صفحة الكاتب : مدحت قلادة

مناظرة ثلاثية بين القاهرة وسويسرا لـــ : استئصال التحرش الديني
مدحت قلادة

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 

حاجتنا إلي التثوير شديدة لگن إلي التنوير أشد
الحوار الثوري.. أقوي من المواعظ الكنسية والخطب المنبرية
 
 
أجري الحوارات:  مجدي العفيفي
هل يمكن أن يتقارب الحوار بين الرؤية الإسلامية والمسيحية الي الحد الأقصي ؟.. نعم ممكن .
لأول مرة.. نلمس حالة من التقارب في الخطاب الإعلامي بين الفضائيات الدينية إسلامية ومسيحية، فكم حمل البث الفضائي، علي مدي عقود بغيضة، معارك طاحنة من الجانبين ولم يحقن دماء الهواء إلا تجليات 52 يناير1102 .
ولأول مرة.. ينعقد مؤتمر تشارك فيه اتحادات المنظمات المصرية المسيحية المنتشرة في أوروبا وأمريكا واستراليا في حضن القاهرة ، قبل أسابيع ، بمشاركة نخبة من العلماء والمفكرين المسلمين
ولأول مرة.. تتجلي المصداقية في الطرح الفكري المتحضر لمحاصرة المرض المزمن- بفعل فاعل - وحصار قنوات الضخ البغيض التي تفجر الفتنة في شرايين المجتمع المصري.
وهناك أيضا النظام الأساسي لبيت العائلة المصرية ويرأسه شيخ الأزهر الشريف وبابا الكنيسة الارثوذكسية كهيئة مستقلة تهدف إلي الحفاظ علي النسيج الواحد في بناء مصر - علي حد تعبير د. حمدي زقزوق أمين عام بيت العائلة المصرية وقد أقر هذا النظام المجلس العسكري للقوات المسلحة قبل أيام.
إن حاجتنا الي التثـوير شديدة، لكن حاجتنا الي التنـوير أشد، والأخطر من هذا وذاك هو الاستمرار.. حتي لا نحول حياتنا إلي قطرة زئبق لا نريد أن يقر لها قرار.
»مصري فقط«.. هذا يكفي، وأية كلمة وصفية بعد هذه العبارة المكتملة هي تحصيل حاصل، لأنها عبارة مطلقة وطليقة ومفيدة وغير مقيدة، بعدها يمكنك أن تضيف المعتقد والخاصية، ولي ولك ما نشاء: مذهبك، أيديولوجيتك، اتجاهك، معتقدك، داخل الهوية المصرية التي هي البدء والمنتهي، أو يفترض ذلك.
من أجل ذلك.. يتحدث هنا ضيفان معروفان ومنتشران ومتشابهان في التأثير علي الرأي العام المصري في الداخل والخارج بشكل أوبآخر، كل منهما: لديه وسيلة لتحقيق الغاية، ولديه رسالة يسعي لتوصيلها، ولديه رؤية واستراتيجية، ولديه تضيق المسافة بين التصور والتصديق لأنه يفكر وينفذ في آن واحد، وهنا مصدر القوة.
الأول عالم من علماء الأزهر الشريف، هو الشيخ »خالد الجندي« عضو الجلس الأعلي للشئون الإسلامية ومؤسس قناة »أزهري« التي تتخذ من الوسطية منبرا، ومن التسامح الديني والفكري مذهبا، يمثل صوتا إعلاميا دينيا داخل الأجواء المصرية، وفي فضاءات العالم الإسلامي.
والثاني هو الناشط »مدحت قلادة« رئيس »اتحاد المنظمات القبطية في أوروبا« يتحرك ويكتب في الصحف والمجلات ويتحدث في الفضائيات العربية والأجنبية، ويشارك في المنتديات الدولية والمؤتمرات المعنية بالشأن المصري في جانبه المسيحي.
ثمة إرادة قوية لوأد التحرش الديني في الخطاب والسلوك والرؤية، حتي أن اتحاد المنظمات القبطية في اوروبا يغير الآن من استراتيجيته التي تبناها زمنا طويلا في نور الثورة المصرية الجديدة.. هناك رغبة عارمة في المصارحة في المطارحة الفكرية، والفكر الجاد هو القوة الناعمة التي هي أمضي من أية أسلحة أخري من الأسلحة التي أصبحت تصدأ في المصانع الغربية قبل شحنها في المخازن العربية.. هنا أطروحات جادة وحادة وشفافة قائمة علي المصارحة، سعيا الي النور والتنوير والاستنارة، وكم نفتقد الي كل ذلك تحت أجنحة طيور الظلام التي صفقت و»عشعشت« بين جوانحنا وعواطفنا ومصريتنا أكثر من اللازم إن كان لها لزوم في الأصل، وهذا مستحيل!.واسألوا المفكر الدكتور سعد الهلالي أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر الذي يضيء جانبا علي درجة من الأهمية في هذه المناظرة التي تجري ما بين القاهرة وسويسرا.
 
العالم الأزهري الشيخ خالد الجندي:
 
 
 
كفي خلطا بين الدين والسياسة في الكنيسة والأزهر
زهقنا من لقاء القبلات بين الشيوخ والقساوسة في المناسبات فقط » الشعب موش حاسس بيگم«
 
