صفحة الكاتب : مهند الساعدي

طاحونة السلطة
مهند الساعدي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
•• يتهافت اهل السلطة عليها ، ويطلبونها بالحق والباطل ، وما ان  تنحاز اليهم ، حتى تستحيل الى مقبرة موحشة ، يُدفن فيها الضمير ، والاخلاق ، والدين إلا ما رحم ربي .
 
 يتهافتون عليها تهافت الفراشات التي يتحدث عنها الشعراء ، حين تقتفي اثر الضوء ، وما ان تصل اليه حتى تحترق بناره .
 
رغم صعوبة الاهتداء الى رأي ديني او تأريخي نهائي عن عدد الأنبياء ، الا ان الروايات الأكثر شهرة بين المحدثين ، تقول انهم مائة واربعة وعشرون نبياً ، منهم ثلاثمائة وبضع عشرة رسولاً ، لم يذكر منهم في القرآن غير خمسة وعشرين ، ذُكر ثمانيةَ عشرة  في سورة الانعام ، والبقية متفرقون على سُوَر القران الكريم الاخرى .
 
ومن بين كل هذا ألكم الهائل من الأنبياء ، الذين يتمتعون بالقوة ، والعزم ، والحكمة ، والتدبير ، والنزاهة ، والاخلاق ، لم يمارس السلطة منهم الا اثنان ملكوا ملكاً ، وآخر طلب ان يكون وزيراً في دولة الملك الفرعون .
 
ومقابل ثلاثة عشر سنة من الاضطهاد في مكة ، لم يحكم نبينا نبي الإسلام (ص) غير عشر سنوات في المدينة كانت هي الطريقة الوحيدة التي يحمي بها رسالته ، ومشروعه ، واصحابه ، من مذئبة القبائل العربية الجاهلية ، والامبراطوريات العالمية الغاشمة .
 
لان فلسفة الحكم في الاسلام انه يطلب لغيره ولا يطلب لنفسه. 
 
وغير هؤلاء الكاملين ، جاهد اهل النقص ، والمشوهين ، والقتلة ، والسفاكين ، والدهاة ، والشياطين ، من أجل الوصول الى السلطة والاستحواذ عليها ، والامتلاء منها ، مالاً ، وسلطاناً ، وجاهاً .
 
تفعل السلطة بصاحبها ، ما لا يفعله أي تحول آخر في حياة الانسان ، وتضطره الى التخلي عن أغلفته الكثيرة ، مهما بلغ سمكها قبل ذلك ، فيظهر امام الناس والتاريخ عارياً إلا من من قميص السلطة .
 
يركض اليها الكثير الكثير من طلابها ، فلا يصل اليها منهم الا القليل ، بعد ان تكون قد طحنتهم الحروب ، والخيانات ، والمؤامرات . ثم لا ينجو ممن وصل اليها الا القليل .
يفتقد طلاب السلطة لذاتها محبة الناس ، وراحة البال ، ونوم الليل الهانئ . فهم لا ينامون كما ينام الناس .
 
كان احد أظرف الرؤساء في السودان يسهر طوال الليل ، حتى اذا حانت الساعة السابعة صباحاً ، وذهب الموظفون والعمال ورجال الدولة الى أعمالهم ، واطمأن على الجيش ، ذهب هو لينام ! فقيل له في ذلك ؟ فقال : ان كل الانقلابات التي حدثت على الرؤساء قبلي حدثت في الليل ، لذلك اقضي الليل اتابع اجهزة الدولة بحذر حتى اذا طلع الصباح ذهبت الى النوم !!
 
كان أفلاطون يرى ان اغلب الناس يصيرون اشراراً عند السلطة ، لكن من جاء بعده بقرون لاحظ ان رأيه في كتاب الجمهورية بحاجة الى تعديل ، بعد مناقشة هل ان السلطة هي من تجعله شريراً ، ام ان الشر كان يمثل حقيقته الجوانية الغاطسة التي أخرجتها مقدرات السلطة الى السطح ؟ 
 
قدم مونتسكيو اشهر الاراء حول هذه الاشكالية حين قال : اذا أردت ان تعرف اخلاق رجل فضع السلطة في يده ثم انظر كيف يتصرف .
 
