صفحة الكاتب : علاء كرم الله

شعوب خلاقة وقادة وطنيين!
علاء كرم الله

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

حدثني صديق متزوج من لبنانية عاش بعض سنوات الحرب الأهلية اللبنانية (1975- 1990) في بيروت أنه عندما كانت القذائف تتساقط هنا وهناك أثناء الحرب وتحدث ما تحدث من تخريب ودمار في الأمكنة التي تتساقط عليها

 كان الناس يخرجون ليلا لردم الحفر في الشوارع التي تضررت بسبب القصف وأصلاح ما يمكن أصلاحه من أضرار بجهود جماعية وأحيانا فردية!، مثل أصلاح أنبوب مكسور أو فتح بالوعة مجاري سدت بسبب الأوساخ وغيرها من أعمال.

 ومن المفيد أن أذكر هنا ما قرأته عن قائد قوات (المارينز) الأمريكية في بيروت آنذاك الذي بعث برسالة الى زوجته عام 1981 بمناسبة أعياد رأس السنة الميلادية يقول فيها (حبيبتي رغم قساوة الحرب وأهوالها وما خلفته من دمار وخراب ألا أن بيروت ما زالت جميلة وهي تذكرني بكاليفورنيا!).

 وأسئل هنا: هل أن جمال بيروت ونظافتها وما هي عليه من ذوق وترتيب ولمسات واضحة من التحضر والرقي في كل شيء، هل كل ذلك كان  من عمل الحكومة وأجهزتها الخدمية؟ الجواب كلا طبعا؟! فالشعب اللبناني كان له دوره الرائد والكبير في ذلك واللبنانيون معروفين بذوقهم وتحضرهم وحبهم للجمال والحياة.

 صورة أخرى نتحدث عنها تبين  دور الحكومة والشعب في كيفية  أعادة بناء أوطانهم، فعندما أنتهت الحرب العالمية الثانية (1939- 1945) بخسارة ألمانيا للحرب، وبعد أن تحولت العاصمة برلين الى كومة من خرائب وأبنية مدمرة،

 جاءت عجوز ألمانية الى المجلس البلدي في منطقتها وهي تحمل شمعة صغيرة في يدها وهي تقول لهم( يجب أن نعيد بناء وطننا، أنا أعرف جيدا بأنكم حريصون على ذلك، ولكن دعوني أشارك معكم في هذا البناء، خذوا هذه الشمعة البسيطة فأنا لا أملك شيئا، لعلها تساعدكم بنورها البسيط ليلا وأنتم تقومون بأعمالكم!.) وهكذا نهضت ألمانيا وأعادة بناء نفسها وأصبحت على ما هي عليه الأن كدولة صناعية وقوة أقتصادية كبيرة.

  أما اليابان فهي بحق  معجزة القرن العشرين  في هذا العالم، فالكل يعرف ما أصابها من  دمار وخراب وخاصة مدنها( هيروشيما وناكازاكيى) التي تعرضت للقصف بالقنابل الذرية! من قبل الأمريكان في الحرب العالمية الثانية وكيف خرجت من الحرب منكسرة وقد حطمتها الحرب تماما،

 ولكن مع ذلك نهضت من جديد  كطائر العنقاء لتعيد بناء كل ما دمرته الحرب وتزيل كل اثارها ومخلفاتها وذلك بتفاعل الشعب مع الحكومة وبهمة وغيرة وأخلاص قادتها السياسيين حتى أصبحت مضرب الأمثال لكل شعوب العالم في رقيها وتقدمها وتحضرها وتطورها أقتصاديا وعلميا.

 وحتى عندما ضربها الأعصار المائي الأخير قبل 3 سنوات (تسونامي) قدمت اليابان درسا جديدا للعالم في التكاتف والتلاحم بين الشعب والحكومة ويكفيها فخرا بأن رغم قوة (التسونامي) الرهيبة الذي جرف وحطم اكثر من مدينة ألا أنه لم تحدث أية عملية سرقه ونهب للمحلات والبيوت بل الكل ضحى من أجل الكل! فالحكومة الوطنية والشعب المثابر كانوا على قدر المسؤولية الوطنية الكبيرة، وبصبرهم وثقتهم بنفسهم وحبهم لوطنهم أعادوا بناء ما دمره الأعصار وبصورة أجمل من السابق؟!.

 اما الصين فلها حكايتها الفريدة في هذا العالم وفي كيفية  بنائها وتطورها والذي كان لشرف ومصداقية قادتها السياسيين وأيمانهم وحبهم للفكر(الماركسي) الذي يعتنقونه وتطبيق مضامين ونهج ذلك الفكر الأثر الكبير في ذلك.

 فعندما نجح الزعيم الصيني الراحل (ماو تسي تونغ) ورفاقه بالثورة عام 1949 كان تعداد الصين آنذاك بحدود (700) مليون ينتشر بينهم الفقر والجهل وشتى الأمراض والجوع والأمية والفساد بكل صوره وأشكاله كما كانت الصين تعاني من أنتشار المخدرات وكثرة المومسات!

