صفحة الكاتب : مكتب السيد عادل العلوي

الإستعداد للموت
مكتب السيد عادل العلوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 (إقرأ. فكّر. إعمل - 18 - الإستعداد للموت)

 
الاصول الأربعة في بناء الحیاة                
 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
الأصل الرابع الاستعداد للموت
 
قال‘: إن الله يحب التحیّي المتعفّف، ويبغض البذيّ السائل الملحف. (البحار: 71: 270). فمن يستحي أوّلاً من الله سبحانه، فإنّه مطلع عليه يراه ويسمعه ويعلم ما توسوس به نفسه وما تخفى الصدور ویعلم خيانة العيون، ويعلم السّر وأخفى. وثانياً: يستحي من نفسه، فإنه المؤمن العاقل من يحترم نفسه، فلا يهينها بالرذائل ومذام الأفعال، فمن لم يحترم نفسه كيف ينتظر من الناس أن يحترموه، بل احترم تحترم. وثالثاً: يستحي من الناس بل من الطبيعة أيضاً حتى من النباتات والحيوانات والجمادات، فإنها كلّها تسبّح بحمد لله ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾.
 
ورابعاً: يستحي من ملائكة الله، لا سيما من امیته والرقيب وممّن هو موكّل به، كما يستحي من الأنبياء  والأوصياء^ ومن القرآن الكريم والعترة الطاهرة محمد وآل محمد^، بل ويستحي من عين الله في خلقه، والشاهد عليه، يستحي من إمام زمانه وحجة الله على خلقه ﴿ وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾.
 
ومن عقائدنا في زيارة ائمتنا الأطهار^: (أشهد أنك تشهد مقامي وتسمع كلامي وتردّ سلامي) فمن كان عقيدة هذه كيف لا يستحي من ائمته المعصومين^ ومن إمام زمانه الحجة بن الحسن العسكري عجل الله فرجه الشريف.
 
ومن عرف وعلم يقيناً لاشك ولا شبهة ولا وهم ولا ظن فيه أن الله ورسوله والأئمة الأطهار وصاحب الزمان^ مطلعون عليه كيف لا يستحي؟ فاتق الله في الخلوات فإن الشاهد وهو الله سبحانه هو الحاكم، وأن أعمالنا تعرض على الرسول الأعظم محمد المصطفى وتعرض على الأئمة الهداة وعلى إمام زماننا ^، ولا سيما في عصر الأثنين وعصر الخميس كما ورد في الروايات المعتبرة.
 
اللهم إنا نعترف بذنوبنا وقلّة حيائنا، وقد عصيتك في الخلوات والجلوات لا لأنك أهون الناظرين، بل لأنك أرحم الراحمين، وخير الساترين، فخيرك إليّ نازل وشري إليك صاعد، فالحمد لله الذي يحلم عنّي حتى كأنّي لا ذنب لي، فربّي أحمدُ شيء عندي، وأحقّ بحمدي.. معرفتي يا مولاي دليل عليك، وحُبّي لك شفيعي إليك.. وإذا رأيتُ ذنوبي فزعتُ، وإذا رأيت كرمك طمعت، فإن عفوت فخير راحم، وإن عذّبت فغير ظالم. لا تؤاخذني بأسوء عملي فإنّ كرمك يجلُّ عن مجازاة المذنبين.. أي ربّ جلّلني بسترك، واعفُ عن توبيخي بكرم وجهك. فلو إطلّع اليوم على ذنبي غيرك ما فعلته، ولو خفت تعجيل العقوبة لأجتنبتُه،لا لأنك أهون الناظرين إليَّ وأخف المطّلعين عليّ، بل لأنك يا رب خير الساترين وأحكم الحاكمين وأكرم الأكرمين، ستار العيوب، غفّأر الذنوب، تستُر الذنب بكرمك، وتؤخر العقوبة بحلمك، فلك الحمد على حلمك بعد علمك، وعلى عفوك بعد قدرتك.. ويدعوني إلى قلّة الحياء سترك عليّ ويسرعني إلى التّوثب على محارمك معرفتي بسعة رحمتك وعظيم عفوك يا حليم ويا كريم ويا حي يا قيوم...).
 
إن الضلع الأخير في المربّع الصادقي الأصل الرابع في حياة مولانا الإمام الصادق× والذي بنى عليه أمره، هو الإستعداد للموت وللرّحلة الأبديّة، فكانت الأصول الثلاثة تتعلق بالمبدء وهو الله سبحانه وتعإلى، فالإجتهاد في العمل يستلزمه الإيمان بالله عز وجل، وكذلك الاطمئنان برزاقيّته والحياء منه جل جلاله. وأمّا الأصل الرابع فإنه يتعلق بالمعاد وبيوم القيامة، فإن الموت حلقة وصل بين الدّنيا والآخرة، وإنه إنتقال من عالم الطبيعة والحياة الحيوانية التي تقترن معها الموت إلى عالم الأبدية والخلود، والحياة السّرمدية التي لا موت فيها.
 