وقد ورد في الرواية عن رسول الله ( ص ) : ما ذئبان ضاريان أُرسلا في زريبة غنم ، بأكثر فساداً فيها من حبّ المال والجاه في دين الرجل المسلم .
 
وفي رواية عن الامام زين العابدين ( ع ) :
أنّ من الناس من خسر الدنيا والآخرة !!
يترك الدنيا للدنيا !
ويرى ان لذة الرئاسة الباطلة افضل من لذة الأموال والنعم المباحة المحللة !!
فيترك ذلك اجمع طلباً للرئاسة .
 
احد عشر معصوماً من أئمة اهل البيت عليهم السلام ، بهم بدأ الله وبهم يختم ، لو جمعت أعمارهم كلها تجد(  ٩١١ ) سنة شريفة ، ليس منها في الحكم سوى اربع سنوات وتسعة اشهر حكم فيها الامام علي  ( ع ) في الكوفة ، كان شعاره فيها : ( إلا ان أقيم حقاً او ادفع باطلاً )
 
قال تعالى  ( تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ )
 
كم أتمنى ان ارى في منامي ، رضوان خازن الجنة ، ومالك خازن النار ، لا لشئ سوى ان أسألهما : كم من اهل السلطة في الجنة ؟ وكم منهم في جهنم على اختلاف المراتب والدرجات .
 
اتفق المفسرون ان اللعن هو الطرد من رحمة الله ، فهل يرحم الناس ؟ حاكم مطرود من رحمة الله ؟
 
يقول الامام الصادق ( ع) :
ملعون من ترأس ، ملعون من هم بها ، ملعون من حدث نفسه بها .
 
ويورد المحدثون أمثال هذه الروايات تحت عنوان  حرمة ترأس من لا يجد في نفسه العدالة .
 
والحقيقة ان إمام الحياة مثل امام الصلاة ، فلا خير فيه مالم يكن عادلاً ، عفيفاً ، طاهر القلب ، والبدن والثياب ، يستحق ان يُكبر قبلنا ونُكبر بعده . 
 
قصة النعل البالي ، وقيمته ، وما قاله الامام علي(  ع ) لابن عباس حين دخل عليه ، تذكرني بدخول آخر !
 
دخل بيلاطس أَيْضا الى دار الولاية ، وَدَعَا يَسُوعَ ، وقال له : أأنت ملك اليهود ؟
 
‎أَجَاب يسوع  : "مَمْلَكَتِي ليست من هذا العالم ! لو كانت مملكتي من هذا العالم  لكان خدامي يجاهدون لكيلا أُسلّم الى اليهود 
 
‎لم يقضِ المسيح حياته ليجمع له خداماً ، لكنه كان خادماً 
‎.للناس
 
شتان بين مشروع سلطة تخدم الناس ، ومشروع سلطة اخرى تستخدم الناس !  إنها تماماً ثنائية الخادم والمخدوم التي اسسها السيد المسيح في جوابه لهذا المحقق اليهودي الوقح .
 
يقود السلاطين الناس وفق ثلاثية لا تنفك عن السلطة الغاشمة والفاسدة :- 
 
الاستخفاف بالناس 
تخويف الناس 
الابتعاد عن الناس 
 
قال تعالى يصف فرعون ( فاستخف قومه فأطاعوه انهم كانوا قوماً فاسقين ) .
 
ونصح ميكافيلي اميره ان خوف الناس منك اصلح لك من حبهم لك . 
 
وكان شارل ديغول يقول : لا هيبة للحاكم الا في الابتعاد . 
 
يقضي بعض الحكام عمره الطويل وهو يعمل في السياسة ، ويكتب ، ويؤلف ، ويخطب ، ويتكلم عن تمثيل مصالح ملايين الناس . لكنه حين يصل الى السلطة يجد ان هؤلاء الملايين لم يبق منهم الا واحد : هو الحاكم ذاته لا غير .
 
لذلك رفع غاندي بوجه هؤلاء شعار : 
 
( كثيرون حول السلطة قليلون حول الوطن )

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مهند الساعدي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/09/07



كتابة تعليق لموضوع : طاحونة السلطة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net