صفحة الكاتب : نزار حيدر

سِرُّ آلْفَوْضْى! [١]
نزار حيدر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

   لقد انتشرت فوضى الثّقافات والعقائد والاتّجاهات الفكريّة في زمن الامام جعفر بن محمد الصّادق (ع) [تُصادف اللّيلة ذكرى استشهادهِ في عام ١٤٨ للهجرة] بشكلٍ واسعٍ جداً.

   واذا تتبّعنا السّبب الحقيقي فسنكتشف انّ وراءها محاولات مستميتة لتضييع مدرسة أهل البيت عليهم السلام، فالقاعدة تقول؛ اذا اردتَ تضييع فكرة فأَكثر الى جانبِها ما استطعت من الأفكار التّافهة والعقائد الفاسدة، واذا اردتَ ان تضيّع سؤالاً مُهمّاً هادفاً يُعتدُّ به فاكثر من طرح الأسئلة التّافهة التي بلا معنى، واذا اردتَ ان تضيّع جواباً سليماً وعقلانيّاً فكرّر عددٍ كبير من الاجوبةِ التّافهةِ التي لا معنى لها او لا ربط لها بالسّؤال المطروح للإجابة، وأخيراً، فاذا اردتَ ان تُشغل العالِم وتستنزف طاقات المفكّر وتشتّت الجهد الثّقافي لمجتمعٍ ما فاكثر من نشر الاكاذيب والافتراءات ليلهو بها وينشغل بتصنيفها، وهكذا، ولذلك قال أَميرُ المؤمنين (ع) كنموذجٍ {إِذَا ازْدَحَمَ الْجَوَابُ خَفِيَ الصَّوَابُ}.

   ولولا قوّة الفكر والثّقافة وسلامة العقائد والاصول التي تميّزت بها مدرسة أهل البيت (ع) وخاصّةً ما تصدّى له الامام الصّادق (ع) وتسلّحهُ بقوّة المنطق والعقلانيّة في السّؤال والجواب وعدم انجرارهِ للقيل والقال واستسلامهِ للفوضى المُشار اليها، ولولا انّهُ (ع) خصَّص أصحابهُ وحوارييه بالعلوم والمعارف ليتمكّنوا منها بشكلٍ عميقٍ يمكّنهم من الفَوْز على الآخرين بالمحاججات السّليمة والمناظرات القويّة التي كانوا يفحمون بها الآخر، خاصّة المدفوع منهم، لانهارت المدرسة وانصهرت في الفوضى واستُدرجت للعبثيّة التي كان يهدف لتحقيقها مَن كان يقف وراء هذه الفوضى واخصُّ منهم بالذّكر السّلطة الحاكمة.

   نَحْنُ اليوم نعيش نفس الفوضى وعلى مختلف الاصعدة، وانّ ما ساعد على اتساع أَثرها وانتشارها لتغزونا حتّى في مخادعِنا، هو التّكنلوجيا التي سهّلت عمليّة النّشر والتّوزيع وألغت المسافات ودمجَت العقول بشكلٍ كبيرٍ.

   وتتجلّى الفوضى التي نعيشها في الكمّ الهائل من الاكاذيب والافتراءات والفبركات التي تصلنا يومياً والتي غالباً ما نُساهم في إِعادة توزيعها ونشرها من دون ايّ تفكيرٍ او انتباهٍ للمحتوى، وأحياناً نبادر الى نشرها حتى قبل قراءتها في عمليّة سباقٍ مع الزّمن! لنكتشف بعدَ حينٍ أَنّها لم تكن أَكثر من كذبةٍ صاغها واحِدٌ وساعدهُ ملايين على نشرِها.

   وليس اعتباطاً أنْ قيلَ {حدّث المرء بما لا يُعقل، فَإِنْ صدَّقكَ فلا عقلَ لهُ} فإنك اذا اردتَ ان تكتشف حجم ورجاحة عقلِ ايّ واحدٍ في المجتمع، بما في ذلك عقلكَ أنتَ شخصيّاً، فانظر الى ما يقرأ؟ وبماذا يصدِّق؟ وماذا ينشُر؟ فاذا رايتهُ ينشر الاكاذيب والفبركات والسيناريوهات التي لا تصلُح حتّى لتمثيل الأفلام والمسلسلات في هوليود وما شابه، لضعفِ محتواها وركاكة اسلوبها، فاعلم انّهُ لا عقل لهُ بغضّ النظر عن الشّهادة (العليا) التي يحملها والعنوان الكبير الذي يتمتّع به والموقع الرّصين الذي يتبوأهُ! فلقد وصفوا عند الامام الصّادق (ع) رجلاً بالدّين والفضل والعبادة وغيرها، فقال (ع) كيفَ عقلهُ؟ انّ الثّوابَ على قَدَرِ العقلِ!.

   ولذلك قال الامام (ع) {دليلُ العاقلُ شيئان؛ صِدْقُ القولِ وصوابُ الفِعْلِ، والعاقلُ لا يتحدّث بما يُنكرهُ العَقلُ، ولا يتعرّض للتُّهمةِ} فبالله عليكم هل انّ مَن ينشُر الاكاذيب المُفبركة عاقلٌ؟ هل انّ مَن ينشُر ما يصلهُ بِلا ايّ تفكيرٍ او تثبُّتٍ عاقلٌ؟ هل انَّ مَن يتحوّل الى مَطِيَّةٍ للآخَرين فينشر أكاذيبهُم عاقلٌ؟!.

   والمُضحك المُبكي انّ بينهُم [مثقّفون]!.

   انّ على كلِّ واحدٍ منّا ان يعرِض ما يصلهُ على عقلهِ قبل ان ينشرهُ، فاذا رَآه يتعارض مع العقل والمنطق والذّوق السّليم فليضرب بهِ عَرض الحائِط فلا يتحمّل وِزْرَ نشرهِ، من جانب، واحتراماً لعقول الآخرين على الأقلّ، من جانبٍ آخر!.

   ٢٩ تموز ٢٠١٦

                       للتواصل؛

‏E-mail: nazarhaidar1@gmail. com


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نزار حيدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/07/30



كتابة تعليق لموضوع : سِرُّ آلْفَوْضْى! [١]
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net