 
جريء، موضوعي، متسامح، كل ذلك وأكثر، شأنه شأن العلماء والمستنيرين وحملة مشاعل التنوير في المجتمع، الذين نحتاج مصابيحهم، ومن ثم لحظة أن قال الشيخ خالد الجندي »إذا لم يعتدل الخطاب الديني، إسلاميا ومسيحيا، فالبديل هو الدمار والفناء، فلسنا في طرف خيارات أخري« شعرت بغصة، خاصة من حديث النخب التي تعذبنا بثرثرة يفترض أن يعتذروا عنها، فالمرجعية هي ما يحدث علي أرض الواقع المعيش بين المصريين خاصة في القري والنجوع والكفور، وكل الشواهد تؤكد انهم الأصدق في داخل مصر حيث البيوت متداخلة ومتساندة، والحقول أيضا، والعلاقات الأسرية غطاؤها الذهبي هو مصر، وكلها تكسر الخطب العنترية في مؤتمرات النخب من الجانبين المتشددين: مسيحيين ومسلمين علي حد سواء، هي إذن الحتمية، ولا خيارات مع الحتمية.. وحين قال »أنا أتوقع اعتدال الميزان« قلت لعلك تشاركني أننا سئمنا من الوقوف للبكاء علي الأطلال السياسية والاجتماعية والدينية، في وقت نتشوق الي السرعة والإسراع فالعالم - بعيد عنا - يكاد يقترب من سرعة الضوء في حركته وحراكه نحو التقدم، واكتشافه المزيد من قوانين الوجود ، طبقا للأمر الإلهي قل سيروا في الأرض..« لكننا لا نزال نعتمد مبدأ » قفا من ذكري حبيب ومنزل«!.
< هل تتكرر مبادرة علماء الدين والمفكرين في التداخل الإعلامي الفضائي وتبادل الرأي والرؤية بالقراءات الكاشفة للواقع وماوراء الواقع، وانتزاع الأقنعة التي فتتت الوجوه من كثرة الالتصاق؟.
<< التعامل بسياسة الجزر المعزولة واحد من بين الأخطاء الكبيرة التي تؤدي الي الفجوة النفسية بين أفراد المجتمع، فمن العبث أن يكون الاختلاط بين أفراد شعب واحد، كيف لا تكون القنوات الفضائية المسيحية سببا لتهدئة الخطاب الدين المسيحي، وكيف لا تكون القنوات الفضائية الإسلامية سببا لتفهم الطرف الآخر، إن عدم الاختلاط بين الجانبين خاصة في المشترك الأخلاقي يؤدي بطبيعة الحال إلي الشعور بغربة وعدائية الطرف الآخر، وهذا ما نراه الآن، أنا أتمني أن يعتاد أبناؤنا علي رؤية المخالف في الدين والمعتقد، من غير أن يتسبب ذلك في حالة عداء واستفزاز، فإن الله تعالي يدعونا بقوله أن نقول:»لكم دينكم ولي دين«.
فهذا اللفظ القرآني يشعرك بضرورة المشاركة في الإخاء البشري رغم تباين الرؤية العقدية، ، وهذا أيضا يشعرك أن الله أراد هذا التباين بين الناس، لدرجة أنه يوجه خطابا من خلال القرآن نفسه، فمثلا لماذا لم يقتل الله تعالي الكافرين بدلا من أن يخاطبهم؟ مع أن الله نفسه هو الذي قال عنهم »ياأيها الكافرون« فهل يرضي الله بوجودهم، وأرفضهم أنا؟ هذا لا يعقل.
الثوابت العقائدية عند أصحاب كل ديانة لا يجوز المساس بها، ولا أن تكون محلا لنقاش ، فهذا هو الذي يؤدي الي الفتنة، إنما المشترك الأخلاقي والوطني - وهو بالمناسبة يمثل ثلاثة أرباع أي دين - يصلح لأن يكون ورقة عمل مشتركة بين القنوات الدينية والمؤسسات بمختلف أطيافها، ألا تري أن المؤسسات الطبية الخيرية، مسيحية كانت أم إسلامية، يقبل عليها أبناء الشعب من الفقراء بمختلف أطيافهم بغير تردد ولا فتن، لماذا؟ لأن الخير جمع بين قلوبهم فلم يعد هناك فارق في دين، أو معتقد أمام القلب الذي يسع الجميع.
 
أخطر من الجاسوسية
 
< تقول إن من الفضائيات قنوات تعتبر أخطر من الجاسوسية.. كيف؟.
<< الذي يقوم به الجاسوس أنه يخبر الأعداء بأسرار البلاد الاستراتيجية، أما بعض الفضائيات فهي تقوم بفضح المجتمع وكشف نقاط الضعف أمام العالم أجمع، بأسلوب يجمع بين التشهير واحتقار الذات، وتهيئة المناخ لتدخل الآخرين، مما ينعكس بالسلب علي احترام العالم لنا وعلي تضامنه معنا، وعلي النشاط السياحي الاستثماري للبلاد ، ولنضرب مثلا : كيف يمكن لرجل أعمال أجنبي أن يدخل علي بلد ليستثمر فيه أمواله، وهو يشاهد القنوات الفضائية في هذا البلد تتحدث ليلا ونهارا عن الفساد المبالغ فيه والانفلات الأمني وعدم الاستقرار ومطاردة رجال الأعمال، فهل هناك عاقل يقبل علي بلد مثل هذا حتي لو كان سائحا من السواح؟، وهذا الكلام ليس معناه أن هذه الأمور ليست موجودة، بل هي موجودة في كل مكان في العالم، وليس في مصر وحدها، لماذا يتنامي الاستثمار في بلد مثل لبنان، رغم ما نعرفه فيها من طائفية الا بوجود إعلام مسئول يعمل لصالح الوطن، ويعطي صورة مشرفة للمجتمع اللبناني، وقس علي ذلك، في دول غاب فيها الأمن تقريبا مثل أمريكا وجنوب افريقيا بل واسرائيل. 
أعتقد أن الخبر الإعلامي لابد أن يكون »مفلترا« بالوعي الإعلامي، ويبقي السؤال: هل الخبر قبل الوطن، أم الوطن قبل الخبر؟! ومن هنا كانت رسالة »قناة أزهري« التي تحرص دائما أن تجمع ولا تفرق، وأن توحد ولا تفتت، وأن تصحح ولا تفسد.
 
هذه رسالتنا
 
<ما هي الرؤية التي تنتظم طريقها لتستقطب علماء مستنيرين وتخطط في أطروحاتها، وإلي أي مدي تبث الوعي في الرأي العام؟.
<< قال الذي عنده علم من كتاب المجتمع والناس والأزهر والإعلام الديني: الذي يحدث أن العلماء منهم من سلمت نيته وخلص عمله، وهناك من لم يتخصص الا في دائرة ضيقة في العلوم التي انفصلت عن واقع الأمة، وهناك من يدرك مدي حاجة المجتمع الآن إلي دعوة متجددة تجري في أوصال الدعوة الاسلامية، ، فالأزهري يدرس ما لم يدرسه سواه، باعتبار أن الأزهر هو المكان الوحيد في العالم الذي تستطيع أن تطمئن إلي نوعية الدراسة وما يدرس فيه، تعلمنا الوسطية، ودرسنا المذاهب الفقهية بتعدداتها واعتدنا علي رؤية أصحاب المذاهب المختلفة وهم يجوبون معنا الأروقة الدراسية بغير شحناء ولا تقتير ولا تلون. دربنا تدريبا علي احترام العلماء وتقديرهم التقدير المناسب، وكيفية التواصل مع أنماط المجتمع المختلفة والتعايش مع قضايا المجتمع والوطن بما يسمح بالتعددية كما يحدث في مصر الآن، ثم أن الأزهر هو الجهة الوسطية الوحيدة التي لها تاريخ ولها مقياس حضاري تستطيع الارتكان إليه والإطمئنان عليه.
يوم كان الأزهر يقود الخطاب الإسلامي في العالم، كان الإسلام ينتشر في أصقاع العالم ذات اليمين وذات الشمال، ولما تولي زمام الأمور أصحاب أموال النفط التي سارت في عقولهم، تحولت الدفة بفعل الضخ الإعلامي منهم، وتنحي الأزهر جانبا، وأمسينا نري الإرهاب والتخويف والتفجير والتفكير وترويع الآخرين، وأصبح الإسلام مطاردا يوم غاب الأزهر، فنحن نطالب أن يرجع الأزهر ليحل - بالنظرة العالمية للإسلام - مشكلة ما يسمي»الإسلام فوبيا« التي انتشرت في العالم الآن.
 
