صفحة الكاتب : عادل الجبوري

المشهد العراقي.. معارك كسر العظم ومابعدها!
عادل الجبوري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

يقع في خطأ كبير من يقرأ وقائع جلسة مجلس النواب العراقي يوم الخميس الماضي، الثامن والعشرين من شهر تموز-يوليو الجاري التي شهدت التصويت على عدم سحب الثقة من المفوضية العليا المستقلة للانتخابات من زاوية واحدة ، وفي اطارها المحدد وبمعزل عن مجمل الحراك السياسي في المشهد العراقي العام.
   وقائع الجلسة المذكورة وبما حفلت به من تجاذبات وتشنجات واحتقانات وما تبعها ايضا، بدت وكأنها معركة كسر عظم بين رئيس الوزراء وزعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي من جهة وخصومه ومنافسيه الاخرين من جهة اخرى، وعلى ضوء معطياتها ونتائجها الاولى ربما لم يحسبها المالكي وانصاره بصورة صحيحة، وهذا امر غريب فعلا لان القضية تحكمها ارقام بالدرجة الاساس.  
  في الواقع كانت جلسة الخميس صورة مصغرة للصورة الاجمالية الكلية لحقيقة الواقع السياسي العراقي بسمته الرئيسية ، الا وهي \"فقدان الثقة\".
   ومثلما نلمس بين طيات تصريحات بعض من اعضاء ائتلاف دولة القانون بأن عدم التصويت لحجب الثقة عن مفوضية الانتخابات كان ضربة قوية تكاد تصل الى مستوى الهزيمة، فأن القائمة العراقية بزعامة اياد علاوي رأت في الابقاء على مفوضية الانتخابات نصرا لها، بصرف النظر عن صحة تلك الخطوة او عدم صحتها.
   ولعل ما قالته النائبة عن دولة القانون التي تبنت مشروع استجواب  اعضاء المفوضية حنان الفتلاوي وما قاله المتحدث بأسم القائمة العراقية حيدر الملا يشير بوضوح الى مشاعر واحاسيس الهزيمة والانتصار لدى كل من الطرفين.
  فالفتلاوي اعتبرت في المؤتمر الصحفي الذي عقده اعضاء من دولة القانون بعد انتهاء جلسة التصويت، ان القائمة العراقية والتيار الصدري والمجلس الاعلى وحزب الفضيلة انما بعدم تصويتهم على سحب الثقة من المفوضية صفقوا للمفسدين، وقالت بالنص \"تصويت مجلس النواب على عدم سحب الثقة من مفوضية الانتخابات والتصفيق الحار من قبل القائمة العراقية وزعيمها أياد علاوي الذي لم يحضر لأي جلسة للبرلمان بالإضافة الى كتل أخرى هو بمثابة انتصار كبير للفساد الإداري والمالي في العراق\"، ونبرة الانفعال الحاد التي تحدثت بها وتحدث بها نواب اخرون من القائمة من بينهم الشيخ خالد العطية عكست مقدارا كبيرا من الاحباط وخيبة الامل والشعور بالانكسار.
  اما الملا فقد صرح قائلا \" إرادة العراقية وزعيمها أياد علاوي انتصرت على إرادة المالكي وائتلاف دولة القانون عندما صوت البرلمان، اليوم، برفض سحب الثقة عن المفوضية العليا للانتخابات\".
  ويضيف المتحدث بأسم العراقية \"انه إذا كان هنالك تشخيص لحالات فساد أو سلبيات بأداء المفوضية، فأن هذا الأمر يدعونا إلى التوافق على تشكيل مفوضية جديدة وعدم ترك البلد في حالة فراغ من خلال سحب الثقة عن مفوضية الانتخابات\".
  ويؤكد \"أن ما جرى اليوم في مجلس النواب يمثل صراع إرادتين، الأولى تحاول المحافظة على المكسب الديمقراطي وصيانة العملية السياسية من خلال الإبقاء على مفوضية الانتخابات، اما الثانية فتحاول القضاء على المكسب الديمقراطي والعودة إلى ما قبل 2003 وإعادة إنتاج ثقافة القائد والحزب الأوحد من خلال سحب الثقة عن المفوضية وترك العملية السياسية تعاني من فراغ\".
   وتبدو حجج كلا الفريقين قابلة للبحث والنقاش والاخذ والرد في اطار حوار هاديء وبناء وموضوعي، بيد ان القضية لو كانت قد تمحورت حول مصالح وحسابات وطنية لانتهى الامر بهدوء، ولكان اعضاء من دولة القانون قد صوتوا ضد سحب الثقة من المفوضية وفي مقابل ذلك، اعضاء من العراقية وكتل اخرى صوتوا بسحب الثقة عنها. وهذا لم يحصل ولم يكن له متوقعا ان يحصل بسبب الاصطفافات الحادة وتراكم التقاطعات والخلافات واتساع الهوة بين الفرقاء.
