صفحة الكاتب : حيدر الحد راوي

داعش ... وحش العصر
حيدر الحد راوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
كثيرا ما سمعنا عن الوحوش , التي تفتك بالإنسان , تقتله شر قتلة , وتمزقه شر ممزق , سواء كان ذلك  في حكاوي العجائز والتي غالبا ما يكون فيها اسم الوحش (طنطل – بعبع – سبمبع وحتى الواوي ...الخ) , او في الاساطير , وايضا في القصص والروايات , والاخيرة ملئت عدة ألوفا من الكتب حول تلك الوحوش الفتاكة , جميعها  تضفي على ابطالها من الوحوش مواصفات خاصة , وهيئات مختلفة , يمكننا ان نصنفها لا على سبيل الحصر الى :   
1- ان يكون الوحش من عالم الجن والعفاريت : مرة يكون جني مارد , او عفريت متمرد , ذو هيئة مكفهرة , ضخم الجثة , ناهيك عن الاسنان البارزة والاظافر الطويلة , وربما كانت عيون ذلك الوحش العفريت طوليا او عرضيا , وعددها يختلف من وحش لأخر , فهناك العفريت ذو العيون الخمسة او ذو العين الواحدة ...الخ.
2- ان يكون الوحش على هيئة انسان , وهنا ينقسم الى ثلاثة انواع من الوحوش 
أ‌) ان يكون الوحش رجلا : وهنا يكون في محورين :
أ-1- رجلا يمتهن مهن متواضعة او محتقرة كالحائك مثلا , ترسمه الحكايات على 
      انه يقوم بأعمال عدوانية متسترا بالظلام , غالبا ما تكون اعماله الوحشية 
      تلك نابعة من عقدة نقص تولدت فيه بسبب سوء معاملة الناس له . 
أ-2- رجل يمتهن مهن وضيعة او لا اخلاقية , كالقرصان او اللص الذي يخطف 
      الاطفال , كي يأكلهم , او يقتلهم من اجل اللهو والمتعة , او يشرح اجسامهم 
      ليستخرج بعض الاجزاء منها لأغراض معينة .   
ب‌) ان يكون الوحش امرأة : وهنا يتخذ له عدة اشكال ومواصفات , منها : 
ب-1- ان يكون على هيئة امرأة , ذات حسن وجمال , تستخدم مفاتنها للإيقاع 
        بضحاياها من ذوي الحظ العاثر . 
ب-2- او يكون على هيئة امرأة ذات شكل قبيح , ربما كان شعرها من الافاعي 
        السامة , كل من ينظر اليها من بشر او حيوان يتحول الى حجر , ولن 
        يعود الى حالته الطبيعية مرة اخرى ما لم تقتل تلك المرأة .
ب-3- ان يكون ذلك الوحش على هيئة امرأة تجيد فنون السحر والشعوذة , توقع 
         ضحاياها باستعمال تلك الفنون . 
ب-4- كثيرا من الحكايات والاساطير ترسم ذلك الوحش الشرس على انه امرأة 
        طبيعية , لا تملك جمالا أخاذ , ولا قبح منفر , لكنها تملك من الحقد 
       والضغينة والحسد ما يكفي لإيذاء الضحية .
ج‌) في اساطير وحكايات كثيرة يظهر فيها الوحش على انه مخلوق شبيه بالإنسان , الا انه عملاق , وذو مواصفات جسدية تبث الرعب في قلوب الاطفال .. بل وحتى الكبار .
ح‌) كثيرا من الاساطير والحكايا ترسم الوحش على انه انسان او مخلوق يشبهه , يقوم بامتصاص دم الضحية حتى الموت , ثم يتركها جثة هامدة , ليس مهما ان يكون انثى او ذكر , وان كانت الصفة الغالبة على مصاصي الدماء انهم ذكور .
خ‌) ينبغي الاشارة الى نوع حديث من الوحوش , الزومبي , موتى تحركهم قوى خفية , او فايروس متطور جدا لم يكتشف بعد , او يمثلون ظاهرة غامضة , مهما كانت القوى المحركة فأنهم يفتكون بالكائنات الحية , يأكلون كل ضحية دفعها حظها العاثر الى ان تقع بين ايديهم , وربما حولوها الى عنصر زومبي جديد , لا يشترط الجنس والعمر في الزومبي , فقد يكون مذكرا او مؤنثا , بالغا او غير بالغ , كما ولا يشترط ان يكون بشريا , فقد يكون حيوانا ايضا .  