الأخلاقي قبل العقائدي
 
< قلت للشيخ خالد الجندي: حديثك مؤخرا في قناة »أغابي« المسيحية كشف أن كثيرا من غير المسلمين لا يعرفون الكثير عن الإسلام، برغم أننا ندعي أننا نعيش ثورة الاتصالات وثروة المعلومات ؟.
<< المطلوب هو تفعيل المعلومة، نحن لا نريد مواعظ كنسية ولا خطباً منبرية، نحن نريد القوة في تطبيق العدالة، »إنما جزاء الذين يحاربون الله وسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض« هذه تربية حاسمة، والرخوة في تطبيق القانون وهي من أسباب الفتنة، والاخلاق تحتاج تربية، وصورة العدالة مغمضة العينين، والميزان هو العدل.
إننا نريد المناظرات الراقية، ومن هنا اعلن التآخي الأخلاقي قبل العقائدي بين قناة »أزهري« وقناة »أغابي« وتبادل رموز القناتين لخدمة الدين والدعوة، فإن فتنة الفضائيات أخطر من الجاسوسية، نريد التوازن الخطابي المعتدل، لعلنا نفيق من هذه الفوضي التي أسأل الله تعالي أن تسفر عن استقرار وأمن، وهذا التراشق أسأل الله أن يتحول الي تعاون وإخاء، والتطاحن يتحول الي فهم الواجبات ، فالوضع القائم والقادم غير مطمئن، ولأن مواجهة الدهماء أمر خطير، فأن دور أهل الفكر والعقل غاية في الخطورة حتي لا تتحول الساحة الي فوضي وفتن، ففي الخلافة الراشدة ،الثلاثة من أصل أربعة قتلوا »عمر وعثمان وعلي«، هل نفعتهم خلافتهم وإسلامهم؟ أبدا.. ففي زخم الأحداث لا أحد يسمع أحداً!.
 
التحرش الديني
 
< قبل 52 يناير فتحت نوافذ »قناة أزهري« لشحصيات مصرية مسيحية الديانة، ومع أن الفتح كان نسبيا، إلا أن الدنيا قامت ولم تقعد من قبل صناع القرار الغاشم؟.
<< لدينا ثلاث رسالات سماوية، وكلها متجاورة، ولم يخلص الله علي واحد منهم، ولو أراد أن يهلك دينا لأهلكه، نحن جعلنا الدين سبب المشكلة، حتي أن الناس كرهت الدين بهذه الصورة المطروحة، وهذه كارثة، نجحنا في أن يكره الناس الدين ورجل الدين، لقد أوجدنا فجوة بين الصفات التعبدية وبين السلوكيات الأخلاقية، والأمر الأسوأ هو التزمت والتعصب وعدم تقبل الآخر، وعدم الاعتراف به، بل واقصاؤه، فهل الدين يشجع علي الكراهية وسواد القلب، مع أن الآية القرآنية تقول:» قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله« وفي المسيحية: » الله محبة«.
< »كراهية متبادلة«.. أليست هذه أكذوبة يدحضها الواقع والتاريخ والجغرافيا ومنظومة القيم الدينية السامية والمرجعيات العرفية والمعرفية والأخلاقية والجمالية في التكوين المصري؟
<< يا أخي إذا كان الدين الإسلامي يحرص علي حياة قطة ويتوعد معذبتها بالعذاب، ألا يحرص علي حياة مسيحي أو يهودي؟ بل ويأمر نبيه الكريم بحماية المشركين »وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتي يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه«.
هذا علي وجه العموم فإن »خير الناس أنفعهم للناس« إن الخلاف سر الإبداع في الحياة » ولو شاء ربك لآمن من في الأرض جميعا ولكن لا يزالون مختلفين ولذلك خلقهم«
 
قراءة أخري لـ » ابن الأكرمين«
 
< يؤكد الشيخ خالد الجندي دائما أن كلمة »قبطي« تفرغت من معناها، يطرق هذه النقطة في أحاديثه ولقاءات مع العلماء وأهل الذكر؟
<< ومع ذلك فهي لا تزال تتداول كخطأ شائع، كلمة إن »قبطيا« كلمة لا تعني »مسيحيا« بل تعني »مصريا« إنها هوية شعب، وهذا ثابت لغويا وتاريخيا لدي العلماء المتخصصين، وقد تعود الناس علي استخدام الكلمات في غير سياقها الصحيح، إن اسم السيدة »ماريا القبطية« زوج سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم، تعني »ماريا المصرية« وكلمة »كافر «لا تعني »ملحدا«بل تعني»لا يعتقد بما لا أعتقد« وفي أقوال بعض شيوخنا »أنا كفرت بنفسي وآمنت بك«.
< للشيخ خالد الجندي فهم جديد وتأويل آخر لواقعة » ابن الأكرمين« في تاريخنا تلقي أضواء قوية علي إشكالية معاصرة؟.
<< ينبغي ألا تفهم علي أنها مسألة مسيحي ومسلم، إن سيدنا عمر بن الخطاب حين استدعي للتحقيق القائد عمرو بن العاص وابنه، والمواطن المصري المسيحي وإبنه ، بعد واقعة ضرب ابن عمرو بن العاص لإبن المصري المسيحي، أمر الخليفة العظيم أن يقوم ابن الرجل المسيحي بضرب عمرو بن العاص نفسه، ولما تعجب الرجل قال له أمير المؤمنين: »اضرب بها رأس عمرو فما ضربك ولده إلا بسلطان أبيه« هذا هو العدل من ابن الخطاب الذي علم العالم معني العدالة الإنسانية. ومما تكشف عنه الواقعة هو تشبث المصري بحقه وإصراره علي نيل هذا الحق، فهو أيضا معني عظيم في الواقعة، وهذا هو الإنسان المصري، وإنني تخلقا بخلق سيدنا عمر بن الخطاب أقول أدفع رقبتي لأي مسيحي يطلب حقه وهذا من صميم الإيمان، وأنا كمسلم أحمي أية كنيسة بجسدي وروحي، وربي أمرني بذلك، وكذلك يأمر المصري المسيحي بحماية المسجد وصدق الله العظيم إذ يقول في محكم التنزيل: »ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا« وإن من حق المسلمين والمسيحيين أن يتشاركوا أعيادهم من منطلق الإحساس الجمعي، فالمناسبات إنسانية »أنا أختلف معك ولكني أدفع حياتي ثمنا لأن تبدي رأيك«.
 