قال الإمام الصادق×: علمت أن آخر أمري الموت فاستعددت.قال الله سبحانه وتعإلى: ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ﴾ (الملك: 2). الموت وما أدراك ما الموت، إنه أكثر شيء يقيناً، ألا أنه أكثر شيء غفلةً، وأنه داهية من الدّواهي العظمى بل من كل داهية أشد وأدهى، فهو من الأهوال العظيمة والأخطار الجسيمة.
 
(فمن علم أن الموت مصرعه، والتراب مضجعه، والقبر مقرّه، وبطن الأرض مستقّره، والدود أنيسه، والعقارب والحيّات جليسه، فجدير أن تطول حسرته، وتدوم عبرته، وتنحصر فيه فكرته، وتعظم بليته، وتشتد لأجله رزيته، ويرى نفسه في أصحاب القبور، ويعدّها من الأموات، إذ كل ما هو آت قريب، والبعيد ما ليس بآت، وحقيق ألّا يكون ذكره وفكره وغمّه وهمّه وقوله وفعله وسعيه وجدّه ألّا فيه وله) ( )، ولما بعده من البرزخ والمحشر ويوم القيامة، وأما الجنة والنعيم أو النّار والجحيم، وما كان آخره الموت فلماذا الغفلة والسّهو والنسيان؟ وكيف لا يستعدّ له؟! عجباً لأناس وقوم نسوا الموت وغفلوا عنه، وهو أظهر اليقينيات، وأكبر القطعيات، وأسرع الأشياء إلى بني آدم، ومن أعظم الحقائق في العالم. 1ـ قال الله سبحانه وتعإلى: ﴿ أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمْ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ﴾. (النساء: 77).
 
2 ـ ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾. (آل عمران: 185). 3 ـ ﴿ قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمْ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ (آل عمران: 168).
 
4 ـ ﴿ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ ﴾ (يونس: 104).
 
5 ـ ﴿ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ ﴾ (النحل: 70).
 
6 ـ ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ (الأنبياء: 35).
 
7 ـ ﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ  الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ﴾ (الزمر: 42).
 
8 ـ ﴿ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ﴾ (ق: 19).
 
9 ـ ﴿ نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمْ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ﴾ (الواقعة: 60).
 
10ـ ﴿ قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ (الجمعة: 8).
 
الأخبار الشريفة: إن ذكر الموت يقصّر طول الأمل المذموم، ويوجب الاستعداد له ولما بعده، والتجافي عن دار الغرور والاستعداد لدار الخلود، وقد ورد في فضيلته والترغيب فيه أخبار كثيرة.
 
1 ـ قال رسول الله‘: أكثروا ذكر هادم اللذّات، قيل: وما هو يا رسول الله؟ قال: الموت، فما ذكره عبد على الحقيقة في منة إلّا ضاقت عليه الدنيا، ولا في شدّة إلّا اتسعت عليه.
 
2 ـ وقال‘: تحفة المؤمن الموت.
 
3 ـ وقال‘: (أكثر من ذكر الموت، فإنه يمحّص الذنوب، ويزهد في الدنيا) (كفى بالموت واعظاً) (الموت الموت، إلّا ولا بدّ من الموت، جار الموت بما فيه، جاء بالروح والراحة والكرّة ـ أي الرجوع ـ المباركة إلى جنة عالية لأهل دار الخلود الذين كان لها سعيهم وفيها رغبتهم). 4 ـ وقال‘: إذا استحقت ولاية الله والسعادة، جاء الأجل بين العينين، وذهب الأمل وراء الظهر، وإذا استحقّت ولاية الشيطان والشقاوة ـ لمن تبعه إختیاراً ـ جاء الأمل ـ المذموم ـ بين العينين، وذهب الأجل وراء الظهر.
 
5 ـ قيل لرسول الله‘: هل يحشر مع الشهداء أحد؟ قال: نعم من يذكر الموت في اليوم والسنة، عشرين مرّة. 6 ـ وسُئل أي المؤمنين أكيس وأكرم؟ فقال‘: أكثرهم ذكراً للموت، وأشدّهم استعداداً، أولئك هم الأكياس، ذهبوا بشرف الدنيا وكرامة الآخرة.
 
7 ـ وقال‘: لو أن البهائم يعلمون ما تعلمون، ما أكلتم منها سميناً.
 
8ـ وقال‘: لقوم يتحدّثون ويضحكون: اذكروا الموت، أما والذي نفسي بيده! لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً.
 
9 ـ ومرّ‘ بمجلس قد استعلاه الضحك، فقال: شوبوا ـ أي اخلطوا ـ مجلسكم بذكر مكدّر اللذات، قالوا: وما مكدّر اللذات؟ قال: الموت. وما أروع ما يقوله المحقق النراقي في كتابه القيّم جامع السعادات: (3: 42).
 