د‌) في احايين كثيرة , يكون الوحش بطل الاسطورة او الحكاية انسانا متحولا , في النهار يمارس حياته اليومية بشكل طبيعي , اما في الليل , وبالتحديد في منتصفه , فأنه يتحول الى كائن متوحش , في اغلب الاحيان يكون ذئبا , او مستذئبا , او شيء اخر , نتيجة مرض او اصابة مجهولة الهوية . 
3- بعض الاساطير او الحكايا تستلهم وحوشها من الطبيعة , فتارة يكون ذئبا ماكرا , او ثعلبا غدارا , وتارة اخرى يكون الوحش اسدا شرسا يقتل الصياد (الصيادين) , او حتى نمرا متوحشا يفتك بكل من اعترضه .  
4- بعض الاساطير والحكايات تصور الوحوش على انها كائنات قادمة من كواكب اخرى , وهم على نوعين :
4-أ- كائنات فضائية متطورة ومجهزة بأسلحة حديثة تفوق اسلحة بني البشر , تزور  
      الارض من فترة الى اخرى , بحثا عن اغراض واهداف معينة .
4-ب- كائنات فضائية متوحشة وصلت الى الارض نتيجة خطأ ما .          
مهما كان الوحش بطل الحكاية او الاسطورة , الا ان اغلبها تكاد تتفق على اسباب قد تكون منطقية للقتل والفتك :
1- تقتل لتأكل , عندما تشعر بالجوع , ولا تقتل ضحية ما من اجل اللهو ومتعة اراقة الدماء .
2- تقتل دفاعا عن النفس , غالبا لا تهاجم الوحوش الا حين يعتدي عليها او يتم الاعتداء على منطقة نفوذها .
3- تكاد تتفق جميع الوحوش بمختلف انواعها انها نادرا ما تفتك بأبناء جنسها , الا في حالات خاصة , فعدوانيتها تنصب على الاجناس الاخرى .
4- غالبا ما يكون اعتداء الوحوش على الضحية (كالإنسان مثلا) فقط , ولا شأن لها بممتلكاته ومتعلقاته . 
أقصى ما تستطيع تلك الوحوش فعله هو القتل , قتل الضحية , بعضها يكتفي بذلك , وبعضها يضيف التمثيل بالجثة , وبعضها يأكل من الجثة ما يسد الرمق ويترك ما تبقى منها لغيره , مع العلم , ان الضحية اذا ماتت لا يهمها ما سيجري على جثتها , لأنها لن تشعر بالألم بعدئذ .     
اشكال واسماء تلك الوحوش تتغير حسب الزمان والمكان , وكذلك العمر , فلكل زمان وحوشه , ولكل مكان وحوشه , ولكل فئة عمرية وحوشا تخشاها , كل وحش يملك قدرات خاصة , وصفات عدوانية بغيضة , توجب تحاشيه والهروب منه .
ماذا يمكن للوحوش ان تفعل اكثر من القتل والتمثيل ؟ , أثارة الرعب مثلا , قد يستمر ذلك لفترة , لكن الضحية سوف تلجأ الى عدة طرق للمواجهة , منها : 
1- ان تكون ضعيفة بما يكفي لتبقى مذعورة من الوحش المتربص , الا ان ذلك الرعب سوف يمنحها التأقلم .. ومسايرته بأخذ الحيطة والحذر . 
2- ان تطور اساليبها الدفاعية , الى ان يمنحها ذلك درعا واقيا .
3- ان تنتقل من حالة الدفاع عن النفس الى حالة الهجوم , وذلك بأعداد الكمائن والتربص بالوحش المتربص ! .    
القتل غير كاف , فكل شيء مصيره الزوال والفناء , اثارة الرعب , غير كاف ايضا , فسرعان ما ستتأقلم الضحية وتجد بالبحث عن اساليب جيدة تضمن لها البقاء والاستمرار في الحياة , لا شيء اكثر من ذلك , ربما كان ذلك مخيفا ومرعبا في ما مضى , الا انه لم يعد كذلك , بعد ظهور وحشا عصريا جديد , داعش (ISIS) , التي تفوقت على كل الوحوش بالقدرة على الفتك وتقطيع الاوصال , لا لشيء الا انهم يخالفونهم في طريقة التفكير والمعتقد , لقد ذكرنا اعلاه ان الوحوش تفتك لأسباب قد تكون منطقية , اما الوحش الداعشي فلا يملك اسبابا منطقية , ذلك لوحده يكفي ان يجعل من داعش (ISIS) الوحش الاكثر فتكا بالإنسان , وليس بالإنسان فقط , بل وبممتلكاته ومتعلقاته ايضا .
لو احصينا مميزات تفوق داعش (ISIS) على كل انواع الوحوش , لوجدناها اكثر مما تحصى , ما يجعلها الاقرب الى الشيطان , الذي تلقى على عاتقه كافة الاعمال الوحشية والاجرامية .
