صفحة الكاتب : مصطفى الهادي

التجاهل . عدو العبقريات .
مصطفى الهادي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
لعلي لا ابالغ إذا قلت ان كرامة العلماء هي سبب موتهم . ولعلي لا ابالغ إذا قلت ان اغلب الادباء يموت غريبا في مجتمعه، ولكنه يُعرف بعد موته .
 
واجمل ما قرأت ان طالبا سأل استاذه قال له : استاذي العزيز انك قمت بتاليف كتاب خطير جدا وفيه قضايا وخبايا وخفايا لربما سوف تُذهل الناس وتعيد صياغة تفكيرهم . فلماذا لا تقوم بنشره ؟
 
فقال العالم : إن لكتابي هذا عدوا ، فإذا مات ، سوف يشتهر.
 
فتعجب التلميذ وقال لاستاذه : ومن هو العدو يا استاذ؟
 
فقال له العالم : أنا عدوه . ما دمت حيا لن يشتهر كتابي ولن يلتفت إليه احد ، ولكني إذا مت سوف يكون مثل نار على علم. 
هذا هو الواقع المزري الذي يعيشه عصر الادباء والمبدعون منذ الأزل ، لا بل جميع العظماء.فما قام عظيم إلا من بين ركام الفقر والفاقة. وكان نصيبه التجاهل والتهميش.
 
(كافكا) الكاتب الاسترالي الذي مات معدما وكان يتوسل بالمطابع ان تطبع له كتبه ولكنهم لم يلتفتوا إليه وفي آخر ساعات عمره وهو على فراش الاحتضار طلب من صديقه الوفي (ماكس برود) أن يقوم بعد موته بحرق جميع اعماله.
 
ومات كافكا ولكن صديقه لم يحرق اعماله وإنما طبع كتاب واحد منها فاشتهر (كافكا) بعد موته وطُبعت كتبه كلها ونالت أعماله شهرة واسعة وتمت ترجمتها إلى لغات عدة ، وتُدرّس كتبه حاليا في كثير من الجامعات.واصبحت اعماله مصدر الهام للشعراء والموسيقيين .
 
ومن كافكا إلى (مندل) العالم النمساوي مكتشف ومؤسس علم الوراثة والذي لازالت قوانين مندل الوراثية معمولا بها حتى اليوم. (مندل) مات فقيرا لم يُكافأ على اعماله ولم يلتفت احد لابحاثه ومات مندل وبعد سنوات وفي بداية القرن العشرين قامت مؤسسة العلوم الحديثة بتبني قوانين وراثة مندل .
 
ويعيش الفنان : (فان خوخ) أو فان كوخ فقيرا معدما ومات ولم ير الشهرة التي اشتهر بها.عاش حياته حزينا فقد كان يُعاني من الصرع والاكتئاب حتى انه لم يجد ثمن الدواء لحالته المتفاقمة فاضطر للانتحار منهيا حياة فنية حافلة بالفن ودُفن في قبرٍ بالي في اطراف المدينة في قبرٍ بارد قريب من المياه التي طالما الهمت كوخ فنّه.
 
رسم فان كوخ (900) لوحة واكثر من (1200) رسم جانبي على الورق ولكن بعد وفاته التفت العالم إلى هذا الفنان المعدم المريض فباع فقط لوحة واحدة من أعماله بمبلغ (134) مليون دولار . ما اظلمك إيها الانسان.
 
ومثله (غاليليو غاليلي) مؤسس علم الفلك الحديث ومكتشف التلسكوب واول من رأى زحل والمشتري واول من اكتشف البقع الشمسية ولكنه في حياته انتقده البعض من علماء عصرة بشدة ادت الى اكتئابه واعتبرت الكنيسة نظرياته ضد الدين واتهموه بالزندقة وتم الحكم عليه بالاقامة الجبرية في منزله حتى وفاته كمدا وحيدا في بيته تحف به اوراقه وحوله تلسكوبه النحاسي. ولكن بعد وفاته بسنين اطلقوا عليه ابو الفيزياء الحديثة وحصل على اعلى تكريم .
 
وهكذا نُعرّج إلى (إيميلي ديكنسون) الشاعرة الانكليزية التي حازت المجد بعد وفاتها ،
 
ونمر على افذاذ وعباقرة امثال (إيمي وينهاوس) و(هيث ليدغر) الذي انتحر بعمر (27) صاحب اشهر شخصية سينمائية (الجوكر) 
والعبقري (هنري دارغر) الذي دون روائعه الادبية في خمسة عشر الف صفحة عاش دارغر في غرفة من دون فراش في الطابق الثاني بالجزء الشمالي من شيكاغو، ومات مجهولا ولكن بعد وفاته اعتبرت اعماله من الفنون الغير تقليدية في العالم.
 
ويتتالى مسلسل التهميش والتجاهل ليطال شخصيات امثال : (قرة العين) العالمة التي فاقت كل علماء عصرها الفقيهة اللبنانية التي ربطها زوجها مع الثورة لحراثة الارض لإذلالها لأنه لا يجوز للمرأة ان تفتي في الدين،
 
ونمر كذلك على (ابي هلال العسكري) العالم الفذ الذي جلس في آخر حياته في السوق يبيع العلف للحيوانات لكي يحصل على ثمن الورق والحبر وما يسد به رمقه. حتى فاضت روحه الزكية وتحت وسادته ورقة مكتوب فيها : 
جلوسي في السوق أبيع وأشتري ــــ دليلٌ على أن الأنام قرودُ
ولا خير في قوم تذل كرامهم ــــــــ ويعظم فيهم نذلهم ويسود
ويهجوهم عني رثاثة كسوتي ـــــ هجاءا قبيحا ما عليه مزيد
 
ونختم قصتنا مع التجاهل والمتجاهلين برهين المحبسين المعري الذي كتب متألما
 
ألا في سبيل المجد ما أنا فاعلُ ـــ عفافٌ وإقدام وحزم ونائلُ
 
تعد ذنوبي عند قوم كثيرة ـــ ولا ذنب لي إلا العلى والفضائلُ
 
وقد سار ذكري في البلاد فمن لهم ـــ بإخفاء شمس ضوؤها متكاملُ؟
 
وإني وإن كنت الأخير زمانه ـــــــ لآت بما لم تستطعه الأوائلُ
 
وإن كان في لبس الفتى شرف له ــ فما السيف إلا غمده والحمائلُ
 
فلو بان عضدي ما تأسف منكبي ولو مات زندي ما بكته الأناملُ
 
إذا وصف الطائي بالبخل مادر ــــــ وعير قُساً بالفهاهة باقلُ
 
وقال السهى للشمس: أنت خفية ـــ وقال الدجى: يا صبح لونك حائلُ
 
وطاولت الأرض السماء سفاهة ــ وفاخرت الشهب الحصى والجنادلُ
 
فيا موت زر! إن الحياةَ ذميمةٌ ـــــ ويا نفس جدي! إن دهرك هازلُ
 
فإذا ضاعت جهود هؤلاء المضحين بين البشر املنا بالله كبير انها لاتضيع عنده ، وهو الذي يتولى الصالحين. 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مصطفى الهادي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/08/31



كتابة تعليق لموضوع : التجاهل . عدو العبقريات .
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net