صفحة الكاتب : سميرة سلمان عبد الرسول البغدادي

\"حان الوقت.....أسرعي\"
دق قلبها بعنف .....وتلاقت ألاعين هنيهة لكنها أشاحت ناظرها عنه بأنكسار وغرق المكان في فترةصمت مطبق طويل قطعه صوت سعال أبيها المسجي على أرض الغرفه الرطبة ,والنخرة الجدران بفعل تقادم الزمن عليها دون رحمة ؛كان يسعل بلا أنقطاع فتهزه الرعشات بعنف ؛حتى تحس أن بقايا الحياة فيه تهجر صدره وقد عيل صبرها , وتتعجل الرحيل  من جسده الذي ينخره الداء .....فادارت وجهها المحزون صوبه ومثلت ترعاه   بعينين عطل فيهما أي حس بالحياة ...لقد بدا لها أن أمر أذعان أبيها المنكوب الى مسالة أقترانها بهذا\" المزواج الحقير \" قد أورثه ألما لا يطاق _فأحال بقايا الحيويه في جسده الهرم الى رماد رياح الواقع الآثم ... وأحست بألم كثيف...ألم صامت ,يغور ثم يحز,والكثير من السخريه للقدر الاحمق الذي خط لها وعائلتها الكثير ,الكثير من ألأحزان ...
أطرقت رأسها ,وقد أضحت لمرارة الحقيقة في فمها طعما لايطاق ...و كادت أن تصرخ :أني أتألم من غلبة الفقر وذل الحرمان ,وتحكم ألاخرين بنا وحريتنا ,أتألم جال سماعي حرتقة قيود حريتي السليبة وعويل هاوية ألاستبدادبمصائرنا ....أتألم مر ألالم\".ولكن صرختها لم تخرج من فيها بل تفجرت في روحها سامعة صداها وحدها  صدى يجوب وجودها الداخلي .
رفعت الى عينيها يدا تبللت  أصابعها في اللحظة ....
-    أسرعي
أعادها ثانية لدن سماعه لصوت محرك السيارة التي أستاجرها لتقلهم الى حيث مثواها الجديد ,في شقة أبتاعها منذ فترة يسيرة حتى تسكنها
أو بلأحرى لتحبس بين جدرانها الباردة .لقد أوقف السائق سيارته تاركا محركها يهدر بصوت عال حتى ينبههم لحضوره ....فتهدج صوتها أذ تحاول أجابته ,وقد أوشكت على البكاء شاعرة بأستحالة التفاهم معه...لذا تقدمت متثاقلة صوب الباب ,لكن وجود والدتها قبالتها والتي أخذت تعيد ربط شالها ألاسود حول رأسها بأحكام أستوقفها _والمها أذ تراقب في مواجهتها حزنا يتداعى من عينيها وهي تحاول فاشلة كظم دمعة ترقرقت على صفحة ماقيها الغائرتين اللتان قد أعلاهما باكرا ضباب الشيخوخة... فقد أنصرفت والدتها طويل وقت الى الحداد والغم ,تحديدا من بعد موت كبيرها  في أحدى التفجيرات الظالمة ,حتى أصبحت عينيها مهددتين بالظلمة لكثرة ما أنقطعت الى البكاء .وأخذت تحدق ببقايا أمراءة هزيلة شبيهة بمن طعنتهم الحياة فتركتهم يسعون في مفترق الطرق سائلين النقود وحين همت بمعانقتها شعرت بيد غليظة تجذب كتفها بقسوة وتسحبها صوب الباب الحديدي المتعفر بالتراب لما يسمى ظلما بالبيت ...........تحركت بعض خطا مرتبكة بسبب هذه الهزة المفاجئة الا أنها تمالكت نفسها مثبتة خطاها وشرعت تمشي خلفه بخطى بطيئة لكئنما تريد الاستيقاظ من هذا الكابوس المريع .لكن شعاع الشمس النهم أخترق ناظريها لكي يؤكد حقيقة الامر .فأسبلت على عينيها جفنيهما لحظة ,وأذفتحتهما رأت جموع الجيران تنظر اليها بنظرات مشفقة أحست بها نصالا مسددة صوبها فحثت خطاها وأحساس مهين بالخجل والضطراب-يحركها كقشة تتلاعب بها أمواج بحر هائج.استقلت السيارة الواقفة بعد ان ابعد السائق الاطفال المجتمعين حولها بصعوبة وأنزعاج كبيرين وقد أوشك أن يجدف ساخطا لقبولة القدوم لمثل هذا المكان الحقير .الا أن أقبال العريس أسكتة هنيهة وصعدا السيارة ...