(ثم غفلة الناس عن الموت لقلّة فكرهم فيه وذكرهم له، ومن يذكره ليس يذكره بقلب فارغ، بل بقلب مشغول بشهوات الدنيا وعلائقها، فلا ينفع ذكره في قلبه).
 
فالطريق فيه: أن يفرغ القلب عن كلّ شيء إلا عن ذكر الموت الذي بين يديه، كالذي يريد أن يسافر إلى بلدٍ بعيد ما بينهما مفازة ـ صحراء ـ مخطرة ـ خطيرة ـ أو بحر عظيم لابد أن يركبه، فإنه لا يتفكر إلّا فيه، ومن تفكّر في الموت بهذا الطريق وتكرّر منه ذلك، لأثر ذكره في قلبه، وعند ذلك يقلّ فرحه وسروره بالدنيا، وتتزجر نفسه عنها، وينكسر قلبه، ويستعد لأجله.
 
وأوقع طريق فيه: أن يكثر ذكر أقرانه الذين مضوا قبله، ونقلوا من أنس العشرة إلى وحشة الوحدة، ومن ضياء المهود إلى ظلمة اللّحود، ومن ملاعبة الجواري والغلمان ـ الزوجات والأولاد ـ إلى مصاحبة الهوام والديدان، ويتذكّر مصرعهم تحت التراب، ويتذكّر صورهم في مناصبهم وأحوالهم، ثم يتفكّر كيف محى التراب الآن حسن صورتهم، وكيف تبددّت أجزاؤهم في قبورهم، وكيف أرملوا نساءهم وأيتموا أولادهم وضيعّوا أموالهم، وخلت منهم مساكنهم ومجالسهم، وانقطعت آثارهم، وأوحشت ديارهم، فمهما تذكر رجلاً رجلاً ـ بل وتذكر النساء والأطفال ممن كان يعرفهم من اُسرته وأقرباءه  وجيرانه وأصدقاءه وأهل محلته وبلدته ـ وفصّل في قلبه حاله وكيفية حياته، وتوهّم صورته، وتذكّر نشاطه وأمله في العيش والبقاء، ونسيانه للموت، وانخداعه بمؤثثات الأسباب، وركونه إلى القوة والشباب، وميله إلى الضحك واللّهو، وغفلته عما بين يديه من الموت الذريع والهلاك السريع، وأنه كيف كان يتردد، والآن قد تهدمت رجلاه وتقطعت مفاصله، وكيف كان ينطق، قد أكل الدود لسانه، وكيف كان يضحك وقد أكل التراب أسنانه، وكيف دبّر لنفسه الأمور، وجمع من حطام الدنيا ما لا يتفق احتياجه إليه على مرّ الأعوام والشهور، وكرّ الأزمنة والدّهور، ثم يتأمل أنّه مثلهم، وغفلته كغفلتهم، وسيصير حاله في القبر كحالهم، فملازمة هذه الأفكار وأمثالها، مع دخول المقابر وزيارة الأموات وتشييع الجنائز ومشاهدة المرضى، فإنه يذكر الموت في قلبه، حتى يغلب عليه حتى يكون الموت نصب عينيه، عند ذلك ربّما يستعد للموت ويتجافى عن دار الغرور ـ كما كان الإمام زين العابدين يدعو الله في سجوده: (اللهم ارزقني التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والاستعداد للموت قبل حلول الموت) ـ وأمّا الذكر بظاهر القلب وعذبة اللسان، فإنه قليل الجدوى والنفع في التنبيه والإيقاظ، ومهما طاب قلبه بشيء من أسباب الدنيا وحطامها وزخارفها، فينبغي أن يتذكّر في الحال أنّه لابد من مفارقته وقال جبرئيل الأمين لرسول الله لما طلب منه الموعظة: عش ما شئت فإنك ميت، واعمل ما شئت فإنك ملاقيه، وأحبب ما شئت فإنك مفارقه ـ كما نقل: أن بعض الأكابر نظر يوماً إلى داره فأعجبه حسنها، فبكى وقال: والله لولا الموت لكنت بها مسروراً).
 
10ـ قال رسول الله‘: أفضل الزهد في الدنيا ذكر الموت، وأفضل العبادة ذكر الموت، وافضل التفكّر ذكر الموت، فمن أثقله ذكر الموت وجد قبره روضة من رياض الجنة. (جامع الأخبار: 165).
 
وللكلام صلة إن شاء الله...
 
11ـ قال أمير المؤمنين علي×: أولستم ترون أهل الدنيا يُمسون ويصبحون على أحوال شتّى، فميّت يُبكى، وآخر يعزّى، وصريع مُبتلى، وعائد يعوده، وآخر بنفسه يجود، وطالب للدنيا والموت يطلبه، وغافل وليس بمغفول عنه، وعلى أثر الماضي ما يمضي الباقي!! ألا فأذكروا هادم اللّذات، ومنغّص الشهوات، وقاطع الأمنّيات، عند المساورة للأعمال القبيحة، واستعينوا الله على أداء واجب حقّه، وما لا يحصى من أعداد  نعمه وإحسانه (نهج البلاغة: 292 خ 98).
 
