صفحة الكاتب : السيد ابراهيم سرور العاملي

لغة التاءات الثلاثة التشكيك =التشهير=التسقيط
السيد ابراهيم سرور العاملي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
قال تعالى: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبينا}. (الأحزاب: 58).
من أروع ما جاء به الاسلام الحنيف هو الحفاظ على الحرمات ، كحرمة الدم والمال والعرض ، فقد جاء عن رسول الله (صلى الله عليه واله ) : كل المسلم على المسلم حرام ،ودمه وماله وعرضه، والغيبة تناول العرض . إذاً لكل انسان مسلم حرمة وعرض ولايجوز التعدي على ذلك ، نعم هنالك حالات يجوز فيها ذلك لمصلحة ولكنها قليلة جدا .ومع الاسف نشهد اليوم حملة واسعة من التسقيطات ، حيث يقوم بعضنا بتلفيق التهم والكذب والافتراء والقصص وغيرها في سبيل هدم شخصيات معينة او النيل منها . وهذا على مستويات متعددة :منها : التسقيط الديني ، حيث يقوم البعض بهدم الرموز الدينية في أعين المجتمع . جاء عن الامام الصادق (عليه السلام ) انه قال : من روى على مؤمن رواية يريد بها شينه وهدم مروته ليسقط من أعين الناس ، وأخرجه الله من ولايته الى ولاية الشيطان فلا يقبله الشيطان .
لعلي لا أبالغ لوقلت بأن محاكم التفتيش التي أطلقها البابا جرينوار التاسع في بدايات القرن الثالث عشرالميلادي وراح ضحيتها الآلاف من العلماء والمفكرين بتهمة "الهرطقة" موجودة في تاريخنا الإسلامي، بل نستطيع أن نقول بأنها لا تزال موجودة حتى في عصرنا الحاضر، ولكن بعناوين أخرى، وبجلادين من نوع آخر، وبوسائل إقصائية وتنكيليه مختلفة تناسب وضعية هذا الزمن، وإلا فالفكرة في أساسها موجودة -وهي محاسبة الآخرين على عقائدهم وآرائهم- وإن كانت تختلف في درجتها وكيفيتها وتفاصيلها عن تلك الموجودة في تاريخ المسيحية.فلا يُكابر البعض ولا يتفاخر بقوله بأنه لا يوجد عندنا محاكم للتفتيش على غرار ما في تاريخ الديانة المسيحية، لأن هذه مكرمة وهمية، فمحاكم التفتيش –لو دققنا جيداً- موجودة عندنا، ولكن بعناوين ومسميات أخرى، ويوجد في تاريخ الديانتين ( المسيحية والإسلامية) جلادين وضحايا لأمثال هذه المحاكم، وما حملات التسقيط والتشكيك في النوايا والمعتقدات التي واجهها ولا زال يواجهها الكثير من العلماء والمفكرين المسلمين إلا أحد تداعياتها، فالكثير من العلماء والمفكرين مُورس في حقهم التسقيط والإقصاء، لأنهم جاءوا لمجتمعاتهم بما لم تعتاد عليه، وهذه النتيجة تبدو طبيعية جداً، فكل صاحب دعوة تجديدية تخالف المعهود والمألوف الاجتماعي لابد وأن يمارس في حقه التسقيط والتشويه والتشهير والإقصاء، وذلك لكي يقطع عليه الطريق ولا يستطيع بعدها من التأثير على الآخرين.