في عهده لمالك الاشتر : " وليكن نظرك في عمارة الارض ابلغ من نظرك في استجلاب الخراج ... ومن طلب الخراج بغير عمارة اخرب البلاد واهلك العباد " ولا شك ان انعاش الاقتصاد يعد السبيل الانجع الى القضاء على شبح الفقر والحرمان .
السابع : مواساة الناس :
بل كان ادنى الناس نفقة على نفسه دون ان يؤثر ذلك على هيبته كخليفة ! خليفة اكتفى من دنياه بطمرين  و قرصين خشية ان يكون في اطراف مملكته من لا يملك القوت والثياب !
الثامن : الصرامة في تطبيق القانون :
فالجميع عنده سواسية من حيث الحقوق والواجبات لا فرق بين مواطن وامير امام القانون يقول ع لاحد ولاته : " اخفض للرعية جناحك وابسط لهم وجهك ... وآسِ بينهم في اللحظة والنظرة والاشارة والتحية حتى لا يطمع العظماء في حيفك ولا ييأس الضعفاء من عدلك "
التاسع : حرية الرأي والعقيدة :
خلافا لسياسات القمع والاضطهاد التي مورست بحق الناس قبل خلافة الامام ع فالحرية عنده من الحقوق الذاتية لكل انسان شريطة ان لا تُستغل في مصادرة حقوق الاخرين حتى انه ع منح الخوارج حرية تامة في ابداء رأيهم السياسي المعارض له والجهر بمعتقدهم الديني الذي حكموا بموجبه على الامام بالكفر ! ولم يحرمهم من عطائهم رغم انهم اقوى حزب معارض في عاصمة دولته ولم يواجههم بقوة السيف الا بعد ان اخلوا بامن الدولة وهتكوا حرمات الناس .
العاشر : الدعوة الى الوحدة :
رغم استعار نار الفتن وتكالب الاعداء من داخل الامة عليه بذل الامام ع جهدا في العمل على وحدة الامة وتحبيب الوحدة الى الناس اذ كان يعدها من نعم الله تعالى ومننه قال ع : " ان الله سبحانه قد امتن على جماعة هذه الامة فيما عقد بينهم من حبل هذه الالفة التي ينتقلون في ظلها ويأوون الى كنفها بنعمة لا يعرف احد من المخلوقين لها قيمة لأنها ارجح من كل ثمن وأجل من كل خطر " وليست بمستغربة منه ع فهو من ترك حقه وسالم الثلاثة صيانة للامة من الفرقة والشقاق .
الحادي عشر : تربية الامة :
حركة الاصلاح لن تستقيم بصلاح شخص الحاكم ما لم تكن من خلفه امة واعية ؛ هذا ما يدركه الامام ع اكثر من غيره لذا اولى عناية فائقة في تثقيف الناس جاعلا من جامع الكوفة معهدا علميا يثريه بمحاضراته وخطبه التي جسد نهج البلاغة رشفة من بحرها وقد قيل فيه انه كلام فوق كلام المخلوق دون كلام الخالق .
الثاني عشر : المصداقية مع شعبه :
كان ع صريحا معهم لا يواريهم ولا يخادعهم ولو انه سلك مسلك السلاطين من الخداع والمكر – حاشاه ان يفعل ذلك – لاستقام له الحكم ولكن انى ذلك وهو القائل : " والله ما معاوية بادهى مني ولكنه يغدر ويفجر ولولا كراهية الغدر لكنت من ادهى الناس "
هذا غيض من فيض بحر غديرالامام علي ع هذه هي الدولة التي ارادها الله واعلن عنها النبي ص يوم الغدير .. اثمرت كل هذا العطاء رغم ان الامة كانت منقسمة على نفسها .. وكل واحدة من المحاور المذكورة تقتضي بحثا مطولا وقد اقفلت الكلام عن حقوق الانسان عند الامام ع وغيرها الكثير من المفردات التي سأترك البحث عنها للقارىء على اني اعلم بان الكلام قد طال ولكن ما الحيلة والكلام عن علي عليه السلام
ليث الكربلائي
laithkarbalai@gmail.com 
 
 
 
 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ ليث الكربلائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/09/20



كتابة تعليق لموضوع : خلافة الامام علي : نموذج الدولة الدينية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net