12ـ وقال×: فإن الموت هادم لذّاتكم، ومكدّر شهواتكم، ومباعد طيّاتكم... فعليكم بالجدّ والإجتهاد، والتأهب والاستعداد، والتزوّد في منزل الزاد، ولا تغرّنكم الحياة الدنيا كما غرّت من كان قبلكم من الأمم الماضية والقرون الخالية. (نهج البلاغة: خ221).
 
13ـ وقال×: وأوصيكم بذكر الموت وإتلال الغفلة عنه، وكيف غفلتكم عمّا ليس يُغفلكم، وطمعكم فيمن ليس يمهلكم؟! فكفى واعظاً بموتى عاينتموهم، حُملوا إلى قبورهم غِرر البين، وأنزلوا فيها غير نازلين، فكأنهم لم يكونوا للدنيا عُمّاراً، وكأنّ الآخرة لم تزل لهم داراً. (نهج البلاغة: خ: 230).
 
14ـ وقال×: وعجبت لمن نسى الموت وهو يرى من يموت. (نهج البلاغة: خ121).
 
15ـ وقال×: في وصية لولده الإمام الحسن×: وأنك طريد الموت الذي لا ينجو منه هاربه، ولا يفوته طالبه، ولابدّ أنه مدركه، فكن منه على حَذر أن يدركك وأنت على حال سيئة قد كنت تُحّدث نفسك منها بالتوبة، فيحول بينك وبين ذلك، فإذا أنت قد أهلكت نفسك.
 
يا بنيّ، أكثر من ذكر الموت وذكر ما تهجم عليه، وتُفضي بعد الموت إليه، حتى يأتيك وقد أخذت منه حِذَرك، وشددت له أزرك، ولا يأتيك فيبهرك: (نهج البلاغة: خ31).
 
أجل:
 
يا من بدنياه اشتغل
 
    قد غرّه طول الأمل
 
 
 
 
الموت يأتي بغتةً
 
    والقبر صندوق العمل
 
 
 
 
16ـ قال×: من ارتقب الموت سارع في الخيرات.
 
وهذا من علائم من يستعد للموت، فإنه يسارع إلى الخيرات ويتسابق في الأعمال الصالحة، ويقضي ما وجب عليه من الفرائض الدينية والواجبات الإجتماعية، ويقدم لآخرته، فما قدمّه وما عند الله فهو الباق وما عندنا فهو النافذ ويفنى.
 
17ـ عن الإمام الحسن العسكري× عن آبائه^ قال: قيل لأمير المؤمنين×: ما الاستعداد للموت؟ قال: أداء الفرائض واجتناب المحارم، والاشتمال على المكارم، ثم لا يبالي أن دفع على الموت أو الموت وقع عليه، والله لا يبالي إبن أبي طالب أن وقع على الموت أو الموت وقع عليه. (العيون: 1: 232).
 
18ـ عن الصادق عن أبيه× قال: أتى النبي‘ رجل فقال: مالي لا أحبّ الموت؟ فقال له: ألك مال؟ قال: نعم، قال: فقدّمته؟ قال: لا، قال: فمن ثَمَّ لا تحب الموت. (البحار: 6: 127).
 
19ـ وقال رجل للإمام الحسن ×: يابن رسول الله، ما بالنا نكره الموت ولا نحبّه؟ قال×: إنكّم أخربتم آخرتكم وعمّرتم دنياكم، فأنتم تكرهون النقلة من العمران إلى الخراب. (البحار: 6:129).
 
20ـ عن عبد الله بن سنان عن الإمام الصادق أبي عبد الله× قال: جاء رجل إلى أبي ذر& فقال: يا أبا ذر، ما لنا نكره الموت؟ فقال: لأنكّم عمّرتم الدنيا، وأخربتم الآخرة، فتكرهون أن تنقلوا من عمران إلى خراب.
 
فقال له: فكيف ترى قدومنا على الله؟ فقال: أمّا المحسن منكم فكالغائب يقدم على أهله، وأما المسيء منكم فكالأبق يُردّ على مولاه، قال: فكيف ترى حالنا عند الله؟ قال: أعرضوا أعمالكم على الكتاب، إن الله يقول: ﴿إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ﴾ (الإنفطار: 13 و14).
 
قال: فقال الرجل: فأين رحمة الله؟ قال: رحمت الله قريب من المحسنين (الاعراف: 56).(الكافي: 2: 331).
 
21ـ قال سيد الشهداء لأصحابه في يوم عاشوراء: صبراً بني الكرام، فما الموت إلّا قنطرة تعبر بكم عن البؤس والضرّاء إلى الجنان الواسعة والنعيم الدائم، فأيكّم يكره أن ينتقل من سجن إلى قصر، وما هو لأعدائكم إلّا كمن ينتقل من قصر إلى سجن وعذاب.
 