 كما لم يكن في الصين في تلك الفترة  سوى تراكتور زراعي واحد! ولكن وبعد 10 سنوات فقط من الثورة أستطاعت الصين أن تتغلب على كل تلك الأزمات والمشاكل وأن تخطو خطوات كبيرة نحو البناء والتقدم وأن تمسك شعلة العلم التطور والتقدم بكل قوة

  وأستطاعت أن تصنع القنبلة الذرية! التي أرعبت أمريكا حتى قال زعمائها محذرين (أياكم وأيقاظ المارد الأصفر)! وأستمرت الصين في البناء والتطور والتقدم ولم تقف عجلة تطورها رغم الكثير الكثير من الصعوبات والمشاكل السياسية التي واجهت وتواجه  قادتها وزعمائها السياسيين

  وبوطنية قادتها وشرف أنتمائهم لوطنهم وحبهم لشعبهم أستطاعو أن يصلوا بالصين الى على ما هي عليه الآن  كدولة عظمى أقتصاديا وعسكريا وعلميا وحضاريا تحسب لها أمريكا والعالم كله ألف حساب وحساب!.

 والأمثلة كثيرة وعديدة عن كيفية تفاعل الشعوب مع حكوماتهم من أجل بناء أوطانهم ، أقول مع الأسف أن سياسة جميع الحكومات التي توالت على حكم العراق منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 وخاصة السنوات الأخيرة ما بعد الأحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 

 فهي بقدر فشلها في عدم بناء الأنسان العراقي بناء أنسانيا صحيحا، فهي خلقت لديه روح الثورة والتمرد واللامبالاة ومسخت هويته الوطنية لأنها سلبت الكثيرمن حقوقه  وقتلت ذاته ومنظومته الأنسانية والفكرية وحتى الأخلاقية وقد تجلى ذلك بالصورة المؤلمة والمخزية التي شهدتها غالبية مدن العراق بعد سقوط النظام السابق

 من أعمال نهب وسلب(الفرهود) وخراب ودمار طال كل مرافق الدولة مؤسساتها، حتى أن الكثيرين قدروا حجم الأضرار التي لحقت بسبب تلك الأعمال بأنها لم تكن أقل من حجم الأضرار التي ألحقها القصف الأمريكي أثناء غزوه وأحتلاله للعراق؟!.

 أما ما جرى للعراق ويجري من بعد الأحتلال الأمريكي للعراق في 2003 ولحد الآن وما فعله الأمريكان والحكومات والأحزاب السياسية التي قادت العراق فهو أكبر تسونامي تعرضت له دولة عبر التاريخ! ولم يشهده العالم من قبل!, فبقدر ما تعرض العراق الى تدمير كامل لبناه التحتية والعسكرية والأدارية حتى وصل الأمر الى تدمير هويته التاريخية، فهو

 تعرض الى ضرب وتحطيم البنية الفكرية والأخلاقية والأنسانية والتربوية لشعبه فلم تبق أرضة الفساد التي بذرها الأمريكان وبمساعدة وموافقة ورضا الأحزاب السياسية العراقية أي شيء في العراق يستحق الذكر ويمكن أنقاذه!

 وما دامت هذه الحكومة والأحزاب السياسية تقود البلاد وتتسلط على كل شؤون العباد بكل ما فيها من وباء وأمراض نفسية وعقد ومركب الشعور بالنقص فستبقى دودة الفساد تنخر بجسد الشعب مثلما تنخر بجسد كل مؤوسسات الدولة ومفاصلها.

 ولكن ومع كل هذا الألم واليأس والأحباط الذي نعيشه  فعلى المواطن أن يعرف ويعي جيدا بأن الوطن هو ملك للجميع وليس لطبقة حاكمة أو لحزب سياسي معين او لفئة أجتماعية معينة، فالحكومات تزول والأحزاب تنتهي لأنهم طارئون وجاءوا في غفلة من الزمن!‘ ويبقى الوطن خالدا أبد الدهرفكل ما فيه وعليه هو ملك للجميع

  

 فالوطن وطننا فلا ننتظر خيرا من الحكومة ولا من الأحزاب السياسية الذين طالما أنشغلوا بمحاصصتهم ومصالحهم ومصالح أحزابهم فلندعهم  يتناحرون فيما بينهم! فالشعوب لها دورها الخلاق في بناء اوطانها والحفاظ عليها مهما قست الأحزاب والحكومات وتجبرت وتعاظم جورها وأهمالها للشعب والوطن.

 قال الأمام علي عليه أفضل السلام ( أعظم ما افترض الله سبحانه وتعالى من الحقوق هو حق الوالي على الرعية وحق الرعية على الوالي ، فلا تصلح الرعية ألا بصلاح الولاة ولا يصلح الولاة ألا بأستقامة الرعية). أخيرا نقول: الله المستعان على ما يفعلون.

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علاء كرم الله
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/07/30



كتابة تعليق لموضوع : شعوب خلاقة وقادة وطنيين!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net