كانت تودع منزلها القديم وقد نهش الفقر كل شيء فيه –الجدران التي تتخللها الشقوق والحفرالتي تحكي بهمجية قصة العوز والفاقة التي يعانون وبركة الماء الاسنةالقابعة أمام الباب حيث يلعب أخوتها الصغار ...وأختلطت الرؤى ,احست بالأعياء ورغبة في الانفلات الكلي من حومة الموجودات المشدودة الى دوران حياتها البائسة أغمضت عينيها علها تحظى ولو بالسلوان قليلا وفيما كانت تغط في أفكارها تعالى الى مسمعها ذاك الصوت الاجش المميز للذي أبتاعها بالنقود,تنبهت اذ سمعت أن البيت كائن أمامها ألان.أستقبلته بناظريها مبدية بعض علامات الحيرة والتردد ...فتململت متنهدة ,وفتحت فيها كانها تريدأن تصور كلمة لكنما ضاعت منها الحروف,...بلعت ريقها ,ونظرت اليه ,وهدير السؤال  في روحها يعصف كالرعد في أذنيها وتجرأت:
_هل سنسكن هنا؟
فنظر اليها شزرا ,واجاب بنبرة متعالية _بلى ,ها هنا سيكون مثواك الجديد بدل ذلك القن الحقير الذي كنت تشاطريه وعائلتك...فأبتهجي !!!
تلقفت أذنيها تلك الكلمات الموجعة فرددتها نفسها بأسى ,وألتهبت في الروح بقايا ألامل ,وتلاشى حفيف الحياة في ذاتها رويدا رويدا كأنفاس المحتضر ...فشلت الهزيمة لسانها ...فلم تستطع أن تنطق ولو ببنت شفة .. وأخذت تسير وراءة أذا أرتقى درجات السلم المفضي الى باب مسكنها الجديد ...دفع الباب بعد ان  أدار المفتاح في القفل ,فأز وحشرج ...وارتمت حينها على ارض الرواق حزمة من نور الغسق مشربة بحمرة العصر وسواد الليل وبقايا زرقة المساء من النافذة المفتوحة ..أدار المصباح الكهربائي فأنعكست على جبهتة السمراء المتعرجة أضواءة الباهتة التي غزت عينية فأغلقهن لبرهة ..لكنة مالبث أن أدار راسة متطلعا ناحيتها بنظرات تقفز منها السخرية وحب الامتلاك ...أحست عندها بخفق عنيف بصدرها ,وأنفلتت تنظر صوب النافذة التي كانت أزاءها ,ثم أن تأرجحت صورة ألاشياء ولم تفقة الا وصوت المنبه قد أعلن عن حلول الصباح .
فتحت عينيها محدقة الى سماء الغرفة الابيض وتلك البقع السود التي تشوه بياضه ...(ترى كيف أستطاع النعاس أن يتسلل ويطبق على أجفاني ؟) لم تكن تعتقد بأنها ستنام حتى لو أرادت ..أحست تيبسا في شفيتها ,ومرارة في حلقها .همت بالنهوض وأتفق أن لامست بيدها جسد ذلك النائم على حافة السرير القريبة فسرت رعشة مفاجئة تسللت الى كل أعضائها الغضة فأعتصر فؤادها بيد حديدية ملتهبة وشعرت برغبة جامحة للبكاء أخذت تهزها,تحركها ....تسري في شرايينها ...بدل الدم ؛رغبة جامحة لا تقو ى أمامها  على ألصمود ...لكنما وفي مثل عجز طائر مهيض الجناحين محاولا على غير طائل الطيران نهضت جالسة على السرير ,وقد أضناها عذاب الفكر ...أن حدة الاسئلة تولد في أعماقها شعورا بالضالة ورغبة قاهرة في التقلص ومن ثم الاستحالة....فأنفلتت من شفتيها آهه مشوبة بتضرع عظيم ودعوى يائسة لطلب الرحمة ألألهيه التي أحست بحاجتها  .تذكرت والدتها حين تمشي وقد ترنح كتفيها من ثقل هموم الخمسين عاما وهموم زو ج مبتلي بداء مزمن لا علاج له ...تمنت أن تسند ظهرها المقوس وتربت على كتفيها ,عندها نجحت بطرح بعض من لواعج نفسها المحزونة وتكيف نفسها لنمطية هذا الزواج -الصفقة .
وتتواتر الايام وتصرف الى الزوال دون هوادة ...ويذوب في الاعماق أي شعور وكل شعور ..لقد كان زوجها يذهب أياما طوالا ويتركها حبيسة المنزل وقد قفل الباب الخارجي بالمفتاح .