لماذا هنا .. بالذات؟
 
< التعصب الديني يزداد بشكل ملحوظ في الأحياء والتجمعات الشعبية وبين أجواء العامة.. أليس كذلك؟ ولماذا؟
<< التطرف ليس سببه الدين، هناك أسباب نفسية تحدث التطرف النفسي، وهناك السبب الاقتصادي وفتنة انخفاض مستوي المعيشة، وانخفاض المستوي التعليمي، الي جانب التصاق البيوت ببعضها والذي يسفر عن الجموح، فالمسافات الضيقة تنعكس علي نفسية أهل هذه المنطقة أو تلك، فابعدوا الدين عن مسببات التطرف والتعصب، كما أرجو فصل الدين عن المهاترات السياسية، وإبعاد الدين والشعارات الدينية عن السياسة تماما، وإلا سيرتد الكثيرون ويتشكك الكثيرون.
وأقول للذين يطوعون الدين عموما وبشتي مساراته لخدمة أغراض السلطان هم فقهاء جهنم، ولن يتركهم الله في الدنيا والآخرة، كفي خلطا بين الدين والسياسة في الكنيسة والأزهر.
 
المناضلون عن بُـعد 
 
< أنت كثير السفر الي الخارج، وكثيرا ما تلتقي بتجمعات يغلب عليها طابع الفكرالديني، ماذا أنت قائل لما تراه هناك في الأجواء المسيحية والإسلامية؟
<< أقول للجميع مسلمين ومسيحيين: إن أعظم انجاز أن نثبت أننا عباد الله ، ولا نتدخل في شئون الله، أيها السادة:لا تنتحلوا صفة الله ، فلسنا شركاء الله.
< أريد شهادتك، وهي شهادة ليست مجروحة، لأنك تميل الي الحق وصولا إلي الحقيقة؟
<< حوار الأخوة المسيحيين خارج الحدود جزء من الرصيد الوطني الذي لا يجوز به الاستغناء بأي حال، وعليهم الضرب بيد من حديد علي كل من يتآمر من بينهم علي استقرار الوطن الأم، وكذلك الحال بالنسبة لمسلمي الخارج.
والذي يريد أن يحارب أو يناضل من وراء الحدود، تكون دعواه مشبوهة دائما، لأن تأجيج الفتن، مع البعد عنها، ليست من أخلاق الفرسان ولا من صفاتهم.
وأبدا ..لا تؤرقني كثرة الاتحادات خارج أو داخل مصر طالما تهتم بالشئون الدينية، ولا تسعي إلي الوقيعة بين أبناء الشعب الواحد، وهم كثيرون والحمد لله، والقلة المتطرفة من الجانبين التي تقبع وراء الحدود هي استثناء.
 
أرهقتنا وأزهقتنا 
 
< يبتعد الشيخ خالد الجندي عن التشخيص للحالة.. فكم شبعنا من ذلك، ويبتعد أيضا عن الشخصنة.. فكم أرهقتنا وأزهقتنا شخصنة الأمور؟
<< لذلك هو يدعو إلي : 
صحة البداية من المدارس وبالتحديد من مادة التربية الأخلاقية، تكون إجبارية فيها نجاح ورسوب أكثر من أية مادة أخري، اذا كنا جادين في حماية الوطن، مدعمة بآيات من القرآن والإنجيل ، مع مدرس مستنير.
أريد أن أري رجل العلم الديني- مسلما ومسيحيا- في بداية حياته مثل طبيب الامتياز، يقضي مرحلة إجبارية تحت التدريب لمدة عام، يتلقي فيها دراسات مشتركة في فصل واحد، ويشارك في لقاءات تدريبية مشتركة لانقاذ أجيال قادمة،من خلال معهد مشترك للدعوة خاصة في بعدها الاعلامي، فلو تحدثنا عما هو مشترك فيه، لما وجدنا وقتا لنتحدث عما نختلف فيه. أطالب بعيد السماحة، وتفعيله، تتزاور فيه العائلات المسلمة والمسيحية، وليس علي طريقة ما يسمي بالوحدة الوطنية، فقد زهقنا من لقاء القبلات بين الشيوخ والقساوسة في المناسبات، الشعب »موش حاسس بيكم« الكلام جميل نعم ، لكن نفس العبارات تترد منذ سنوات وسنوات، والحال كم هو الحال، إن الدين والتكشيرة والكآبة ظاهرة يجب أن تنتهي في الأمور الدعوية عامة.
عدم التطاول علي عقائد المسلمين والمسيحيين، ووقف سيول الشتائم بين المتطرفين من الجانبين فالإثنان يحملان السلاح، وهذا مرعب.
التشبث بالزي الديني في الإسلام والمسيحية، إذ لابد من احترامه، اقتداء بالزي الميري للقوات المسلحة والشرطة، سواء بسواء، فلا يرتدي هذا الزي الا أصحابه، فتعود الي العالم هيبته وكرامته، وعندما يخطئ يحاسب من قبل هيئة كبار العلماء.
إنشاء نقابة للدعاة، فهي الجهة الوحيدة التي لا توجد لها نقابة، تدافع عن حقوقهم وتتبني مطالبهم، وترفع شكواهم، أليسوا طائفة من طوائف الأمة، لها آمال وطموحات، وأذكر بما قاله سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه:»حق العالم علينا: دابة تحمله، وبيت يؤويه، وزوجة تعينه، ومال يكفيه«.
وقف النزيف بتطبيق الأحكام العسكرية لمن يتجاوز حدوده في التعدي علي الآخر.
 