وهذا ليس مقتصراً على العلماء والقيادات التجديدية في زماننا هذا أو في ذلك الزمان، بل إنه يمتد إلى عصر الأنبياء والأئمة (ع)، فهم أيضاً لاقوا ما لاقوه من الأذى، وتعرضوا للعديد من حملات التسقيط والتشويه، فالأنبياء (ع) ومنهم نبينا محمد (ص) اتهموا بالسحر والكذب والكهانة والجنون وغيرها من الاتهامات التي كانت تستهدفهم لتشويه صورتهم ليبتعد الناس عنهم ولا يتأثروا بهم، وكذلك نجد أن الأئمة (ع) قد اتهموا بالعديد من التهم بغرض تشويه صورتهم، فلقد اتهم الإمام علي بن أبي طالب (ع) بأنه لا يصلي، وأتهم الإمام الحسن (ع) بأنه مزواج، وأتهم الإمام الحسين (ع) بأنه خارجي، وهذه التهم ليست ببعيدة عن التهم التي أتهم بها العديد من العلماء والمصلحين الذين تعرضوا لحملات الإسقاط والتشويه.والتسقيط فن لا يجيده كل الناس، فهو يحتاج لمهارات وقدرات من نوع خاص، وهي لا تتوفر إلا لمن باع نفسه للشيطان، ولهذا نجد من يُجيدون مثل هذا الفن لا يكتفون بممارسته فقط، بل يقومون بشرعنته –أي التسقيط- وبإلباسه لباساً شرعياً، كقول أحدهم عن الحسين (ع): "الحسين خرج عن حده فقتل بسيف جده" أو كما يفعل البعض من تتبع عثرات من يريد إسقاطه والكذب عليه، وتحريفه لكلامه عن مواضعه، وتحميله أكثر مما يحتمل، وإساءة الظن به واتهامه، والتشكيك في نواياه، وممارسة الغيبة والنميمة وغيرها من أساليب الانحلال الأخلاقي التي تستخدم عادة للتحريض والتسقيط... وبعد ذلك نجدهم يقومون بتبرير هذه الأعمال الشنيعة بقولهم: أن ما يقومون به هو دفاعاً عن الدين أو العقيدة أو أهل البيت (ع) ضد أهل الضلال والانحراف والباطل!! والأنكى من ذلك أن يبرروا هذه الأمور ويدخلوها مدخل الوجوب الشرعي، فهم لا يكتفون بالقول بجوازها فقط، بل يصورونها وكأنها واجباً شرعياً سيؤثمون عليه لو تركوه، كقول أحدهم: أنه يمارس بعض هذه الأمور لأنه يراها من باب تكليفه الشرعي، فتجده يتهم الآخرين ويحرض عليهم وإذا سُأل: أجاب بأنه يرى ذلك تكليفاً شرعياً يجب عليه القيام به، ولا أدري كيف يجمع هؤلاء بين تصرفاتهم هذه، وبين الروايات الشريفة الواردة عن أهل البيت (ع) والتي تحذر من هذا الأمر، منها ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: «إذا اتّهم المؤمنُ أخاه انماثَ الإيمانُ من قلبه كما ينماث الملح في الماء».
التسقيط في دوافعه وأهدافه وأسلوبه ومنهجه وآلياته مختلفٌ عن مطلق النقد، إنّه محاولة اغتيال غير جسديّة تسعى لحذف هذا الشخص أو ذاك من الوجود وتبديد قوّته وبقائه وحضوره وجمهوره وغير ذلك، بأسلوب لا يحكي عن إشفاق وحرص بقدر ما يحكي عن تشفٍّ وانتقام، إلى حدّ أنّه لا يجوز ذكره في أيّ مكان، ذلك كلّه لنبني عروشنا ـ مع الأسف ـ على جماجم غيرنا، بدل أن نبنيها على جهودنا وإمكاناتنا ومنجزاتنا وتجاربنا. نحن نرفض بشدّة هذا المنطق، وليست المشكلة في حوزةٍ هنا أو أخرى هناك، أو في هذا الشخص أو ذاك، إنّها في الفكر والعقل الذي لابد من إصلاحه، لا أن نقوم بتصفية حساباتنا مع جماعة هنا أو هناك، أو حوزة هنا أو هناك، أو مع تيار هنا أو هناك، مستخدمين أسلوب كشف النواقص دون بيان الإيجابيّات، وذلك كلّه بنفس الدرجة التي ندين فيها ما يريده الآخرون من السكوت المتواصل عن تقصير الكثيرين وعن الأفكار الخاطئة، فلا السكوت والحلول الصامتة هي التي تعطي نتيجة، ولا الغضب الذي يقصف عشوائيّاً كلّ مكان لا يعجبه، بطريقة تحتاج إلى إعادة توازن أخلاقي أو فكري. 