ولم تفارقها بلايا الزمن بل تقاطرت عليها بالتوالي فما أن قبلت بهذه الرزية حتى عكرت ايامها أحتمالية قدوم \"وليد\"لهذه الحياة .لقد تضرعت كثيرا لكن ما كان للقدر ان يخالف مجرى الطبيعة ,فمثلت خائفة من رد فعلة لكنها\" يجب أن تبلغة\" كانت تهابه بل يكفي أن يحدجها بواحدة من نظراتةحتى تنكمش على نفسها طوال ذلك النهار ....
\"لم يبقى على قدومه غير دقائق  \"أضمرت مترددة.
دقائق متثاقلة الخطى ما أنفكت تتثائب وتتمطى \"ترى أنى لها أن تلفظ أنفاسها؟؟؟؟؟\"
تسائلت وهي تمسح جبينها واجدة أثر العرق \"أهو الجو الصيفي أم بسبب ذاك الشعور الداخلي الذي يورثه عناء هذا التفكير ؟!\" 
وتنبعث لديها ألوانا من الصور والتخيلات ليس من شأنها ألا أن تزيد
حيرتها وأرتباكها ...لكن هاهو قادم أخيرا بمشيتة البطيئة لثقل جسمه الممتليء المتره الجوانب ؛فرفعت يدا راعشه تلامس شعرها الليلي , الذي كان مرسلا بغيرما عناية .أحست بضيق في صدرها تفاقم شيئا فشيئا أذ رأته وقد دلف البيت برما لارتقائه السلم ولمحت عينيه المتعكرتين وجبينه الضيق المستسلم لسطوة كتلة شعر خشنه سوداء خلطها بياض كثير ؛ رسمت على محياها أبتسامه مغتصبة ,وأنتظرت حتى جاء موعد قيلولته _فبادرته :
-أنا لدي موضوع أريد أخبارك به ..\"ورآها تصمت فجاه ثم يبدو عليها التردد والحيرة \"لقد...\" فتململ لذلك غيظا ونظر لها غضباوهو يقول بصوته الميز النبرات 
-أكملي
فأجابت والغصص الموجعة تقطع ألفاظها\"لقد  ...ح..ملت سنرزق بطفل \" فجائها صوته لا مباليا كأن الامر يخص شخصا آخر \"يعني \" عندها غامت عينيها بظلمة يائسة ثم أن خفضت جفنيها على دمع تفجر ,رغم أصرارها على مظهر الثبات والصبر لقد توقعت ردة فعل ولو عنيفة لكن لامبالاة !!! أحست بالدم يفور لاهبا وجهها ,وألم قد وخز أطراف أناملها.وأنسحبت ألى داخلها وصور الاشياء تنضب في عينيها .
ثم أن جاء الوليد,وما أستفاقت من غيبوبة الولادة الا على صوت دق ,\"ماذا يجري ؟! ماكل هذا الدق ,ما هذه الطرقات التي ملئت اذني ؟\"
ثم فكرت بأن قلبها كان سبب كل ذاك الطرق ...كان النبض اليما بالغ الثقل والاجهاد \"ترى هل قدر للآخرين سماعه؟!!!
الا أنوجيب خافق آخر أستطاعت تميزه .فنظرت صوب النبض ,فأذا بطفل جميل متشح بالبياض يرمقها بعينين كادا أن تفتحا للتو ..وأحست بتموجات روحه
الاثيريه حول روحها ,وعرفت أن شعلة الامومة المقدسة قد لامست قلبها .ففرحت لأول وهلة ,لكنماأنحسرت تلك البسمة الواهية ليقينها ان طفلها لن يساحها حين يعلم كيف انها باعت نفسها لذلك العجوز طمعا ببعض كسرات من خبز لها وأهلها .فتنهدت ومالت برأسها بالأتجاه المعاكس –ولكن صوت طفلها الباكي الباكي جعلها تمد يدها قسر أرادتها صوبه ملامسة يده المخملية بعطف ,ثم أن حملته بين ذراعيها الراجفتين وهي تضمه الى صدرها بحنو وتهوي بصلاة شكر من شفتيها التي تشابكت مع خصلات شعر وليدها العذبة ... وتؤمن به كأمل جديد وحقيقة واضحة وعزاء لأيامها التي لم تعد عجاف.....

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


سميرة سلمان عبد الرسول البغدادي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/07/30



كتابة تعليق لموضوع : املي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net