د. سعد الدين الهلالي أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر
 
 
 
الأزهر جامعة علمية والفاتيكان سلطة دينية
العلاقة بين المسلمين والمسيحيين أخوة إنسانية وشراكة حياتية.. لا استعلاء ولا ذمة ولا ولاية
 
 
يسعي دائما لأن يخرج الكثير من الناس من ظلمات تضييق الفقه، الي نور الأفق الواسع لهذا الفقه، في مؤلفاته وكتاباته وأحاديثه، هو المفكر د. سعد الدين الهلالي أستاذ الفقه بجامعة الأزهر، سألته عن الفهم الصحيح للحديث الذي يستغله الكثيرون لإثارة البلبلة والتشدد والكراهية :»لا تبدأوا اليهود ولا النصاري بالسلام وإذا رأيتموهم في الطريق فاضطروهم في ضيقة« وكيف ينسجم المعني الحقيقي لهذ الحديث النبوي مع الآية الثامنة في سورة الممتحنة : »لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين« لأن أعظم التجليات القرآنية هو مضابقة التصورات للتصديقات.
< قلت له:»التكفير« يطغي علي »التفكير «.. ألا تلاحظ ذلك أيضا خاصة لدي الذين يوهمون الناس في كل الديانات السماوية وغير السماوية بأنهم يتحدثون بتوكيلات من السماء ؟
<< يوجد من يتكلم باسم المسلمين، وجاء في الحديث أن »الإسلام يعلو ولا يعلي« و»لا تبدأوا اليهود ولا النصاري بالسلام وإذا رأيتموهم في الطريق فأضطروهم في ضيقة« هذا الحديث استشهد به البعض مع اية »ولن يجعل الله للكافرين علي المؤمنين سبيلا« اعتمدوا أن هذه الأدلة أساس منظومة استعلاء المسلمين علي غيرهم، وأن غير المسلمين إنما يعيشون في سلام يمنحه المسلمون لهم، فإذا خانوا العهد مع المسلمين جاز للمسلمين أن يتخذوا معهم أشد العقوبات ولو كانت بالقتل.
ولكن يري الاتجاه الفقهي الوسطي الغالب أن العلاقة علاقة شراكة وليست علاقة استعلاء أو ذمة أو ولاية، وإنما نتعايش بحسب العهود والمواثيق التي تعطي كل طائفة حقها الإنساني والطبيعي، استدلالا بـ »وثيقة المدينة« التي أخرجها »ابن هشام« في سيرته، مع المقيمين في المدينة من غير المسلمين، لليهود دينهم، وللمسيحيين دينهم، وللمسلمين دينهم، أمة واحدة لهم النصرة وأن بينهم النصح.
واستدلوا أيضا بأن حديث »الإسلام يعلو ولا يعلي«، يبين قيم الإسلام، ولا علاقة بوضع المسلمين، لأن الإسلام يعلي قيمة العدل ولو كان من غير مسلم، ويمقت صفة الظلم ولو كان من مسلم، لحديث النبي صلي الله عليه وسلم عن أنس في صحيح البخاري»انصر أخاك ظالما أو مظلوما، قالوا وكيف ننصره ظالما قال أن نأخذ علي يديه« وفي قوله تعالي »يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم علي ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوي« إذن فالإسلام يعلي القيمة، ويعلو بها سواء من مسلم أو غير مسلم ، وأما آية »ولن يجعل الله للكافرين علي المؤمنين سبيلا« في سياقها تخبرنا عن أحوال يوم القيامة وليست في الدنيا، وقبلها ورد قوله تعالي:»فالله يحكم بينكم يوم القيامة«.
وأما حديث ».. فاضطروهم إلي ضيقة« فقدم ورد في مناسبة خاصة وليست في عموم الأحوال، وهي مناسبة خيانة اليهود لمعاهدة حماية »المدينة« في »غزوة الأحزاب«التي زلزل المسلمون فيها زلزالا شديدا، وكادوا أن ينهزموا ، فلما نجي الله المسلمين بفضله، كان علي رسول الله أن يقيم عليهم حكم المعاهدة ويحكم فيهم الشرط الجزائي الذي وقعه عليهم، فخشي الرسول من أن يلتف اليهود حول المسلمين لاستعطافهم واستجدائهم، فبادر النبي بهذا القول لكي يقطع علي اليهود حيلتهم في الاستشفاع بالمسلمين.
ولكن في عموم الأحوال، ورد في »صحيح مسلم«: أن رجلا قال يارسول الله أي الإسلام خير؟ قال أن تطعم الطعام، وأن تفشي السلام علي من تعرف ومن لا تعرف« فالإسلام يعرف إفشاء السلام علي كل البشر طالما كان مسالما.
وبناء عليه فالاتجاه الوسطي يري أن العلاقة بين المسلمين وغيرهم، أخوة إنسانية وشراكة حياتية »لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين« الممتحنة 8.
< تتسلل خفية وجهرا دعوة تطالب بـ » دولة الأزهر« علي غرار »دولة الفاتيكان«؟
<< الأزهر جامعة علمية، وسيظل حصنا للعلم، ولن يكون في يوم من الأيام ولي أمر علي الناس، السلطة الدينية ليست إلا لله تعالي، وليست لأحد من البشر:»وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر«.
لكن السلطة الجامعة والعلمية شاملة للمعارف والعلوم التي تنفع الإنسان وتحرره من المخاطر التي تحيط به في الدنيا، أما ولاية السلطة الدينية فليست في الإسلام، لا رهبانية ولا كهنوت في الإسلام.
الفاتيكان سلطة دينية يملكون منح أحكام شرعية، ونحن في الإسلام لا نملك منح أحكام، إنما نجتهد في النصوص برؤي فقهية متعددة، وكل الخلافات الفقهية يجوز العمل بها، ويقرها الشرع تجسيدا لتعظيم الاجتهاد والعقل، ومنع أن يسطو أحد علي أحد، أو مجتهد علي مجتهد آخر، أو أن يكون له سلطة، ويقينا .. الإسلام دين عالمي.
< ما تري في مقولة »إن الله يزع بالقرآن ما لا يزع بالسلطان«؟
<< هذه المقولة ليست قرآنا، وليست حديثا، إنما كلمة يقولها من يملك القوة من يشعر بأن القوة عنده، وهو غير قادر علي التغيير، لكن أود أن أقول إن تجارب الدولة الأموية والعباسية والعثمانية هي تجارب إنسانية، وليست تجارب إسلامية، والمقولة لها معنيان معني سلبي ومعني إيجابي، ثم أنها مقولة الخليفة عثمان بن عفان، ويجب أن نحسن الظن فيه، فعندما واجه الفتنة في أواخرعمره ، وجد أن عبيده يقفون بالسيف من أجل حمايته، فأراد منهم أن يتركوا السلاح لأنه ضد العنف، فقال من وضع سلاحه فهو حر، اغراء لهم بترك السلاح.
ومعني قولة سيدنا عثمان: »يزع الله بالسلطان ما لا يزع بالقرآن«أن يكون السلطان أوالسيف هو الذي يعارك وإلا خالف ما قاله بنفسه، وجاء في الأثر أن »المرء علي دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل« فالأب ينصح ابنه ويعجز أن يعالجه في موضوع من الموضوعات الأخلاقية، فيلجأ إلي صديق له ، ليفاجأ أن ابنه يستجيب لنصح وتوجيه هذا الصديق، وربما يقرأ الإنسان القرآن ويقف أمام نفسه فإذا ما وجد السلطان يشجع علي فعل الخير يستجيب لأن الإنسان يتقوي بغيره.
< و..»سلطان تخافه الرعية خير من سلطان يخافها«؟
<< هي مقولة سلطوية أيضا، فإن صلح سلطان في بعض الوجوه، قد لا يصلح لكل الوجوه، مع وجوده في مجتمع بلطجي أسقط التعامل العقلي وأهدر التعامل الفكري، ولا يريد أن يتعامل إلا مع الشهوات والرغبات والنزوات.
< ماذا أنت فاعل مع هذا المجتمع؟.
<< لا حل إلا القانون وهو السلطان، لكن عندما يكون التعامل مع الناس والحديث مع أسوياء ، بالتأكيد إن وجود الحاكم العادل الرحيم هو الذي يحسن التعامل معه، كما قال تعالي»وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين« و»فبما رحمة من الله لنت لهم ولوكنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر« لكن في العموم، ربما نحتاج الي حاكم قوي ذي سلطان وسيف مع فئة معينة مثل الخارجين علي القانون ونظام المجتمع.
< و.. »نصح الإمام ولزوم طاعته واتباع أمره ونهيه في السر والجهر فرض واجب لا يتم إيمان إلا به، ولا يثبت إسلام إلا عليه« و..»من تعرض للسلطان أرداه، ومن تطامن له تخطاه، وإذا زادك السلطان إكراما فزده إعظاما، وإذا جعلك عبدا فاجعله ربا«
<< هذا ليس بقرآن ولا بحديث ، إنما هو مجرد فهم لما ورد في حديث رواه البخاري أطيعوا ولو تولي عليكم عبد حبشي...«
< و..»هذا قميص ألبسني الله«؟
<< الذي يتزيا بزي الله يكون عادلا وزاهدا في الحياة، أم يكون طامعا فيها؟أعتقد أنها كلمة حق يراد بها باطل، فهو يريد أن يأتي بشرع الله ويتغفل الناس في دينهم، ويستخفهم في عقولهم، لكي يجلس علي الكرسي، ويجعله ملكا شخصيا له بمثل هذه المقولات الاستبدادية.
< الفرعونية والهامانية والقارونية؟.
<< هي ظواهر إنسانية موجودة منذ الإنسان الأول.. آدم. وما حدث بين ابني آدم، يدل علي أن الدين ضرورة وهو العصمة من الشرور، ويؤكد أن الدين هو الحل.
< الدين أصبح يستغل الآن أسوأ استغلال؟.
<< هل هذا »دين« أم »تدين«، الدين هو النص وهو البيان والعلم، وعلي الناس أن تترجم ما تسمعه الي سلوك.
 
