صفحة الكاتب : مصطفى الكاظمي

(السيستانية) صمام أمان .........
مصطفى الكاظمي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 في المنعطفات التاريخية أو التحولات الكبرى، تتطلع الشعوب بصورة عفوية إلى القيادات التي تفقه منطق التاريخ وكيفية التعامل مع أحكامه. هذه القيادات وحدها قادرة على انتشال الأوطان من الضياع، والأخذ بيدها إلى مرافئ السلام. والقيادة ليست فعل مصادفة، إنها فعل ريادة واستشراف للمستقبل، والقادة الحقيقيون رجال بسطاء هادئون قادرون على التواصل التلقائي والواضح مع الآخرين بقوة وأمانة لقناعاتهم العميقة، بقدر ما هم قادرون على التأمل والتأصيل والإبداع والتخطيط والتنظيم والتوجيه والتقويم. باختصار، القادة الحقيقيون مصدر أمان وطمأنينة للناس، لأنهم مؤهلون لاتخاذ القرارات الصائبة في الزمن الصعب. هذه القناعة تراودني في كل مرة تتاح لي فرصة زيارة النجف، والتحاور مع رموز مرجعية السيد السيستاني. وأنا أخرج من هذه الجلسات بانطباع يترسخ؛ خلاصته أن العراق بخير، وكذلك العراقيون، على الرغم من أنه يتلمس طريقه وسط كم هائل من العقبات والعثرات والتداعيات والمنزلقات الخطيرة. قناعتي كانت، ولا تزال، أن «السيستانية» صمام أمان في المراحل الحاسمة التي يمر بها العراق، وليس هناك من يستطيع أن ينكر أن العبور من الدكتاتورية الشمولية الغارقة في التعسف والظلم والصلف والحماقات، إلى الديمقراطية التي يأخذ فيها الشعب مصيره بيده، ويرسم بنفسه معالم حياته ومستقبله، عبور صعب يحتاج إلى رجال أقوياء بقدر ما يحتاج إلى الحكمة والتأني، وإلى تلاحم بين أبناء الوطن الواحد، الذي مزقته حروب الأمس واليوم، وأدخلته في ما يشبه النفق المظلم. هذا العراق يحتاج إلى وقفة شجاعة حكيمة تنتشله من الفوضى والمعارك العبثية، وتقوده إلى الحياة الحرة الكريمة بعيدا عن الصراعات القومية والمذهبية والعرقية والطائفية البغيضة، التي تتوالد معها الكوارث اليومية على كل المستويات. ولسماحة السيد السيستاني والرجالات المخلصين الذين يحيطون به مواقف تاريخية مشهودة تجسد حكمة متعالية على كل الصغائر، في كل المحطات المصيرية التي مرّ بها العراق، وهي اليوم كفيلة بتعديل كل المسارات الخاطئة وإخراج الوطن من محنته. وأتوقف عند عوامل ثلاثة تشكل حالة ثابتة في رؤيته القيادية وأسس مرجعيته الدينية والوطنية: لقد أدرك سماحته أولا، وبوضوح كامل، أن الفتنة الطائفية الهوجاء التي تمزق جسد الأمة وتقوض أمنها واستقرارها وتشغلها عن مواجهة مشكلاتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الحقيقية، أول المشكلات التي يعاني منها العراق، فعمل على وأدها داعيا إلى التعايش بين أبناء المذاهب الإسلامية، استنادا إلى قناعات دينية راسخة. والحث على التعايش ليس مجرد فكرة عابرة تفرضها الظروف السياسية الراهنة؛ فالرجل خريج مدرسة حملت همّ الوحدة والتقريب بين المسلمين منذ عقود من الزمن، وله آراؤه المعروفة في الانفتاح والتقريب والإحجام عن الانتقام، على الرغم من كل السهام التي توجه إليه من بعض المنابر الإعلامية. أدرك سماحته، ثانيا، أن شيعة العراق وشيعة العالم خلاصهم على المدى البعيد يمر بالتصالح مع العالم، بدءا بدول الجوار والدول الكبرى. «السيستانية» في النهاية وصل مع الآخرين؛ مسلمين ومسيحيين، في مواجهة كل أنواع العزل والانطواء، بشفافية وصدق، وسماحة السيد السيستاني يدرك وبعمق أن على شيعة العراق أن يتصالحوا مع أنفسهم ومع الآخرين، ويرى أن هذه المصالحة ليست ملكا لشيعة العراق وحدهم، وإنما هي حق وواجب على شيعة العالم كله، ويدعو شيعة العالم إلى الانصهار في أوطانهم التي يعيشون فيها وليس البحث عن قوى خارج أوطانهم. إنه يؤمن بأن الانفتاح قوة، والتواصل قوة، والتسامح اقتدار، وأن التنمية الحقيقية للإنسان والمواطن أهم من تجميع الأسلحة الفتاكة. وأدرك سماحته، ثالثا، أن المرحلة القاسية التي يمر بها العراق، في عبوره إلى الأمان الديمقراطي على كل المستويات، تستلزم، أول ما تستلزم، العقلانية والهدوء والتبصر وترك الخيار للشعب. إنه يؤمن بأن السلام يأتي من الداخل لا من الجيوش الأجنبية والاتفاقات الأمنية، وأن التعاطي مع السلفيين والمتشددين سلاحه المنطق والعقل والصبر. وهكذا، فقد عمل بعزم لا يلين على حقن الدم العراقي، وأدان الفساد بكل أشكاله، وأدان أداء النخب السياسية العراقية التي فشلت في بناء العراق الجديد، وحرّم رفع السلاح في وجه الدولة، ووقف على مسافة واحدة من كل القوى السياسية والدينية، ودعا إلى تغليب المصلحة الوطنية على كل المصالح الضيقة، حزبية أو شخصية، ومواصلة مرحلة النهوض على الرغم من مواطن الضعف التي تعتريها والتحديات التي تتجمع في وجهها. و«السيستانية» ستظل، بفضل سماحة المرجع الأعلى ومعاونيه، حريصة على تلمس ملامح المستقبل، مستندة إلى إرث تاريخي يقوم على فصل الدين عن السياسة؛ هذا الفصل كان أبرز رواده سماحة المرجع الراحل الكبير آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي. والنهج السيستاني قادر على مواكبة العصر واستشراف الغد الآتي مهما تعاظمت الصعوبات.

 

مصطفى الكاظمي  سياسي عراقي ورئيس تحرير مجلة «الأسبوعية» 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مصطفى الكاظمي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2010/10/11



كتابة تعليق لموضوع : (السيستانية) صمام أمان .........
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net