   ولعل التأمل مليا في مجمل الحراك السياسي يمكن ان يؤشر الى حقيقة ان مسارات الجدل والسجال بشأن مفوضية الانتخابات هي ذات المسارات بشأن المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية والوزارات الامنية، واتفاقية اربيل، والموقف من بقاء القوات الاميركية في العراق او عدم بقائها بعد نهاية العام الجاري، والهيئات المستقلة، وتنفيذ احكام الاعدام بحق بعض رموز النظام السابق مثل وزير الدفاع الاسببق سلطان هاشم احمد، ورئيس اركان الجيش حسين رشيد التكريتي وقضايا اخرى تمثل نقاط خلافية بين الفرقاء السياسيين العراقيين.
   ولان الازمة الحقيقية هي \"ازمة ثقة\" فأنه الصعب جدا بمكان حسم الامور الا عبر خيار الحزمة الواحدة one package  ، كما حصل في اوقات سابقة، فعلى سبيل المثال تنقل اوساط مطلعة ان الاجتماع الثاني لقادة الكتل السياسية الذي عقد قبل ثلاثة اسابيع في منزل رئيس الجمهورية جلال الطالباني شهدت مناكفات حادة بين علاوي والمالكي كادت ان تعصف بالاجتماع لولا جهود التهدئة التي بذلها الطالباني وشخصيات اخرى، فبينما كان المالكي يحاول جاهدا الحصول على تأييد القائمة العراقية لابقاء عدد معين من القوات الاميركية تحت عناوين مختلفة –التدريب والتسليح وحماية الممثليات الدبلوماسية الاميركية- فأن العراقية كانت ترفض بشدة تأييد ذلك ليس ارتباطا بموقف مبديء حيال وجود القوات الاميركية في البلاد، وانما في اطار المساومات السياسية، اذ هي ارادت من المالكي حسم ملف المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية والوزارات الامنية، او بعبارة اخرى تنفيذ كافة بنود اتفاقية اربيل اولا، ومن ثم تعلن تأييدها لبقاء القوات الاميركية لما بعد عام 2011، وهذا الاصرار بسبب عدم ثقتها بالمالكي، والاخير لديه نفسه الشعور لذلك فأنه يسعى قبل كل شيء للحصول من الاخرين على ما يريده وفيما بعد فأنه سيكون في وضع يتيح له التنصل فيما لو رأى ذلك ضروريا بالنسبة له.
  وربما الامر يصدق على علاقة المالكي بالتيار الصدري وبالمجلس الاعلى وبالتحالف الكردستاني، الذي يبدو ان المالكي يحرص في هذه المرحلة على بناء علاقة جيدة معه، ولعل تجنب الفتلاوي ذكر التحالف الكردستاني الى جانب الاطراف التي اتهمتها بأنها صفقت للفساد والمفسدين لم يكن امر عفويا بل كان مقصودا وحسوبا وموجها.
   ونقطة القلق الرئيسية اليوم بالنسبة للمالكي وحلفائه هو اتساع وتبلور ووضوح مساحة المعارضة له داخل البرلمان وخارجه، وهو مايعني اضعافه وتكبيله، وامكانية سلب زمام المبادرة من بين يديه في اي وقت، فضلا عن انه يعني فتح مزيد من الجبهات امامه لخوض معارك سياسية قد تكون فرصه لكسبها محدودة او غير مشجعة، دون ان يعني ذلك ان خصومه ومنافسيه سيكونون في وضع يمكنهم من فرض كل خياراتهم، لعدة اسباب من اهمها انهم لاينضوون تحت مظلة واحدة، ولايقفون على جبهة واحدة، ولايحملون ويتبنون نفس الرؤى والمواقف والتوجهات، بل يبدو للمتابع في معظم الاحيان ان ما يفرقهم اكثر مما يجمعهم.
  ماذا يعني ذلك ؟.. يعني ان المشهد السياسي العراقي يتجه الى المزيد من الازمات التي تولد وتنشأ من ازمة الثقة والى غياب الحلول والمعالجات الجذرية والحقيقية التي من شأنها ان تغير وتبدل صورة الواقع القاتمة بصورة اكثر اشراقا يلسمها المواطن العادي سياسيا وامنيا واقتصاديا.
   معارك كسر العظم بين الخصوم اذا كانت قد بدأت بالفعل، فأن افاقها ستكون مفتوحة، ونهاياتها غامضة، ونتائجها مقلقة!.
29-يوليو-2011


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عادل الجبوري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/07/30



كتابة تعليق لموضوع : المشهد العراقي.. معارك كسر العظم ومابعدها!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net