 
 
محاورة كاشفة.. بلا أقنعة مع مدحت قلادة رئيس اتحاد المنظمات القبطية في أوروبا:
ثورة 52 يناير غيرت استراتيجية المنظمات القبطية
 
1 - أنا وأنت مصريان في الهوي والهوية، رغم محاولات الاهتزاز والابتزاز.
2 - تسليط اضاءة مركزية في ساحة الحوار المصري الآنـي والآتــي، لاسيما في الجانب العقائدي. 
3 - » ليس للكذب أرجل ولكن للحقيقة أجنحة« مقولة ناصعة لإصلاح ما هو متكسر في ذات البين ليس علي طريقة علاج السرطان بقرص اسبرين.
في ضياء هذه المصابيح ينطلق حواري مع »مدحت قلادة« بصفته رئيس اتحاد المنظمات القبطية في أوروبا، وهو الاتحاد الذي كان يثير أكثر من علامة استفهام باستراتيجيته الفكرية المضادة لكل شواهد النظام السابق وما يحدث في مصر قبل 52 يناير أمام كل الهيئات والمنظمات العالمية، وهي الاستراتيجية التي يقول قلادة أنها تغيرت في كثير من محاورها، طبقا لما يشهده المجتمع المصري من متغيرات جارية، بل يعلن في اللحظة الراهنة الرغبة في المشاركة بقوة في بناء مصر الحديثة القادرة علي ريادة المنطقة كلها.
< ما هي استراتيجية اتحاد المنظمات القبطية في أوروبا الذي ترأسه؟ وماذا عن علاقته باتحاد منظمات امريكا واستراليا؟
<< كان لدي اتحاد المنظمات القبطية بأوروبا استراتيجية قبل ثورة 25 يناير هي محاولة إيقاف التدهور السريع في مشكلة اضطهاد الأقباط في مصر، بفضح النظام الحاكم الديكتاتوري المستبد الأمني أمام كل الهيئات والمنظمات العالمية، والعمل علي فضح النظام البائد امام المحافل العالمية ولكن تغير الوضع بعد الثورة بأن الاتحاد آل علي نفسه العمل علي المساهمة في تعضيد مصر في كل المحافل الدولية والبحث عن المنظمات التنموية لتنمية مصر والنهوض بها اقتصادياً والمشاركة بقوة في بناء مصر الحديثة مصر القوية اقتصاديا القادرة علي ريادة المنطقة كلها. أما بخصوص الاتحاد وارتباطه بالمنظمات الأخري في امريكا واستراليا فقد استطاعت المنظمات القبطية بأوروبا تكوين اتحاد خاص بها للتنسيق والتشاور معا، ونهج سياسة محددة مسبقاً طبقاً لأولوية اجنداتنا المتغيرة علي حسب أرض الواقع، أما منظمات أمريكا وأستراليا فبكل أسف لم يتم عمل اتحاد فيما بينها، ولكن هذا لا يعني أن ليس لنا علاقات تشاور مع العديد من المنظمات القبطية في أمريكا وأستراليا فالواقع ان لنا علاقة بكل المنظمات القبطية في دول العالم 
< هذه الاتحادات هل تمثل قوة ضاغطة تستقوي بالخارج، وتمول الداخل، وتثير الحنق لدي المسيحيين في مصر .. كثيرون أعلنوا ذلك.. فماذا أنت قائل؟.
<< أولاً إن تمويل الاتحاد يتم من الاعضاء مباشرة، وأما أنه يثير الحنق لدي مسيحيي الداخل فهذا بعيد عن الواقع، لأنه لا يوجد فرق بين الداخل والخارج، ومسألة إثارة الحنق كانت عبارات من الإعلام الموجه والمؤدلج أيضاً من قبل أقباط النظام المعروفين في الداخل والخارج، وهذه الاتحادات لم تهدف للتأثير علي مصر اقتصادياً أو اجتماعياً أو عسكريا، ولكن كانت بهدف الضغط علي النظام ليعدل مساره ضد الأقباط وينتهي عن اتباع الأساليب الاستعمارية (فرق تسد).
وكما ذكر الدكتور سعد الدين ابراهيم عبارته المشهورة »أن هذا النظام لا يخشي الفحشاء ولكنه يخاف الفضيحة« فما كانت تقوم به الاتحادات هي فضح أساليبه اللاإنسانية واللا أخلاقية أمام العالم أجمع، فما كان يحدث ضد الاقباط كان بتدبير ورعاية الأجهزة الأمنية وما قمنا به خلال الاعوام السابقة كان لهدف واحد الضغط علي النظام البائد.
وأما عن تمويل الداخل فهذا بعيد عن الواقع فأعمال التمويل للداخل هي مساعدة كل من حرقت بيوتهم وسرقت اموالهم في استعادة جزء يسير لانعدام تعويضات الدولة، فكنا نساهم في توفير حد الكفاف لبعض الضحايا وليس جميعهم، لهروب الدولة من مسئوليتها وخيانتها للعقد الاجتماعي مع مواطنيها الاقباط . 
 
