صفحة الكاتب : معتصم الصالح

من يحرك التاريخ . العقل ام المادة.
معتصم الصالح

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 لماذا يتعصب كل منا لفكرة ما, ونختلف حولها, الى درجة القطيعة والعداوة والبغضاء, ونصل حد القتل و الاحتراب ولا تهدا حدة الاختلاف الا برؤية الدم احمرا قانيا, كلَ يريد ان يثبت وجهة نظره هي الصحيحة, وانه الفرقة الناجية والباقون على الباطل!!

ينقسم عالمنا اليوم الى معسكرين متناقضين اساس اختلافهما عقائدي ذو جذور تاريخية موغلة بالقدم مع الاعتقاد الخاطئ ان كل معسكر يدعي بان لديه الحل الغيبي وهو الاوفر حظا للفوز برضا الاله والواحد ! في نهاية المطاف وبما ان طبيعة الخلاف تاريخي الاصل, تبقى احد الافكار الرئيسية التي يشتد حولها الخلاف هو ما اذا كان التاريخ يعيد نفسه ام لا؟ 

وهل يكرر نفسه بإرادة ذاتية ام بتأثير قوة خارجية؟ 

والسؤال المهم اليوم هل يستفيد الانسان والامم والطوائف من دروس التاريخ ام العكس؟

والسؤال الاهم اذا كان التاريخ يعيد نفسه, فمن يحرك هذا التاريخ ؟ 

يقول احد الحكماء ان الاقتصاد هو من اقوى محركات التاريخ. ويميل رأي فلاسفة آخرون الا ان العقل البشري هو من يحرك التاريخ, والحديث هنا بمعنى الاحداث وحيث ان التاريخ هو السجل او المرآة العاكسة لصورة هذه الاحداث بصغيرها او كبيرها. 

كيف يدرس التاريخ من مفهوم مادي ام وفق المفهوم الفلسفي الفكري ؟ وما دمنا في جدلية البحث هنا قد يسال سائل عن المادة والروح ,والجسد والعقل هل هما حقيقتان مختلفتان ام هما لا شيء, سوى حقيقة وجود المادة ! وان الفكر ليس الا مظهرا من مظاهرها ؟

الرأي المعاصر, هو ثنائية الكون في ما رأى الانسان منذ قديم الزمان, فقد رأى السماء , و رأى الارض, رأى السماء و زينتها من نجوم واجرام سماوية, و رأى الارض وما عليها من احياء وموجودات, وما لفت الانتباه وجود فاصل ساشع بينما , وظل سائحا بفكره بينهما غمرة الزحام والنظام و اللإنظام فراح يجمع المتشابه منهما ويباعد بين المختلف. بقيت الثنائية قائمة, ثنائية الليل والنهار, وثنائية الخير والشر, الحيوان والنبات, الماء والهواء, السهل والصخر, وما هو عاقل وغير العاقل وما هو جماد وما هو حي . كيف يُفرق بينما ؟ هناك الحركة وهناك ما هو ساكن, وما هو متحرك, والحركة وصل بها الفكر الي الحركة الاستاتيكية أي الساكنة والحركة الديناميكية أي المستمرة, يجمعهما المادة ويفرقهما الروح, وذوات الروح لها الفكر ومنها فكر واضح وفكر عاجز كما في الحيوان والمخلوقات الدنيا.

من هنا تجلى مذهب الثنائية Dualism عند الفلاسفة القدامى, ثنائية النور والظلام وثنائية الحر والبرد, الجفاف والرطوبة .... 

تاريخيا, عند حكماء الصين جمعوا الاطراف النافعة في هذه الثنائيات واسموها Yang وجمعوا نقيضتاها اطراف السوء واسموها Yin أي الاصول المتعارضة والبسوها زيا دينيا وان فلسفة الحياة لديهم, معركة مستمرة بين هذه الاضداد.

ثنى كبار فلاسفة حضارة الفرس على هذه الفلسفة أي الثنائية فقال كبيرهم زرادشت ان طبيعة الكون تطوى على صراع ازلي , صراع بين فرعين كبيرين , بين اهريمان ,رب الشر والظلام والدمار ,و اهورا مزدا, رب الخير والنور والصلاح , عبد الفرس الاقدمون الاخير ,وتقربوا اليه وتوسلوا وتضرعوا اليه كثيرا لأنه المخلص لحياتهم, السبيل لسعادتهم, رمزوا له بالنار وكما هو حال اقرانهم حكماء الصين اسبغوا على ماهية هذا الصراع الصفة الدينية, وكانوا من عباد النار.

حتى جاء الاغريق وكانوا اول من باعد كثيرا بين هذه الثنائية الازلية وغلبة الخير على الشر ام العكس, ورمزية كل منهما من نور وظلام , وصلاح ودمار.

الاغريق بنوا منطقاَ فلسفياَ على ما هو مادي واخر روحي او غير مادي .