إنّ أبي حدّثني عن رسول الله‘: إنّ الدّنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر، والموت جسر هؤلاء إلى جنّاتهم، وجسر هؤلاء إلى جحيمهم، ما كذبتُ لاكُذّب. (معاني الأخبار: 274).
 
فالموت جسر وقنطرة، ينتقل الإنسان بها من عالم إلى آخر، وما الموت إلّا حلته وصل بين الدنيا والآخرة، فإنه آخر منازل الدنيا وأوّل منازل الآخرة، وأنه ليختلف حقيقته بإختلاف حال الميّت، فكيف كان يعيش في دنياه كان موته.
 
22ـ قيل للإمام اصادق×: صف لنا الموت، فقال للمؤمن كأطيب ريح يشمّه فينعش لطيبه، وينقطع التعب والألم كلّه عنه، وللكافر كلسع الأفاعي ولدغ العقارب أو أشدّ.
 
قيل: فإنّ قوماً يقولون: إنه أشدّ من نشر المناشير، وقرض بالمقاريض، ورضخ بالأحجار، وتدوير فطب الأرحية في الأحداق.
 
قال: فهو كذلك هو على بعض الكافرين والفاجرين، ألا ترون منهم من يعاين تلك الشدائد فذاكم الذي هو أشدّ من هذا، إلّا من عذاب الآخرة، فهذا أشدّ من عذاب الدنيا...) (معاني الأخبار: 272).
 
23ـ عن الإمام الجواد× عن آباءه^ قال: قيل لأمير المؤمنين×: صف لنا الموت.
 
فقال: على الخبير سقطتم، هو أحد ثلاثة أمور يرد عليه: إما بشارة بنعيم الأبد، وإمّا بشارة بعذاب الأبد، وإمّا تحزين وتهويل، وأمره مبهم يدري من أي الفرق هو.
 
فأمّا وليّنا المطيع لأمرنا، فهو المبشر بنعيم الأبد. وأمّا عدّونا المخالف علينا فهو المبشّر بعذاب الأبد، وأمّا المبهم أمره الذي لا يدري ما حاله، فهو المؤمن المسرف على نفسه لا يدري ما يؤول إليه حاله، يأتيه الخبر مبهماً مخوفاً، ثم سن يسوّيه الله عز وجل بأعدائنا، لكن يخرجه من النّار بشفاعتنا، فاعملوا وأطيعوا، لا تتكلوا ولا تستصغروا عقوبة الله عز وجل، فإنّ من المسرفين من لا تلحقه شفاعتنا إلّا بعد عذاب ثلاثماة ألف سنة.(معاني الأخبار: 273 ح2).
 
24ـ وسئل الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب×: ما الموت الذي جهلوه؟ قال: أعظم سرور يرد على المؤمنين إذا نقلوا عن دار النكّد إلى نعيم الأبد، وأعظم ثبور رد على الكافرين إذا نقلوا عن جنتّهم إلى نار لا تبيد ولا تنفد.(معاني الأخبار: 274).
 
فالموت راحة المؤمن لأنه استعد له من قبل، فيعلم أنه يقدم على لقاء ربه برحمته الواسعة وثوابه الجزيل وأجره الكبير وجنته التي عرضها السموات والأرض في ظلّ عرشه، في مقعد صدق مع الأبرار المقرّبين محمد وآله الطاهرين.
 
25ـ قال الإمام محمد بن علي×: قيل لعلي بن الحسين÷: ما الموت؟ قال: للمؤمن كنزع ثياب وسخة قملة وفكّ قيود وأغلال ثقيلة، والاستبدال بأفخر الثياب وأطيبها روائح وأوطئ المراكب، وآنس المنازل، وللكافر كخلع ثياب فاخرة، والنقل عن منازل أنيسة، والاستبدال بأوسخ الثياب وأخشنها وأوحش المنازل وأعظم العذاب. (معاني الأخبار: 274).
 
26ـ وقيل محمد بن علي÷ ما الموت؟ قال: هو النوم الذي يأتيكم كلّ ليلة، ألا أنه طويل مدّته لا ينتبه منه إلّا يوم القيامة، فمن رأى في نومه من أصناف الفرح ما لا يقادر قدره، ومن أصناف الأهوال ما لا يقادر قدره؟ فكيف حال فرح في النوم ووجل فيه؟ هذا هو الموت فاستعدّوا له. (معاني الأخبار: 275).
 
27ـ عن الحسن بن علي عن أبيه عن محمد بن علي عن أبيه^ قال: دخل موسى بن جعفر÷ على رجل قد غرق في سكرات الموت، وهو لا يجيب داعياً، فقالوا له: يابن رسول الله، وددنا لو عرفنا كيف الموت وكيف حال صاحبنا؟ فقال×: الموت هو المصفّاة يصفي المؤمنين من ذنوبهم، فيكون آخر ألم يصيبهم كفّارة آخر وزر بقي عليهم، ويصفّي الكافرين من حسناتهم، فيكون آخر لذّة أو راحة تلحقهم، وهو آخر ثواب حسنة تكون لهم، وأما صاحبكم هذا فقد نخل من الذنوب نخلاً، وصفّى من الآثام تصفية، وخُلص حتى بقي كما ينقى الثوب من الوسخ، وصلح لمعاشرتنا أهل البيت في دارنا دار الأبد. (معاني الأخبار: 275).
 