المعيار الحقيقي للمصري
 
< »القبطية« تعني المصرية.. فلماذا لا تنضوي تحت اسم مصر والمصريين؟
<< حينما تم إنشاء هذه المنظمات أو الاتحاد كان في الزمن البائد والحكم الديكتاتوري فكان لازماً علينا الدفاع عن ذوينا، وعدم البعد عن هويتنا القبطية لاننا اقباط » مصريون« فكل المصريين اقباط ولكن نظرا لاكتساح الفكر المتطرف غالبية الشارع المصري اصبحت »كلمة قبطي تساوي مسيحي« لذا فإصرارنا علي كوننا اقباطا تعني مصريين وتضمن المحافظة علي التاريخ المجيد لمصر.
< كلنا مصريون.. في ضوء ذلك تصبح تعبيرات ومصطلحات مثل: المواطنة، وعنصري الأمة، واقباط المهجر، الفتنة الطائفية.. تعبيرات خرافية لا معني لها. فلا تخضع لعلم ولا منطق ولا عقل.. أليس كذلك؟
<< أثناء مقابلتنا مع الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء في شهر مارس الماضي تمني غياب مصطلح عنصري الأمة ليصبح تعبير مصري فقط هو المعيار للمصريين، وهذا تمن، ولكن علي أرض الواقع لم تتحقق هذه الأمنية بعد، بل زادت الاعتداءات عنفاً واتساعاً علي أرض المحروسة، ولكننا بالطبع نتمني مع الدكتور شرف أن تنتهي مصطلحات المواطنة وعنصري الأمة والمواطنة والاعتداءات الطائفية ويصبح المعيار الحقيقي للمصري هو الكفاءة والانتاج والابداع والانتماء الحقيقي لمصر من خلال اعمال وافعال، وليس كما صرح المرشد السابق للاخوان مهدي عاكف، وحديث »الطزات الثلاثة« المشهور، حينما اعلن ان المسلم الماليزي او التركي افضل واقرب لحكم مصر من القبطي !! بالطبع نتمني زوال مثل هذا الفكر لمهدي عاكف وجماعته، ليصبح المعيار الحقيقي لكل المصريين خارجا عن نطاق الدين.
< كلنا يتكاثر علي تشخيص العلل والامراض، لكن العلاج والتخلص من الداء، ووصف الدواء... مفقود ، كأن الصراخ والعويل والبكاء من وعلي الأطلال غاية في حد ذاته.. ماذا تري؟ .
<< إن الصراخ والعويل والبكاء ليس بغاية، ولكنها إحدي الوسائل المؤثرة في المشاعر الإنسانية لدي الآخر، وكوننا بكينا بدون حل علي أرض الواقع فهذا ليس عيباً في صراخنا وعويلنا، ولكن العيب يقطن في النظام القاسي عديم المشاعر، ثم بعد الثورة أنا كتبت مقالا بعنوان»سقوط حائط المبكي« معلناً أن زمن البكاء والعويل علي الأطلال انتهي، والمطلوب الآن العمل علي أرض الواقع لمصر وفي أرض مصر، لذلك حضرنا في شهري مارس ومايو الماضيين، للمشاركة أولاً في بناء مصر ولنعلن سقوط حائط المبكي، وقمنا بعمل مؤتمر يصل إلي العالمية شارك فيه علماء من الأزهر مثل الشيخ محمود عاشور ود. سعد الدين الهلالي، وبعض رؤساء الأحزاب ووزير السياحة كما شارك فيه د. سعد الدين ابراهيم رئيس مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية وغيرهم، وكان المؤتمر بعنوان (مصر بعد ثورة 52 يناير بين الدولة المدنية والدولة الدينية) وهذا هو علاج التخلص من الداء »الدولة الدينية«.
 
التطرف المسيحي
 
< لماذا لا تكتب عن التطرف في »الجماعات المسيحية« أيضا مثل التطرف في »الجماعات الإسلامية« حتي تتوازن الرؤية المصرية الحقيقية، وتتحقق المصداقية في الرأي والرؤية؟.
<< أولاً مفهوم التطرف في الجماعات المسيحية يختلف عن مفهومه في الجماعات الإسلامية، ففي الجماعات الإسلامية يهدد التطرف حياة الآخر وشرفه وماله وعرضه وكل ما تمتد يده إليه، أما التطرف في الجماعات المسيحية هو رد فعل بكلمات ونحن لا نوافق عليه أيضاً، ولكني لكي أكون محقا وعادلا ولا اتبع النظام فلن ادعي أن هناك تطرفا من الجانبين لاختلافهما عنفاً وأسلوباً وكماً وعمقا ايضا.
< وما هي مشاكل المصريين في الخارج إذا كان اتحاد المنظمات القبطية لكل المصريين وليس المسيحيين فقط؟
<< بالطبع نحن نعمل لكل المصريين فكم تبنينا عدداً من قضايا أخوتنا المسلمين في جنيف وفي مصر أيضاً لرفع الغبن عنهم، وذلك لأن رسالتنا إنسانية وبدافع وطني.
 