مع الاغريق بدا الحديث عن الروح فقد قال الفيلسوف الاغريقي لوجس Logos ان هنالك شعلة خفية لا تنتهي, تشيع كل ما هو دافق في الكون من حركة دائبة. هذه الشعلة الخفية اطلق عليها هيرقراتس \" بالحكمة \", فلسفة اغريقية اخرى تتبع الكون في انتقاله من الفوضى الى النظام ,وتفرق الانواع والاصناف وترتب ما هو مرتب منها. اذا اتينا الى فلسفة وارسطو فهو يرتب ما هو مادي اولا ثم يضع الاحياء ذوات الروح نابعة منها ,افلاطون يرد الأشياء والاحياء الى اصول لا مادية ويرى بان هذه الاصول هي الخالدة وان تقمصت اشكالا مادية فأفلاطون عكس ارسطو يرى الاصل اللامادي فوق المادي .

الفلسفة في العصور الوسطى منها فلسفة الفيلسوف الفرنسي الكبير ديكارت فنجد ان يبدا فلسفته من التحقق من وجود نفسه اولا باعتبار ان تلك الحقيقة الاولى لكل باحث ان يبحث عنها , وهو صاحب مقولة \"انا افكر اذن انا موجود\" وجاء من بعده كبير فلاسفة المانيا كنط Kant بان اعطى مساحة وحيزا اكبر للعقل ومكانته في هذا الوجود.

على النقيض من مذهب الثنائية هنالك مذهب الواحدية او الاحادية Monism هي النظرية المعارضة للثنائية ملخصها بان ليس هنالك سوى المادة ! أي ان الاشياء ترجع الى شيء واحد لا شيئين.

اذا رجعنا الى الحضارة الفرعونية نجد الاله امون هو رب الارباب ورب الكون. العقيدة الفرعونية قللت من الثنائيات في ادبيتها كثيرا, حتى اعتبرت ان عالم الموت هو امتداد حي لعالم الحياة ولهذا بنوا الاهرامات والمعابد لملكوهم وجهزوها بكل امواله وعدته كما لو كان حيا. بقيت حضارة وادي النيل تناضل بين ربوبية امون وديانة التوحيد التي تظهر فيها لحقب معينة برسالات سماوية لكنها ما تلبث ان تختفي لترجع سلطة امون وكلاهما يبقيان ضمن مذهب الواحدية .

حضارة وادي الرافدين بقيت ضمن مذهب الواحدية او الاحادية من خلال دراسة الديانات العراقية القديمة يتضح لنا ذلك بيسر. وكان الاله أنليل يعتبر كبير الالهة ولفترة طويل من الزمن . قام هؤلاء الكهنة بنشر ديواناً شعرياً مطولاً ذا طابع أسطوري وتقريظي أسموه بـ(ملحمة الخلق) التي ظهرت فيها نزعات نحو الأحادية في العبادية المختلفة عن عقيدة التوحيد المطلق. ان الإنسان في بلاد ما بين النهرين، يرى في الالهة بأنها مصدر كلِّ فعل كوني، وتوجَّه إليها متسائلاً عن سرِّ الخلود والحياة الأبدية. والبحث عن الخلود في الملاحم القديمة يدل على فكرة الاحادية لديهم رغم اعترافهم بحقيقة الموت والانبعاث وصراع الخير والشر. 

ازدهر مذهب الاحادية مع ظهور نظرية النشوء والارتقاء فعند هؤلاء نرى الحياة نشأة من مواد عضوية تفاعلت فيما بينها وكون اول حامض نووي او بروتوبلازم حي تطور الى كائنات بسيطة ثم تدرجت في التطور والتعقيد حتى اخر سلم وهرم التطور الانسان . مستندين على عدة ادلة لعل ما يهمنا في هذا الموضوع هو الحياة العقلية تزداد مع الكائن الحي وتزداد مهاراته وذكائه مع تطور المخ والجهاز العصبي لديهم. 

تُعارض نظرية الاحادية من خلال الراي القائل اذا كان ليس في الانسان سوى المادة او ان اصله المادة فاين موضع العقل من هذه المادة وكيف تجلى نشاطه الفكري وباي صورة كانت ؟

الفيلسوف فوجت يقول ان تأصل العقل بالمادة كتأصل المرارة بالكبد والبول من الكلية أي ان الفكر هو ما تفرزه المادة .

واخيرا يأتي الماديون الجدليون وعلى راسهم انجلر وماركس فيقولون ان العقل يعتمد على المادة لكنه المادة هي الاساس وما العقل الا وجود اخر يتميز بذاته لكنه خرج من المادة .

نرى من كل ما تقدم من البحوث والاقوال في المادة وغير المادة وفي النظرية الثنائية والنظرية الواحدية انها لم تكن موفقة بما فيه الكفاية بل عرضت تسلسل زمني لتطور الفكر البشري من هذه الناحية .السؤال الان من جديد من يحرك الاحداث التي سلجها ويسجها التاريخ .المادة ام العقل ,او المادية والروحية .

 

..... يتبع


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


معتصم الصالح
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/07/08



كتابة تعليق لموضوع : من يحرك التاريخ . العقل ام المادة.
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net