28ـ وعن الإمام الحسن بن علي العسكري× قال: دخل علي بن محمد÷ على مريض من أصحابه وهو يبكي وتجزع من الموت، فقال له: يا عبد الله تخاف من الموت لأنك لا تعرفه، أرايتك إذا اتسخت وتقذّرتَ وتأذيت من كثرة القذر والوسخ عليك وأصابك قروح وجرب، وعلمت أنّ الغسل في حمّام يزيل ذلك كلّه، أما تريد أن تدخله فتغسل ذلك عنك؟ أو تكره أن تدخله فيبقى ذلك عليك؟ قال: بلى يابن رسول الله، قال: فذاك الموت هو ذلك الحمّام وهو آخر ما بقي عليك من تمحيص ذنوبك وتنقيتك من سيئاتك، فإذا أنت وردت عليه، وجاوزته، فقد نجوت من كلّ غمّ وهمّ وأذى، ووصلت إلى كلّ سرور وفرح، فسكن الرّجل واستسلم ونشط وغمّض عين نفسه ومض لسبيله. (معاني الأخبار: 276).
 
أقول بهذه الروايات الشريفة من أهل بيت الطهارة والعصمة عرفنا إجمالاً ما هو الموت وكيف يكون للمؤمن ولغيره من الكافرين والفاسقين والمنافقين، فلابد من الاستعداد له وفيه، وما وراءه من البرزخ إلى يوم يبعثون. فالموت ريحانة وتحفة المؤمن، لأنه يعلم ما في سكرات الموت من المخاطر والمهالك، فيستعدّ لذلك.
 
29ـ عن الإمام الصادق× قال: من أحبّ أن يخفّف الله عز وجل عنه سكرات الموت، فليكن لقرابته وصولاً، وبوالديه بارّاً، فإذا كان كذلك هوّن الله عليه سكرات الموت، ولم يصبه في حياته فقراً أبداً. (البحار: 74: 66)
 
30ـ عن رسول الله‘ قال: ما بين العبد وبين الجنّة مأتا أكف هول، أهونهن الموت، وتسعون ألف ضربة بالسيف أهون من جذبة من جذبات الموت، فمن قال هذه العشر كلمات، كفاه الله من تلك الأهوال كلّها بفضله ورحمته.
 
(بسم الله الرحمن الرحيم، أعددتُ لكل هولٍ ألقاه في الدنيا والآخرة، لا إله إلّا الله محمد رسول الله. ولكلّ هم وغمّ ما شاء الله، ولكلّ نعمة الحمد لله، ولكلّ شدّة ورخاء الشّكر لله، ولكلّ ذنب استغفر الله، ولكلّ أعجوبة سبحان الله، ولكلّ ضيق حسبي الله، ولكلّ مصيبة إنا لله وإنا إليه راجعون، ولكلّ قضاء وقدر توكلّت على الله، ولكلّ طاتعة ومعصية لا حول ولا قوة إلّا بالله العليّ العظيم 0المخلاة للشيخ البهائي: 173 عنه ينابيع الحكمة: 5: 62).
 
ونقله الكفعمي& في المصباح (ص82) والبعد الأمين (عنه العلامة المجلسي& في البحار (ج87 ص47 ح8) والمحدث القمي& في الباقيات الصالحات في هامش مفاتيح الجنان، وفي سفينة البحار (قبر) مع إختلاف يسير، وفي صوره: من قال هذه الكلمات في كلّ يوم عشراً غفر الله تعإلى به أربعة آلاف كبيرة، ووقاه من شرّ الموت، وضغطة القبر والنشور والحساب، والأهوال كلّها، وهو مأة ألف هول أهونها الموت، ووقي من شرّ إبليس وجنوده، وقضي دينه، وكشف همّه وغمّه، فرّج كربه.
 