فتنة التعصب الديني
 
< عنواننا كمسلم وكمسيحي.. ليس هوية، ولكنه مسألة دينية، ليست قومية ولا مصرية، وتلقي بظلال العلاقة مع الله؟ تماما مثل الخطأ العراقي الذي يصنف الكردي علي أنه عراقي كردي كأن الكردية هوية، ولذلك تحدث الفتن؟
<< اعتقادي الشخصي لا تحدث الفتن بسبب التقسيم الديني، وإنما بسبب التعصب الديني والعراقيون الأكراد لا يوجد تشابه بينهم وبين أقباط مصر، فالمصريون جميعاً أقباط، اما العراقيون فليس كلهم اكرادا .
< أعطنا نماذج من مشروعات نابعة من اتحادكم تؤكد مقولاتكم لدعم مصر الآن بعيدا عن الشعارات والهتافات والوعود .. و.. و.. ؟
<< انا شخصيا انطلاقا من مسئوليتي الوطنية اشتركت لدي إحدي شركات الاستثمار في البورصة، كما أن هناك مشروعات تنموية من هيئات نمساوية تصل إلي مائة وعشرين مليون يورو، كما أن هناك أحد أعضاء الاتحاد أيضاً من السويد قادم بمئات ملايين الدولارات لاستثمارها في مصر بعمالة مصرية ضمن مشاريع مصرية أيضا، كل هذا ونحن نريد معرفة الي أي اتجاه ستسير مصر الحديثة دينية ام مدنية .
 
إيقاظ المشاعر النبيلة
 
< في معظم كتاباتك.. تنطلق من افتراضات واجتهادات من نوعية معينة من المفسرين الذين لا يعتد بهم لدي عامة المسلمين، مثلا وهم اسمه »القاعدة الدينية« انها ليست دينية إنما »مسألة فقهية« ليست عامة تلك التي تقول إنها تنص صراحة»لا يؤخذ دم مؤمن بكافر« ومرة تقول »لا يؤخذ دم مسلم بذمي« هذا تأويل وهمي فلماذا تعممه علي الاسلام والمسلمين؟
<< أنا لست رجل دين، وإنما أنا رجل سياسة، أعمل من أرض الواقع، فقتلي الكشح والزاوية والقوصية لم يدن فيها أحد فهل هذا منطق أم أنه يؤكد هذه النصوص؟ بل حتي حينما حكم علي الكموني بالإعدام صدرت تصريحات مدعية بأن اعدامه جاء بناء علي فرضية قتل مسلم.
< ذبح وقتل واغتيال وسحق وغير ذلك من الكلمات المثيرة للعاطفة.. كانت تتردد في مقالاتك وخطاباتك وانت تتحدث الي الغرب فتبدو وكأنك تشعل المزيد من الحرائق القائمة علي الوهم أكثر من الحقيقة؟ 
<< لقد تعودنا في الشرق علي عدم الصدق والموضوعية، لذا حينما يكون الشخص صادقا حادا يتهم بما ليس فيه، لذا كل كلماتي ليست بغرض التأثير علي العاطفة، ولكنها بغرض إيقاظ المشاعر الإنسانية النبيلة؟ وهي الوقوف مع المظلوم ومحاولة رفع الظلم عنه، كما أن اعتمادي علي حادث دنشواي لإظهار كم الظلم الذي تعرض له الأقباط في مصر، فحادث دنشواي مرة واحدة في التاريخ، أما حوادث قتل الأقباط فهي متعددة، ولم يدن أحد، وللاسف للان، فكل المقبوض عليهم في احداث ابوقرقاص وامبابة وماسبيرو وعين شمس، مجني عليهم وليسوا جناة، ومازالت الاساليب العقيمة تتبع »القبض علي المجني عليهم وترك الجناة الحقيقيين أحرارا«.
 
الوطن أولا وأخيرا 
 
< كثير من اتهاماتك مرسلة لا دليل عليها ولابرهان مثل: هجوم يومي ومستمر علي الأقباط في الجرائد القومية والصحف الأمنية، خطف بنات الأقباط أصبحت عادة يومية تتم بتخطيط ورعاية الأجهزة الأمنية ومباركة الأجهزة التنفيذية والشعبية، حرمان الأقباط من حقوقهم الدينية، حذف الحقبة القبطية 007 عام من تاريخ مصر العريق.... أليس كذلك؟ 
<< الهجوم علي الأقباط لم يتم فقط في الصحف القومية التي كانت تفتح لمحمد عمارة وزغلول النجار الباب للسب في عقيدة المسيحيين، بل تعدي ذلك إلي السب في كتابهم المقدس بواسطة الذي وصف الكتاب المقدس بأنه »مكدس« أليست هذه أدلة؟. 
ثم د. عمارة في كتابة»فتنة التكفير« الذي استباح دماء الاقباط ايضا، ثم ماريان وكريستين الفتاتان اللتان ذكرتهما قبل قليل، ثم هل يوجد ضابط أمن دولة قبطي؟ هل يوجد أحد الأقباط في المجلس الأعلي للقوات المسلحة؟ أو المجلس الأعلي للشرطة؟ ثم أين ذهبت الحقبة القبطية؟ إنها ليست اتهامات مرسلة ولكنها حقائق دامغة.
بالطبع نريد بعد ثورة 52 يناير بداية جديدة نعالج فيها جميع هذه العورات ولا نريد ان يأتي علينا اليوم لنصرح للعالم اجمع ان الثورة انتجت عورات ونأمل في اطلاق سراح المحكوم عليهم في احدث ابوقرقاص وامبابة وعين شمس لان جميعهم ضحايا وليسوا جناة .
أخيرا نأمل في إعلام هادف، وليس اعلاما أصفر، نريد اعلاما جادا صادقا في وطنيته يعمل علي ارضية وطنية، ليس بغرض الكسب الحرام علي حساب الوطن ونريد صحافة حزبية امينة لا تتلون نريد صحافة تراعي الله ومصلحة الوطن أولا وأخيرا.
 
 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مدحت قلادة
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/07/29



كتابة تعليق لموضوع : مناظرة ثلاثية بين القاهرة وسويسرا لـــ : استئصال التحرش الديني
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net