كل وحوش الاساطير والحكايا لم تأت من فراغ , بل جاءت من مخيلة اصحابها , والذين بدورهم اقتبسوها من ظواهر واحداث جرت في زمانهم , او اقتبسوها من مخيلات غيرهم ممن لم يسعفهم الحظ بتدوينها , كذلك الوحش داعش (ISIS) لم يأت من فراغ هو الاخر , هناك ارضية مناسبة , كافية لاستيلاد ليس وحشا واحدا فقط , بل العديد من الوحوش المماثلة , جل ما يحتاج اليه هو نحات بارع , يستطيع ان يعجن تراب تلك الارضية , ثم يتركه حتى يجف ويتحجر , بعدها يقوم بنحته بالإزميل بالصورة التي يرغب فيها , وفي النهاية ما عليه الا ان يدفع بذلك التمثال ويزرعه في المجتمع المناسب , بعد ان يهيأ له الظروف الملائمة .      
سينمو الوحش ويترعرع في الاجواء المناسبة , حتى يبلغ مرحلة النضج , مع ذلك لا يمكنه ان يكون مستقلا عن صانعه , ذلك النحات الماهر , سيبقى بحاجة ماسة اليه , من اجل الرعاية , الاستشارة , الارشاد , التوجيه , وربما الحماية ! . 
وحش العصر داعش (ISIS) نحت بطريقة تلبي اغراض واهداف نحاتيه المهرة , من اجل قضية كبيرة .. و هامة , بلغت من اهميتها ان يضحوا بالألوف من البشر بدم بارد . 
كل وحش من وحوش الاساطير والحكايات يمكن القضاء عليه بشكل تام ونهائي , كي تكون النهايات سعيدة , ومبشرة بالخير .
اما الوحش داعش (ISIS) كشجرة خبيثة , لا يمكن القضاء عليها بقطع اغصانها , لأنها ستعاود النمو من جديد , لذا يتطلب القضاء عليها اجتثاثها من جذورها , وهنا يكمن الخطر , نفس الارضية التي نبتت عليها شجرة الوحش داعش (ISIS) قد أنبتت اشجار خبيثة اخرى سبقتها , وقطعت اغصانها , لذا لم تمت بشكل نهائي , بل لازالت قائمة وان كانت قصيرة .
يتطلب امر القضاء على شجرة الوحش داعش (ISIS) والاشجار الخبيثة المماثلة الاخرى اقتلاعها جميعا من الجذور , ليس ذاك فحسب , بل قد يتطلب الامر تخريب الارضية التي ولدت منها , خشية ان تنمو فيها جذورا لأشجار اخرى في المستقبل , هذا يعني ان ختام قصة الوحش داعش (ISIS) لن تكون سعيدة كما يفترض ويأمل , يبدو ان النحات قرر ان يجعل نهاية هذا الوحش مختلفة عن النهايات المعهودة للوحوش .     
تجفيف المستنقعات للقضاء على البعوض , هدم وتخريب الارضية التي ولد منها الوحش داعش (ISIS) وما ماثله من الوحوش الاخرى التي سبقته يضمن القضاء عليها بالكامل , كما ويضمن عدم عودتها او ظهور وحوش مماثله واشجار خبيثة اخرى , هذا يعني القضاء على الاسلام ! , الذي من اجله نحتت تلك التماثيل المتحركة , وهو الغرض المغرض الذي عمل النحات من اجله , صوّر الوحش داعش (ISIS) على انه ولد من رحم الاسلام , مستعينا بكثير من الهفوات والمغالطات والتحريفات والتلاعبات الواردة في كثير من كتبه , فصنع منها ما أراد , بعد ان صنعت مماثلات كثيرة , الا انها فشلت في تحقيق الهدف المنشود , وهو القضاء على الاسلام من الداخل , بعد فشل الحملات الكثيرة للقضاء عليه من الخارج .
ألقى نحات الوحش داعش (ISIS) والنحاتين الاخرين الذين نحتوا وحوشا اخرى في عقول ومخيلات العالم ان الاسلام رحم الارهاب , ومنه ينبع , بذا يكون الاسلام هو الوحش المعاصر , وبكل جدارة , لكثرة ما انتج من مفترسين ! .
لا تنتهي قصة الارهاب عند اجتثاث الوحش داعش (ISIS) , ولن تنتهي قصص الوحوش التي سبقته وان كان قد تم تحجيم دورها , دون ردم منبعه , الاسلام , وهذا ما دعا النحات ان يرفع الازميل .   

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر الحد راوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/07/10



كتابة تعليق لموضوع : داعش ... وحش العصر
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net