31ـ وأخيراً وليس بآخر عن مولانا أمير المؤمنين علي× في غرر حكمه: (الموت مفارقة دار الفناء، وإرتحال إلى دار البقاء) (إن في الموت لراحةً لمن كان عبد شهوته وأسير أهويته، لأنّه كلمّا طالت حياته كثرت سيئاته، وعظمت على نفسه جناياته) إنّك لن يغني عنك بعد الموت إلّا صالح عمل قدمته، فتزودّ من صالح العمل) (شوّقوا أنفسكم إلى نعيم الجنة تحبّوا الموت وتمقتوا الحياة) (في كلّ وقت موت) (غائب الموت أحق منتظر وأقرب قادم) (في الموت راحة السعداء ـ في الدنيا راحة الاشقياء) (من رأى الموت بعين يقينه رآه قريباً) (ما أقرب الحياة من الموت) (ما أقرب الحيّ من الميت للحاقه به) (لا قادم أقرب من الموت) (إزهد في الدنيا واعزف عنها، وإيّاك أن ينزل بك الموت وأنت آبق من ربك في طلبها فتشقى) أدم ذكر الموت، وذكر ما تقدم عليه بعد الموت، ولا تتمّن الموت إلّا بشرط وثيق) (استعدوا للموت فقد اظلكّم) (استعدوا ليوم تشخص فيه الأبصار) (أحذر الموت وأحسن له الاستعداد تَسعد بمنقلبك) (إنّ ذهاب الذاهبين لَعبرة للقوم المتخلّفين) (إن المرء إذا هلك، قال الناس: ما ترك، وقالت الملائكة: ما قدّم، لله آباؤكم فقدموا بعضاً يكن لكم ذخراً، ولا تخلّفوا كُلّاً فيكون عليكم كلّاَ) (إن العاقل ينبغي أن يحذر الموت في هذه الدار، ويُحسن له التأهب، قبل أن يصل غلى دار يتمنى فيها الموت فلا يجده) (إنك لن يغني عنك بعد الموت إلّا صالح عمل قدّمته، فتزوّد من صالح العمل) (إذا كان هجوم الموت لا يؤمن، فمنَ العجز ترك التأهب له).
 
(تارك التأهب للموت واغتنام المَهَل غافل عن هجوم الأجل) (ترحّلوا فقد جُدَّ بكم، واستعدوا للموت فقد أظلكم) (ذكر الموت يهون أسباب الدنيا) (عجبت، لمن يرى أنّه ينقص كلّ يوم في نفسه وعمره وهو لا يتأهب للموت) (كيف تنسى الموت وآثاره يُذكّرك) (ما أنزل الموت منزله من عدّ عداً من أجله).
 
(ما أنفع الموت لمن أشعر الإيمان والتقوى قلبه) (من ترقب الموت سارع إلى الخيرات) (من أكثر من ذكر الموت نجا من خِداع الدنيا) (من صورَ الموت بين عينيه هان أمر الدنيا عليه) (من أكثر من ذكر الموت قلت في الدنيا رغبته) (من أكثر ذكر الموت رضي من الدنيا بالكفاف) (من استعدّ لسفره قرّ عيناً بحضره) (ينابيع الحكمة: 5: 75 ـ 77).
 
ألَا فاستعدّوا للموت قبل حلوله تقرّ عيونكم ثم من ائتن أنّ آخر أمره وحياته وعمره الموت كيف لا يستعد له ولما بعده وما فيه من الأهوال في حياته، ويقدم بوظائفه وبالأعمال الصالحة، وبطاعة الله ورسوله وأهل البيت^، ويسارع إلى الخيرات والحسنات فتراه عُنصراً فعالاً في المجتمع ويكون كالشمس الطّالعة للبّر والفاجر، فيصل خيره وإحسانه وبركاته إلى الناس جميعاً، مع رعاية الأقرب فالأقرب، فإنّ الأقربين أولى بالمعروف.
 
ولاشكّ أنّ من التّصوّر الخاطئ والفهم السقيم أن يتصور أنّ ذكر الموت يوجب البؤس والإنعزال والكسل والعُقد النّفسية واليأس والخمول، بل من علم أنّ الدنيا مزرعة الآخرة، ومتجر أولياء الله ومسجد عباد الله، فإنه يزداد نشاطاً وشوقاً وحيويةً وقوةً وحولاً ليُقدّم الأكثر والأفضل والأكمل والأتم ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلّا من أتى الله بقلب سليم وبنفس مطمئنة. ومن ثم تجد العلماء والمراجع العظام أكثر خدمةً للدين والمذهب للأمة والناس جميعاً لإيمانهم بالمبدء والمعاد، ويقيهم بالموت وما بعده فيستعدون له غاية الإستعداد.
 
وفي الختام، قال الله الحكيم في محكم كتابه ﴿ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ ﴾ (الفرقان: 77) وفي الأخبار الشريفة: الدّعاء مخ العبادة ومفتاح مقاليد السماوات والأرض، ومفتاح كل صلاح وفلاح، وسلاح الأنبياء والمؤمنين والمؤمنات وكمال الإنقطاع إلى الله سبحانه، فطوبى للدّاعين بنوايا صادقة وقلوب مخلصة وأرواح صافية، اللهم اجعلنا منهم آمين.
 