فظاهرة التشكيك والطعن والتسقيط والتشهير مصدرها عقليّة الحروب العقائدية الأيديولوجية التي لا تعرف منطق (لا غالب ولا مغلوب)، إنها الثقافة السطحيّة المعلّبة، حتى أنّك في كثير من الأوساط لو سألت: ما هي مشكلتكم مع فلان؟ فلا يعرفون! لا أريد أن أدافع عن أحد، لكن أريد أن أبكي على حالنا في كيفية تعاملنا مع بعضنا، فتتربّى الأجيال على شائعات وقصص ولا يعرف أحدٌ .
مهما يكن الأمر، فلا يخفى على كل ذي عقل واع ما للتسقيط من آثار سلبية خطيرة ومدمرة تهدد وحدة الكيان الاجتماعي، فالتسقيط ظاهرة أقل ما يُمكن أن يقال بشأنها أنها ظاهرة خطيرة جداً، خصوصاً إذا ما عرفنا أنها لا تستهدف في العادة إلا الشخصيات والرموز البارزة في المجتمع، وللأسف أن الرموز والشخصيات البارزة كرجال الدين مثلاً هم من أكثر الناس ممارسة للتسقيط، فهم كثيراً ما يلجئون إلى تسقيط العلماء ورجال الدين الآخرين الذي لا يتفقون معهم في الآراء والتوجهات.. فيا للعجب! ومن المناسب هنا أن أذكر هذه الوصية المروية عن الإمام علي بن موسى الرضا (ع)، فلعلها تلقى آذاناً صاغية عند الذين يمارسون التسقيط، فقد روي عن الإمام الرضا (ع) أنه أوصى عبد العظيم بن عبد الله الحسني بقوله: ((يَا عَبْدَ الْعَظِيمِ أَبْلِغْ عَنِّي أَوْلِيَائِيَ }السَّلَامَ{ وَقُلْ لَهُمْ لَا يَجْعَلُوا لِلشَّيْطَانِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ سَبِيلًا وَ مُرْهُمْ: بِالصِّدْقِ فِي الْحَدِيثِ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَمُرْهُمْ بِالسُّكُوتِ وَتَرْكِ الْجِدَالِ فِيمَا لَا يَعْنِيهِمْ، وَإِقْبَالِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ وَالْمُزَاوَرَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ قُرْبَةٌ إِلَيَّ وَلا يَشْغَلُوا أَنْفُسَهُمْ بِتَمْزِيقِ بَعْضِهِمْ بَعْضاً فَإِنِّي آلَيْتُ عَلَى نَفْسِي أَنَّهُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَأَسْخَطَ وَلِيّاً مِنْ أَوْلِيَائِي دَعَوْتُ اللَّهَ لِيُعَذِّبَهُ فِي الدُّنْيَا أَشَدَّ الْعَذَابِ وَكَانَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ، وَعَرِّفْهُمْ انَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لِمُحْسِنِهِمْ وَتَجَاوَزَ عَنْ مُسِيئِهِمْ (إِلَّا مَنْ أَشْرَكَ بِهِ أَوْ آذَى وَلِيّاً مِنْ أَوْلِيَائِي) أَوْ أَضْمَرَ لَهُ سُوءاً فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ لَهُ حَتَّى يَرْجِعَ عَنْهُ فَإِنْ رَجَعَ عَنْهُ وَ إِلَّا نُزِعَ رُوحُ الْإِيمَانِ عَنْ قَلْبِهِ وَخَرَجَ عَنْ وَلَايَتِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ نصِيبٌ فِي وَلَايَتِنَا وَ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ)).ويبقى السؤال: تسقيط العلماء.. لمصلحة من؟! فإذا عرفنا أن ذلك ليس من مصلحتنا، فإني أترك الإجابة للقارئ العزيز في تحديد الجهات المستفيدة من هذه الظاهرة الخطيرة.

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


السيد ابراهيم سرور العاملي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/07/20



كتابة تعليق لموضوع : لغة التاءات الثلاثة التشكيك =التشهير=التسقيط
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net