جاء في دعاء أبي حمزة الثمالي عن مولانا زين العابدين × في أدعية سحر شهر رمضان المبارك:
 
(سيدي أخرج حبّ الدّنيا من قلبي، واجمع بيني وبين المصطفى وآله خيرتك من خلقك، وخاتم النبيين‘، وانقلن إلى درجة التوبة إليك، وأعنّي بالبُكاء على نفسي، فقد أفنيت بالتسويف والآمال عمري، وقد نزلتُ منزلة الآيسين من خيري ـ من حياتي ـ فمن يكون أسوأ حالاً مني إن أنا نقلتُ على مثل حالي إلى قبري لم أمّهد لرقدتي، ولم أفرشه بالعمل الصالح لضجعتي؟ ومالي لا أبكي ولا أدري إلى ما يكون مصيري، وأرى نفسي تخادعني، وأيّامي تُخايلُني، وقد خففت عند أسي أجنحة الموت؟ فمالي لا أبكي، أبكي لخروج نفسي،أبكي لظلمة قبري، أبكي لضيق لحدي، أبكي لسؤال منكر ونكير إيّاي، أبكي لخروجي من قبري عرياناً ذليلاً، حاملاً ثقلي على ظهري، أنظر مرة عن يميني وأخرى عن شمالي، إذ الخلائق في شأن غير شأني، لكل أمري منهم يومئذ شأن يغنيه، وجوه يومئذ مُسفرة ضاحكة مستشبرة، ووجوه يومئذٍ عليها غبرة ترهقها قترة وذلّة سيدي عليك معولّي ومعتمدي ورجائي وتوكلّي..).
 
(إلهي إن كان قد دنا أجلي ولم يقرّبني منك عملي، فقد جعلت الاعتراف إليك بذنبي وسائل علِلَي، إلهي إن عفوت فمن أولى منك بالعفو؟ وإن عذّبت فمن أعدل منك في الحُكم؟ إرحم في هذه الدنيا غربتي، وعند الموت كربتي، وفي القبر وحدتي، وفي اللّحد وحشتي، وإذا نشرت للحساب بين يديك ذُلّ موقفي، واغفر لي ما خفي على الآدميين من عملي، وأدِم لي ما به سترتني، وارحمني صريعاً على الفراش تقلبُهما أيدي أحبتي وتفصل على ممدوداً على المغتَسَل يقلبني ـ يغسّلني ـ صالح جيرتي، وتحنّن عليّ محمولاً قد تناول الأقرباء أطراف جنازتي، وجُد عليّ منقولاً قد نزلتُ بك وحيداً في حفرتي، وارحم في ذلك البيت الجديد غربتي، حتى لا أستأنس بغيرك...).
 
(أسألك يا رب من الخير كُلّه ما علمت منه وما لم أعلم، أسألك اللهم من خير ما سألك منه عبادك الصالحون) يا خير من سُئل، وأجود من اُعطي، أعطني سُؤلي في نفسي وأهلي ووالدتي ووُلدي وأهل خُزانتي واخواني فيك، وأرغد عيشي، وأظهر مروّتي، وأصلح جميع أحوالي، وإجعلني ممّن أطلت عمره، وحسنّت عمله، وأتممت عليه نعمتك، ورضيت عنه، وأحييته حياة طيبة في أدوم السّرور، وأسبغ الكرامة، وأتّم العيش، إنك تفعل ما تشاء ولا يفعل ما يشاء غيرك، اللّهم خصّني منك بخاصة ذكرك، ولا تجعل شيئاً ممّا أتقرب به في آناء الليل وأطراف النهار رياءً ولا سمعةً ولا أشراً ولا بَطَراً، وإجعلني لك من الخاشعين، اللّهم أعطني السّعة في الرزق، والأمن في الوطن، وقرّة العين في الأهل والمال والوَلَد، والمُقام في نعمك عندي، والصحة في الجسم، والقّوة في البدن، والسّلامة في الدين، واستعملني بطاعتك وطاعة رسولك محمد‘ أبداً ما استعمرتني، واجعلني من أوفر عبادك نصيباً في كلّ خير أنزلته وتُنزله في شهر رمضان في ليلة القدر، وما أنت منزله في كل سنة من رحمة تنشرها، وعافية تُلبسها، وبلية تدفعها، وحسنات تتقبّلها، وسيئات تتجاوز عنها، وارزقني حج بيتك الحرام في عامنا هذا وفي كلّ عام، وارزقني رزقاً واسعاً من فضلك الواسع، واصرف عني يا سيدي الأسواء واقض عنّي الدّين والظُلمات حتى لا أتاذّى شيء منه، وخذ عني بأسماع وأبصار أعدائي وحُسّادي والباغين عليّ، وانصرني عليهم، وأقرّ عيني وحقق ظنّي، وفرّح قلبي، وأجعل لي من همّي وكربي فرجاً ومخرجاً، واجعل من أرادني بسوءٍ من جميع خلقك تحت قدَمَّي، واكفني شرّ الشيطان وشرّ السلطان، وسيئات عملي، وطهّرني من الذنوب كلّها، وأجرني من النّار بعفوك، وأدخلني الجنة برحمتك، وزوّجّني من الحور العين بفضلك، وألحقني بأوليائك الصالحين محمد وآله الأبرار الطيبين الطاهرين الأخيار صلواتك عليهم وعلى أجسادهم وأرواحهم ورحمة الله وبركاته...) وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مكتب السيد عادل العلوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/07/03



كتابة تعليق لموضوع : الإستعداد للموت
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net